هل الحياد المسلح أمل أوكرانيا الوحيد للحفاظ على وجودها؟

المحلل يوجين رامر يتساءل ويضرب مثالاً بأن فنلندا فقدت 15 % من أراضيها لصالح موسكو لكنها انضمت للاتحاد الأوروبي و«الناتو» لاحقاً وأصبحت قوة اقتصادية

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

هل الحياد المسلح أمل أوكرانيا الوحيد للحفاظ على وجودها؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

أصبحت حقيقة أن أوكرانيا تخسر الحرب مع روسيا مقبولة على نطاق واسع. ففي خلال أقل من ستة أشهر تحولت الرواية السائدة لدى الغرب من الحديث عن تحقيق النصر إلى تجنب الهزيمة.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه خلال 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

وكانت المكاسب المبكرة التي حققها الجيش الأوكراني في 2022 قد رفعت سقف أهداف الحرب لتصبح تحرير كامل الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا، ومحاسبة الأخيرة على جرائم الحرب التي ارتكبتها. لكن هذه الأهداف لم تعد واقعية. وأصبح الحديث السائد بين مؤيدي أوكرانيا الآن يدور حول إنهاء الحرب بشروط تحرم روسيا من تحقيق الانتصار الكامل.

والسؤال الآن هو: كيف يمكن جعل روسيا توافق على وقف إطلاق النار والتفاوض على نهايةٍ لحرب تكسبها حالياً. ويمكن أن يقنع اقتراح جعل أوكرانيا دولة محايدة على المدى الطويل روسيا بالجلوس إلى مائدة المفاوضات، بحسب يوجين رامر، المدير والزميل الكبير لبرنامج روسيا وأوراسيا في مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي».

وفي تحليل نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، قال يوجين إنه مع اقتراب الحرب من دخول عامها الرابع، لا تستطيع أوكرانيا التغلب على تفوق روسيا شعباً واقتصاداً وأرضاً، رغم مساعدات الشركاء الغربيين لكييف.

جنديان أوكرانيان يشغّلان مسيّرة للتجسس قرب الحدود مع روسيا (أ.ف.ب)

فروسيا تملك عدد سكان ضخم يتيح لها تجنيد المزيد من الرجال لمواصلة الحرب، واقتصادها يعادل نحو 10 أمثال اقتصاد أوكرانيا قبل الحرب. والآن بعد أن خسر اقتصاد أوكرانيا نحو نصف تريليون دولار، وفي ضوء حجم الدولة أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل عليها استهداف منشآت البنية التحتية العسكرية الروسية بصورة فعالة.

في الوقت نفسه، فإن حلفاء أوكرانيا مثل الولايات المتحدة وغيرها من دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) واليابان وكوريا الجنوبية لا تشارك في القتال، في حين وصلت أوكرانيا إلى أقصى ما يمكن تحقيقه بمفردها على الأرض.

فولوديمير زيلينسكي في اجتماع «مجموعة الاتصال» (أ.ب)

طلب أوكرانيا من شركائها ضمانات أمنية، ومنها عضوية حلف «الناتو»، أو على الأقل مسار واضح وقصير للانضمام إليه بوصفه شرطاً مسبقاً للتفاوض مع روسيا. ولكن أعضاء «الناتو» أكدوا بوضوح أنهم غير مستعدين لضم أوكرانيا. وحتى أكثر المؤيدين لانضمام أوكرانيا إلى «الناتو» أصبحوا يرغبون في عدم دعوتها للانضمام قبل نهاية الحرب.

في المقابل، ترى روسيا أي تعهد من جانب الحلفاء بضم أوكرانيا إلى «الناتو» ضربة قاصمة لأي مفاوضات لوقف إطلاق النار. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن عضوية أوكرانيا في «الناتو» نتيجة غير مقبولة على الإطلاق، وقد أوضح ذلك في مقالته المنشورة عام 2021 حول «الوحدة التاريخية» المزعومة بين روسيا وأوكرانيا، والتي طرح فيها رؤيته للحرب.

وإلى جانب الرواية الكاذبة، ولكن الراسخة في المؤسسة الأمنية الروسية، بأن «الناتو» خالف وعده بعدم تمدده إلى الشرق، قال إن احتمال انضمام أوكرانيا إلى «الناتو» هو دعوة لروسيا لمواصلة حملتها القاتلة ضدها.

