لم تحمل نتائج الانتخابات الرئاسية في جمهورية مولدوفا (مولدافيا) السوفياتية السابقة، مفاجآت كبرى بعد نجاح الرئيسة مايا ساندو في تجاوز الجولة الثانية من الاستحقاق الانتخابي، بفارق مقنع عن منافسها الاشتراكي المؤيد للتقارب مع موسكو؛ ألكسندر ستويانوغلو.
وجاءت الأرقام النهائية بعد استكمال فرز البطاقات الانتخابية مطابقة لتوقعات مراكز الاستطلاع؛ إذ حصدت الرئيسة الحالية أكثر بقليل من 55 في المائة من مجموع الأصوات، مقابل نحو 44 في المائة لمنافسها في الاقتراع الذي جرى الأحد.
وشكّلت النتيجة «امتداداً طبيعياً»، كما رأى مراقبون في العاصمة كيشينوا لنتائج الجولة الانتخابية الأولى التي جرت في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، ومنحت ساندو 44 في المائة من الأصوات مقابل 25 في المائة لخصمها.
كما أن النتيجة عُدّت «منطقية» كونها تأتي بعد مرور أسبوعين فقط على إجراء استفتاء شعبي طرحته ساندو حول سياسة التقارب مع الاتحاد الأوروبي، وأسفر عن تصويت زهاء 51 في المائة من المولدافيين لصالح التقارب.
وبهذا المعنى، فإن الجولة الرئاسية الثانية شكلت اختباراً إضافياً لشعبية نهج ساندو القائم على تعزيز الاندماج المولدافي مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، علماً بأن البلاد حصلت على ترشيح للانضمام إلى الاتحاد في وقت لاحق.
وعلى الرغم من ذلك، أطلقت النتائج العنان لسجالات واسعة حول مسار العملية الانتخابية، التي رافقتها اتهامات كثيرة من جانب الغرب والحكومة المولدافية لموسكو بمحاولة التأثير على الناخبين. وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية أنها واجهت حملة دعائية واسعة تزامنت مع تخصيص موازنات مالية بلغ حجمها نحو 100 مليون دولار لشراء الأصوات في الجمهورية الصغيرة التي تعد الأفقر بأوروبا.
كما اشتكت السلطات المولدافية من تعرض مؤسساتها، خصوصاً الجهاز الانتخابي لهجمات سيبرانية واسعة النطاق اشتدت في يوم الحسم، ما عرقل جزئياً عمليات فرز الأصوات وإغلاق الصناديق. أيضاً، تلقى مئات الألوف من المولدافيين رسائل إلكترونية تحذر من التصويت لساندو، وتتحدث عن تداعيات سيئة بينها أن تدفع مولدوفا ثمناً باهظاً، وفقاً لسيناريو أوكرانيا.
«أصوات مفبركة»
في المقابل، اتهمت أوساط روسية الغرب بالتدخل بشكل مباشر في العملية الانتخابية، وقال مسؤولون في مجلسي «الدوما» (النواب) و«الاتحاد» (الشيوخ)، إن الغرب عمل على مساعدة ساندو في تزوير نتائج انتخابات مئات الألوف من المولدافيين المقيمين خارج البلاد.
وكانت هذه الجولة الانتخابية شهدت أوسع مشاركة للجاليات المهاجرة من مولدوفا. وقال الاشتراكي المنافس لساندو، إنها «فازت بأصوات مفبركة لأبناء الجاليات؛ لكنها خسرت عملياً الاستحقاق الانتخابي داخل البلاد». وبناء عليه، أعلن الحزب الاشتراكي أنه «لا يعترف بنتائج التصويت خارج البلاد، ويطالب بإعادة العملية الانتخابية»، ما عُدّ رفضاً للإقرار بالنتائج المعلنة من جانب لجنة الانتخابات، وتحضيراً لفعاليات جماهيرية ترفض الاعتراف بولاية ساندو الرئاسية الجديدة.
ولقي هذا التوجه تأييداً في موسكو. ووصف سياسيون مقربون من الكرملين، الانتخابات، بأنها «مهزلة»، وفقاً لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ. بينما قال ليونيد سلوتسكي رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي القومي الموالي للكرملين، إن الاستحقاق الانتخابي «عار»، وزاد أن الاتحاد الأوروبي «جر المرشحة الخاسرة إلى مقعد الفوز جراً».
«أنقذتم مولدوفا»
ووسط هذه الأجواء الساخنة، توقع خبراء أن تشهد البلاد هزات داخلية على وقع الانقسام المجتمعي بين الموالين للتقارب مع موسكو، وأنصار سياسة التكامل مع الاتحاد الأوروبي. وهذا المشهد نفسه، الذي كان سيطر في أوكرانيا لسنوات قبل أن تشتعل الحرب في هذا البلد.
وقالت ساندو، في خطاب ألقته بمقر حملتها الانتخابية: «مولدوفا، لقد انتصرتِ! اليوم أيها المولدافيون الأعزاء، لقد أعطيتم درساً في الديمقراطية يستحق أن يُدوّن في كتب التاريخ. اليوم أنقذتم مولدوفا».
«انتصار للديمقراطية»
وهنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ساندو، على «إعادة انتخابها رئيسة لمولدوفا»، مشيداً بـ«انتصار الديمقراطية» على «كل التدخلات وكل المناورات». وتعهد بأن «فرنسا ستواصل الوقوف إلى جانب مولدوفا في مسارها الأوروبي». وهنّأت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وكتبت: «يتطلب الأمر نوعاً نادراً من القوة للتغلب على التحديات التي واجهتيها في هذه الانتخابات. تسعدني مواصلة العمل معكِ من أجل مستقبل أوروبي لمولدوفا وشعبها».
ويعد هذا ثاني استحقاق انتخابي في المحيط الإقليمي لروسيا خلال أسبوع. وكانت سبقته انتخابات برلمانية في جورجيا أسفرت عن فوز التيار للتقارب مع روسيا، في مقابل تراجع مواقع التيار المؤيد للتقارب مع الغرب. ولم تخفِ موسكو ارتياحها لنتائج الاستحقاق؛ لكن البلاد شهدت موجة احتجاجات واسعة ما زالت متواصلة، رفع خلال المتظاهرون شعارات تندد بشراء الأصوات والتأثير على الاستحقاق.
وعلى غرار الوضع في مولدوفا تحدث خبراء عن حجم التأثير الخارجي على الاستحقاق في جورجيا، خصوصاً على خلفية أن الدعاية الأكثر انتشاراً في البلدين كانت حذرت الجورجيين والمولدافيين في «السيناريو الأوكراني».
وكان لافتاً أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خاطب الأوروبيين، مطالباً بالتحول من الأقوال إلى الأفعال لمواجهة التأثير الروسي. وكتب زيلينسكي: «لقد فازت روسيا اليوم في جورجيا، والغرب يواصل ترديد عباراته حول الخطوط الحمراء لكنه لا يفعل شيئاً (...) إذا لم تتحركوا لوقف الكرملين فقد نخسر مولدوفا قريباً».