الأوروبيون يرفضون «النووي» الإيراني والحل العسكري الإسرائيلي

بمواجهة وضع «بالغ التعقيد والدقة بالنسبة لمصالحهم الاستراتيجية»

الاتحاد الأوروبي يبحث عن موقف موحد تجاه الصراع الإسرائيلي - الإيراني (رويترز)
الاتحاد الأوروبي يبحث عن موقف موحد تجاه الصراع الإسرائيلي - الإيراني (رويترز)
TT

الأوروبيون يرفضون «النووي» الإيراني والحل العسكري الإسرائيلي

الاتحاد الأوروبي يبحث عن موقف موحد تجاه الصراع الإسرائيلي - الإيراني (رويترز)
الاتحاد الأوروبي يبحث عن موقف موحد تجاه الصراع الإسرائيلي - الإيراني (رويترز)

منذ مطلع الأسبوع الماضي، وقبل أن تبدأ إسرائيل هجومها على إيران، كانت العواصم الأوروبية الثلاث الكبرى، باريس ولندن وبرلين، على علم بأن المواجهة بين تل أبيب وطهران دخلت دائرة التحضير للانتقال إلى الضربة العسكرية التي تتوعد بها الدولة العبرية منذ سنوات، واشتدّت لهجتها منذ وصول بنيامين نتنياهو إلى الحكم. وبدا واضحاً من مناقشات الدورة العادية لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مطلع الأسبوع الفائت، وإصرار مجموعة «الدول الأوروبية الثلاث» (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) على استصدار قرار يدين عدم التجاوب الإيراني لمطالب الكشف الكامل عن تفاصيل أنشطة التخصيب في المواقع النووية، والذي مهّد له التقرير الذي قدّمه المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، واستخدم فيه عبارات غير مسبوقة من اللوم والتنديد تجاه إيران، أن «ثمّة شيئاً يعتمل في الخفاء»، كما ألمح محافظ الاتحاد الروسي في كلمته أمام المجلس.

وبعد مرور 4 أيام على بداية المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ودخولها مرحلة من التصعيد المفتوح على احتمالات الانفجار الواسع، يقف الأوروبيون أمام صراع «بالغ التعقيد والدقة بالنسبة لمصالحهم الاستراتيجية»، كما وصفه المسؤول السابق عن السياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بوريل، في تصريحات له، الأحد الفائت. فمن ناحية، تجمع الدول الأعضاء في الاتحاد على عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي، لكن معظمها يرفض الحل العسكري، ويميل بقوة إلى الوسائل الدبلوماسية بما فيها من محفزات وعقوبات اقتصادية، خشية انفجار المواجهة العسكرية إلى صراع إقليمي أو أكبر، وخوفاً من التداعيات الاقتصادية التي تنشأ عنها؛ ومن ناحية أخرى يواجه الأوروبيون موقفاً أميركياً معقداً من الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن الرسوم الجمركية، يدفعهم إلى إرضاء واشنطن، أو على الأقل إلى عدم إغضابها. يضاف إلى ذلك أن ثمة جهات أوروبية لا تنظر بعين الرضا إلى نصر إسرائيلي ساحق في هذه المواجهة، خصوصاً في ضوء ما تقوم به في غزة والضفة الغربية.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تغرّد مجدداً خارج السرب الأوروبي (أرشيفية - د.ب.أ)

وكانت العواصم الأوروبية قد وجهت، منذ الساعات الأولى لبدء المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، دعوات على أرفع المستويات لضبط النفس، ومنع الانزلاق إلى مواجهة إقليمية واسعة، قد تخرج عن السيطرة في ظل الظروف الدولية السائدة. وكان رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، دعا إلى تحاشي التصعيد الخطير الذي من شأنه زعزعة الاستقرار في منطقة تغلي في مرجل منذ فترة. بينما وصفت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، الوضع بأنه بالغ الخطورة، وطلبت من الطرفين الامتناع عن أي رد انتقامي، مؤكدة أن العودة إلى الحل الدبلوماسي ليس فحسب حيوياً لاستقرار المنطقة، بل أيضاً للاستقرار العالمي. ومن جهتها، سارعت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، كايا كالاس، إلى الاتصال بوزيري الخارجية الإسرائيلي والإيراني داعية الطرفين إلى وقف التصعيد والعودة إلى المسار الدبلوماسي قبل فوات الأوان. في موازاة ذلك، كان الرئيس الفرنسي يكثّف اتصالاته مع نظيره الأميركي، دونالد ترمب، وقيادات المنطقة بدءاً بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وعاهل الأردن ورئيس الإمارات العربية المتحدة وأمير قطر، بينما كان المستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني يتواصلان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