جنديان أوكرانيان في إقليم دونيتسك يتحكمان بمسيّرة أُطلقت باتجاه المواقع الروسية (أ.ف.ب)

ويرى يوجين في التحليل الذي كان جزءاً من مبادرة مجلس العلاقات الخارجية الأميركي لتأمين مستقبل أوكرانيا وبرنامج واشنهايم للسلام والأمن، أن أمام كييف مسارين؛ الأول والذي تسلكه الآن: هو معركة بطيئة ومضنية ومفتوحة النهاية في ظل الخطر المتزايد المتمثل في تحقيق الجيش الروسي اختراقاً كبيراً من شأنه ألا يكون أمامها سوى قبول شروط بوتين للمفاوضات.

والمسار الثاني يتمثل في تقديم تسوية لبوتين تلبي بعض، وليس كل، شروطه وتتيح له إعلان النصر مع الحفاظ على أوكرانيا كدولة ذات سيادة. ومع ذلك فلا أحد يعرف وربما بوتين نفسه، ما إذا كان الرئيس الروسي سيقبل بحل وسط. فجيشه يحقق مكاسب على الأرض، لكن هذه المكاسب تأتي بأثمان فادحة. والاقتصاد الروسي يحقق أداء يفوق التوقعات، لكن معدل التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة يهددان بعرقلة النمو، وأصبحت البلاد تواجه نقصاً حقيقياً في القوة العاملة.

في الوقت نفسه، من الصعب أيضاً التنبؤ بشكل الحل الوسط المقبول. لكنه في أغلب الأحوال يجب أن يتضمن تنازلات أوكرانية عن أراض، بحيث تحتفظ روسيا بالأراضي التي استولت عليها. كما سيكون على أوكرانيا التعهد بعدم السعي إلى استردادها بالقوة، وبالتخلي عن حلم الانضمام إلى «الناتو»، والقبول بالحياد، أو «حالة عدم الانضمام إلى أي تحالف»، والتي وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة مؤخراً بأنها «مبدأ أساسي». أما ما لا يمكن أن يتضمنه أي حل وسط فهو فرض قيود على قدرات أوكرانيا على الدفاع عن نفسها في مواجهة أي عدوان روسي آخر.

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ويقول يوجين إن هذه الشروط تبدو صعبة القبول بالنسبة لأوكرانيا، رغم أنها في الواقع لا تعني حرمان أوكرانيا من أي مكاسب متاحة أمامها. فهدف استعادة حدودها عام 1991 أصبح بعيد المنال، وعضوية «الناتو» لم تعد مطروحة أيضاً.

في الوقت نفسه، فإن الحياد لا يعني فقدان الأمن، ولا الدوران في الفلك الروسي؛ ففنلندا والسويد ظلتا منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نشوب الحرب الروسية الحالية ضد أوكرانيا خارج «الناتو». وقبلت فنلندا بفقدان 15 في المائة من أراضيها لصالح الاتحاد السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. في الوقت نفسه، احتفظت فنلندا والسويد بوجودهما دولتين مستقلتين ذاتي سيادة، ثم انضمتا إلى الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الحرب الباردة، وحققتا نهضة اقتصادية كبيرة.

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

ولكن هذا لا يعني أن أوكرانيا لا بد أن تحذو حذو النموذج الفنلندي أو السويدي أو أي نموذج آخر في سياستها الأمنية بعد الحرب. فليس هناك نموذج واحد يمكن لأوكرانيا أن تتبعه؛ لأن السياسة الأمنية لكل دولة تتحدد وفقاً لحجمها وموقعها الجغرافي وتاريخها واقتصادها وسياساتها. وبالتالي بوسع أوكرانيا أن تختار عناصر من نماذج مختلفة تناسبها على النحو الأفضل، بحسب يوجين.

وبناء على تجارب تلك البلدان، تستطيع أوكرانيا أن تضع مخططها الخاص لسياساتها الأمنية، بحيث لا يمنعها الحياد أو عدم الانحياز من الاحتفاظ بقوات مسلحة مدربة وذات قدرات عالية ومجهزة تجهيزاً جيداً، مدعومة بمجموعة كبيرة من جنود الاحتياط المدربين.


