وفاة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن 100 عام

TT

وفاة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن 100 عام

كيسنجر خلال مشاركته في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس عام 2008 (رويترز)
كيسنجر خلال مشاركته في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس عام 2008 (رويترز)

توفي عملاق الدبلوماسية الأميركية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، عن مائة عام الأربعاء، بحسب ما أعلنت مؤسسته.

وقالت المؤسسة الاستشارية في بيان، إنّ كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون، وجيرالد فورد، وأدّى دوراً دبلوماسياً محورياً خلال الحرب الباردة «توفي اليوم في منزله بولاية كونيتيكت».

وخلال الشهور الماضية كان كيسنجر يقوم بأنشطة سياسية كثيرة ويشارك في اجتماعات بالبيت الأبيض والكونغرس، وأدلى بشهادته حول كوريا الشمالية، وفي شهر يوليو (تموز) الماضي قام بزيارة للصين والتقى بالرئيس الصيني شي جينبينغ.

ريتشارد نيكسون مستقبلاً هنري كيسنجر بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام لعام 1973 (أ.ب)

ويعد كيسنجر من أبرز السياسيين في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، وترك بصمة واضحة لا تمحى في السياسة الخارجية الأميركية. وسطع نجمه في سبعينات القرن العشرين، أثناء عمله كوزير للخارجية في عهد الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون، وأدت جهوده إلى الانفتاح الأميركي الدبلوماسي مع الصين، وإلى محادثات الحد من الأسلحة الأميركية السوفياتية التاريخية، وكان له دور دبلوماسي خلال الحرب بين مصر وإسرائيل، كما ساهم في التوصل إلى اتفاقيات باريس للسلام مع فيتنام الشمالية.

ويعد كيسنجر الشخص الوحيد الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي في البيت الأبيض ومنصب وزير الخارجية.

وكانت جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها عام 1973، مناصفة مع لو دوك ثو من فيتنام الشمالية، الذي رفض الجائزة ـ واحدة من أكثر الجوائز إثارة للجدل على الإطلاق، حيث استقال اثنان من أعضاء لجنة نوبل بسبب الاختيار، وأثيرت أسئلة حول القصف السري الأميركي لكمبوديا.

كيسنجر رفقة الرئيس الأميركي جو بايدن عام 2007 وكان بايدن حينها رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ (أ.ب)

ولد هاينز ألفريد كيسنجر في فورث بألمانيا في 27 مايو 1923، وانتقل إلى الولايات المتحدة مع عائلته في عام 1938 قبل الحملة النازية لإبادة يهود أوروبا. وغير اسمه إلى هنري وحصل على الجنسية الأميركية في عام 1943، وأصبح مجنداً خلال الحرب العالمية الثانية ثم حصل على منحة دراسة في جامعة هارفارد وترقى سريعاً في دراسته وحصل على درجة الماجستير في عام 1952 والدكتوراه في عام 1954، وخلال تلك الفترة عمل كيسنجر مستشاراً للوكالات الحكومية. وفي عام 1967 عندما عمل وسيطاً لوزارة الخارجية في فيتنام. واستخدم علاقاته مع إدارة الرئيس ليندون جونسون لنقل المعلومات حول مفاوضات السلام إلى معسكر الرئيس نيكسون. وحينما فاز نيسكون بالانتخابات الرئاسية عام 1968 قام بتعيين كيسنجر مستشاراً للأمن القومي الأميركي.

وفي عام 1973، بالإضافة إلى دوره مستشاراً للأمن القومي، تم تعيين كيسنجر وزيراً للخارجية، مما منحه سلطة لا منازع فيها في الشؤون الخارجية.

جولات مكوكية

حينما اندلع الصراع العربي الإسرائيلي قام كيسنجر بمهام مكوكية بلغت 32 رحلة ما بين القدس ودمشق لدفع الجهود نحو صياغة اتفاق طويل الأمد لفك الارتباط بين إسرائيل وسوريا في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. واشتهر خلال تلك الفترة بالدبلوماسية الشخصية. وفي محاولة لتقليص النفوذ السوفياتي، تواصل كيسنجر مع منافسه الشيوعي الرئيسي، الصين، وقام برحلتين إلى هناك، بما في ذلك رحلة سرية للقاء رئيس الوزراء تشو إن لاي. وكانت النتيجة قمة نيكسون التاريخية في بكين مع الرئيس ماو تسي تونغ، وإضفاء الطابع الرسمي في نهاية المطاف على العلاقات بين البلدين.

دونالد ترمب مستقبلاً هنري كيسنجر في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض عام 2017 (رويترز)

ورغم فضيحة ووترغيبت التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة، فإن كيسنجر استمر في منصب وزير الخارجية عندما تولى الرئيس جيرالد فورد منصبه في عام 1974. وفي ذلك الوقت قام كيسنجر بالعمل على اتفاق حول الأسلحة الاستراتيجية مع الاتحاد السوفيتي، حيث سافر كيسنجر مع الرئيس فورد إلى فلاديفوستوك في الاتحاد السوفياتي، والتقى الرئيس بالزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف، واتفقا على إطار عمل أساسي لاتفاق الأسلحة الاستراتيجية، وهي الاتفاقية التي أدت إلى تخفيف التوترات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

وتعرض كيسنجر لانتقادات لاذعة عام 1975 لفشله في إقناع إسرائيل ومصر بالموافقة على المرحلة الثانية من فك الارتباط في سيناء.

