ألمانيا: ضغوط على شولتس لتسليم صواريخ متقدمة إلى أوكرانيا

بعد تقارير عن سماح واشنطن لكييف باستخدامها لاستهداف العمق الروسي

المستشار الألماني أولاف شولتس وزوجته لدى وصولهما إلى البرازيل للمشاركة في «قمة العشرين» الأحد (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس وزوجته لدى وصولهما إلى البرازيل للمشاركة في «قمة العشرين» الأحد (د.ب.أ)
TT

ألمانيا: ضغوط على شولتس لتسليم صواريخ متقدمة إلى أوكرانيا

المستشار الألماني أولاف شولتس وزوجته لدى وصولهما إلى البرازيل للمشاركة في «قمة العشرين» الأحد (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس وزوجته لدى وصولهما إلى البرازيل للمشاركة في «قمة العشرين» الأحد (د.ب.أ)

تزداد الضغوط على حكومة المستشار الألماني، أولاف شولتس، في الأسابيع الأخيرة من عمرها، بشأن الدعم المقدم إلى أوكرانيا، بعد تقارير عن سماح الرئيس الأميركي جو بايدن لأوكرانيا باستخدام صواريخ أميركية لضرب العمق الروسي.

وحتى الآن، يتمسّك شولتس، الذي دعا إلى تصويت على الثقة بحكومته في 16 ديسمبر (كانون الأول) المقبل يُتوقع أن يخسره، برفض تسليم صواريخ «توروس» ألمانية الصنع وبعيدة المدى إلى كييف، رغم موافقة شريكه في الائتلاف الحكومي، حزب «الخضر»، والدعوات المتكررة إلى ذلك من حزب المعارضة الرئيسي، «المسيحي الديمقراطي» الذي يتصدر استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات المقبلة التي يفترض أن تجرى في 23 فبراير (شباط) المقبل. ويكرر شولتس أن تسليم برلين الصواريخ التي تطالب بها كييف منذ مدة، والتي يُمكنها أن تصل إلى موسكو، قد يؤدي إلى توسيع الحرب وجر «حلف شمالي الأطلسي (ناتو)» إليها. وفي كل خطوة اتخذها شولتس منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كان يربطها بشكل مباشر بواشنطن وتنسيق الخطوات معها. ورفض شولتس العام الماضي لأشهر تسليم أوكرانيا دبابات «ليوبارد» ألمانية الصنع، بحجة أن واشنطن لم تسلمها دبابات أميركية الصنع. ولم يعدل عن رأيه إلا بعد تعهد أميركي بأن ترسل واشنطن دبابات «أبرامز» الأميركية إلى كييف رغم المعوقات اللوجيستية الكثيرة والفائدة القليلة للجيش الأوكراني من ذلك.

«سندافع عن أنفسنا»

ومع ورود تقارير أميركية عن موافقة بايدن على السماح لكييف بضرب العمق الروسي، عاد الجدل في ألمانيا، ثاني أكبر داعم عسكري لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، بشأن استمرار رفض شولتس السماح لكييف بالمثل. وعبّرت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، عن ترحيبها بالقرار الأميركي، الذي لم تؤكده الإدارة رسمياً بعد، وقالت إنه «إذا تعرض بلدنا لقصف بالقذائف والطائرات من دون طيار، ودُمرت المستشفيات ومرافق موارد الطاقة، وإذا جرى الهجوم على حياتنا العادية، فسندافع عن أنفسنا». وأكد روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني ومرشح حزب «الخضر» لمنصب المستشار في الانتخابات المقبلة، أنه إذا أصبح رئيساً للحكومة، فإنه سيعكس قرار شولتس ويسمح بتسليم أوكرانيا صواريخ «توروس».