مقالات ذات صلة

تعاون أوكراني - كوري جنوبي بعد أسر كييف جنديين كوريين شماليين

أوروبا صورة وزّعها مكتب زيلينسكي لزنزانة الجنديين الكوريين الشماليين 11 يناير (أ.ف.ب)

تعاون أوكراني - كوري جنوبي بعد أسر كييف جنديين كوريين شماليين

اتّهمت أوكرانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بيونغ يانغ المسلّحة نووياً بإرسال أكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (لندن - كييف: «الشرق الأوسط»)
آسيا قناصة روس يغيِّرون موقعهم لإطلاق النار على القوات الأوكرانية من مكان غير معلوم (وزارة الدفاع الروسية- أ.ب)

استخبارات سيول شاركت في استجواب جنديَّين كوريين شماليين أسرتهما أوكرانيا

أكدت الاستخبارات الكورية الجنوبية اليوم (الأحد) أن أوكرانيا أسرت جنديين كوريين شماليين في منطقة كورسك الروسية.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء جمعهما في اليابان عام 2019 (رويترز)

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب» ولم يحقق أي هدف استراتيجي

بايدن يقول إن بوتين بات في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن، الجمعة، عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي

إيلي يوسف (واشنطن)
الاقتصاد مشاة يسيرون بشارع نيفسكي وسط مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا (رويترز)

أزمات روسيا الاقتصادية ورقة رابحة في يد ترمب

تعطي أزمات روسيا الاقتصادية، الناتجة من تداعيات الحرب مع أوكرانيا، الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب زخماً لتنفيذ وعوده بإنهاء الحرب في أقرب وقت.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا صورة نشرها الرئيس الأوكراني لجندي من كوريا الشمالية وقع أسيراً في يد الجنود الأوكران (حساب الرئيس على إكس)

زيلينسكي يعلن أسر جنديين كوريين شماليين في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن أوكرانيا أسرت اثنين من جنود كوريا الشمالية في أثناء قتالهما في منطقة كورسك الروسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

سيول تشارك في استجواب جنديين كوريين شماليين اعتقلتهما قوات كييف

صورة وزّعها حساب زيلينسكي على «تلغرام» لأحد الجنديين الكوريين الشماليين في الزنزانة 11 يناير (أ.ف.ب)
صورة وزّعها حساب زيلينسكي على «تلغرام» لأحد الجنديين الكوريين الشماليين في الزنزانة 11 يناير (أ.ف.ب)
TT

سيول تشارك في استجواب جنديين كوريين شماليين اعتقلتهما قوات كييف

صورة وزّعها حساب زيلينسكي على «تلغرام» لأحد الجنديين الكوريين الشماليين في الزنزانة 11 يناير (أ.ف.ب)
صورة وزّعها حساب زيلينسكي على «تلغرام» لأحد الجنديين الكوريين الشماليين في الزنزانة 11 يناير (أ.ف.ب)

أكدت الاستخبارات الكورية الجنوبية، الأحد، أن أوكرانيا أسرت جنديَّيْن كوريين شماليين في منطقة كورسك الروسية، وأنها شاركت في استجوابهما إلى جانب الأجهزة الأوكرانية.

واتّهمت أوكرانيا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بيونغ يانغ، المسلّحة نووياً، بإرسال أكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا. وقالت الاستخبارات الوطنية الكورية الجنوبية في بيان، إن جهازها «أكّد من خلال التعاون (...) مع وكالة الاستخبارات الأوكرانية (...) أن الجيش الأوكراني أسر جنديَّيْن كوريين شماليين في 9 يناير (كانون الثاني) في ساحة المعركة بكورسك في روسيا»، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية».

صورة وزّعها مكتب زيلينسكي لزنزانة الجنديين الكوريين الشماليين 11 يناير (أ.ف.ب)

ونشر الجهاز، السبت، مقطع فيديو يُظهر الجنديين في غرفة فيها أسرّة مستشفى. وكشف طبيب من مركز الاحتجاز أن الرجل الأول يعاني من كسر في الساق. وأتت تصريحات الاستخبارات الكورية الجنوبية لتدعم كييف، بينما لم يصدر أي رد فعل من روسيا أو كوريا الشمالية. ولم تؤكد لا موسكو ولا بيونغ يانغ إلى الآن نشر جنود من كوريا الشمالية على الجبهة الأوكرانية.

وكانت أوكرانيا أعلنت السبت أنها أسرت جنديين، قُدِّما على أنهما من كوريا الشمالية، وأنها استجوبتهما في الأسر، من دون تقديم أي دليل مباشر على أنهما يتحدران من كوريا الشمالية.

