أميركا وفنزويلا تتبادلان سجناء: واحد مقابل عشرة

واشنطن أطلقت أليكس صعب المقرّب من مادورو

عدد من الأميركيين المفرج عنهم في مطار بسان أنطونيو (رويترز)
عدد من الأميركيين المفرج عنهم في مطار بسان أنطونيو (رويترز)
TT

أميركا وفنزويلا تتبادلان سجناء: واحد مقابل عشرة

عدد من الأميركيين المفرج عنهم في مطار بسان أنطونيو (رويترز)
عدد من الأميركيين المفرج عنهم في مطار بسان أنطونيو (رويترز)

أفرجت الولايات المتّحدة عن أليكس صعب، رجل الأعمال المقرّب من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مقابل إفراج كراكاس عن 10 محتجزين أميركيين، وتسليمها السلطات الأميركية مطلوباً ملقباً باسم «فات ليونارد»، وذلك في إطار صفقة تبادل سجناء تمّت، الأربعاء، بين الحكومتين.

وقال مسؤولون أميركيون إن الرئيس جو بايدن اتّخذ «القرار الصعب جداً» بالإفراج عن أليكس صعب، الذي تتّهمه الولايات المتحدة بغسل الأموال لصالح مادورو. في المقابل، أطلقت كراكاس سراح 10 أميركيين و20 سجيناً سياسياً فنزويلياً، وسلّمت الولايات المتّحدة هارباً ملقباً باسم «فات ليونارد» متورّطاً في أسوأ فضيحة فساد للبحرية الأميركية.

وتأتي عملية تبادل السجناء بعد موافقة الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) على تخفيف العقوبات المفروضة على النفط والغاز في فنزويلا، بعدما أبرمت حكومة مادورو اتفاقاً مع المعارضة لإجراء انتخابات.

لرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو يحتضن أليكس صعب لدى استقباله في القصر الرئاسي بكراكس الأربعاء (رويترز)

وقال بايدن في بيان: «اليوم، أطلق سراح عشرة أميركيين كانوا محتجزين في فنزويلا وهم عائدون إلى الديار»، مضيفاً أنّه «سعيد لأنّ محنتهم انتهت أخيراً».

وفي تصريح لصحافيين قال بايدن: «يبدو أنّ مادورو يحافظ حتى الآن على التزامه إجراء انتخابات حرة»، على النحو المتفق عليه في اتفاق تخفيف العقوبات. وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنّ الصفقة توسّطت فيها قطر.

الرئيس الفنزويلي اعتبر، الأربعاء، أن إفراج الولايات المتحدة عن أليكس «انتصار للحقيقة». وقال مادورو الذي استقبل صعب في القصر الرئاسي في كراكاس: «أريد أن أرحّب بهذا الرجل الشجاع (...) بعد 1280 يوماً من الاحتجاز، انتصرت الحقيقة».

وشكر صعب مادورو وقال: «اليوم، أصبحت معجزة الحرية، معجزة العدالة، حقيقة». كذلك، قالت الحكومة الفنزويلية، في بيان، إنّ «إطلاق سراحه رمز لانتصار الدبلوماسية البوليفارية (الفنزويلية)».

سجين أميركي من المفرج عنهم على سرير وسط عمال إسعاف لدى وصوله مطار في سان انطونيو بتكساس الأربعاء (أ. ب)

«صعب جداً»

وقبض على صعب، وهو مواطن كولومبي منحه مادورو الجنسية الفنزويلية ولقب سفير، في يونيو (حزيران) 2020 في أثناء توقّفه في الرأس الأخضر ثم سُلّم إلى الولايات المتّحدة.

ووجّهت إلى صعب وشريكه التجاري ألفارو بوليدو اتهامات في الولايات المتحدة، بإدارة شبكة استغلت مساعدات غذائية موجهة إلى فنزويلا، حيث هرّب الملايين من اقتصاد معدم رغم الثروة النفطية التي تملكها البلاد.

ويُتّهم الرجلان بنقل 350 مليون دولار من فنزويلا إلى حسابات يديرانها في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

وردّاً على تسليم صعب، أوقف مادورو المحادثات مع المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة بشأن إنهاء الأزمتين السياسية والاقتصادية في البلاد.

وقال مسؤول أميركي كبير إن بايدن «كان عليه اتخاذ هذا القرار الصعب جداً (...) بمنح العفو لأليكس صعب». وأشار إلى أنّ الصفقة «في الأساس كانت عملية تبادل عشرة أميركيين وهارب من العدالة مقابل شخص واحد أعيد إلى فنزويلا».

