واشنطن «لا تسعى إلى قواعد دائمة» في بابوا غينيا الجديدة

وزير الدفاع الأميركي لتطوير القدرات العسكرية للجزيرة في ظل المنافسة الصينية

رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربى (يمين الصورة) يصافح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة بورت مورسبي الخميس (أ.ف.ب)
رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربى (يمين الصورة) يصافح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة بورت مورسبي الخميس (أ.ف.ب)
TT

واشنطن «لا تسعى إلى قواعد دائمة» في بابوا غينيا الجديدة

رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربى (يمين الصورة) يصافح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة بورت مورسبي الخميس (أ.ف.ب)
رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربى (يمين الصورة) يصافح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة بورت مورسبي الخميس (أ.ف.ب)

أجرى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن محادثات، اليوم (الخميس)، مع زعماء بابوا غينيا الجديدة، بغية تطوير القوة العسكرية لهذه الدولة الجزيرة في المحيط الهادي، وتعميق العلاقات الأمنية معها، نافياً أن تكون الولايات المتحدة تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة هناك، في ظل منافسة حامية الوطيس بين الولايات المتحدة والصين في هذه المنطقة الحيوية.

وبات أوستن أول وزير دفاع أميركي يزور هذه الدولة، التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة، والتي قاتلت بشدة خلال الحرب العالمية الثانية، وتكتسب أهمية استراتيجية في النزاع على النفوذ بين الولايات المتحدة والصين. والتقى أوستن رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة جيمس ماربي، وناقش معه تنفيذ اتفاقية التعاون الدفاعي التي وقعها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في العاصمة بورت مورسبي في مايو (أيار) الماضي. وكان بلينكن زار البلاد نيابة عن الرئيس جو بايدن، الذي كان مقرراً أن يصير أول رئيس أميركي يزور بابوا غينيا الجديدة، لكنه ألغى رحلته آنذاك للتعامل مع أزمة الديون في واشنطن العاصمة.

وقال أوستن إن الولايات المتحدة «لا تسعى إلى إقامة قواعد دائمة» في بابوا غينيا الجديدة، لكنها ستساعد البلاد على توسيع قدرتها العسكرية وتحديث قواتها وزيادة قدرتها على العمل المشترك مع الجيش الأميركي. وأضاف أن «منطقة المحيطين الهندي والهادي هي مسرح أولوياتنا والشراكات، مثل شراكتنا، ضرورية للحفاظ على هذه المنطقة الحيوية حرة ومنفتحة».

وزادت الولايات المتحدة تركيزها الدبلوماسي على المحيط الهادي، بعدما وقَّعت الصين اتفاقية أمنية العام الماضي مع جزر سليمان القريبة.

واستبعد ماربى توقيع اتفاقية أمنية ثنائية مع بكين، قائلاً إن علاقة بابوا غينيا الجديدة مع الصين ستظل اقتصادية. وقال إن الصينيين «لم يتقدموا إلينا بأي طلب لإقامة علاقات عسكرية»، مضيفاً أن الحكومة الصينية من خلال سفارتها في بابوا غينيا الجديدة أعلنت أنها «ليس لديها أي مشكلة على الإطلاق معنا في التوقيع على اتفاقية للتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة»، لكن توقيع المعاهدة مع أميركا أثار احتجاجات طلابية في لاي، ثانية كبرى مدن بابوا غينيا الجديدة، حيث يشعر كثيرون في المحيط الهادي بالقلق من زيادة عسكرة المنطقة.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة بورت مورسبي الخميس (أ.ف.ب)

وقال ماربي إن مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية سيزورون لاي، في سبتمبر (أيلول) المقبل، للتخطيط لتحديث البنية التحتية. وتريد بابوا غينيا الجديدة أن تحظى مرافق تخزين الوقود وأمن الطاقة بالأولوية في خطة البنية التحتية التي مدتها 15 عاماً.

