في 7 يناير (كانون الثاني) 2023، استلم الجمهوري كيفين مكارثي مطرقة رئاسة مجلس النواب، ليصبح الرئيس الـ55 للمجلس في التاريخ الأميركي.
لكن طريقه للوصول إلى رئاسة المجلس لم تكن سهلة أبداً، إذ تطلبت 15 جولة من التصويت، و4 أيام من تجاذبات حادة، عكست صراعاً شرساً في صفوف الحزب الجمهوري بسبب معارضة محتدمة من نواب محافظين. وعادت هذه الانقسامات إلى الواجهة في مفاوضات رفع سقف الدين العام، إذ إن الكونغرس لن يقرّ الاتفاق التي توصّل إليه مكارثي مع البيت الأبيض بسهولة.
أزمة الدين العام ومقعد «الرئاسة»
ومما لا شك فيه أن أزمة الدين العام والمفاوضات الناجمة عنها شكلت التحدي الأول أمام مكارثي لإثبات قدراته رئيساً للمجلس، ومهارته في رصّ الصف الجمهوري وراء اتفاق واجه انتقادات حادة من المحافظين والليبراليين على حد سواء. لكن التنازلات التي قدّمها مكارثي لمعارضيه من الحزب الجمهوري خلال صراعه للوصول إلى رئاسة المجلس، عادت لتؤرق نومه في سير اتفاق رفع سقف الدين العام، وتهدد مقعده الذي عمل جاهداً للفوز به.
فهو لم يحصد الأصوات اللازمة للفوز بهذا المقعد بسهولة، إذ اضطر إلى اللجوء إلى تنازلات كثيرة طلبها منه النواب المعارضون، ظهرت بشكل بارز إلى العلن، ولأول مرة في تصويت لجنة القواعد التي أقرت بصعوبة الاتفاق، مساء الثلاثاء، وأرسلته إلى مجلس النواب.
الامتحان الأول
قدّم مكارثي للمحافظين في حزبه 3 مقاعد في هذه اللجنة النافذة في المجلس، التي يجب أن توافق على مشاريع القوانين قبل إرسالها رسمياً إلى مجلس النواب.
ولهذا السبب، كان تصويت اللجنة، التي وافقت بإجماع 7 من أعضائها مقابل معارضة 6 منهم على الاتفاق، مهماً للغاية بالنسبة لمكارثي. فقد حذّره حلفاؤه من المخاطرة الكبيرة في تعيين معارضين له في اللجنة التي تسنّ قواعد العمل في المجلس، وتقرر أي مشروع قانون يحظى بالتصويت، إضافة إلى تحديد مدة النقاش وعدد الأصوات اللازمة لإقراره، والتعديلات التي يمكن للنواب طرحها عبره. ويعد هذا التنازل من أهم «الجوائز» التي حصدها المعارضون، إذ يعطيهم نفوذاً كبيراً في كل الملفات من دون استثناء.
وهذا ما حصل بالفعل، إذ صوّت اثنان من أصل الثلاثة الذين عيّنهم مكارثي ضد الاتفاق. الأمر الذي دفع برئيس المجلس إلى عقد اجتماع مغلق مع الجمهوريين، حيث قال لهم: «إذا ظننتم أنني خذلتكم. أنا آسف. أما إذا ظننتم أنني فشلت، فأنتم مخطئون». كلمات واثقة، فيها تحدٍ مبطن لمعارضي رئيس المجلس، ولعلها تسببت في بروز تحدٍ آخر أمامه، وأيضاً وليدة التنازلات التي قدّمها.
الامتحان الثاني
من ضمن التنازلات الأخرى التي قدّمها مكارثي، تعديل على قوانين المجلس، يسمح لأي نائب بطرح مشروع «لخلعه من منصبه».