وتعد حظوظ حزب «الخضر» في قيادة الحكومة المقبلة شبه معدومة؛ فهو يحل رابعاً في استطلاعات الرأي بنسبة لا تزيد على 11 في المائة. ولكن من المحتمل أن يشارك بصفته شريكاً في ائتلاف حكومي يتشكل ويقوده على الأرجح الحزب «المسيحي الديمقراطي» بزعامة فريدريش ميرتز الذي يحل في الطليعة بنسبة 32 في المائة بفارق كبير عن حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي يحل ثانياً بنسبة 16 في المائة. ويؤيد الحزب، الذي يتزعمه ميرتز وتنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، موقف حزب «الخضر»، وهو يدعو منذ مدة المستشار الألماني إلى الموافقة على تسليم كييف صواريخ «توروس». وقد كرر ذلك النائب رودريش كيسفتر المختص بالشؤون الخارجية في الحزب، وانتقد تأخر الإدارة الأميركية في السماح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي. وكتب على صفحته بمنصة «إكس»، إن «القرار متأخر، ويتعين على بايدن أن يتخذ قرارات أخرى تأخرت كذلك، مثل دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الـ(ناتو)».

«الاتصالات الهاتفية لن توقف بوتين»

ويرفض شولتس أيضاً ضم أوكرانيا بشكل سريع إلى الـ«ناتو»، بل حتى الحديث عن الضم. وانتقد كيسفتر وغيره داخل حزبه الاتصال الذي أجراه شولتس بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، وكان الأول منذ عامين واستمر لمدة ساعة. وكتب كيسفتر بعد يومين من الاتصال تعليقاً على التصعيد الروسي في أوكرانيا: «من الجيد أن نرى أن بوتين يخفف من التصعيد بعد أن طلب منه المستشار الألماني ذلك». وتعرض شولتس لانتقادات كثيرة جراء الاتصال، لم تقتصر على الانتقادات الداخلية؛ بل كانت خارجية، أبرزها انتقاد رئيس الحكومة البولندي دونالد تاسك، الذي قال إنه «لا أحد سيوقف بوتين باتصالات هاتفية». ومنذ بداية الحرب، كان شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يجريان اتصالات دورية ببوتين، ولكنها توقفت قبل عامين بسبب عدم تحقيق أي تقدم في الدفع نحو إنهاء الحرب دبلوماسياً. وبرر شولتس اتصاله ببوتين الأسبوع الماضي برغبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في التحدث مع روسيا «بينما (لا أحد في أوروبا يفعل ذلك)».

وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أمام «النصب التذكاري المركزي لضحايا الحرب العالمية والطغيان» في برلين الأحد (د.ب.أ)

مسيّرات مشغلة بالذكاء الاصطناعي

وأمام هذه الضغوط على حكومة شولتس، برز تقرير نشرته صحيفة «بيلد» عن استعدادات برلين لتسليم كييف طائرات مسيّرة مشغلة بالذكاء الاصطناعي، ابتداء من مطلع ديسمبر المقبل. ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أنه «سعيد بأن أوكرانيا ستبدأ تسلّم هذه الطائرات المشغلة بالذكاء الاصطناعي، وأنها ستمكن القوات المسلحة الأوكرانية من اتخاذ إجراءات ضد أهداف عسكرية روسية عالية القيمة، مثل مراكز القيادة والمرافق اللوجيستية». وأضاف أن التكنولوجيا المتقدمة في هذه الطائرات من دون طيار ستسمح بـ«التفوق على الخطوات الدفاعية الإلكترونية الروسية». ووفق «بيلد»، فإن ألمانيا ستسلم 4 آلاف من هذه الطائرات إلى أوكرانيا بمعدل المئات أسبوعياً. وقالت إنها قادرة على تخطي الرادارات الروسية وضرب أهداف وهي تطير بسرعة كبيرة. ووصفت الصحيفة هذه الطائرات المسيّرة بأنها «(توروس) مصغرة» لتقنيتها الإلكترونية المتقدمة.


