كيف تسعى بولندا لبناء الجيش البري الأقوى في أوروبا؟

تعتزم بولندا تخصيص 5 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للإنفاق الدفاعي (رويترز)
تعتزم بولندا تخصيص 5 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للإنفاق الدفاعي (رويترز)
TT

كيف تسعى بولندا لبناء الجيش البري الأقوى في أوروبا؟

تعتزم بولندا تخصيص 5 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للإنفاق الدفاعي (رويترز)
تعتزم بولندا تخصيص 5 % من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للإنفاق الدفاعي (رويترز)

في مختلف أنحاء أوروبا، بدأت الدول تتسلح من جديد. يثير الرئيس الأميركي دونالد ترمب وتوجّهاته مخاوف من انسحاب الولايات المتحدة العسكري من القارة، في حين سيطرت روسيا بالفعل على 20 في المائة من مساحة أوكرانيا. لكن بولندا لم تنتظر ضغوط الرئيس الأميركي الجديد لزيادة التسلّح. في مارس (آذار) 2022، رداً على غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشامل لأوكرانيا، أقرت وارسو بالإجماع تقريبا قانونا «بشأن الدفاع عن الأمة»، ومن شأن مشروع التسلح البولندي أن يجعل وارسو تمتلك أقوى جيش بري في أوروبا في السنوات القادمة، بحسب الباحثَين ليو بيريا بينيي وأميلي زيما في مذكرة بارزة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

جنود بولنديون خلال إحياء ذكرى انتصار بولندا على روسيا سنة 1920(أ.ف.ب)

بحسب هذه المذكّرة التي تناولتها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، سيتم تخصيص 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي لبولندا تدريجيا للدفاع (الناتج الإجمالي لبولندا يزيد على 800 مليار دولار سنوياً). وزاد إنفاق بولندا الدفاعي من 1.88 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 2.23 في المائة في عام 2022، ثم إلى 3.26 في المائة في عام 2023 و4.12 في المائة في عام 2024.

ألف دبابة

ويشير كاتبا المذكّرة إلى أنه «في غضون ثلاث سنوات، أعلنت بولندا عن الاستحواذ على المدى المتوسط ​​على أكثر من ألف دبابة قتالية ومدافع هاوتزر ذاتية الحركة ومركبات مدرعة للمشاة بالإضافة إلى عدة مئات من قاذفات الصواريخ». وسيعمل الجيش البولندي على مضاعفة قوته ليصل إلى 300 ألف جندي فعال.

والهدف هو بناء رادع تقليدي موثوق به للتعويض عن الافتقار إلى رادع نووي مستقل في مواجهة روسيا التي أصبحت أكثر عدوانية من أي وقت مضى، وفق المذكّرة.

دبابة ليوبارد البولندية خلال تدريبات عسكرية في بولندا... 19 مايو 2022 (أ.ف.ب)

ولهذه النزعة البولندية الحالية نحو التسلّح أسباب مرتبطة بمخاوف تاريخية. فبولندا، على الرغم من كونها كانت قوة عظمى في القرن السادس عشر، اختفت من الخريطة في نهاية القرن الثامن عشر (تقاسمتها إمبراطوريات روسيا وبروسيا والنمسا)، ثم عادت للظهور في نهاية الحرب العالمية الأولى، قبل أن تخضع للنفوذ السوفياتي (الروسي) وتستعيد سيادتها أخيراً مع سقوط الاتحاد السوفياتي في أواخر القرن الماضي. لذا ترى بولندا أن روسيا عدوّتها الرئيسية بحكم الجغرافيا والتاريخ، بحسب المذكرة.

وبعد أن كانت بولندا جزءاً أساسياً من حلف وارسو خلال مرحلة الحرب الباردة، باتت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية حلف وارسو، جزءاً من حلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 1999.

300 ألف جندي

وتتجه القوات المسلحة البولندية تدريجياً إلى الابتعاد عن النموذج السوفياتي عسكرياً لتتكامل مع نموذج حلف شمال الأطلسي، سواء من حيث القدرات العسكرية أو التدريب.

وواصل الجيش البولندي إصلاحاته، وتم تعليق الخدمة العسكرية فعلياً في يناير (كانون الثاني) 2010 من أجل إنشاء جيش محترف يضم 120 ألف جندي و30 ألف جندي احتياطي.

