لتفادي توقيفه أو إسقاط طائرته... 3 مسارات محتملة لرحلة بوتين إلى بودابست

لحضور قمة مرتقبة مع ترمب

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر فعالية بمناسبة الذكرى العشرين لقناة «روسيا اليوم» التلفزيونية في مسرح البولشوي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر فعالية بمناسبة الذكرى العشرين لقناة «روسيا اليوم» التلفزيونية في مسرح البولشوي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
TT

لتفادي توقيفه أو إسقاط طائرته... 3 مسارات محتملة لرحلة بوتين إلى بودابست

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر فعالية بمناسبة الذكرى العشرين لقناة «روسيا اليوم» التلفزيونية في مسرح البولشوي بموسكو أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر فعالية بمناسبة الذكرى العشرين لقناة «روسيا اليوم» التلفزيونية في مسرح البولشوي بموسكو أمس (إ.ب.أ)

عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن لقاء فلاديمير بوتين في بودابست لعقد قمة أخرى بشأن أوكرانيا، أشاد فيكتور أوربان بالمجر باعتبارها «المكان الوحيد في أوروبا» الذي يُمكن أن يُعقد فيه مثل هذا الاجتماع.

ومع ذلك، يُشكل اختيار الموقع عقبات عملية وقانونية أمام الرئيس الروسي؛ فلا يُمكن لبوتين الوصول إلى بودابست دون عبور المجال الجوي لـ«حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، أو المجال الجوي لدولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية.

وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بوتين، مما يعني أن المجر وجيرانها، بما في ذلك صربيا ورومانيا، مُلزمون قانوناً باحتجازه إذا دخلت طائرته مجالهم الجوي.

وأثار الإعلان عن مكان انعقاد القمة جدلاً دبلوماسياً؛ إذ حثّت وزارة الخارجية الألمانية بودابست على اعتقال بوتين. ومن غير المرجح أن ترغب عدة دول في أن تُعتبر عقبةً أمام السلام في أوكرانيا بعرقلة خطط سفر بوتين.

هذه ثلاثة من الطرق التي قد يسلكها الزعيم الروسي، حسبما أوردت صحيفة «التلغراف» البريطانية:

مسار مدته ثلاث ساعات

قبل الحرب، كانت الرحلات الجوية المباشرة من موسكو إلى بودابست تستغرق نحو ثلاث ساعات، مروراً فوق بيلاروسيا وغرب أوكرانيا.

وأصبح الطيران في المجال الجوي الأوكراني الآن شبه مستحيل بالنسبة لبوتين؛ إذ تُعتبر سماؤها منطقة حرب نشطة. وسيكون مسار طيران رمزي فوق أوكرانيا محفوفاً بالمخاطر بشكل لا يُصدق، لا سيما عبر مناطقها الغربية، الخارجة عن السيطرة الروسية.

وحتى لو لم يكن هناك توجيه رسمي بمحاولة إسقاط طائرة بوتين، فقد عدّت صحيفة «التلغراف» أنه قد تحاول قوات مارقة تمتلك أسلحة ثقيلة شن هجوم. وحسب الصحيفة، فإن مخاوف بوتين الأمنية معروفة جيداً؛ ففي وقت سابق من هذا العام أفادت التقارير بأن مروحيته كانت قريبة من «مركز» هجوم بطائرة مسيّرة أثناء زيارته لمنطقة كورسك. ومن المستبعد جداً أن يُخاطر بحادث مماثل في رحلته إلى أوروبا.

رحلة مدتها خمس ساعات

هناك احتمال آخر أمام الرئيس الروسي، وهو طريقٌ يستغرق خمس ساعات عبر بيلاروسيا وصولاً إلى بولندا قبل الانعطاف جنوباً عبر سلوفاكيا إلى المجر.

وسلوفاكيا، شأنها شأن المجر، متعاطفةٌ بشكلٍ ملحوظ مع موسكو، على الرغم من عضويتها في الاتحاد الأوروبي.

وفي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، استخدم رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، حق النقض (الفيتو) لمنع فرض عقوباتٍ أوروبيةٍ جديدةٍ على روسيا. كما تحدى بروكسل في وقتٍ سابقٍ من هذا العام بسفره إلى موسكو، حيث صافح بوتين وحضر عرض «يوم النصر» الروسي.

