موسكو تؤكد استعدادها لإجراء مفاوضات مع كييف «دون شروط مسبقة»

بوتين يعدّ نتائج محادثات إسطنبول في ربيع 2022 تشكل أساساً لها... وكييف تنفي التوصل لأي اتفاق

الرئيس الروسي يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك (رويترز)
الرئيس الروسي يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك (رويترز)
TT

موسكو تؤكد استعدادها لإجراء مفاوضات مع كييف «دون شروط مسبقة»

الرئيس الروسي يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك (رويترز)
الرئيس الروسي يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك (رويترز)

أبدى «الكرملين»، الخميس، استعداده لبدء محادثات سلام مع أوكرانيا دون شروط. ونقل عن المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، قوله إن روسيا لا ترى أي شروط مسبقة لإجراء محادثات سلام مع أوكرانيا في الوقت الحالي، مضيفاً أن السلطات الروسية لا تناقش إجراء تعبئة جديدة، وفق ما ذكرت وكالة «تاس» للأنباء.

وأكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الخميس، ما جاء على لسان المتحدث باسم «الكرملين»، قائلاً إنه مستعدّ لإجراء مفاوضات مع كييف، على أساس المحادثات التي عُقدت في ربيع عام 2022 في إسطنبول، بينما كانت موسكو تستبعد أي نقاش، على خلفية الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الذي بدأ في أغسطس (آب) الماضي. ونفت كييف أنها توصلت إلى أي اتفاق مع موسكو في إسطنبول.

الرئيس فلاديمير بوتين خلال مشاركته في منتدى اقتصادي بشرق روسيا (رويترز)

وقال بوتين، خلال منتدى اقتصادي في فلاديفوستوك بروسيا: «هل نحن مستعدّون للتفاوض معهم؟ لم نرفض ذلك قط». وأضاف: «إذا ظهرت رغبة في التفاوض (لدى أوكرانيا)، فلن نرفض»، مؤكداً، في الوقت نفسه، أن هذه المحادثات يجب أن تستند إلى نتائج مفاوضات إسطنبول، غير أنّه اشترط أن يجري ذلك بناء على «الوثائق التي جرى الاتفاق عليها وتوقيعها بالأحرف الأولى في إسطنبول».

وقال الرئيس الروسي: «تمكنّا من التوصل إلى اتفاق، هذا هو الهدف، ويشهد على ذلك توقيع رئيس الوفد الأوكراني هذه الوثيقةَ، ما يعني أن الجانب الأوكراني كان راضياً بشكل عام عن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها»، لكنه أضاف: «لم يدخل (الاتفاق) حيّز التنفيذ فقط؛ لأنه صدر أمر بعدم القيام بذلك؛ لأن النخب في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية أرادت إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا». ولم تُنشر هذه النصوص التي أشار إليها بوتين.

وبدأت القوات الروسية هجوماً عسكرياً واسع النطاق على أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، لكن بعد أسابيع من المقاومة الأوكرانية، اضطرّ الجيش الروسي للانسحاب، في ربيع العام، من شمال أوكرانيا، قبل أن يواجه انتكاسات في الجنوب، وفي الجزء الشمالي من الجبهة الشرقية.

ودفع ذلك الرئيسَ الروسي إلى تعبئة مئات الآلاف من جنود الاحتياط، في خريف 2022، وإعلان ضمّ أربع مناطق أوكرانية؛ وهي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، دون السيطرة عليها بالكامل.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

وقال بوتين، الخميس، إنّ «التحرير» الكامل لدونباس، الذي يضم منطقتي لوغانسك ودونيتسك هو «أولويتنا»، مُبدياً تصميمه على القيام بذلك، رغم الأضرار الإنسانية والاقتصادية. وكان الرئيس الروسي قد وضع شرطاً مسبقاً قبل أي محادثات؛ وهو أن تنسحب كييف بالكامل من هذه المناطق، وهو مطلب غير مقبول لدى أوكرانيا وحلفائها الغربيين.

يأتي إعلان بوتين بعد أسبوعين من تأكيد «الكرملين» أن أي محادثات لإنهاء الصراع مستحيلة «في هذه المرحلة»؛ بسبب الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك.

وقبل ذلك، أبدى الرئيس الروسي موقفاً آخر، في يونيو (حزيران) الماضي، عندما أكد أن الصراع لن ينتهي إلا إذا تخلّت أوكرانيا عن طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتنازلت عن المناطق الأوكرانية الأربع التي سيطرت عليها قواتها، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو في عام 2014، ما يعني استسلاماً فعلياً لكييف.

