توعدت موسكو بـ«الانتقام» للعقوبات الغربية الجديدة على روسيا وإثارة مصاعب للاقتصاد (الغربي). وقال المسؤول الثاني في مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، السبت، إن موسكو ستنتقم للعقوبات الجديدة التي أعلن الغرب فرضها عليها في الذكرى الثانية للاجتياح الروسي لأوكرانيا وإثر وفاة المعارض أليكسي نافالني في السجن.
وكتب الرئيس الروسي السابق الذي يعد من كبار المدافعين عن الحرب الروسية على أوكرانيا، على «تلغرام»، أن السبب خلف العقوبات «واضح، فكلما ساء وضع المواطنين الروس، تحسن وضع العالم الغربي». وأضاف: «علينا جميعاً أن نتذكر ذلك وننتقم منهم أينما أمكن. إنهم أعداؤنا».
ودعا إلى «إثارة مصاعب للاقتصاد (الغربي) وتأجيج الاستياء العام حيال سياسات السلطات الغربية غير الكفؤة».
وفي وقت تتهم روسيا بانتظام بالقيام بأعمال تجسس وحملات تضليل إعلامي ومحاولات اغتيال في الدول الغربية، وهو ما تنفيه في كل مرة، رأى ميدفيديف أنه ينبغي «تنفيذ أنشطة من نوع آخر على أراضيهم، لا يمكن مناقشتها في العلن»، دون مزيد من التوضيحات. وبعدما اعتبر ميدفيديف في مرحلة ما شخصية أكثر انفتاحاً داخل نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تبنى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا موقفاً على قدر خاص من التشدد، مهدداً بانتظام باستخدام السلاح النووي أو اجتياح دول مؤيدة لأوكرانيا.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الجمعة، أن الولايات المتحدة فرضت أكثر من 500 عقوبة جديدة تستهدف روسيا، بمناسبة مرور عامين على قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو واسع النطاق لأوكرانيا والرد على وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني، الأسبوع الماضي.
واستهدفت العقوبات الأميركية الجديدة القطاع المالي في روسيا وأنظمة الدفع الإلكتروني والمؤسسات المالية الروسية، وأكثر من 10 بنوك روسية وشركات استثمار وصناديق رأس مال استثماري وشركات تكنولوجيا مالية، بما في ذلك بنك SPB المملوك لثاني أكبر بورصة في روسيا والمتخصصة في تداول الأسهم المالية.
واستهدفت العقوبات الأميركية أيضاً القاعدة الصناعية الدفاعية وصادرات الطاقة الروسية وشبكات المشتريات، والمتهربين من العقوبات في قارات عدة، كما فُرضت قيود على التصدير على 100 كيان روسي يقدم الدعم لآلة الحرب الروسية، وشددت إجراءات لخفض عائدات الطاقة من خلال عقوبات استهدفت شركة زفيزدا الروسية لبناء السفن التي تملك 15 ناقلة للغاز المسال وتقوم بتصدير الغاز الطبيعي المسال.
ومن بين الكيانات الروسية المستهدفة بالعقوبات شركة SUEK التي تعمل في مجال تقديم الخدمات اللوجستية للجيش الروسي، وشركة Mechel التي تعد أكبر منتج للفولاذ وشركات تصنيع مواد التشحيم والروبوتات والبطاريات التي يستخدمها الجيش الروسي.
وفرضت الولايات المتحدة أيضاً عقوبات على كيانات مقارها في الصين وتركيا والإمارات وكازاخستان بسبب التهرب من العقوبات وإرسال مواد تعتمد عليها موسكو في أنظمة التصنيع العسكري.
وتأتي العقوبات الأميركية في أعقاب لائحة اتهام أعلنتها وزارة العدل الأميركية، يوم الخميس، واستهدفت رجال أعمال روسيين من بينهم رئيس ثاني أكبر بنك روسي وعدد كبيرة من الوسطاء الماليين المتهمين في 5 قضايا اتحادية.
وتعد هذه الخطوة الجديدة أكبر مجموعة من العقوبات تصدرها الولايات المتحدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط) 2022، وأشار مسؤولون إلى أنها عقوبات ستلحق الضرر بالاقتصاد الروسي والإنتاج العسكري بما يؤدي إلى إعاقة القدرات الروسية عن الاستمرار في الحرب ضد أوكرانيا.