وذكر البيت الأبيض أسماء أربعة من الأميركيين المفرج عنهم هم: جوزيف كريستيلا، وإيفين هيرنانديس، وجيريل كينيمور، وسافوي رايت.

وفي عداد المفرج عنهم الجنديان السابقان لوك ألكزاندر دينمان، وإيران بيري، اللذان كانا يمضيان عقوبة بالسجن 20 عاماً بتهمة المشاركة في محاولة فاشلة لإطاحة مادورو عام 2020، بحسب مجموعة «كواليشن فور هيومن رايتس آند ديموكراسي» الفنزويلية.

أما ليونارد فرنسيس، الهارب الذي أوقفته فنزويلا وأعادته إلى الولايات المتحدة في إطار هذه الصفقة، فهو مقاول عسكري يُعرف باسم «فات ليونارد»، وكان قد هرب من الإقامة الجبرية في كاليفورنيا في سبتمبر (أيلول) 2022، بعد أن قطع سواره الإلكتروني.

وفي عام 2015، أقرّ فرنسيس، وهو مواطن ماليزي، بأنّه مذنب في تقديم رشى تبلغ نحو 500 ألف دولار لعناصر في سلاح البحرية الأميركية، للفوز بعقود بناء سفن في أحواض تابعة له، مع فرض فواتير مضخّمة على البحرية لقاء عمله بما يصل إلى 35 مليون دولار.

ولطالما كانت مسألة تبادل الأسرى في قلب النقاشات مع تحويل الولايات المتحدة استراتيجيتها إلى التعامل مع مادورو. وفي عام 2019، أعلنت الولايات المتحدة في عهد دونالد ترمب أنّ مادورو رئيس غير شرعي لفنزويلا، بعد اتهامات بحصول مخالفات انتخابية، وشنّت حملة عليه بالعقوبات والضغوط لإزاحته.

لكنّ مادورو صمد أمام الضغوط بدعم من قاعدة سياسية موالية له، ومن الجيش، وكذلك من كوبا وروسيا والصين.



هاريس امرأة سوداء تُعيد تشكيل «تحالف أوباما»… ومقعد البيت الأبيض

كامالا هاريس تُلقي كلمة خلال مؤتمر اتحاد المعلمين الأميركيين في هيوستون الخميس (أ.ف.ب)
كامالا هاريس تُلقي كلمة خلال مؤتمر اتحاد المعلمين الأميركيين في هيوستون الخميس (أ.ف.ب)
TT

هاريس امرأة سوداء تُعيد تشكيل «تحالف أوباما»… ومقعد البيت الأبيض

كامالا هاريس تُلقي كلمة خلال مؤتمر اتحاد المعلمين الأميركيين في هيوستون الخميس (أ.ف.ب)
كامالا هاريس تُلقي كلمة خلال مؤتمر اتحاد المعلمين الأميركيين في هيوستون الخميس (أ.ف.ب)

بعد أقل من أسبوع على بدء انسحاب الرئيس جو بايدن من الحلبة السياسية الأميركية، بدت نائبة الرئيس، كامالا هاريس، على وشك إنجاز حلقات الدعم الضرورية، ليس فقط لنيل بطاقة الحزب الديمقراطي، بل أيضاً لتشكيل تحالف يمكّنها من الفوز بانتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

يعتقد كثيرون أن حملة هاريس يمكن أن تكرّر، بعد 100 يوم من الآن، الإنجاز الانتخابي الهائل الذي نتج عن «موجة زرقاء» عالية، أوصلت أول شخص أسود، هو الرئيس باراك أوباما، إلى البيت الأبيض عام 2008، وأبقته عام 2012، ثم دفعت نائب الرئيس في عهده جو بايدن إلى سُدّة الرئاسة عام 2020 إلى تلك المكانة، على رغم الجدار العالي الذي بناه الرئيس السابق دونالد ترمب وحلفاؤه بين الجمهوريين المحافظين في مساعيهم لإعادة «جعل أميركا بيضاء مرة أخرى»، وهو الظل الخفي لشعار ترمب الشعبوي «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

لهذه الأسباب وغيرها، تبدو الانتخابات لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة أكثر صداميّة من سابقاتها.