وتشير أميلي زيما في مذكرتها إلى أن «التهديد (العسكري) الروسي، الذي لم يكن حاضراً أو غائباً حتى عن المراجعات الاستراتيجية الوطنية البولندية لعامي 2003 و2007، تم التعبير عنه بوضوح في الكتاب الأبيض البولندي لعام 2013». وقد أدى وصول المحافظين من حزب القانون والعدالة البولندي إلى السلطة في عام 2015، والغزو الروسي الأول لأوكرانيا في عام 2014، إلى تسريع توجّه وارسو نحو التسلّح، وفي مارس (آذار) 2022، تم إقرار قانون الدفاع عن الأمة، الذي ينص على إنشاء جيش قوامه 300 ألف جندي.

تتجه القوات المسلحة البولندية تدريجياً إلى الابتعاد عن النموذج السوفياتي عسكرياً لتتكامل مع نموذج حلف شمال الأطلسي (الناتو) سواء من حيث القدرات العسكرية أو التدريب (رويترز)

ويعتزم الجيش البولندي زيادة قوة القوات البرية البولندية بأكثر من 40 في المائة في حوالي عشر سنوات، يوضح ليو بيري بينيي في المذكّرة. أما بالنسبة للمركبات المدرعة للجيش البولندي، ففي حين أن ثلثيها كان في عام 2010 يعود تاريخها إلى الحقبة السوفياتية، فإن هذه النسبة انخفضت إلى النصف بحلول عام 2024 (قسم من هذه الدبابات أيضاً قدّمته بولندا لأوكرانيا)، انخفاض مرتبط بتحديث الترسانات والمشتريات من الخارج. ويعتزم الجيش سحب جميع المعدات ذات الأصل السوفياتي من الخدمة الفعلية بحلول عام 2032.

يُشار إلى أن بولندا استثمرت بشكل رئيسي في مكونها العسكري الجوي والبري، وأهملت قوتها البحرية.

ويختتم ليو بيريا بينيي حديثه قائلاً: «إن الطموح (العسكري) المعلن عنه لبولندا يكفي في حال تحقيق نسبة 50 في المائة منه، أن يكون كافياً لجعل الجيش البولندي أقوى قوة برية في أوروبا القارية».


مقالات ذات صلة

بسبب حربَي غزة وأوكرانيا... شركات تصنيع الأسلحة تسجل إيرادات قياسية

العالم زيادة الطلب في أوروبا مرتبطة بالحرب في أوكرانيا (أ.ف.ب)

بسبب حربَي غزة وأوكرانيا... شركات تصنيع الأسلحة تسجل إيرادات قياسية

بلغت مبيعات أكبر مائة شركة لتصنيع الأسلحة في العالم رقماً قياسياً، بلغ 679 مليار دولار العام الماضي؛ حيث عززت الحروب في غزة وأوكرانيا الطلب.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
أوروبا مركبة مدرّعة من طراز «أجاكس» في نموذج أولي عام 2016 (وزارة الدفاع البريطانية)

بريطانيا توقف استخدام مركبات «أجاكس» المدرّعة بعد إصابة 30 جندياً بوعكات صحية

أوقف الجيش البريطاني استخدام مركباته المدرّعة من طراز «أجاكس» (Ajax) بعد إصابة نحو 30 جندياً بوعكات صحية بسبب الضوضاء والاهتزاز خلال تدريب عسكري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يُدليان ببيان بعد المحادثات غير الرسمية بين رؤساء حكومات الاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا في قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في لواندا بأنغولا 24 نوفمبر 2025 (د.ب.أ)

فون دير لاين: أوروبا وأفريقيا تحتاجان إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى

قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الاثنين إن أوروبا وأفريقيا «تحتاجان إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى».

«الشرق الأوسط» (لواندا)
الاقتصاد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح متحدثاً في قمة «اليونيدو» (الشرق الأوسط)

الفالح: المنطقة تستقطب 3 % فقط من الاستثمار الأجنبي رغم غناها بالموارد

أكد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في ضعف جذبها للاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة بحجم الفرص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال جلسة اليوم الثاني لقمة قادة «مجموعة العشرين» (واس)

السعودية تؤكد التزامها بالعمل مع «العشرين» لمنظومة اقتصادية أكثر شمولاً وعدالة

أكدت السعودية، الأحد، التزامها بمواصلة العمل مع دول مجموعة العشرين لتعزيز منظومة اقتصادية أكثر شمولاً وعدالة واستدامة، تقوم على التعاون والابتكار وتكافؤ الفرص.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
TT

الجيش الأوكراني يعلن استهداف مصنع كبير للكيماويات في جنوب روسيا

حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)
حريق في منطقة ستافروبول (أرشيفية)

قال الجيش الأوكراني في ساعة متأخرة من يوم الخميس إن قواته ضربت مصنعا كبيرا للمواد الكيميائية في منطقة ستافروبول بجنوب روسيا، ما أدى إلى اندلاع حريق.