وقال بايدن في بيان: «إذا لم يدفع بوتين ثمن الموت والدمار الذي سببه، فسوف يستمر في المضي قدماً، وسوف ترتفع التكاليف التي تتحملها الولايات المتحدة - إلى جانب حلفائنا في الناتو وشركائنا في أوروبا وحول العالم». وأضاف: «كان يعتقد أنه يستطيع بسهولة كسر عزيمة الشعب الحر وأنه قادر على زعزعة أسس الأمن في أوروبا وخارجها وبعد مرور عامين أصبحنا نرى بوضوح ما عرفناه منذ اليوم الأول، لقد أخطأ بوتين في حساباته على نحو سيئ».
رسالة إلى الداخل
ووجه بايدن رسالة إلى المشرعين الأميركيين في بيانه، داعياً إلى إقرار المساعدات لأوكرانيا «قبل فوات الأوان». وقال إن شعب أوكرانيا يواصل القتال بشجاعة لكن ذخيرتهم على وشك النفاد، وتحتاج أوكرانيا إلى مزيد من الإمدادات من الولايات المتحدة للحفاظ على خط المواجهة ضد الهجمات الروسية المتواصلة التي يتم تمكينها بواسطة الأسلحة والذخائر القادمة من إيران وكوريا الشمالية، ولهذا السبب يجب على مجلس النواب إقرار مشروع القانون التكميلي للأمن القومي قبل فوات الأوان.
وقال بايدن، في بيانه، إن العقوبات تستهدف الأفراد المرتبطين بسجن نافالني، وتستهدف القطاع المالي في روسيا وقاعدتها الصناعية الدفاعية وشبكات المشتريات والمتهربين من العقوبات عبر قارات متعددة. وشدد على أن العقوبات ستستهدف أرباح الطاقة الروسية، وأن الولايات المتحدة «ستعمل على تعزيز دعم المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة وأولئك الذين يناضلون من أجل الديمقراطية في جميع أنحاء العالم».
بايدن يلتقي أسرة نافالني
وخلال مؤتمر ميونيخ للأمن الأسبوع الماضي، وفي زيارات للعواصم الأوروبية، كثفت أسرة نافالني ضغوطها على المجتمع الدولي لملاحقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتحقيق العدالة في وفاة زعيم المعارضة الروسية. وأشار البيت الأبيض إلى أن الرئيس بايدن التقى مع أرملة وابنة المعارض الروسي يوليا وداشا نافالنيايا في مدينة سان فرانسيسكو. ووعد الرئيس الأميركي بفرض عقوبات على المسؤولين الذين يديرون السجن في سيبريا الذي توفي فيه نافالني، وشدد بايدن على أن المجتمع الدولي «سيضمن أن يدفع بوتين ثمناً باهظاً لعدوانه في الخارج وقمعه في الداخل».
الاتحاد الأوروبي وبريطانيا
من جانبه، أعلن الاتحاد الأوروبي، الجمعة، أنه سيفرض عقوبات على شركات أجنبية عدة، بسبب مزاعم بأنها صدرت سلعاً ذات استخدام مزدوج إلى روسيا ويمكن استخدامها في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. وهي الدفعة الثالثة عشرة من العقوبات التي يصدرها الاتحاد الأوروبي، وقال الاتحاد الذي يضم 27 دولة إن العقوبات تستهدف عشرات المسؤولين الروس، ومنهم أعضاء في السلطة القضائية وسياسيون ومسؤولون عن الترحيل غير القانوني للأطفال الأوكرانيين. وتمت إضافة 106 مسؤولين روسيين و88 «كياناً»، معظمها شركات وبنوك ووكالات حكومية أو منظمات أخرى، إلى قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ما رفع عدد المستهدفين إلى أكثر من 2000 شخص وكيان، بمَن فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وضمت قائمة العقوبات، الشركات التي تصنع المكونات الإلكترونية، التي يعتقد الاتحاد الأوروبي أنها قد تكون لها استخدامات عسكرية ومدنية، كانت من بين 27 كياناً متهمة «بتقديم الدعم المباشر للمجمع العسكري والصناعي الروسي في الحرب العدوانية على أوكرانيا». وتواجه هذه الشركات - بعضها مقرها في الهند وسريلانكا والصين وصربيا وكازاخستان وتايلاند وتركيا - قيوداً أكثر صرامة على التصدير. وتهدف هذه الإجراءات إلى حرمان روسيا من قطع غيار الطائرات من دون طيار، التي يعدها الخبراء العسكريون أساسية للحرب.