ومع ذلك، في حين أن سلوفاكيا لن تواجه على الأرجح أي مشكلةٍ في تسهيل مرور بوتين، فإن بولندا ستواجه صعوبةً في ذلك؛ فبولندا، التي تُعدّ من أقوى حلفاء أوكرانيا، كانت مؤخراً ضحيةً لغاراتٍ روسيةٍ مُشتبهٍ بها بطائراتٍ مُسيّرة. رداً على ذلك، أخبرت بولندا روسيا أنه لا ينبغي لها «التذمر» إذا أُسقطت طائراتها أو صواريخها فوق أراضي «الناتو».

وبولندا عضو بارز في «الناتو» وأحد أقوى الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية. وفي حين أنه من المستبعد جداً أن تستهدف وارسو طائرة بوتين الرئاسية - وهو عمل قد يُشعل فتيل حرب عالمية ثالثة - فإنه حتى هذا الاحتمال الضئيل يجعل هذا المسار غير مقبول سياسياً وعسكرياً بالنسبة لبوتين.

مسار ثماني ساعات

الطريق الأكثر منطقية لبوتين سيستغرق ثماني ساعات، ويمتد جنوباً إلى تركيا، العضو في حلف «الناتو» والتي تجنبت قطع العلاقات مع موسكو. من هناك، يمكن لبوتين الالتفاف حول اليونان وعبور البحر الأبيض المتوسط ​​قبل التوجه شمالاً.

وقد تمر طائرته بعد ذلك عبر الجبل الأسود، العضو في المحكمة الجنائية الدولية وحلف «الناتو»، وصولاً إلى صربيا، التي لا تزال أحد حلفاء روسيا الأوروبيين القلائل. من هناك، ستكون الرحلة إلى المجر مباشرة.

وهناك سابقة لمثل هذا المسار المعقد؛ ففي وقت سابق من هذا العام غيّر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، مسار رحلته المعتاد من إسرائيل إلى نيويورك، متجنباً أوروبا القارية، ومحلقاً بدلاً من ذلك عبر مضيق جبل طارق.

تخفيف القوانين

لا تزال الطائرات الروسية ممنوعة من الهبوط في المجال الجوي للاتحاد الأوروبي والتحليق فوقه، بما في ذلك المجال الجوي المجري، لكن أوربان قال أمس (الجمعة) إن الاجتماع سيُعقد بغض النظر عن ذلك. قد تعترض الجبل الأسود، على الرغم من أن دبلوماسيين أوروبيين صرحوا لصحيفة «التلغراف» أيضاً بأنهم لن يمنعوا عقد قمة قد تُفضي إلى السلام.

وفي هذا الصدد، صرحت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية للشؤون الخارجية، أمس (الجمعة)، بأن حظر السفر المفروض على بوتين، ووزير خارجيته سيرغي لافروف، لم يشملهما، ضمن عقوبات الاتحاد الأوروبي. وأضافت أنه بإمكان الدول الأعضاء إصدار استثناءات من الحظر المفروض على استخدام الرحلات الجوية الروسية في المطارات والمجال الجوي الأوروبي، وهو قرار يعود للحكومات الوطنية وحدها.

إلى ذلك، أصر بيتر زيجارتو، وزير خارجية المجر، على أن بلاده «ستضمن دخوله المجر، وإجراء مفاوضات ناجحة هنا، ثم عودته إلى الوطن». وقال: «لا حاجة لأي نوع من التشاور مع أي أحد؛ فنحن دولة ذات سيادة هنا. سنستقبل (بوتين) باحترام، ونستضيفه، ونوفر له الظروف اللازمة للتفاوض مع الرئيس الأميركي».

وقالت إميلي فيريس، المحللة الروسية في معهد روسي، إن الدول الأوروبية لن ترغب في أن يُنظر إليها على أنها عقبة في طريق السلام. وأضافت: «نقطة الخطر الرئيسية بالنسبة لبوتين هي حدوث حالة طوارئ على متن الطائرة وإجبارها على الهبوط. هل ستنفذ تلك الدولة مذكرة المحكمة الجنائية الدولية، أو ستجبر طائرته على الهبوط وتعتقله بهذه الطريقة؟ أعتقد أن ذلك غير مرجح».