لكن بينما كانت الجهود الأوروبية منصبة على توحيد موقف متوازن من المواجهة العسكرية المفتوحة بين تل أبيب وطهران، أطلقت أورسولا فون دير لاين موقفاً أثار انزعاجاً عميقاً في بعض عواصم الاتحاد، عندما أدلت بتصريح في أعقاب محادثة هاتفية أجرتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي قالت فيه: «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وإيران هي المصدر الأساسي لزعزعة الاستقرار في المنطقة». وأضافت فون دير لاين، متجاهلة أن إسرائيل هي التي بدأت المواجهة: «المعلومات الواردة من الشرق الأوسط تنذر بخطر كبير، وأوروبا تحضّ كل الأطراف على ممارسة أشد درجات ضبط النفس، والامتناع الفوري عن التصعيد والأعمال الانتقامية».

مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، كايا كالاس تتحدث في مؤتمر صحافي عن الوضع بالشرق الأوسط في بروكسل الثلاثاء (أ.ف.ب)

أمام هذا الخروج الجديد لفون دير لاين عن الموقف الأوروبي الموحد، الذي يعود تحديده للدول الأعضاء وليس للمفوضية، التي اعتادت رئيستها التغريد خارج السرب الأوروبي، سارعت مسؤولة السياسة الخارجية إلى القول: «إن الاتحاد الأوروبي يتابع من كثب الوضع في الشرق الأوسط، ويعرب عن قلقه العميق إزاء التصعيد الخطير الذي يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط بعد الهجمات الإسرائيلية على إيران، والرد الإيراني عليها. ويكرر الاتحاد التزامه بالأمن الإقليمي، بما فيه أمن إسرائيل، ويناشد كل الأطراف احترام القانون الدولي، والامتناع عن القيام بأي خطوات من شأنها التسبب في تداعيات خطيرة مثل تسرب الإشعاعات النووية». وأنهت كالاس بيانها بالقول: «الاتحاد الأوروبي جاهز لمواصلة الجهود الدبلوماسية لتخفيف التوتر، والتوصل إلى حل دائم للمسألة النووية الإيرانية لا يمكن تحقيقه إلا عبر التفاوض».

وفي محاولة لاحتواء الاستياء الذي أحدثته تصريحات فون دير لاين، وتثبيت موقف أوروبي موحد من المواجهة الإسرائيلية الإيرانية، دعت كالاس إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس وزراء خارجية الاتحاد.


مقالات ذات صلة

الترويكا الأوروبية تبحث إعادة العقوبات الأممية ضد إيران

شؤون إقليمية وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يصل إلى وزارة الخارجية القبرصية في نيقوسيا 4 يوليو 2025 (رويترز)

الترويكا الأوروبية تبحث إعادة العقوبات الأممية ضد إيران

أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الثلاثاء، أمام لجنة برلمانية، أن الترويكا الأوروبية قد تعيد فرض العقوبات الأممية على إيران بموجب آلية «سناب باك».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية سيارات تمر أمام مبنى يحمل لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة في طهران 22 يونيو 2025 (إ.ب.أ)

طهران: لم نقدم طلباً للتفاوض وندرس عرض واشنطن

قالت طهران إنها تدرس طلب الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات، نافية أن تكون قد تقدمت بطلب لعقد لقاء مع مسؤولين أميركيين بشأن استئناف المحادثات النووية.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية لقطة جوية تُظهر موقعاً سكنياً متضرراً في أعقاب هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل (رويترز) play-circle

مسؤول إسرائيلي: إيران قصفت بعض المواقع العسكرية الشهر الماضي

كشف مسؤول عسكري إسرائيلي، الثلاثاء، عن أن الضربات الجوية الإيرانية الشهر الماضي أصابت بعض المواقع العسكرية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية لافتة دعائية معلّقة على مبنى التنسيق الإيراني - الفلسطيني وسط طهران وتُظهر صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقد كُتب عليها: «فشل في حرب أخرى» (إ.ب.أ)