وقال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: «هذه أكبر إجراءات تقييدية ضد القطاع العسكري والدفاعي الروسي، ونحن متحدون في تصميمنا على إضعاف آلة الحرب الروسية ومساعدة أوكرانيا على الفوز في معركتها المشروعة للدفاع عن النفس».
وأعلنت بريطانيا عن عقوبات ضد روس قالت إنهم متورطون في وفاة المعارض الروسي نافالني، إلى جانب عقوبات استهدفت قطاع السلع والأسلحة في روسيا وشركات الشحن و3 شركات صينية تزود روسيا بالإلكترونيات ومحركات الطائرات دون طيار.
لعبة القط والفأر
رغم كل العقوبات الأميركية والأوروبية يقول المحللون إنه بعد عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا فشلت العقوبات الغربية في مهمتها الأساسية وهي وقف آلة الحرب في الكرملين رغم الأضرار المالية والاقتصادية التي أضرت باقتصاد روسيا وقدرتها على إنتاج الأسلحة.
ويعترف المسؤولون الأميركيون سراً بأن الإجراءات الجديدة سيكون لها تأثير أبطأ مما هو مأمول، ويشددون على أنه بمرور الوقت ستؤدي إلى خنق الاقتصاد الروسي، وإعاقة قدرة روسيا على الاستمرار في الحرب.
وفي الجانب الآخر، يشير الخبراء والمحللون إلى أن روسيا تضع التهرب من العقوبات أولوية في استراتيجيتها، وأن الكرملين يوجه أجهزة المخابرات الروسية لإيجاد قنوات للتهرب من العقوبات، وخلال العامين الماضيين زادت موسكو من حجم تجارتها مع دول مثل الصين والهند ودول أخرى لم تنضم إلى التدابير العقابية الغربية، مما ساعدها على بيع الطاقة وتأمين إمدادات الواردات الحيوية للحرب.
وتشير جريدة «وول ستريت» إلى قائمة من الشركات الوهمية التي استخدمتها روسيا لشراء المكونات المستخدمة في الأسلحة واستخدام عدد كبير من السفن تحت ملكية غير معروفة للتحايل على سقف أسعار النفط الذي فرضه الغرب في وقت سابق في لعبة قط وفأر معقدة استطاع الكرملين بواسطتها التكيف مع التدابير الغربية لإيذاء روسيا.
وتمكّنت موسكو من تشكيل أسطول من ناقلات النفط التابعة لجهات غامضة أو تفتقر إلى التأمين المناسب، يُعرف باسم «الأسطول الشبح» لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات. وأدرجت واشنطن، الجمعة، على قائمتها السوداء 14 ناقلة نفط تستخدمها روسيا في إطار سعي الولايات المتحدة للإبقاء على السقف المحدّد لأسعار الخام الذي فرضه الغرب على روسيا.
وقد اعترف جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، يوم الخميس، بأن إيران تقوم بتسليم طائرات مسيرة وصواريخ إلى روسيا. ويعزز التعاون بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية قدرة هذه الدول على الصمود أمام العقوبات الغربية. وخلال العامين الماضيين، قام مسؤولون أميركيون وأوروبيون بزيارة عواصم الدول في جميع أنحاء العالم لإقناع الدول بعدم تقويض العقوبات المفروضة على السلع العسكرية ذات الاستخدام المزدوج، وحققت هذه الجهود بعض النجاح لكنها كانت أقل تأثيراً مع اقتصادات عملاقة مثل الهند والبرازيل والصين، التي تجنّبت العقوبات على روسيا.
ويتوقع الكثير من المسؤولين والاقتصاديين أن يواجه الاقتصاد الروسي مشاكل أكثر خطورة في وقت مبكر من العام المقبل. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو بنسبة 2.6 في المائة في عام 2024 قبل أن يتباطأ بشكل حاد العام المقبل، ولذا فإن الرهان يتركز على قدرة أوكرانيا على الحفاظ على مقاومتها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.