وتابعت: «قد يمنعونه من الطيران، لكنني لا أعرف لماذا سيفعلون ذلك. يمكنك الاختلاف مع بوتين والحرب، ولكن إذا كانت الولايات المتحدة تحاول إجباره على الجلوس على طاولة المفاوضات، فستبدو عرقلته أمراً مستعصياً بلا داعٍ».

وبدأت المجر إجراءات الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية في أبريل (نيسان)، لكن العملية تستغرق عاماً لتدخل حيز التنفيذ، مما يعني أنها لا تزال ملزمة تقنياً باعتقال بوتين، وفقاً لما أكده متحدث باسم المحكمة. ومع ذلك، يبدو هذا الاحتمال بعيداً. وفي أبريل، استضافت المجر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي صدرت بحقه أيضاً مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، دون وقوع حوادث.

وقال أوربان، حليف ترمب القديم الذي حافظ على علاقات وثيقة مع موسكو، إن الاجتماع قد يُعقد في غضون أسبوعين إذا حلّ وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا القضايا العالقة في محادثات الأسبوع المقبل.


مقالات ذات صلة

الكرملين ينفي تكهنات بوجود خلاف بين لافروف وبوتين

أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف (إ.ب.أ)

الكرملين ينفي تكهنات بوجود خلاف بين لافروف وبوتين

نفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، الجمعة، التكهنات بوجود خلاف بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يتحدّث خلال حفل استقبال نظرائه بدول آسيا الوسطى في وزارة الخارجية بالعاصمة واشنطن 5 نوفمبر 2025 (رويترز)

ترمب يعقد أول قمة له مع قادة آسيا الوسطى

يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب لأول مرة، اليوم (الخميس)، في واشنطن قادة الجمهوريات السوفياتية السابقة الخمس في آسيا الوسطى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم لقاء نظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض يوم الاثنين المقبل (أرشيفية - أ.ب)

البيت الأبيض: ترمب سيلتقي الشرع الاثنين

قالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولاين ليفيت، الثلاثاء، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعتزم لقاء نظيره السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، يوم الاثنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث (يسار) يغادر بعد حضور اجتماع ثنائي وتوقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون الدفاعي بين ماليزيا والولايات المتحدة في كوالالمبور 30 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

وزير الحرب الأميركي يعبّر عن مخاوف شديدة بشأن النشاط البحري للصين حول تايوان

أعرب وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث عن مخاوف خطيرة في محادثاته مع وزير الدفاع الصيني دونغ جون بشأن النشاط البحري لبكين حول تايوان وبحر الصين الجنوبي.

آسيا الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ يلتقطان الصور خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» (APEC) في جيونجو - كوريا الجنوبية 31 أكتوبر 2025 (رويترز)

الرئيس الصيني يدافع عن التعددية في منتدى «أبيك» الاقتصادي الدولي

دعا الرئيس الصيني شي جينبينغ، الجمعة، إلى بذل جهود لتعزيز العولمة الاقتصادية والتعددية في منتدى «أبيك» الاقتصادي الدولي.

«الشرق الأوسط» (سيول)

زيلينسكي: نعمل على إتمام صفقة تبادل أسرى جديدة مع روسيا

أسرى حرب في مكان غير معروف بأوكرانيا بعد عملية تبادل مع روسيا يوم 4 يوليو 2025 (رويترز)
أسرى حرب في مكان غير معروف بأوكرانيا بعد عملية تبادل مع روسيا يوم 4 يوليو 2025 (رويترز)
TT

زيلينسكي: نعمل على إتمام صفقة تبادل أسرى جديدة مع روسيا

أسرى حرب في مكان غير معروف بأوكرانيا بعد عملية تبادل مع روسيا يوم 4 يوليو 2025 (رويترز)
أسرى حرب في مكان غير معروف بأوكرانيا بعد عملية تبادل مع روسيا يوم 4 يوليو 2025 (رويترز)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الأحد، إن بلاده تعمل على عملية تبادل أسرى جديدة مع روسيا، قد تؤدي إلى عودة نحو 1200 أسير أوكراني إلى وطنهم.

وقال زيلينسكي، عبر منصة «إكس»: «نعوّل على استئناف تبادل أسرى الحرب. يعقد حالياً الكثير من الاجتماعات والمفاوضات والاتصالات لضمان ذلك».