مقالات ذات صلة

أوروبا «أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

الكرملين: سماح واشنطن بضرب العمق الروسي يصعّد الصراع

أثار الإعلان عن رفع القيود الأميركية، التي منعت كييف سابقاً من استخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى لاستهداف مناطق في العمق الروسي، زوبعة من التوقعات المتشائمة

رائد جبر (موسكو) راغدة بهنام (برلين)
أوروبا عمّال الإنقاذ أمام مبنى سكني أصيب بضربة صاروخية روسية في أوديسا الأوكرانية (رويترز)

بعد 1000 يوم من حرب روسيا وأوكرانيا... كم بلغت الخسائر البشرية والمادية؟

يصادف الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، الثلاثاء، يومه الألف ليبلغ مرحلة قاتمة في أكثر صراع يسقط فيه قتلى وجرحى في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا ألمانيا تعتزم تزويد أوكرانيا بأربعة آلاف مسيرة متطورة (إ.ب.أ)

ألمانيا ستسلم أوكرانيا أربعة آلاف مسيرة تعمل بالذكاء الاصطناعي

أعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس اليوم أن ألمانيا التي ترفض تسليم الصواريخ طويلة المدى التي تطلبها كييف، ستزود أوكرانيا بأربعة آلاف مسيرة متطورة.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا شارع أصيب بقصف روسي في أوديسا الثلاثاء (رويترز)

السماح لكييف بضرب العمق الروسي بصواريخ أميركية يطلق مرحلة جديدة في الصراع

أثار رفع القيود الأميركية عن كييف لاستخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى في العمق الروسي استياء موسكو التي رأت أنه يمثل انخراطاً مباشراً للدول الغربية بالقتال.

رائد جبر (موسكو) راغدة بهنام (برلين)

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
TT

«نيران صديقة» على طريق ولاية فون دير لاين الثانية

أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)
أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية تتوسط عدداً من قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل أبريل الماضي (أ.ب)

بعد أسابيع على إعلانها التشكيلة الجديدة للمفوضية الأوروبية في ولايتها الثانية، التي من المفترض أن تباشر مهامها الشهر المقبل، تواجه فون دير لاين حملة شرسة في البرلمان الأوروبي يقودها مانفريد ويبير، زعيم الحزب الشعبي الأوروبي الذي تنتمي إليه، معترضاً على تعيين الاشتراكية الإسبانية، ماريا تيريزا ريبيرا، نائبة تنفيذية للرئيسة مكلفة واحدة من أهم الحقائب التي تشمل الميثاق الأوروبي الأخضر والمنافسة.

لكن المناورة التي يقودها ويبير، المعروف بخصومته الشخصية الشديدة لرئيسة المفوضية، التي كان ينافسها على المنصب نفسه في الولاية الأولى، ليست سوى نقلة في حركة واسعة تهدف إلى إعادة تشكيل التوازنات البرلمانية بين القوى السياسية في بداية الولاية الجديدة، وأيضاً إلى ترسيخ سلطة البرلمان الأوروبي، والكتلة التي يقودها، في مواجهة فون دير لاين والمفوضية، فضلاً عن إضعاف الكتلة الاشتراكية وزعيمها القوي الوحيد المتبقي في المجلس الأوروبي، الإسباني بيدرو سانشيز، بعد أفول المستشار الألماني أولاف شولتس.

أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر المفوضية في بروكسل (رويترز)

الانطباع السائد في المفوضية أن الأمور سائرة نحو الخروج عن السيطرة، بعد أن أصبحت المعارك السياسية الوطنية هي التي تؤثر على حركة التعيينات في المفوضية، أو تؤخرها أو تعطلها، وهو أمر لم يحصل أبداً في السابق.

بعض الشخصيات المحافظة، والتي تنتمي إلى الحزب الشعبي الأوروبي، مثل رئيس وزراء لوكسمبورغ لوك فريدين، دعت إلى التهدئة وإبعاد المؤسسات الأوروبية عن الصراعات الوطنية، وطالبت بالإسراع في الموافقة على تشكيلة المفوضية الجديدة لتباشر أعمالها حسب الجدول الزمني المقرر. لكن مناورات الحزب الشعبي الأوروبي، وما جرّته من صدام سياسي، تعطّل تعيين الإسبانية ريبيرا لتولي ثاني أهم منصب في المفوضية، إذ يطالبها الحزب الشعبي اليميني في إسبانيا بالمثول أمام البرلمان والتعهد بالاستقالة في حال إحالتها إلى المحاكمة، بسبب إدارة أزمة الفيضانات التي اجتاحت إقليم فالنسيا منذ أسبوعين، بينما بادرت عدة تنظيمات يمينية متطرفة إلى الادعاء عليها.