«خسائر كبيرة»

وقالت الاستخبارات الكورية الجنوبية إن أحد الجنديين الأسيرين كشف أثناء الاستجواب أنه تلقى تدريباً عسكرياً على يد القوات الروسية بعد وصوله في نوفمبر (تشرين الثاني). وأضافت: «ظن في البداية أنه أرسِل للتدريب، ثم أدرك عند وصوله إلى روسيا أنه أرسِل إلى الجبهة». وقال الجندي إن القوات الكورية الشمالية تكبّدت «خسائر كبيرة أثناء المعارك».

صورة أرشيفية للقاء كيم جونغ أون بجنود في معسكر تدريب 13 مارس 2024 (أ.ب)

ووفقاً لوكالة الاستخبارات الأوكرانية، قال الرّجلان لمن استجوبهما إنهما جنديان متمرسان. وكشفت الاستخبارات الكورية الجنوبية أن أحد الرجلين «حُرم من الطعام والماء لمدّة 4 إلى 5 أيام قبل الإمساك به». وأشارت إلى أن الرجلين لا يتكلمان الإنجليزية والروسية، وتجري المبادلات باللغة الكورية بواسطة مترجمين، وبالتعاون مع الجهاز الكوري الجنوبي. وأكدت الاستخبارات الكورية الجنوبية أنها ستواصل العمل مع الاستخبارات الأوكرانية لتشارك معلومات حول المقاتلين الكوريين الشماليين في أوكرانيا. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قال، السبت، إنه تمّ نقل الجنديين إلى كييف لاستجوابهما، بالرغم من إصابتهما. وأضاف: «لم يكن الأمر باليسير، فعادة ما يُجهِز الروس والجنود الكوريون الشماليون الآخرون على المصابين، ويبذلون كلّ ما في وسعهم لإزالة الأدلّة على مشاركة دولة أخرى، هي كوريا الشمالية في هذه الحال، في الحرب على أوكرانيا».

وفي أواخر ديسمبر (كانون الأول)، أعلن الرئيس الأوكراني أن جنديين من كوريا الشمالية، مصابين بجروح خطرة، أُسرا في منطقة كورسك الروسية، حيث تحتلّ القوات الأوكرانية منذ أغسطس (آب) 2024 مئات الكيلومترات المربعة. غير أن الجنديين توفيا متأثرين بإصابتهما.

التعاون الروسي - الكوري الشمالي

وتشكّل المشاركة المفترضة لجيش أجنبي تصعيداً كبيراً في الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أمر الرئيس فلاديمير بوتين بشنّه قبل حوالي ثلاث سنوات، والذي يدخل مرحلة حرجة مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد أيام. وتوطّدت العلاقات العسكرية بين روسيا وكوريا الشمالية منذ الحرب على أوكرانيا، حتى لو لم يؤكّد أيّ من الطرفين مشاركة بيونغ يانغ في القتال إلى جانب موسكو.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورئيس الجمعية الوطنية الكورية الجنوبية وو وون - شيك في سيول 6 يناير 2025 (أ.ف.ب)

وخلال زيارة إلى سيول، مطلع يناير (كانون الثاني)، كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بناء على المعلومات الواردة إلى واشنطن أن روسيا تُوسّع نطاق التعاون الفضائي مع كوريا الشمالية، في مقابل مشاركة الأخيرة في الحرب على أوكرانيا. وقال بلينكن خلال مؤتمر صحافي في سيول إن كوريا الشمالية «تتلقّى تجهيزات وتدريبات عسكرية روسية. ولدينا أسباب تدفعنا إلى الاعتقاد أن موسكو تعتزم تشارك تكنولوجيات متقدّمة، خاصة باستكشاف الفضاء والأقمار الاصطناعية مع بيونغ يانغ». وكشف مستعيداً تصريحات صدرت عن السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس - غرينفيلد أن واشنطن تعد أن روسيا «قد تكون على وشك» الاعتراف رسمياً بكوريا الشمالية بصفتها قوّة نووية.

جانب من لقاء جمع بوتين وكيم في بيونغ يانغ 19 يونيو 2024 (أ.ب)

وبينما كان بلينكن يزور الحليف الكوري الجنوبي، أجرت بيونغ يانغ اختباراً لصاروخ جديد فرط صوتي. وفي ديسمبر، كشف زيلينسكي أن نحو 3 آلاف جندي كوري شمالي «قُتلوا أو أصيبوا» في الميدان، في حين تحدّثت سيول عن ألف جندي. وفي الشهر عينه، أبلغت الاستخبارات الكورية الجنوبية عن سقوط «عدّة ضحايا من كوريا الشمالية» في هجمات صواريخ ومسيّرات أوكرانية، وخلال حوادث وقعت أثناء التدريب. وكانت أعلى رتبة بين الضحايا «على مستوى جنرال على أقلّ تقدير». ورصدت هيئة أركان الجيش الكوري الجنوبي من جهتها استعدادات تدفع إلى الاعتقاد أن كوريا الشمالية تتحضّر لإرسال دفعات جديدة من الجنود إلى روسيا، سواء تعزيزات أو للمناوبة، فضلاً عن إرسال مسيّرات.