وجاء تصريح زيلينسكي بعدما أعلن أمين عام مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، رستم عمروف، أمس السبت، عن إحراز تقدم في المفاوضات، وأنه أجرى مشاورات بوساطة تركية وإماراتية بشأن استئناف عمليات التبادل.

وأضاف عمروف أن الطرفين اتفقا على تفعيل اتفاقيات تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها في إسطنبول للإفراج عن 1200 جندي أوكراني، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية يوم الاثنين تظهر جنوداً يستقلون حافلة بعد إطلاق سراحهم في صفقة تبادل أسرى مع أوكرانيا بمكان غير محدد في 9 يونيو 2025 (إ.ب.أ)

وتشير اتفاقيات إسطنبول إلى بروتوكولات تبادل الأسرى التي وضعت بوساطة تركية في عام 2022، والتي وضعت قواعد لعمليات تبادل واسعة ومنسقة. ومنذ ذلك الحين، تبادلت روسيا وأوكرانيا آلاف الأسرى من الجانبين خلال العديد من عمليات التبادل.

وأعلن عمروف عن عقد مشاورات فنية قريباً لاستكمال التفاصيل الإجرائية والتنظيمية، معرباً عن أمله في أن يتمكن الأسرى الأوكرانيون العائدون من «الاحتفال برأس السنة الجديدة وعيد الميلاد في منازلهم ووسط عائلاتهم».

وفي تطورات أخرى، تعرضت البنية التحتية للطاقة لأضرار جراء غارات نفذتها طائرات مسيّرة روسية خلال الليل في منطقة أوديسا في أوكرانيا، حسبما ذكرت خدمة الطوارئ الحكومية في أوكرانيا. وكانت محطة للطاقة الشمسية من بين المواقع المتضررة.

وتحاول أوكرانيا بصعوبة شديدة صد الهجمات الجوية الروسية المتواصلة التي تسببت في انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء أوكرانيا مع اقتراب فصل الشتاء.

وقال الرئيس الأوكراني، عبر موقع «فيسبوك»، إن روسيا أطلقت نحو ألف طائرة مسيّرة هجومية، ونحو 980 قنبلة جوية موجهة، و36 صاروخاً من طرز مختلفة على أوكرانيا خلال أسبوع واحد.

وأضاف زيلينسكي أن أعمال الترميم جارية حالياً في خاركيف، وكذلك في منطقتي أوديسا ودنيبروبيتروفسك، عقب الضربات الروسية، وأن فرق الإنقاذ عملت في منطقتي سومي وتشيرنيهيف.

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن زيلينسكي قوله: «بشكل عام، أطلق الروس الليلة الماضية أكثر من 170 طائرة مسيّرة ضد أوكرانيا، كان نصفها على الأقل من طراز (شاهد). وخلال هذا الأسبوع، أطلق الروس نحو ألف طائرة مسيّرة هجومية، ونحو 980 قنبلة جوية موجهة، و36 صاروخاً من طرز مختلفة ضدنا».

وأكد زيلينسكي أن كل ليلة تعمل منظومة دفاع جوي متعددة المكونات، تشمل أنظمة الدفاع الجوي، والطيران الحربي، ومجموعات إطلاق النيران المتنقلة، وطائرات مسيّرة اعتراضية.

وأضاف زيلينسكي: «نعمل بنشاط مع شركائنا على كل من هذه المكونات لتعزيز حماية أوكرانيا. وقد أعددنا اتفاقات جديدة وقوية مع أوروبا لتعزيز دفاعنا الجوي، وقدرتنا على الصمود، ودبلوماسيتنا بشكل كبير».

وعلى خط المواجهة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، اليوم الأحد، أن قواتها سيطرت على قريتين في منطقة زابوريجيا بجنوب أوكرانيا.