وقد بدأ بعض معارضي الاتفاق التلويح بتطبيق هذا التعديل، فقال النائب شيب روي، وهو من الجمهوريين الذين عيّنهم مكارثي في لجنة القواعد، إنه «في حال عدم إسقاط الاتفاق، يجب أن نجتمع ونعيد النظر في موضوع رئاسة المجلس». تهديد مبطن، قابله توعد واضح من أحد أبرز المعارضين السابقين لرئيس المجلس، مات غايتس، الذي قال: «إذا كانت أغلبية الجمهوريين ضد مشروع معين، وتم اللجوء إلى أصوات ديمقراطية لإقراره، فهذا يُعد خرقاً واضحاً للاتفاق الذي توصلنا إليه مع مكارثي، ويولّد طرحاً فورياً لخلعه من منصبه».
Proud to join @RepKenBuck, @RepAndyBiggsAZ, and @RepTimBurchett as the only Republicans in Congress who have never voted to raise the Debt Limit for this woke and weaponized government.
— Rep. Matt Gaetz (@RepMattGaetz) May 30, 2023
وفي حال وصلت الأمور إلى حد طرح مشروع مماثل في المجلس، سيكون من الصعب حصد أغلبية الأصوات اللازمة لـ«خلع» مكارثي. وهذا ما أشار إليه أحد حلفائه، النائب الجمهوري جيم جوردان، الذي قال: «لست قلقاً على رئاسة المجلس، مكارثي يقوم بعمل جيد». كما هبّ المفاوض الجمهوري باتريك ماكهنري للدفاع عنه، مشيراً إلى الأغلبية الضئيلة التي يتمتع بها الحزب الجمهوري في مجلس النواب، مقابل وجود أغلبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ. فقال: «لدينا أغلبية ضئيلة في (النواب)، وما حصلنا عليه هو أفضل نتيجة محافظة يمكن الحصول عليها». وتابع ماكهنري، الذي ترأس الجهود الجمهورية في التفاوض مع البيت الأبيض على نص الاتفاق: «أنا فخور بالاتفاق الذي توصلنا إليه. بالطبع أردت مزيداً من التنازلات، لكن ما حصلنا عليه أفضل بكثير من المتوقع».
عراقيل مجلس الشيوخ
مع اقتراب موعد التخلف عن السداد في 5 يونيو (حزيران)، بحسب وزارة الخزانة الأميركية، تتوجه الأنظار إلى مجلس الشيوخ، الذي لم يبدأ بالنظر حتى الساعة في اتفاق «الـ99 صفحة» بانتظار إقراره في مجلس النواب.
ويواجه الاتفاق طريقاً وعرة في المجلس، حيث تتطلب قواعده موافقة كل الأعضاء الـ100 لتخطي العقبات الإجرائية، والتصويت فوراً على نصه من دون إضافة تعديلات.
وحتى الساعة، لم يتمكن زعيم الديمقراطيين في المجلس تشاك شومر من إقناع زملائه بالتخلي عن تحفظاتهم وعدم طرح تعديلات. الأمر الذي إذا ما حصل، قد يؤدي إلى عدم التصويت على الاتفاق بحلول الموعد المحدد.
وللمفارقة، فإن أبرز عائق بوجه الاتفاق في مجلس الشيوخ هو من الجانب الديمقراطي. فقد أدى تنازل من البيت الأبيض لمصلحة السيناتور الديمقراطي المعتدل جو مانشين إلى ثورة محدودة من قبل عدد من الديمقراطيين الذين اعترضوا على موافقة الإدارة على خط أنابيب الغاز (ماونتن فالي).
وتوعد السيناتور الديمقراطي تيم كاين، الذي عمل جاهداً لعرقلة الخط المذكور في السابق، بعرقلته مجدداً من خلال طرح تعديل على نص الاتفاق. فقال: «أنا مصرّ على طرح التعديل... لقد تمكنت من عرقلة العمل في هذا الخط 4 أو 5 مرات، لم أتخيل يوماً أنه سيُدرج في قانون لرفع سقف الدين العام».
وعلى الرغم من كل التحفظات والعراقيل، تجمع الترجيحات على نتيجة واحدة؛ سيتم رفع سقف الدين في نهاية المطاف، رغم كل الاعتراضات. لكن السؤال الأبرز هو؛ هل سيحصل هذا قبل 5 يونيو، أم أن الولايات المتحدة ستدخل في معمعة هلع التخلف عن السداد، ولو لساعات قليلة؟