على وقع تصفيق وهتافات متراوحة بين التشجيع والاستهجان، وقف الرئيس الأميركي جو بايدن أمام الكونغرس بمجلسيه ليلقي خطاب حال الاتحاد الأخير له قبل الانتخابات الرئاسية.
خطاب مصيري بكل معنى الكلمة، يعول عليه بايدن لكسب دعم الناخب الأميركي المتردد بسبب كبر سنه وأدائه وسياساته المثيرة للجدل من الهجرة، مروراً بأوكرانيا ووصولاً إلى حرب غزة. وقد ذكر كل هذه الملفات بالتفصيل، أمام جمهور كبير من المشرعين وأعضاء إدارته وقضاة المحكمة العليا. فخاطب الأميركيين عبر الشاشات، عارضاً حلولاً من ناحية، وملقياً باللوم على الحزب الجمهوري ومنافسه دونالد ترمب من جهة أخرى..
يستعرض تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، أهمية توقيت الخطاب بعد «الثلاثاء الكبير»، وانعكاساته على الانتخابات الأميركية، بالإضافة إلى حظوظ بايدن بانتزاع ثقة الناخبين بمواجهة ترمب.
حرب غزة
في ظل الاعتراضات المتزايدة لسياسة بايدن تجاه إسرائيل، والتي انعكست بشكل واضح على الانتخابات التمهيدية في ولايات مثل ميشيغان ومينيسوتا، حيث صوتت شريحة كبيرة من الديمقراطيين لصالح «عدم الالتزام»، سعى بايدن جاهداً لاسترضاء هؤلاء الناخبين وبعض من أعضاء حزبه الذين كثفوا في الأيام الأخيرة من دعواتهم له بالضغط على إسرائيل وتغيير موقفه حيال حرب غزة.
وفي هذا السياق أعلن بايدن عن نيته إنشاء ميناء في غزة لإيصال المساعدات، داعياً إسرائيل إلى السماح بإدخال المزيد من المساعدات، ومشدداً على أن «الحل الحقيقي الوحيد هو حل الدولتين».
ويتحدث هاورد دين، حاكم ولاية فيرمونت السابق ومدير اللجنة الديمقراطية سابقاً والمرشح الرئاسي الديمقراطي لعام 2004، عن هذا التغيير في لهجة بايدن، فيشير إلى أن حجب الناخبين للأصوات في ولايتي ميشيغان ومينيسوتا ساعد كثيراً؛ «لأنه سيغير طبيعة العلاقة في الحزب الديمقراطي فيما يتعلق بالفلسطينيين والإسرائيليين».
وذكّر دين بموقفه السابق في عام 2004 خلال خوضه السباق الرئاسي، فقال: «لقد ناديت بالإنصاف في سياساتنا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعرّضت للسخرية بسبب ذلك. اليوم، هذا ما يطالب به الشباب». وتابع دين مشدداً على أهمية حل الدولتين: «بقدر ما تستحق إسرائيل أن يكون لها دولة والحق في الوجود، فالأمر ينطبق أيضاً على الفلسطينيين». وأكد دين أن الرئيس الحالي بدأ فعلاً بتغيير موقفه، وفسر: «عندما طالبت كامالا هاريس منذ أسبوع تقريباً بوقف إطلاق نار غير مشروط، أصبت بدهشة كبيرة. لم تكن لتقول ذلك أبداً لو لم يمنحها بايدن الإذن، فهي نائبة الرئيس وليست الرئيسة. ولا تصنع سياساتها الخاصة».
تمويل أوكرانيا
على غير عادة، بدأ بايدن خطابه بالسياسة الخارجية، تحديداً من أوكرانيا. فدعا الكونغرس إلى إقرار حزمة المساعدات العالقة هناك، وقال: «إذا كان أي أحد موجود في هذه الغرفة يظن بأن بوتين سوف يتوقف في أوكرانيا، أؤكد لكم أنه لن يفعل ذلك».