بريطانيا تُعلن عن تغييرات جوهرية في نظام اللجوء

مهاجرون يحاولون الانضمام لركاب مركب مطاطي في دنكيرك باتجاه بريطانيا 26 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
مهاجرون يحاولون الانضمام لركاب مركب مطاطي في دنكيرك باتجاه بريطانيا 26 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
TT

بريطانيا تُعلن عن تغييرات جوهرية في نظام اللجوء

مهاجرون يحاولون الانضمام لركاب مركب مطاطي في دنكيرك باتجاه بريطانيا 26 أبريل 2024 (أ.ف.ب)
مهاجرون يحاولون الانضمام لركاب مركب مطاطي في دنكيرك باتجاه بريطانيا 26 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الداخلية البريطانية عن أكبر إصلاح شامل للسياسة المتبعة مع طالبي اللجوء في العصر الحديث، موضحةً أنها ستجعل وضع اللاجئ مؤقتاً، وستزيد مدة انتظار الحصول على إقامة دائمة في بريطانيا إلى 4 أمثال، لتصبح 20 عاماً. ومن المقرر عرض الخطة المفصلة لهذه التغييرات، يوم الاثنين، أمام البرلمان.

وتعمل حكومة حزب «العمال» على تشديد سياساتها المتعلقة بالهجرة، ولا سيما فيما يخص العبور غير القانوني للقوارب الصغيرة من فرنسا، وذلك في مسعى للحد من الشعبية المتزايدة لحزب «الإصلاح» البريطاني الشعبوي، الذي يدفع بقضية الهجرة إلى دائرة الضوء.

وأوضحت الحكومة أن الإصلاحات ستكون مستوحاة من نهج الدنمارك، الذي يُعد من أكثر السياسات صرامة في أوروبا، وتعرّض لانتقادات واسعة من جماعات حقوق الإنسان. ووسط تزايد المشاعر المعادية للمهاجرين في أوروبا، تم تشديد القيود في كثير من بلدان القارة.

مستوحى من الدنمارك

والنظام الجديد المستوحى من التشريعات الدنماركية يُخفض مدة إقامة اللاجئين من 5 سنوات إلى 30 شهراً، ويرفع المدة الضرورية قبل تقديم طلب إقامة دائمة من 5 سنوات إلى 20 سنة.

وشدّدت الوزارة على أن اللاجئين الراغبين في الحصول على إقامة دائمة بصورة أسرع «سيتحتم عليهم العمل أو الدراسة». كما لفتت إلى أن المساعدات الاجتماعية من سكن وإعانات مالية لن تُمنح تلقائياً، بل تعتزم الحكومة إلغاءها «للذين يحق لهم العمل ويمكنهم تأمين معيشتهم، أو للذين يخالفون القانون».

وقالت وزارة الداخلية في بيان، إنه في إطار تلك التغييرات سيتم إلغاء الواجب القانوني المتمثل في تقديم الدعم لبعض طالبي اللجوء، وأن حماية اللاجئين ستكون «مؤقتة الآن، وتخضع للمراجعة بشكل دوري، ويتم إلغاؤها» إذا صارت الدول الأصلية للاجئين آمنة.

وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود (رويترز)

«نظامنا شديد السخاء»

وقالت وزيرة الداخلية، شابانا محمود، لشبكة «سكاي نيوز»، يوم الأحد: «نظامنا شديد السخاء مقارنة بدول أوروبية أخرى، إذ يُصبح الشخص مستقراً تلقائياً في البلد بعد 5 سنوات (من حضوره إلى بريطانيا)، لكن ذلك سيتغير».

وأضافت أنه بموجب التغييرات، ستتم مراجعة وضع اللاجئ كل عامين ونصف العام، في إطار «مسار أطول بكثير يمتد لـ20 عاماً قبل الاستقرار الدائم في هذا البلد».

وذكرت الوزيرة أنها ستقدم، يوم الاثنين، مزيداً من التفاصيل حول هذه الإجراءات، بما في ذلك الإعلان بشأن المادة الثامنة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

وأثار نهج الحكومة الأكثر صرامة انتقادات، إذ وجّهت أكثر من 100 جمعية خيرية بريطانية رسائل إلى وزيرة الداخلية تحثها فيها على «التوقف عن استخدام المهاجرين كبش فداء، وعن السياسات الاستعراضية التي لا تُسبب سوى الضرر»، عادّة أن هذه الخطوات تُغذي العنصرية والعنف.