بزشكيان يُغضب المحافظين بدعوته لاستئناف التفاوض مع واشنطن

في وقت حساس سياسياً وعسكرياً، اختار الرئيس الإيراني أن يمد غصن زيتون دبلوماسياً نحو واشنطن، رغم القصف الأميركي لمواقع نووية إيرانية، ما أثار استياء المحافظين.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع الرئاسة الإيرانية لبزشكيان خلال مقابلة مع تاكر كارلسون

بزشكيان يتهم إسرائيل بمحاولة اغتياله

اتهم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إسرائيل بمحاولة اغتياله، داعياً الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى كبحها وتجنب الانجرار إلى حرب، محذراً من أن رئيس الوزراء

«الشرق الأوسط» (لندن)

أوكرانيا تطالب بالتحقيق في أنباء عن استخدام روسيا أسلحة كيميائية

رجل يقف بين الحطام بجوار مبنى تضرر بعد هجوم بطائرة من دون طيار في خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
رجل يقف بين الحطام بجوار مبنى تضرر بعد هجوم بطائرة من دون طيار في خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا تطالب بالتحقيق في أنباء عن استخدام روسيا أسلحة كيميائية

رجل يقف بين الحطام بجوار مبنى تضرر بعد هجوم بطائرة من دون طيار في خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)
رجل يقف بين الحطام بجوار مبنى تضرر بعد هجوم بطائرة من دون طيار في خاركيف الأوكرانية (أ.ف.ب)

طلبت أوكرانيا، اليوم الثلاثاء، من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي التحقيق في أنباء عن استخدام روسيا لذخائر سامة محظورة ضد القوات الأوكرانية، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقدمت كييف طلب إجراء التحقيق إلى الجهات المعنية بالمنظمة.

جاء ذلك بعد أن قالت المخابرات الهولندية والألمانية يوم الجمعة إنهما تمتلكان أدلة على استخدام روسيا لأسلحة غير قانونية على نطاق واسع على طول خط المواجهة.

وقال المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية فرناندو أرياس في بيان للمجلس التنفيذي للمنظمة إنه في ضوء الأنباء عن الاستخدام المتكرر لمواد كيميائية خطيرة، سيكثف مكتبه رصد الأنشطة على طول خط الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وشكلت المنظمة فريقاً مماثلاً في عام 2018 للتحقيق في اتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وخلص فريق التحقيق إلى أن القوات الحكومية السورية ومسلحي تنظيم «داعش» استخدموا أسلحة كيميائية محظورة في الحرب الأهلية التي اندلعت في مارس (آذار) 2011.

واتهمت الولايات المتحدة روسيا لأول مرة في مايو (أيار) من العام الماضي باستخدام الكلوروبكرين، وهو مركب كيميائي أكثر سمية من المواد المستخدمة في مكافحة الشغب واستخدمته ألمانيا لأول مرة خلال الحرب العالمية الأولى.

وقالت المنظمة، المعنية بنزع السلاح ومقرها لاهاي وتضم 193 دولة عضوة، العام الماضي إن الاتهامات الأولية التي تبادلها طرفا الحرب «غير مدعومة بأدلة كافية».

وينفي الطرفان استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع الذي تصاعدت حدته عندما غزت روسيا أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وجاء في الطلب الذي حصلت «رويترز» على نسخة منه: «تطلب أوكرانيا بموجب هذا الطلب من المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية اتخاذ خطوات نحو إنشاء آلية مستقلة ومحايدة للتحقيق في حالات الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية في أوكرانيا».

ودعا الطلب إلى منح الآلية الصلاحيات «لجمع أدلة إضافية وتحديد هوية الجناة والمنظمين والرعاة لهذا الاستخدام».

وقال جهاز المخابرات العسكرية الهولندية إن 3 وفيات أوكرانية على الأقل مرتبطة باستخدام الأسلحة الكيميائية، بينما أبلغ أكثر من 2500 شخص أصيبوا في ساحة المعركة السلطات الصحية الأوكرانية عن أعراض مرتبطة بالأسلحة الكيميائية.

ويوم الاثنين، استهدفت بريطانيا شخصين روسيين وكياناً روسياً في إطار نظام عقوباتها على الأسلحة الكيميائية، في أحدث جهودها لمعاقبة موسكو على غزوها لأوكرانيا.