لكن بريتاني مارتينيز، مديرة الاتصالات السابقة لرئيس مجلس النواب السابق كيفين مكارثي، تشكك في احتمالات إقرار مجلس النواب لحزمة المساعدات هذه، مشيرة إلى انصياع رئيس المجلس الحالي مايك جونسون لعدد قليل من أعضاء المجلس اليمينيين الذين تمكنوا من خلع مكارثي.
وأوضحت: «الحزب الجمهوري ليس بحالة جيدة على الإطلاق، خصوصاً في مجلس النواب. رأينا بكل وضوح نقصاً في الهيكلية والقيادة في مكتب رئيس مجلس النواب. ومع احترامي لرئيس المجلس جونسون، فهو لا يملك الخبرة السياسية التي كان يملكها رئيس المجلس السابق مكارثي».
لكن بو روثتشايلد، مدير التنسيق السابق للجمهوريين في مجلس النواب، يلقي باللوم على الأغلبية الضئيلة التي يتمتع بها الجمهوريون في مجلس النواب، الأمر الذي يعطي عدداً صغيراً منهم نفوذاً كبيراً. يقول: «إنها أغلبية ضئيلة، وبرأيي هذه الأغلبية الضئيلة هي التي تخلق المشاكل بغض النظر عن رئيس مجلس النواب». ويضيف: «يواجه رئيس المجلس جونسون عملاً شاقاً أمامه، فهو إنسان رائع وأنا أعرفه جيداً... هناك بعض المشاكل بالعمل من دون هيكلية، ولا شك أنه سيواجه صعوبات».
أزمة الهجرة
تمويل أوكرانيا لم يكن الوحيد على لائحة مطالب بايدن من الكونغرس؛ إذ وجه الرئيس الأميركي انتقادات لاذعة للجمهوريين لـ«عرقلتهم» الاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون من الحزبين حول الهجرة وأمن الحدود، ملقياً باللوم على ترمب في هذه المسألة. وقال: «لقد قالوا لي إن سلفي طالب الجمهوريين في الكونغرس بصد الاتفاق. فهو يشعر بأنه سيشكل فوزاً سياسياً لي وخسارة سياسية له».
لكن روثتشايلد رفض هذه المقاربة، مشيراً إلى أن الجمهوريين يريدون حل قضية الهجرة قبل «حل مشاكل حلفائنا الأجانب كأوكرانيا وإسرائيل». وأضاف: «الأمر يتعلق بالأولويات. الحدود هي مسألة في غاية الأهمية، وبعض سياسات الرئيس الحالي وضعتنا في هذا الموقف، فالحدود ليست آمنة حالياً، بالإضافة إلى نسبة الجرائم العالية وانتشار الفنتانيل».
ويوافق دين على أن الهجرة أصبحت بالفعل «مشكلة ضخمة»، مضيفاً: «نحن نواجه مشكلة كبيرة على الحدود ويجب أن تحل... كان لدينا تشريع جاهز حيث قدمنا التنازلات، لكن عدداً صغيراً من الجمهوريين اليمينيين الذين لا يحترمون البلاد، ولا حتى الحزب الجمهوري، أوقفوا الأمر أولاً من خلال خلع مكارثي، ومن ثم استخدام خطر الخلع تهديداً لمنع جونسون من الموافقة على التشريع».
من ناحيتها، تنتقد مارتينيز مقاربة الجمهوريين الذين أفشلوا الاتفاق الحدودي. وتقول: «ما حصل هو أننا عندما تعاوننا مع الحزب الديمقراطي كما فعلنا العام الماضي للمحافظة على تمويل الحكومة، تم خلع مكارثي. أعتقد أن هذا أمر مؤسف، وبرأيي لهذا السبب قرر الجمهوريون في مجلس النواب عدم المضي قدماً في هذا التشريع».