وترك كيسنجر منصبه في أروقة السلطة مع فوز الرئيس الأميركي جيمي كارتر بالرئاسة عام 1976، وأنشأ شركة استشارية في نيويورك لتقديم المشورة لكبرى الشركات في العالم. كما عمل عضواً في مجالس إدارة الشركات، ومحاضراً في العديد من منتديات السياسة الخارجية والأمن، ومعلقاً إعلامياً منتظماً في الشؤون الدولية، إضافة إلى قيامه بنشر العديد من الكتب السياسية.


مقالات ذات صلة

بعد تصريح «الولاية رقم 51»... ترمب يسخر من ترودو بصورة لعلم كندا

الولايات المتحدة​ صورة ترمب مع العلم الكندي

بعد تصريح «الولاية رقم 51»... ترمب يسخر من ترودو بصورة لعلم كندا

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بدا أنه يسخر من رئيس وزراء كندا جاستن ترودو بصورة يقف فيها بجوار العلم الكندي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي قوات أميركية بسوريا (رويترز)

الجيش الأميركي: مهمتنا في سوريا «تظل دون تغيير»

قالت القيادة المركزية الأميركية اليوم (الأربعاء) إن مهمة الولايات المتحدة في سوريا تظل دون تغيير، وذلك بعدما نفَّذت ضربة أمس دمرت خلالها أنظمة أسلحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب متحدثاً إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو خلال اجتماع في لندن 3 ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

وزير كندي: ترمب مزح باقتراحه أن تصبح كندا الولاية الـ51 لأميركا

قال وزير كندي إن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، كان يمزح عندما اقترح أن تصبح كندا الولاية الـ51 في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يعرض على الملياردير ستيف فينبرغ منصب نائب وزير الدفاع

قال مراسل صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عرض على الملياردير ستيف فينبرغ منصب نائب وزير الدفاع.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ملصق مطلوب من وزارة الخارجية الأميركية لقائد قوة الرضوان السابق في «حزب الله» إبراهيم عقيل مع عرض مكافأة بقيمة 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه (وزارة الخارجية الأميركية)

مسؤول أميركي: إسرائيل لن تحصل على مكافآت لقتلها مطلوبين على لوائح واشنطن

قال مسؤول أميركي إن إسرائيل غير مؤهلة لتلقي أموالٍ مكافأةً على المعلومات التي جمعتها ضد مطلوبين خصصت أميركا مكافأة مقابل معلومات عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري  للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
TT

هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري  للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة يعبر الجدار المطلي بألوان العلم الإيراني في مدينة خان شيخون بريف إدلب حيث موقع عسكري للقوات الإيرانية بعد سيطرة المعارضة السورية على البلدة (إ.ب.أ)

حتى الآن، لا تزال «التخمينات» تهيمن على قراءة المشهد المتفجر في سوريا لفهم أسبابه ودلالاته، وموقف الولايات المتحدة منه. فالهجوم المفاجئ الذي شنته مجموعات سورية معارضة، بقيادة «هيئة تحرير الشام»، المصنفة إرهابية من واشنطن، وأدى إلى تغيير خريطة الحرب الأهلية في سوريا، كان لافتاً بتوقيته، فقد بدأ بعد يومين من إعلان وقف إطلاق النار في لبنان، بين إسرائيل و«حزب الله».

ورغم ما يراه معلقون أن تركيا قد تكون هي التي تقف وراء اندلاع هجوم المعارضة المسلحة في سوريا، فإنهم يلاحظون وجود «غض نظر» من إدارة بايدن على الحدث، قد يكون من بين أهدافه، ليس فقط الضغط على إيران وروسيا، بل ومحاولة التأثير على إدارة ترمب المقبلة، لضمان عدم سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، والحفاظ على مظلتها لحماية الأكراد من أي هجوم تركي، في حال لم تفلح محاولات التوصل إلى صيغة مقبولة للحل في سوريا.

يلفت برايان كاتوليس، كبير الباحثين في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، إلى إن الحرب الأهلية في سوريا «لم تنتهِ حقاً، فقد استمرت لسنوات دون أن يلاحظ العالم ذلك، ولكنها كانت تجري بمستوى أقل من الشدة».

ويتابع في حديث مع «الشرق الأوسط» أن نظام الأسد واصل قتل شعبه بدعم من روسيا وإيران وجماعات مثل «حزب الله»، لكن الصراع المتجدد (في المنطقة) أدى إلى تعقيد الأمور بالنسبة لمجموعة أخرى معارضة للأسد: المقاتلون الأكراد الذين كانوا قد سيطروا على أجزاء من محافظة حلب، وقال مسؤولون من المهاجمين، يوم الاثنين، إنهم يخلون المنطقة بالحافلات.