وكتبت هيئة الأركان العامة للجيش على تطبيق تلغرام أن مصنع نيفينوميسكي أزوت تعرض للقصف يوم الخميس، موضحة أن المنشأة تنتج مكونات للمتفجرات ووصفتها بأنها واحدة من أكبر المنشآت من هذا النوع في روسيا.

ولم يصدر على الفور رد فعل من جانب المسؤولين الروس، ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة ما أعلنه الجيش الأوكراني بشكل مستقل.


أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
TT

أوكرانيا تعبر عن رغبتها في «سلام حقيقي وليس تهدئة» مع روسيا

آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)
آليات وجنود روس في جنوب شرقي أوكرانيا (رويترز)

قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، اليوم الخميس، في كلمة أمام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن أوكرانيا تريد «سلاماً حقيقياً وليس تهدئة» مع روسيا.

وتسعى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وهي هيئة معنية بالأمن والحقوق، إلى الاضطلاع بدور في أوكرانيا ما بعد الحرب.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس الأربعاء، إن الطريق أمام محادثات السلام غير واضح حالياً، في تصريحات بعد محادثات وصفها بأنها «جيدة إلى حد معقول» بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومبعوثين أميركيين.

وأضاف سيبيها أمام المجلس الوزاري السنوي للمنظمة: «ما زلنا نتذكر أسماء أولئك الذين خانوا الأجيال القادمة في ميونيخ. يجب ألا يتكرر ذلك مرة أخرى. يجب عدم المساس بالمبادئ ونحن بحاجة إلى سلام حقيقي وليس إلى تهدئة».

جنود روس يقومون بدورية بمنطقة سودجا بإقليم كورسك (أرشيفية - أ.ب)

وأشار الوزير بهذا على ما يبدو إلى اتفاقية عام 1938 مع ألمانيا النازية، التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا على أن يضم أدولف هتلر إقليماً فيما كان يُعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا. وتستخدم هذه الاتفاقية على نطاق واسع باعتبارها إشارة إلى عدم مواجهة قوة مهددة.

ووجه سيبيها الشكر للولايات المتحدة على ما تبذله من جهود في سبيل إرساء السلام، وتعهد بأن أوكرانيا «ستستغل كل الفرص الممكنة لإنهاء هذه الحرب»، وقال: «أبرمت أوروبا الكثير للغاية من اتفاقيات السلام غير العادلة في الماضي. أسفرت جميعها عن كوارث جديدة».

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس إن فريقه يستعد لعقد اجتماعات في الولايات المتحدة وإن الحوار مع ممثلي ترمب سيستمر.

وبرزت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تضم 57 دولة منها الولايات المتحدة وكندا وروسيا ومعظم دول أوروبا وآسيا الوسطى، بوصفها منتدى مهماً للحوار بين الشرق والغرب خلال الحرب الباردة.

وفي السنوات القلائل الماضية، وصلت المنظمة إلى طريق مسدود في كثير من الأحيان، إذ عرقلت روسيا تنفيذ قرارات مهمة، واتهمتها بالخضوع لسيطرة الغرب. واشتكت روسيا في بيانها من «هيمنة أوكرانيا الشاملة على جدول الأعمال» في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.


تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
TT

تقرير: رصد مسيرات قرب مسار طائرة تقل زيلينسكي إلى آيرلندا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وعقيلته أولينا يهبطان من طائرة تحمل شعار الرئاسة الأوكرانية لدى وصولهما إلى مطار دبلن (أ.ف.ب)

ذكرت وسائل إعلام محلية في آيرلندا، الخميس، أن سفينة تابعة للبحرية الآيرلندية رصدت ما يصل إلى 5 طائرات مسيرة تحلق بالقرب من مسار طائرة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى وصوله في زيارة دولة إلى آيرلندا، يوم الاثنين.

وذكرت صحيفة «آيريش تايمز» أن عملية الرصد أثارت استنفاراً أمنياً واسعاً وسط مخاوف من أنها محاولة للتدخل في مسار الرحلة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن الطائرة، التي وصلت قبل موعدها بقليل، لم تكن معرضة للخطر، وفقاً لوكالة «رويترز».

ووصل الوفد الأوكراني في ساعة متأخرة من مساء يوم الاثنين، وغادر في وقت متأخر من اليوم التالي، في إطار رحلة للمساعدة في حشد الدعم الأوروبي لكييف، في الوقت الذي تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا.

وأدّت توغلات الطائرات المسيرة، التي لم يُكشف عن الجهة المسؤولة عنها حتى الآن، إلى تعطيل حركة الملاحة الجوية في أوروبا في الآونة الأخيرة. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه التوغلات بأنها «حرب متعددة الوسائل».