وتُشير استطلاعات الرأي إلى أن قضية الهجرة تخطّت قضية الاقتصاد، لتصبح الشاغل الأكبر للناخبين البريطانيين. وتقدم 109343 شخصاً بطلبات لجوء في المملكة المتحدة خلال العام المنتهي في مارس (آذار) 2025، بزيادة قدرها 17 في المائة على العام السابق، و6 في المائة فوق الذروة المسجلة عام 2002، التي بلغت 103081 طلب لجوء.

مهاجرون يصلون إلى ميناء دوفر على متن سفينة تابعة لقوة الحدود بعد إنقاذهم في أثناء محاولتهم عبور القنال الإنجليزي في بريطانيا 24 أغسطس 2022 (رويترز)

دفاع الحكومة عن إصلاحاتها

ودافعت حكومة حزب «العمال» عن إصلاحها واسع النطاق لنظام اللجوء الرامي لمكافحة الهجرة غير القانونية، مشيرة إلى أن هذه المسألة البالغة الحساسية «تُمزق» البلاد.

وقالت وزيرة الداخلية شابانا محمود، التي تتحدر عائلتها من باكستان، لـ«بي بي سي»: إن «الهجرة جزءٌ لا يتجزأ» من حياتها، لكنّ لديها «واجباً أخلاقياً» في مكافحة الهجرة غير النظامية، مشيرة إلى أن هذه المسألة «تمزق بلادنا». وأضافت أن الهجرة غير القانونية «تقسم المجموعات، فالناس يشعرون بضغط هائل داخل مجتمعاتهم، كما يرون نظاماً متداعياً يسمح للناس باستغلال النظام».

وتخضع حكومة كير ستارمر، التي تسلّمت مهامها في يوليو (تموز) 2024، لضغوط متواصلة للحد من توافد المهاجرين وتقليص حقوقهم، في مواجهة حزب «الإصلاح» اليميني المتطرف، بزعامة نايجل فاراج، الذي جعل من معاداة الهجرة قضيته الرئيسية، ويُسجّل تقدّماً ملحوظاً على حزب «العمال» في استطلاعات الرأي.

متظاهرون يشتبكون مع ضباط الشرطة خلال احتجاج مناهض للهجرة في بريطانيا 4 أغسطس 2024 (رويترز)

خفض عدد اللاجئين

وجرت مظاهرات هذا الصيف أمام الفنادق التي تؤوي طالبي لجوء، ولا سيما مظاهرة نظمها اليمين المتطرف في منتصف سبتمبر (أيلول) في لندن، وشارك فيها ما يصل إلى 150 ألف شخص، وفق تقديرات الشرطة.

وفي هذا السياق، وعدت الحكومة بخفض عدد اللاجئين الذين يعبرون بحر المانش في مراكب غير آمنة، من غير أن تتمكن من تحقيق ذلك حتى الآن.

ووصل منذ مطلع السنة 39393 مهاجراً بشكل غير قانوني إلى سواحل بريطانيا عبر بحر المانش، وهو رقم يتخطّى العدد المسجل خلال كامل عام 2024، والذي بلغ 36816 مهاجراً.

ونفت وزيرة الداخلية في حديثها للإعلام، أن تكون حكومتها تتبنى أيّاً من طروحات اليمين المتطرف. وكان مطلب الحد من تدابير الحماية للاجئين يقتصر إلى الآن على فاراج الذي أعلن أنه يعتزم في حال وصوله إلى السلطة إلزام المهاجرين بطلب تأشيرة كل 5 سنوات، بمن فيهم المهاجرون في وضع قانوني.

وقالت الوزيرة شابانا محمود: «أعرف أن عليّ إقناع الناس في جميع أنحاء البلاد وليس فقط في البرلمان بأن هذه الإصلاحات يمكن أن تكون مجدية».

وستقضي المرحلة الأولى بإقناع الجناح اليساري في حزب «العمال»، الذي أبدى منذ الآن معارضته للإصلاحات. وسبق أن اضطرت الحكومة في نهاية يونيو (حزيران) إلى التراجع عن مشروع قانون يهدف إلى الاقتطاع من مخصصات للمعوقين إزاء معارضة نحو مائة نائب من معسكرها.