وقبل فترة وجيزة، دخلت معاهدة دفاع غير مسبوقة أُبرمت بين بيونغ يانغ وموسكو حيّز التنفيذ. وهي تنصّ على «مساعدة عسكرية فورية» في حال تعرّض أحد البلدين لهجوم مسلّح من دولة أخرى. وتُعدّ كوريا الشمالية من كبار مزوّدي الأسلحة لروسيا في حربها على أوكرانيا.

تقدّم في خاركيف

ميدانياً، أعلنت روسيا، الأحد، السيطرة على بلدتين في شرق أوكرانيا، حيث تُحرز قواتها تقدماً متواصلاً، وإن كان بطيئاً، منذ أشهر أمام القوات الأوكرانية الأقل عدداً. وجاء في بيان لوزارة الدفاع الروسية أن وحدات من تجمّع «الجنوب» سيطرت على قرية يانتارني في منطقة دونيتسك (شرق)، كما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية». وتقع البلدة على بُعد حوالي 10 كيلومترات جنوب غربي مدينة كوراخوف، التي تُشكّل معقلاً رئيساً للقوات الأوكرانية، التي أعلنت موسكو السيطرة عليها الاثنين، بعد قتال استمر لأسابيع. كذلك أكّد الجيش الروسي السبت التقدم ميدانياً شمال غربي مدينة كوراخوف.

عضوان في قوات الشرطة الخاصة يطلقان قذيفة من مدفع «هاوتزر دي 30» على جنود روس من خطوط الجبهة الأمامية في زابوريجيا 11 يناير (رويترز)

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، أنها سيطرت على بلدة كالينوفي في منطقة خاركيف، شمال شرقي البلاد. وتقع البلدة على الضفة الغربية لنهر أوسكيل، الذي أصبح خطّ مواجهة بين الطرفين.

وأعلن مسؤول أوكراني محلّي، الخميس، أن القوات الروسية تمكّنت من إقامة رأس جسر بعبورها نهر أوسكيل. وحاول الجيش الروسي مرّات عدة، خلال الأشهر الماضية، عبور هذا النهر الذي يمُرّ عبر مدينة كوبيانسك ذات الأهمية العسكرية. وتقدّمت القوات الروسية ببطء وبنحو متواصل على خط الجبهة طيلة عام 2024، لكن من دون تحقيق اختراقات كبيرة.

هجمات متبادلة

وبالتزامن، تتواصل الهجمات وكذلك القصف الليلي بطائرات مسيّرة. وقالت القوات الجوية الأوكرانية إنها أسقطت 60 طائرة مسيّرة روسية ليل السبت إلى الأحد. وأشار المصدر إلى أن حطام الطائرة المُسيّرة تسبّب في أضرار لحقت بعدة منازل في مناطق خاركوف، وسومي، وبولتافا الأوكرانية، من دون وقوع إصابات.

وفي منطقة خيرسون، جنوب البلاد، أُصيب ثلاثة أشخاص بجروح جرّاء غارات شنّتها طائرات مُسيّرة روسية، وفق ما ذكرت السلطات الأوكرانية المحلية، الأحد. أما في الجزء الذي تسيطر عليه موسكو من المنطقة نفسها، فقد قُتل متقاعد وأصيب رجل آخر في هجوم بطائرة مسيّرة أوكرانية، على ما ذكر المسؤول المحلي الذي عينته موسكو، فلاديمير سالدو، على منصّة «تلغرام». وفي روسيا، شبّ حريق في مستودع وقود في منطقة ساراتوف الروسية، وفق ما ذكر حاكم المنطقة رومان بوسارغين على «تلغرام»، بعد تعرّضه الأربعاء لضربة شنّتها مُسيّرات أوكرانية. وأضاف الحاكم أن عناصر الإطفاء يعملون «على مدار الساعة» لإخماد الحريق الذي، بحسب المصدر، تقلّصت مساحته والدخان المنبعث منه.