وأكد أوستن أن بابوا غينيا الجديدة ستزود برافعة من خفر السواحل الأميركي الشهر المقبل للمساعدة في إنفاذ القانون البحري. ولكنه أكد أن «هدفنا هو التأكد من أننا نعزز قدرة بابوا نيو غينيا على الدفاع عن نفسها وحماية مصالحها».

وقال ماربي إن شعبه «شديد الحساسية» لاحتمال أن تشن الولايات المتحدة حرباً ضد الصين من بابوا غينيا الجديدة. ورأى أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى أن تكون بابوا غينيا الجديدة «منصة انطلاق لأي هجوم في أي مكان آخر في العالم». وزاد: «أريد أن أؤكد للجميع هنا، بمن في ذلك أصدقاؤنا من آسيا، أن الأمر لا يتعلق بالاستعداد للحرب. بدلاً من ذلك، يتعلق الأمر بتأسيس وجود لبناء الدولة في بابوا غينيا الجديدة، وهذا الجزء من كوكب الأرض وفي المحيط الهادي». وقال إن ميناء لاي، ثاني أكبر مدينة في بابوا غينيا الجديدة، حُدِّد قاعدةً أميركيةً لإدارة الكوارث. وسيجري أوستن وبلينكن محادثات ثنائية في مدينة بريزبين الأسترالية الجمعة والسبت. وقال رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز إنه سيلتقي أيضاً المسؤولين الأميركيين. وبعيد مغادرة أوستن، كان مقرراً أن يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بابوا غينيا الجديدة، في أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي. وحذر ماكرون في خطاب ألقاه في فانواتو المجاورة من ظهور «إمبريالية جديدة» في منطقة المحيط الهادي، في اختبار للسيادة البحرية والمالية للدول الصغيرة. وقال إن «السفن الأجنبية تصطاد هنا بشكل غير قانوني. في المنطقة، العديد من القروض بشروط تعيق التنمية». وتسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى ردع دول جزر المحيط الهادي عن إقامة علاقات أمنية مع الصين، وهي مقرض رئيسي للبنية التحتية في المنطقة، وهو مصدر قلق متزايد وسط التوتر في شأن تايوان.



بايدن يعدّ مقتل نصر الله «عدالة لضحاياه»

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مغادرته الطائرة الرئاسية التي أقلّته إلى ولاية ديلاوير أمس الجمعة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مغادرته الطائرة الرئاسية التي أقلّته إلى ولاية ديلاوير أمس الجمعة (أ.ف.ب)
TT

بايدن يعدّ مقتل نصر الله «عدالة لضحاياه»

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مغادرته الطائرة الرئاسية التي أقلّته إلى ولاية ديلاوير أمس الجمعة (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مغادرته الطائرة الرئاسية التي أقلّته إلى ولاية ديلاوير أمس الجمعة (أ.ف.ب)

قال الرئيس جو بايدن أمس إن مقتل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في ضربة جوية إسرائيلية هو «قسط من العدالة لكثير من ضحاياه» ومنهم آلاف المدنيين الأميركيين والإسرائيليين واللبنانيين، بحسب ما قال.

وشدد بايدن على أن أميركا تدعم تماماً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في وجه «حزب الله» و«حماس» والحوثيين وأي «جماعات إرهابية أخرى» مدعومة من إيران. وقال إنه وجّه وزير الدفاع لويد أوستن بتعزيز وضع القوات الأميركية في الشرق الأوسط لردع أي عدوان وتقليل مخاطر التحول إلى حرب شاملة بالمنطقة، مشدداً على «أن هدفنا هو خفض التصعيد في الصراعات الحالية سواء في غزة أو لبنان من خلال الوسائل الدبلوماسية». وقبل ذلك،

وقبل ذلك، عبّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، (السبت)، عن دعمه الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس في مواجهة «الجماعات الإرهابية» المدعومة من إيران.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن أوستن تحدّث مرتين، الجمعة، مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت بشأن الأحداث في لبنان، موضحة أن الوزير الأميركي قال إن واشنطن مستعدة لحماية قواتها ومنشآتها في المنطقة وملتزمة بالدفاع عن إسرائيل.