ترمب... الحاضر الغائب
لم يوفر بايدن انتقاداً للرئيس السابق، رغم عدم ذكره بالاسم طيلة خطابه. فذكّر الأميركيين بأحداث اقتحام الكابيتول، ووصفها بـ«الخنجر في قلب الديمقراطية الأميركية»، مضيفاً: «يسعى سلفي وبعضكم هنا إلى طمس حقيقة 6 يناير (كانون الثاني)... الحقيقة بسيطة وهي أنكم لا يمكنكم حب بلادكم عندما تفوزون فقط».
لكن الواقع لا يعكس تراجعاً في الدعم لترمب. بل على العكس؛ إذ إن الرئيس السابق يتقدم في استطلاعات الرأي رغم القضايا التي يواجهها في ملفات عدة، منها التحريض على التمرد في أحداث الكابيتول. ويؤكد روثتشايلد أن داعمي ترمب «سيستمرون بدعمه مهما كلف الأمر»، مضيفاً: «لا أعتقد أن الناخبين يركزون على محاكماته، بل على البلاد والاتجاه الذي تسلكه حالياً. إنهم يركزون على مصاريفهم وما يجري على الحدود الجنوبية». ويتابع: «أعتقد أن الحزب الجمهوري قد تحوّل من كونه حزباً مؤسساتياً إلى حزب شعبوي».
وفيما يوافق دين على أن العديد من الناخبين سيصوتون لترمب في كافة الأحوال، فإنه يشير إلى أنهم لا يشكلون الأغلبية، مضيفاً: «الكثيرون من الأشخاص الذين صوتوا لنيكي هايلي لن يستطيعوا التصويت لشخص مدان، وقد تمت إدانته مرة، وستتم إدانته مجدداً».
التقدم في العمر
لم يتجنب بايدن الحديث عن عمره في الخطاب، فطرح المسألة بأسلوب ساخر سعى من خلاله التخفيف من وطأة تقدم سنه على رأي الناخب الأميركي.
وينتقد دين التغطية الإعلامية المحيطة بعمر بايدن، فيؤكد أن الرئيس الحالي يتصرف بهذه الطريقة؛ «لأنه جو بايدن وليس لأنه متقدم في السن». وتحدث دين عن معرفته القديمة ببايدن، فقال: «لطالما كان بايدن يتصرّف بهذه الطريقة، فهو منذ أن عمل في هذا المجال منذ 50 عاماً كان يقول أشياء ربما لا ينبغي أن يقولها... والآن عندما يقول هذه الأشياء وهو في الـ82 من عمره، فإن ردة الفعل هي: يا إلهي هذا لأنه مسن جداً. كلا، هذا لأنه جو بايدن».
لكن مارتينيز تعارض دين الرأي، وتقول إن هناك مخاوف مشروعة من تقدم سنه تدعو للقلق. وتضيف: «لا أعتقد بأنه يتمتع بالصفاء الذهني مقارنةً بما كان عليه منذ سنوات قليلة عندما ترشّح». وهذا ما يوافق عليه روثتشايلد الذي رفض المقارنة بين تقدم سن بايدن وتقدم سن ترمب قائلاً: «بايدن واجه الكثير من الزلات، ونحن نرى هذه الحوادث مع بايدن أكثر مما نراها مع الرئيس السابق ترمب... فهو لا يقبل الرد على أسئلة من الصحافيين... كانت لديه فرصة خلال السوبر بول لمخاطبة الأمة، لكنه لم يفعل. كانت لديه فرصة يوم الثلاثاء الكبير لمخاطبة الأمة بصفته فائزاً. وبرأيي، هذه فرص ضائعة للرئيس للتوجه إلى الشعب».
ويوجه روثتشايلد اللوم في هذه الاستراتيجية إلى المسؤولين عن إدارة حملة بايدن الانتخابية، الذين يقول إنهم «غير مستعدين لمنحه هذه الفرص. وأعتقد أنه إن ظهر علناً أكثر، فسيتمكن من معالجة بعض هذه المخاوف».