فرنسا تُخطّط لشراكة دفاعية واسعة مع أوكرانيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماع بقصر الإليزيه في باريس، يوم 3 سبتمبر (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماع بقصر الإليزيه في باريس، يوم 3 سبتمبر (أ.ب)
TT

فرنسا تُخطّط لشراكة دفاعية واسعة مع أوكرانيا

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماع بقصر الإليزيه في باريس، يوم 3 سبتمبر (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماع بقصر الإليزيه في باريس، يوم 3 سبتمبر (أ.ب)

رغم أزمتها السياسية الداخلية وتدهور مالية الدولة، ما زالت باريس عازمة على أن تكون القوة الدافعة باتجاه توفير الدعم العسكري لأوكرانيا فيما الحرب تقترب من الدخول في عامها الرابع، في غياب أي مؤشرات على اقتراب الطرفين الروسي والأوكراني من هدنة أو وقف الأعمال العدائية. كذلك، لا تبدو في الأفق أي وساطة مع فشل مساعي الرئيس الأميركي لوضع حد لهذه الحرب في تحقيق أي نتيجةٍ تُذكر.

وفي هذا السياق، يحلّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين، ضيفاً، للمرة التاسعة، على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إطار جولة أوروبية تحمله الثلاثاء إلى إسبانيا، وربما لاحقاً إلى عواصم أخرى.

ومنذ يوم الجمعة، استبق الإليزيه الزيارة بعرض محطاتها الثلاث المختلفة عن الزيارات السابقة، في جانبين أساسيين: الأول، أنها ستدور صباحاً في مطار «فيلاكوبليه» العسكري القائم جنوب باريس. وخلال هذه المحطة، سيتم التركيز على «اتساع مروحة التعاون بين باريس وكييف في مجالَي الدفاع والتسليح، وعلى الوسائل المتاحة لمواصلة تعزيزه. ولكن أيضاً الاستمرار في التقريب بين القواعد الصناعية والتكنولوجية والدفاعية ودمجها».

وتؤكد المصادر الرئاسية على أهمية «تحديث الجيش الأوكراني والاقتراب أكثر فأكثر من معايير (الحلف الأطلسي)».

أما المحطة الثانية للزيارة، فستكون في «مقر قيادة القوة متعددة الجنسيات لأوكرانيا»، التي تسعى باريس ولندن لإنشائها، بانتظار توصل الطرفين المتحاربين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وسبق للعاصمتين أن اتفقتا على استضافة هذا المقر بالتناوب.

قوة متعددة الجنسيات

ويضم ما يُسمَّى «تحالف الراغبين»، من الناحية المبدئية، 34 دولة، غالبيتها أوروبية، لكنها ليست جميعها معنية بتوفير عناصر عسكرية للقوة الدولية المذكورة. وحتى اليوم، عبّر عدد قليل من الدول عن استعدادهم للمشاركة بوحدات عسكرية، فيما الدول الأخرى ستلتزم بتقديم مساهمات متنوّعة، مثل التدريب والتسليح والدعم.

زيلينسكي مع ماكرون عقب اجتماع في قصر الإليزيه يوم 4 سبتمبر (رويترز)

والعقبة الرئيسية أمام هذه القوة عنوانها تمسُّك دول رئيسية بالحصول على «غطاء» أميركي، حتى لا تُترك وحيدة بوجه القوات الروسية، في حال معاودة الأعمال القتالية. وفي أي حال، فإن القوة سوف تُنشر، وفق باريس: «خلف خطوط القتال»، وستكون ثلاثية المهمات. أولها: دعم الجيش الأوكراني باعتباره «خط الدفاع الأول» بمواجهة روسيا. وثانيها: «توفير الضمانات» الأمنية المستقبلية لكييف حتى لا تكون لاحقاً هدفاً لروسيا. وثالثها: تأمين الأجواء الأوكرانية، وإزالة الألغام في البحر الأسود، وتسهيل وتأمين حركة الملاحة فيه.

وبحسب باريس، فإن هيئة الأركان «تواصل العمل والتخطيط لتشكيل ونشر القوة متعددة الجنسيات»، حين تتوفر الظروف. وتنتهي الزيارة في قصر الإليزيه بغداء مغلق بين الرئيسين، يليه مؤتمر صحافي.