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما معانقاً نائبة الرئيس كامالا هاريس بمناسبة إقرار قانون للرعاية الميسّرة في البيت الأبيض عام 2022 (أ.ف.ب)

خلال حملتها القصيرة للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 2019، حاولت هاريس محاكاة استراتيجية أوباما لعام 2008، فتعاملت مع ساوث كارولينا، وهي ولاية تضم عدداً كبيراً من ذوي البشرة السوداء، باعتبارها موقعاً لاختراقها المحتمل، ولكنها حشدت الموارد في آيوا تحضيراً لهذا الاختراق، من خلال طمأنة الناخبين السود بأنها قادرة على الفوز في الولاية ذات الغالبية البيضاء، وكانت تتمتع بميزة إضافية تتمثل في كونها من كاليفورنيا، وفي لحظة من الانتخابات التمهيدية فيما يسمى «الثلاثاء الكبير» في مارس (آذار) عامذاك، وبعد أدائها الناجح في مناظرة يونيو (حزيران) 2019، بدا أن هاريس في طريقها إلى تحقيق هذا الإنجاز، ما يهدّد تقدّم بايدن في استطلاعات ساوث كارولينا وآيوا. لكن هذا «التهديد» الانتخابي ضد بايدن لم يدُم طويلاً، بسبب «نفاد المال والحظ»، ما دفع هاريس إلى الانسحاب من الانتخابات التمهيدية.

قطبان رئيسيان

أما الآن، فأصبحت هاريس المرشّحة المفترضة عن الديمقراطيين، من دون الحاجة إلى اجتياز أي تمهيديات، ومع ذلك لا تزال تواجه بعض القرارات الاستراتيجية الرئيسية، في ضوء تراجُع بايدن باستمرار عن ترمب في الاستطلاعات، بسبب أدائه الضعيف بين فئتي الشباب وغير البِيض، وهما قطبان رئيسيان في «تحالف أوباما». ووسط تساؤلات عما إذا كانت هاريس تستطيع تعويض بعض هذه الخسائر المحتملة من دون التضحية بدعم ناخبين آخرين، أقدمت نائبة الرئيس على الدخول إلى منصة «تيك توك» المفضلة عند أجيال «إكس» و«زد» والألفية في الولايات المتحدة، فضلاً عن مساعيها الهادئة لنيل تأييد علني من الفنانة الأميركية الأشهر تايلور سويفت، بعدما حظيت بدعم الفنانة بيونسيه، والممثلة جينيفر أنيستون، وإذ تدرك أن الطاقة مُعدِية، فالصور المتحركة السريعة والموسيقى تؤكد على ديناميكية حملتها التي تميل إلى التنوع.

أميركيون يؤيدون ترشيح كامالا هاريس في لوس أنجليس الجمعة (أ. ب)

«الأمل والتغيير»

منذ الخطوة التي اتخذها بايدن، الأحد الماضي، وقلبت المشهد الانتخابي الأميركي رأساً على عقب، بعدما هيمن ترمب عليه بشكل كامل تقريباً على أثر محاولة اغتياله في بنسلفانيا قبل نحو أسبوعين، يجد كثيرون الآن فرصة لأن تتمكّن هاريس من الإفادة من سحر «الأمل والتغيير»، الذي تمتع به أوباما في بطاقته الديمقراطية قبل 16 عاماً. وتقع المفارقة في أن الاستطلاعات كانت تشير بوضوح إلى أن نسبة كبيرة من الأميركيين يشكّكون في القدرات الذهنية لترمب، بسبب وقوعه في سلسلة من الأخطاء اللفظية وهفوات الذاكرة، غير أن ذلك لم يحظَ باهتمام كبير، في ظل الصعوبات الكبيرة التي كان يواجهها بايدن. ولكن استبدال الأخير بهاريس يبعث الأمل في استعادة الناخبين الأصغر سناً، والناخبين السود واللاتينيين، الذين ابتعدوا عن بايدن منذ عام 2020. وفي الوقت ذاته، يمكنها توسيع هوامش الديمقراطيين القوية بالفعل بين النساء المتعلمات في الكليات والداعمات لحقوق الإجهاض.

وبالإضافة إلى هذه الشرائح المهمة، تسعى هاريس منذ سنوات إلى إيجاد مكانة لها في أوساط المهتمين بالقضايا التجارية والاقتصادية، وبينما يتذكر البعض إصرارها في مناظرة رئاسية عام 2019، على أنها «ليست ديمقراطية حمائية»، فهي ليست من مؤيدي التجارة الحرة أيضاً. وقد أكّدت أنها كانت ستعارض اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية عام 1992، علماً بأن بايدن صوَّت مؤيداً لها أثناء خدمته في مجلس الشيوخ، وكذلك اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي دعمها أوباما. وعام 2020 كانت بين 10 سيناتورات صوّتوا ضد اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، بعد انسحاب الرئيس دونالد ترمب من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية.

