مع بدء التحضيرات العملية لعقد قمة تجمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب في العاصمة المجرية بودابست، وجّهت موسكو وكييف إشارات حول توقعات الطرفين من اللقاء. وبرزت تحفظات لدى الكرملين حول فكرة «تجميد الصراع» التي رددتها أوساط في العاصمة الأميركية، وبدا أن موسكو تفضل مناقشة آليات لدفع تسوية سياسية نهائية للصراع. في المقابل، أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعداد للانضمام إلى القمة المرتقبة، أو الانخراط مباشرة في مفاوضات على المستوى الرئاسي بوساطة أميركية.
وعلى الرغم من أن الناطق الرئاسي الروسي دميتري بيسكوف، قال خلال إفادة صحافية، الاثنين، إن تحضيرات القمة لم تدخل بعد المرحلة النشطة، في انتظار استكمال الاتصالات الروسية - الأميركية بشأنها، فقد بدا في تصريحاته وتصريحات دبلوماسيين روس آخرين، أن الطرفين الروسي والأميركي، فضلاً عن المجر البلد المضيف للقمة، أطلقت عملياً مرحلة الترتيبات اللازمة لإنجاح القمة.
وقال بيسكوف إن موسكو مع مناقشة الملف الأوكراني، ترى ضرورة استغلال الاجتماع المرتقب بين الرئيسين الروسي والأميركي، لمناقشة العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، متحدثاً عن آفاق واسعة لعملية تطبيع العلاقات التجارية الاقتصادية ودفع التعاون في مجالات عدة.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أجرى الخميس محادثة هاتفية مطولة مع نظيره الأميركي دونالد ترمب، استمرت نحو ساعتين ونصف الساعة، واتفق الطرفان خلالها على ترتيب لقاء جديد في غضون أسابيع؛ لدفع جهود إنهاء الصراع في أوكرانيا.
وبرزت في واشنطن تقارير تحدثت عن ضغوط تمارسها الإدارة الأميركية على القيادة الأوكرانية للقبول بتنازلات إقليمية تتخلى معها كييف عن المطالبة بإقليم دونباس (لوغانسك ودونيتسك) الواقع تحت السيطرة الروسية، في مقابل وقف القتال.

كما أشارت تقارير إلى رغبة أميركية في تجميد الصراع عند خطوط التماس القائمة حالياً. وأفاد المركز الصحافي للبيت الأبيض بأن الرئيس الأميركي كرر اقتراحه بأن تتوقف روسيا وأوكرانيا عند خط المواجهة الحالي «وتتفقان على شيء ما لاحقاً». وهي فكرة بدا أنها قوبلت بتحفظ لدى الكرملين.
وقال بيسكوف، إن «فكرة تجميد الصراع بين روسيا وأوكرانيا طُرحت مراراً وتكراراً، بتفاصيل مختلفة، خلال الاتصالات بين روسيا والولايات المتحدة». وزاد أن موقف روسيا «معروف وتم تأكيده أكثر من مرة في هذا الشأن (...) موقف الاتحاد الروسي لم يتغير». وتابع بيسكوف أن «موسكو تتوقع أن تُتيح القمة الروسية - الأميركية الجديدة فرصةً للدفع بتسوية سلمية في أوكرانيا».