تريد باريس، بشكل رئيسي، «تجديد التأكيد على التزام فرنسا إلى جانب أوكرانيا على المدى الطويل». ويتناغم هذا الهدف مع الرغبة في التقريب بين الصناعات الدفاعية في البلدين، وتمكين الشريك الأوكراني من الاستفادة من «التميُّز» الفرنسي في قطاع التسلح، والاستعداد لمساعدة أوكرانيا لتعظيم قدراتها الدفاعية، والحصول على الأنظمة الدفاعية التي تحتاج إليها للدفاع عن أراضيها وعن أجوائها.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يصلان إلى قمة «تحالف الراغبين» الداعم لكييف في قصر الإليزيه بباريس 4 سبتمبر (إ.ب.أ)

وقالت مصادر الإليزيه إن باريس «تستشعر المسؤولية في دوام الوقوف إلى جانب أوكرانيا، نظراً لاستمرار الحرب بوتيرة عالية، وغياب أفق لوقف إطلاق النار». من هنا الحاجة لـ«زخم جديد» للتعاون بين باريس وكييف.

ولا يُستبعَد الإعلان، خلال الزيارة، عن مساعدات جديدة؛ خصوصاً في مجال التسلح. وينظر الفرنسيون بإعجاب إلى ما حقّقته أوكرانيا في هذا المجال، وليس فقط في قطاع تصنيع المسيرات التي أخذت تحتلّ مركزاً رئيسياً في الحرب الدائرة بين الطرفين المتقاتلين.

ويركز الرئيس زيلينسكي على حاجة بلاده لحماية أجوائها، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا، بشكل رئيسي، لضرب منشآت الطاقة الأوكرانية، وذلك قبل حلول الشتاء.

إشكالية التمويل

بعد أن أعلنت إدارة الرئيس الأميركي أنها ستوقف تمويل أوكرانيا، بعكس ما دأبت عليه إدارة الرئيس الأسبق جو بايدن، وجد الأوروبيون أنفسهم في وضع دقيق، واستشعروا أن ثقل الحرب سيقع على كاهلهم.

قادة أوكرانيا والاتحاد الأوروبي وفرنسا و فنلندا وألمانيا خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض يوم 18 أغسطس (أ.ف.ب)

من هنا الانتقال من الاستفادة من عائدات الأصول المالية الروسية المحجوزة في البنوك الأوروبية؛ خصوصاً في بروكسل، إلى الاستفادة من هذه الأصول مباشرة من خلال آلية معقدة. وتحتفظ مؤسسة «يوروكلير»، الموجودة في بروكسل، بأصول روسية تصل إلى 191 مليار يورو، فيما مجمل الأصول في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك في لوكسمبورغ وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، يتراوح، وفق المصادر المختلفة، ما بين 210 و260 مليار يورو.

وقالت مصادر رئاسية فرنسية إن باريس تنتظر المقترحات العملية التي ستقدمها المفوضية الأوروبية في الاجتماعات المقبلة. وتجدر ملاحظة أن الدول الأوروبية التي كانت تعارض اللجوء إلى استخدام الأصول الروسية، ومنها فرنسا وألمانيا وبلجيكا، أخذت بتبديل موقفها. ويتلخص الموقف الفرنسي، راهناً، كما شرحته المصادر الرئاسية، بثلاث نقاط: الأولى: أن يكون تعامل الاتحاد الأوروبي «متوافقاً مع ما ينُصّ عليه القانون الدولي»، بحيث لا يُعدّ استخدام الأصول الروسية استحواذاً عليها. والنقطة الثانية: التركيز على المسؤولية الجماعية عن الإقدام على هذه الخطوة أكان على المستوى الأوروبي، أو في إطار «مجموعة السبع»، لتوفير جميع الضمانات التي تطلبها بلجيكا. والنقطة الثالثة أن تذهب الأموال لضمان استراتيجية طويلة الأمد لتمويل أوكرانيا، وضمان حصولها على الأنظمة الدفاعية التي تحتاج إليها، وتدعيم القاعدة الصناعية والتكنولوجية للدفاع الأوروبي.

والمقترح الرئيسي المتعلق باستخدام الأصول الروسية المجمّدة، يقوم على منح أوكرانيا «قروضاً» متتالية بقيمة 140 مليار يورو من هذه الأصول، التي لن يتوجب على كييف تسديدها إلا بعد أن تكون موسكو قد دفعت تعويضات حربها على أوكرانيا. وبما أنه من شبه المؤكد أن روسيا لن تفعل، فإن أوكرانيا لن تُسدّد أي قرض.