كامالا هاريس تتجه للصعود إلى «آير فورس تو» في مطار هيوستون الخميس (أ.ف.ب)

ويعتقد فريق ترمب أن في إمكانه تعويض مكاسب هاريس المحتملة، من خلال تصويرها «راديكالية كاليفورنيا»، ورمزاً للتنوع الذي يمكن أن ينفّر الناخبين البِيض الأكبر سناً، الذين كان بايدن يتمتع ببعض القوة المتبقية معهم. ولكن أوباما تغلّب على عناصر مشابهة عام 2008، وساعده على ذلك الانهيار المالي، والتململ الشعبي من سياسات الحرب الجمهورية في العراق.

آثار استراتيجية

ويرجّح أن تكون لجهود هاريس لاتّباع مسار أوباما آثار استراتيجية كبرى على خريطة المعركة الانتخابية؛ لأن أي تحسّن كبير في أدائها بين الناخبين السود واللاتينيين، ومَن هم دون سن الثلاثين يمكن أن يُعيد ولايات متأرجحة، مثل أريزونا ونيفادا وجورجيا ونورث كارولينا، التي كادت تميل لمصلحة ترمب في الأسابيع الأخيرة إلى قلب السباق، علماً أيضاً بأن تآكل دعم بايدن بين الناخبين البِيض الأكبر سناً، وغير الحاصلين على تعليم جامعي، أدّى إلى إضعاف فرص الديمقراطيين بالفوز في ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن.

وبات من المؤكد أن هذه الخيارات الاستراتيجية يمكن أن تؤثر على اختيار هاريس في عملية الترشيح لمنصب نائب الرئيس، ليس فقط لجهة اختياره من ولاية تشكّل ساحة معركة، ولكن بوصفه وسيلة لتعظيم التحول الناتج عن انسحاب بايدن. ويعتقد البعض أن هاريس يمكن أن تتبع مثال الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1992 لمضاعفة نقاط قوتها، من خلال اختيار امرأة أخرى هي حاكمة ميشيغان، غريتشن ويتمر.

ولكن هذا الخيار الجريء والتاريخي يحمل «مخاطرة أكبر»، وإن كان يشبه إلى حدٍّ نموذج عام 1992، عندما وقع اختيار كلينتون على آل غور مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، على رغم أنه من مواليد فترة الطفرة في الجنوب الأميركي، وليس من واشنطن.

«فخر» روزفلت

منذ الساعات الأولى لترشيحها، بدأت هاريس العمل على إعادة تجميع «تحالف أوباما» بطريقة فعّالة للغاية، وهذا ما ظهر في إعلانها الانتخابي الأول: «كان روزفلت ليشعر بالفخر؛ ففي خطابه عن حال الاتحاد عام 1941 حدّد 4 حريات: حرية التعبير، وحرية العبادة، والحرية من العوز، والحرية من الخوف»، وتشدّد هاريس، بمساعدة من بيونسيه، باستمرار على الحرية باعتبارها الإطار الأساسي لحملتها، وهي تؤكد بشكل خاص على الحرية من العوز، والحرية من الخوف، مع الإشارة إلى الأمن الاقتصادي، والرعاية الصحية، وحقوق الإنجاب، والأمان من الأسلحة النارية. ومثل روزفلت، أعادت هاريس صوغ «الحرية» ــ وهي جزء أساسي من معجم المحافظين ــ لإعطائها دلالات تقدّمية.

نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 2023 (أ.ف.ب)

ويحتفي إعلانها بالتنوع الأميركي مع وفرة من الأشخاص الملوّنين؛ لأنها تريد زيادة الإقبال بشكل كبير بين السود واللاتينيين، والناخبين الأصغر سناً، الذين يشكّلون أهمية أساسية لـ«تحالف أوباما».

حتى الآن، أثمرت استراتيجية هاريس لإعادة تجميع «تحالف أوباما» عن أرباح فورية، ظهرت في ال​​استطلاعات، التي تُوحِي أن لديها الموارد والمتطوعين لدفع نسبة المشاركة على غرار أوباما، ولكن سباق الأيام الـ100 سيكون طويلًا وصعباً، على رغم أن رسالتها المبكرة تلقى صدى.