معارك عنيفة بين الجيش السوري والفصال المسلحة في حماة (أ.ب)

ويرى كاتوليس أن المحرك الرئيسي للأحداث الأخيرة «داخلي»؛ لأن الوضع لم يصل قط إلى فترة من الاستقرار المستدام، «فقد استغلت قوات المعارضة نقاط الضعف في بنية النظام، بسبب الفساد والركود والافتقار إلى الشرعية السياسية في أجزاء من سوريا، وتمكنت من إعادة تجميع صفوفها. فملايين السوريين يريدون العيش في حرية، وهذا لم يتغير، ويبقى أن نرى ما إذا كانوا سيحققون هذه الطموحات».

ويقول كاتوليس إن العوامل الخارجية مثل تركيا وروسيا وإيران مهمة، لكن التحدي المركزي يظل الانقسامات الداخلية في سوريا والصراع على السلطة والنفوذ بين مجموعة واسعة من الجماعات المتنافسة.

لا إزاحة للأسد

ورغم الأوضاع التي تحدث عنها الباحث الأميركي فإن الموقف الأميركي لم يتغيّر كثيراً على مدى عقد من الزمن، وأكده مجدداً المتحدث باسم الخارجية الأميركية قبل يومين. إذ وعلى الرغم من خسارة الأسد مصداقيته، فإن الولايات المتحدة لا ترى إزاحته من السلطة أولوية، مثلما أنها لا تدعم الفصائل المعارضة أيضاً.

صحيفة «نيويورك تايمز»، من جهتها، تحدثت عن أن المبادرات التي جرى تقديمها للأسد من الولايات المتحدة وبعض دول الخليج وحتى إسرائيل، للتخلي عن تحالفه الإقليمي الأكثر أهمية مع «حزب الله» وإيران، قد تنحرف عن مسارها بسبب هجوم الفصائل المستمر. لافتة إلى أن الأسد سيكون الآن «أكثر تردداً في التخلي عن إيران وحلفائها، الذين ما زالوا أفضل رهان له للقتال مرة أخرى، من أجل بقاء نظامه».

صورة من لقاء الأسد وعراقجي يوم 1 ديسمبر 2024 (الخارجية الإيرانية)

من جهة أخرى، تحدثت أوساط مطلعة في واشنطن، عن واقع مختلف على الأرض، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس الأسد أكثر استعداداً الآن للتجاوب مع تلك المبادرات لفك الارتباط مع إيران.

وألمحت إلى اتفاق أوّلي لفتح مسار التفاوض بين الأسد مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بضغط من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأشارت المصادر إلى أن «تلقي الجيش النظامي مساعدات روسية في الدفاع عن حماة، هو «للقول إنه لن يتم التخلي عن النظام».

تابعت المصادر أنه، في الوقت نفسه، يجري الحديث عن ضمانات لانسحاب المسلحين من حلب، قد تتم إما قبل تسلم ترمب منصبه، وإما بعده بقليل، على أن يتم التخلص من العناصر غير السورية في الفصائل، وتشكيل فيلق تابع لوزارة الدفاع السورية يضم العناصر السورية المسلحة، بضمانة تركية روسية، وفتح مسار نهائي لإخراج إيران من المعادلة في سوريا.

دخان يتصاعد وسط المعارك بين الجيش السوري والفصائل المسلحة في حلب (د.ب.أ)

ورغم أن هجوم الفصائل الذي يقال إن تركيا تتعاون ضمناً معها عبر حدودها في شمال سوريا، قد تكون من بين أهدافه تحقيق أهداف تكتيكية لأنقرة، حيث تحظى بنفوذ أكبر في الصراع، لكن لا يخفى أيضاً أنه جاء أيضاً في الفترة الانتقالية بين إدارتي الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب دونالد ترمب.

ويرى مراقبون أن تركيا قد تكون تحاول استغلال هذه الفترة، لتوجيه ضربة للنفوذين الروسي والإيراني في سوريا، بعدما أضعفت إسرائيل إيران و«حزب الله» اللبناني، الداعمين للرئيس السوري بشار الأسد، وانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا. وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، (الأربعاء)، قائلاً إن رفض الرئيس السوري بشار الأسد المشاركة «بأي شكل ملموس» في عملية سياسية، فتح المجال لهجوم تلك الفصائل وتقدمها يظهر أن داعميه، مثل روسيا وإيران، مشتتون.

وقال مراقبون إن المقاتلين الأكراد الذين تعدهم تركيا عدواً تاريخياً وضعيفاً للغاية لمواجهة الفصائل التي تدعمها ويقودون الهجوم، لم يكن لديهم خيار سوى قبول عرض الخروج الآمن إلى شمال شرقي سوريا، حيث أشركتهم الولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم «داعش»، خلال العقد الماضي.

ومع مراوحة هجوم الفصائل على أبواب مدينة حماة، في تغيير جذري لاستجابة دمشق للهجوم على حلب، بدا أن شبح تجدد الحرب الأهلية صار حقيقياً، وقلب المعادلة بالنسبة للولايات المتحدة التي حاولت قبل سنوات طي صفحة الحرب من دون أن يثمر ذلك عن أي نتائج إيجابية تذكر.