في موازاة ذلك، قرر الاشتراكيون عدم الموافقة على تعيين الإيطالي رافايلي فيتّو الذي رشحته رئيسة الوزراء اليمينية المتطرفة جورجيا ميلوني، والمجري أوليفر فارهيلي حليف رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وكلاهما مدعوم من الكتلة الشعبية. ولا تزال رئيسة المفوضية تنتظر حتى الآن موافقة البرلمان الأوروبي على تعيين 6 نواب لها ومفوّض واحد.

أورسولا فون دير لاين تتحدث بعد قمة غير رسمية للمجلس الأوروبي في بودابست 8 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

وبينما تستمر المفاوضات بين الكتل البرلمانية، تخشى أوساط فون دير لاين من ألا تتمكن رئيسة المفوضية من مباشرة ولايتها في الموعد المقرر مطلع الشهر المقبل، خصوصاً أن عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض أطلقت صفارات الإنذار في المؤسسات الأوروبية، التي تستعد لتصعيد أميركي على أكثر من جبهة.

والعلاقات الشخصية المتوترة بين ويبير وفون دير لاين تعود إلى عام 2019، عندما أخفق في ترشيحه لمنصب رئاسة المفوضية وجاءت هي مرشحة تسوية ثمرة لاتفاق بين المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وينتمي ويبير إلى التيار البافاري اليميني في الحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني الذي تنتمي إليه فون دير لاين، وهو ميّال إلى الانفتاح على الأحزاب اليمينية المتطرفة في البرلمان الأوروبي، وفك الارتباط التقليدي مع الاشتراكيين والليبراليين والخضر في الائتلاف الذي شكّل حتى الآن «حزاماً صحياً» في وجه القوى المتطرفة المناهضة للمشروع الأوروبي، إذ يعدّ أن الحزب الشعبي بات يملك من القوة ما يكفيه لاختيار الجهة التي يريد أن يتحالف معها في البرلمان.

رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا متسولا تتحدث في جلسة للمجلس (أرشيفية - إ.ب.أ)

في الولاية السابقة تعرضت فون دير لاين لنيران ويبير عندما هاجم بعنف سياستها الزراعية والبيئية، وقرارها حظر بيع السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بدءاً من عام 2035. وينطلق ويبير في مناوراته الجديدة من أن المشهد السياسي الأوروبي بعد الانتخابات الأخيرة مطلع هذا الصيف، لن يعود كما كان عليه قبلها، وأن القوى اليمينية المتطرفة ستواصل صعوده، خصوصاً بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وهو يسعى منذ فترة إلى إقناع الحزب الشعبي بفتح أبوابه أمام عودة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ولانضمام حزب جورجيا ميلوني (إخوان إيطاليا) رغم جذوره الفاشية.

لكن يرى بعض المراقبين أن هذه الأزمة ليست سوى حلقة أخرى في مسلسل استمرار جنوح المؤسسات الأوروبية نحو اليمين، بعد الانتخابات الأوروبية الأخيرة، في الوقت الذي تراجعت فيه قدرة الدولتين الكبريين في الاتحاد، ألمانيا وفرنسا، على ضبط إيقاع التوترات داخل الاتحاد، مع صعود المد اليميني المتطرف الذي تواجه برلين وباريس صعوبة مزدادة في مواجهته.

الكتلة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي تتهم ويبير بعدم المسؤولية وتعريض المشروع الأوروبي للخطر، وتقول إن ما بعد هذه المناورة لن يكون كما قبلها. ومع احتدام المواجهة بين الكتلتين الشعبية والاشتراكية، دخلت على الخط رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا متسولا، التي تنتمي إلى الكتلة الشعبية، ودعت إلى التهدئة مؤكدة أن التصويت على التعيينات المتبقية سيتم في موعده منتصف الأسبوع المقبل، «لأن البرلمان ملتزم كل الالتزام بمسؤوليته في تشكيل المفوضية الجديدة حسب الجدول الزمني المقرر، خصوصاً في الظروف الدولية الراهنة».