في غضون ذلك، حملت تصريحات مسؤولين روس رفضاً غير مباشر لفكرة انضمام الرئيس الأوكراني إلى المناقشات المنتظرة في بودابست. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن إطار العمل الروسي - الأميركي «قد تم تحديده في قمة ألاسكا بين الرئيسين الروسي والأميركي، ولن يطرأ عليه أي تعديل». وقال ريابكوف للصحافيين: «الأمر الأهم بالنسبة لنا الآن هو إيصال فكرة للأميركيين بأن أنكوريج (قمة ألاسكا) حددت الإطار الذي يتعين علينا العمل ضمنه. وليس لدينا بديل هنا (...) ما تم إنشاؤه وصياغته هناك (في أنكوريج) من قِبل الرئيسين الروسي والأميركي هو ما يجب أن نعتمد عليه في جميع الجهود المستقبلية».
وكان زيلينسكي أعلن استعداده للانضمام إلى القمة، أو لخوض مفاوضات غير مباشرة مع بوتين عبر الرئيس الأميركي. ولم يصدر رد فعل مباشر في واشنطن على هذه الفكرة.
قضايا عدة على الأجندة
وفي موضوع متصل، قال ريابكوف إن وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأميركي مارك روبيو سوف يلتقيان قريباً لإطلاق عملية التحضير للقمة، لكنه أضاف أنه «لا يوجد بعد اتفاق بشأن مكان اللقاء بين الوزيرين»، مشيراً إلى «أن كل شيء قيد الدراسة». وأشار إلى أن إعداد أي وثائق للقاء بين لافروف وروبيو يعتمد على الوضع؛ فالاتصالات مع الولايات المتحدة على جبهات مختلفة لم تنقطع. وذكر أن الطرفين سوف يجريان محادثة هاتفية قريباً.
وأكد ريابكوف أنه بالإضافة إلى ملف الصراع في أوكرانيا والدعم الغربي العسكري لكييف «هناك الكثير من القضايا المدرجة على أجندتنا الثنائية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقضايا الاقتصادية والكتلة الاقتصادية، وهي تتطلب الاهتمام أيضاً».
في الأثناء، أعلن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان أن القمة المرتقبة بين الرئيسين الروسي والأميركي في بودابست ستكون ذات «أهمية وجودية» لبلاده. ويرتبط الزعيم المجري بعلاقات وثيقة مع بوتين، ويعدّ من القادة الأوروبيين القلائل الذين يعارضون العقوبات على موسكو. وفور الإعلان عن الاتفاق الروسي - الأميركي على عقد القمة في بلاده أطلق تحضيرات واسعة وشكَّل لجنة تحضيرية لإنجاح القمة مهمتها القيام باتصالات مع الطرفين الروسي والأميركي وتقديم التسهيلات اللوجيستية اللازمة. وأوضح أوربان، الاثنين، أن «هذا الحدث قد يؤدي إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا، الذي يعيق التطور الطبيعي للاقتصاد المجري». وكتب أوربان على «ميتا»: «خلال السنوات الثلاث الأولى من الحرب الروسية - الأوكرانية، خسرت المجر 9.1 تريليون فورينت (23.4 مليار يورو). وهذا يعني أن الخسائر بلغت أكثر من مليوني فورينت (نحو 5 آلاف يورو) لكل عائلة».

«فرصة للسلام»
من جانبه، حذَّر وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو من محاولة بعض الأطراف الأوروبية عرقلة فرص نجاح القمة الروسية - الأميركية. وقال إن «زعماء الاتحاد الأوروبي سيفعلون كل ما في وسعهم لتعطيل اللقاء بين الرئيسين الروسي والأميركي في بودابست». وأضاف سيارتو في حديث لوكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية الروسية أن «الغالبية العظمى من السياسيين في الاتحاد الأوروبي سوف يبذلون كل ما في وسعهم في الأسابيع أو الأيام المقبلة لضمان عدم انعقاد هذه القمة». ورأى سيارتو أن القمة المرتقبة «ستوفر فرصة لإحلال السلام في أوكرانيا، في حين أن الاتحاد الأوروبي مهتم بمواصلة الحرب»، مشدداً على استعداد حكومة بلاده لبذل كل ما في وسعها لضمان نجاح اللقاء المرتقب.
وقال وزير الخارجية المجري إنه سيعارض خلال اجتماعاته مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي مواصلة تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ويقف ضد حظر شراء موارد الطاقة الروسية. واستبق الوزير المجري اجتماعي مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية ومجلس الطاقة في لوكسمبورغ، الاثنين، بتأكيد عزم بلاده على مواجهة أي محاولة لتأجيج الوضع مع روسيا قبل القمة.
وأشار سيارتو إلى أنه «ينبغي علينا الدفاع عن مصالح المجر في مكانين»، مضيفاً أن «مجلس الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية يرغب في تأجيج أجواء الحرب أكثر من خلال تقديم المزيد من الأموال والأسلحة للأوكرانيين، ومجلس الطاقة يسعى لتقويض أمن توريداتنا للطاقة من خلال الحظر على مشتريات الغاز الطبيعي والنفط من روسيا». وتوقع الوزير أن «الوضع سيكون صعباً» بالنسبة للمجر خلال الاجتماعين.
ويبحث وزراء الخارجية الأوروبيون في لوكسمبورغ، الاثنين، تشديد العقوبات ضد روسيا والمساعدة العسكرية لأوكرانيا، إضافة إلى دراسة خطة المفوضية الأوروبية للتخلي عن النفط والغاز الروسيين بحلول عام 2028.