وصدر الموقف الأميركي بعد ساعات من تأكيد «حزب الله» مقتل أمينه العام حسن نصر الله، في الضربة الجوية التي نفّذتها إسرائيل، يوم الجمعة، على مقر القيادة المركزية للحزب في ضاحية بيروت الجنوبية.

مخاوف من توسّع الصراع

ونقلت محطة «سي إن إن» عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين قولهم إن مقتل نصر الله أدى إلى تأجيج المخاوف بشكل كبير من نشوب حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، وهو الاحتمال الذي سعت إدارة الرئيس جو بايدن بشدة منذ أشهر لمنعه.

لكن مسؤولاً غربياً كبيراً، لم تفصح عن هويته، قال للمحطة: «لا أرى كيف لا يتسع نطاق هذا الأمر قريباً».

وحسب المسؤول الكبير السابق في الشرق الأوسط في وزارة الدفاع، ميك مولروي، كانت الضربة أيضاً إشارة واضحة إلى استعداد إسرائيل للمخاطرة بصراع أوسع نطاقاً، وأنها لم تكن قريبة من قبول اقتراح وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة، ومن غير المرجح الآن أن يكون «حزب الله» مهتماً بالمفاوضات.

زعيم «حزب الله» حسن نصر الله قُتل بضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية الجمعة (أ.ف.ب)

إيران تشعر بالقلق

وقال مسؤول عسكري أميركي: «هناك بعض الدلائل على أن إيران قد شعرت بالقلق بالفعل بشأن درجة الضرر الذي ألحقته إسرائيل بـ(حزب الله)، أقوى الميليشيات التابعة لها وأكثرها قدرة في المنطقة». وأضاف أن الولايات المتحدة تعتقد أن إيران ستتدخل في الصراع إذا رأت أنها على وشك «خسارة (حزب الله)»، بعدما أدت التأثيرات المجمعة للعمليات الإسرائيلية ضده إلى إخراج مئات المقاتلين من ساحة المعركة. وأضافت «سي إن إن» أن المسؤولين الأميركيين قدّروا منذ فترة طويلة أن القيادة العليا لـ«حزب الله» أرادت تجنّب حرب شاملة مع إسرائيل، حتى مع اشتداد القتال في الأشهر الأخيرة، لكن مقتل نصر الله مختلف تماماً.

«حزب الله» سيرد

ووفقاً للمسؤول الاستخباراتي الكبير السابق، جوناثان بانيكوف، فإنه من المؤكد تقريباً أن «حزب الله» سيرد، ومن المرجح أن تلعب إيران دوراً. وقال بانيكوف: «من المرجح أن يكون الرد كبيراً بما يكفي لارتفاع احتمالات أن يؤدي إلى حرب واسعة النطاق». وأضاف أن قيادة «حزب الله» دأبت منذ مدة طويلة على التحريض على لعب دور أكبر في القتال ضد إسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وهي الآن تخاطر بفقدان شرعيتها في أعين مقاتليها ومؤيديها إذا لم تقدم رداً قاسياً على مقتل زعيمها.

شنكر: لحظة أمل نادرة

وتعليقاً على مقتل زعيم «حزب الله»، قال ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، إن «نصر الله ورعاته الإيرانيين هم من طلبوا هذه الحرب ضد إسرائيل». وأضاف في تصريح لـ «الشرق الأوسط» أن نصرالله «كان بإمكانه أن ينهيها في أي وقت، لكنه اختار ألا يفعل ذلك. ومع موته فقد جر لبنان مرة أخرى إلى مواجهة مدمرة أخرى مع إسرائيل».

وحول لبنان، قال شنكر «إنها لحظة أمل نادرة، الأمل في أن تتمكن النخبة السياسية من اغتنام الفرصة لإعادة تنشيط الدولة وإعادة التوازن إلى السياسة بعيداً عن هيمنة حزب الله المستمرة منذ عقود. لكن بالنسبة لإيران، فهذه ضربة هائلة. خلال العام الماضي، شهدت وكيلها الفلسطيني، «حماس» في غزة، يشن حرباً ويخسرها أمام إسرائيل، مما تسبب في معاناة إنسانية هائلة للفلسطينيين. والآن، شهدت الجمهورية الإسلامية تدهور جوهرة التاج لوكلائها. لقد فقدت إيران مستشارها الجهادي الرئيسي. وكان نصر الله، فعلياً، بديلاً لقاسم سليماني».

المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي (د.ب.أ)

آرون ديفيد ميللر

إلى ذلك، قال آرون ديفيد ميللر، الباحث البارز ونائب رئيس معهد كارنيغي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية «توضح لي من حيث المبدأ أن جيش الدفاع الإسرائيلي ورئيس الوزراء نتنياهو استنتجا أن التهديد الاستراتيجي الحقيقي لا يتمثل في حماس في الجنوب، لكنه يكمن في الشمال (مع لبنان). وأعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي توصل إلى هذا الاستنتاج واستغل أن الكنيست في عطلة، وأن الانتخابات الأميركية أمامها أسابيع، ولذلك فإن قدرة الولايات المتحدة على فرض عقوبات أو تقييد قدرات إسرائيل أو وضع شروط على المساعدات العسكرية الأميركية قد تثير انزعاجاً كبيراً، وهذا ما يعطي نتنياهو فرصة للمناورة من الآن وحتى الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)»، موعد الانتخابات الأميركية.

ويضيف الباحث البارز الذي عمل مفاوضاً في إدارات أميركية عدة، أن الانتخابات الأميركية تحتل مكانة بارزة في حسابات نتنياهو وهي أيضاً تحتل مساحة بارزة ومفهومة في حسابات إدارة بايدن، و«أسوأ شيء بالنسبة لهذه الإدارة وللمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس هو اندلاع حرب شاملة الآن وحصول تصعيد إسرائيلي ضد (حزب الله). من السهل تخيّل أن الولايات المتحدة يمكن أن تنجر إلى هذه الحرب، ولذا فإن الأمر محفوف بالمخاطر بالنسبة إلى الإدارة الأميركية». ويرى ميللر أن اغتيال حسن نصر الله لن يكون نهاية فصل أو بداية قصة جديدة، لأن إسرائيل تواجه حالياً ثلاث جبهات وحرب استنزاف، واحدة مع حماس وهي الأقل في الأهمية الاستراتيجية، والثانية مع «حزب الله» التي ستستمر بشكل ما، أما الثالثة فهي مع إيران و«من ثمّ لن تنتهي هذه الحروب في وقت قريب ولا توجد نهايات دبلوماسية لها». ويقول: «لقد أصدر حزب الله تهديدات كثيرة باستهداف إسرائيل. والسؤال الآن هل سيتراجعون عن القيام برد فعل انتقامي هائل؟ ويجب أيضاً أخذ الرأي العام اللبناني في الاعتبار لأنه المتأثر بالضربات الإسرائيلية، وفي اعتقادي أن حزب الله سيلجأ بمرور الوقت إلى استخدام القوة الناعمة».

وحول رد الفعل الإيراني، يضيف ميللر: «الإيرانيون في مأزق، فهم لا يريدون أن يروا وكيلهم الرئيسي في الصراع العربي الإسرائيلي يُغتال بهذه الطريقة، وفي الوقت نفسه لا يريدون أن ينجروا إلى مواجهة مستمرة مع إسرائيل - وهذا يتضمن أيضاً الولايات المتحدة - بما يؤدي إلى ضربات على الجيش الإيراني وربما على منشآتهم النووية».