ورغم أنه يبدو من الصعب التوفيق بين موقفيْ موسكو وكييف بصيغتيهما الحاليتين، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في وقت سابق، أنّه يريد وضع خطّة، بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؛ موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، تكون بمثابة أساس لقمة سلام مستقبلية يُدعى إليها «الكرملين»، وتكون تمهيداً لنقاشات مستقبلية.

آلية عسكرية أوكرانية عند الحدود الروسية الأوكرانية (أ.ف.ب)

وبينما كان الجيش الروسي يُحرز تقدماً بطيئاً على الجبهة منذ نحو عام، شنّت القوات الأوكرانية، في السادس من أغسطس الماضي هجوماً واسع النطاق في منطقة كورسك الروسية، حيث أعلنت كييف السيطرة على مئات الكيلومترات المربّعة، فيما يشكل أكبر هجوم لجيش أجنبي على الأراضي الروسية منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد أيام، ظهر بوتين على التلفزيون الروسي، وبدا منزعجاً بشكل واضح جراء سهولة سيطرة القوات الأوكرانية على أراضٍ روسية، دون مقاومة تُذكَر.

وقال بوتين، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»، إنّ أحد أهداف هذا الهجوم يتمثل في إجبار روسيا على إعادة نشر قواتها من منطقة إلى أخرى، و«وقف هجومنا في المناطق الرئيسية». غير أنه أشار إلى «فشل» هذا الهدف، مضيفاً أن موسكو تُواصل هجومها في دونباس، خصوصاً باتجاه بوكروفسك التي تُعدّ تقاطع طرق وسكك حديدية مهمّاً للخدمات اللوجستية للقوات الأوكرانية بهذه المنطقة الواقعة في شرق البلاد.

وقال بوتين، الخميس: «هل نجح (التكتيك الأوكراني)؟ لا!». وأضاف: «على العكس... أَضعفَ العدو نفسه في مناطق رئيسية، في حين سرّع جيشنا عملياته الهجومية» على الجبهة الشرقية، مؤكداً أن أوكرانيا مُنيت بـ«خسائر كبيرة».

وأضاف بوتين أن التوغل الأوكراني بمنطقة كورسك لم ينجح في إبطاء التقدم الروسي بشرق أوكرانيا، بل أدى إلى إضعاف دفاعات كييف على الجبهة بشكل عزَّز موقف موسكو.

وأوضح بوتين أن كييف أضعفت دفاعاتها في مواقع أخرى، وأتاحت لموسكو تسريع الهجوم في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، مؤكداً من جديد أن الهدف الأول لموسكو هو السيطرة الكاملة على دونباس.

وقال بوتين، كما نقلت عنه «رويترز»: «كان هدف العدو هو إثارة قلقنا لننقل القوات من قطاع إلى آخر، ونُوقف هجومنا في مناطق رئيسية، وخصوصاً في دونباس... هل نجح في ذلك؟ لا».

وقال قائد الجيش الأوكراني، أولكسندر سيرسكي، إن أحد أهداف عملية كورسك كان تحويل القوات الروسية من مناطق أخرى، وخصوصاً في شرق أوكرانيا بالقرب من مدينتيْ بوكروفسك وكوراخوف. وأشار بوتين إلى أنه «من خلال نقل وحدات كبيرة وجيّدة التدريب لمواجهتنا في هذه المناطق الحدودية، أضعف العدو نفسه في مناطق رئيسية، وسرّعت قواتنا العمليات الهجومية».

وذكر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن كييف تعتزم الاحتفاظ بأراضٍ في كورسك، وأن العملية نقلت الحرب عند الجانب الروسي. وأضاف بوتين: «لا إجراءات تُتخذ لاحتواء هجومنا». وقال إن تقدم روسيا نحو مدينة بوكروفسك المهمة لوجيستياً بشرق أوكرانيا نجح.

وتناول الرئيس الروسي، في كلمته بالمنتدى الاقتصادي، في تعليق ساخر، على ما يبدو، إن روسيا ترغب في فوز كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأميركية، مشيراً إلى ما وصفه بضحكتها «المُعدية» على أنها سبب لتفضيل هاريس على مُنافسها دونالد ترمب.

قوات أوكرانية (أ.ف.ب)

جاءت تعليقات بوتين بعد يوم من اتخاذ السلطات الأميركية سلسلة إجراءات، الأربعاء، مِن بينها فرض عقوبات، والقيام بملاحقات قضائية ضد مسؤولين في وسيلة الإعلام الروسية «آر تي»، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي رداً على محاولات تدخُّل من قِبل روسيا في انتخابات عام 2024.

وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، لوكالة أنباء «ريا نوفوستي» الرسمية: «إنها عملية واضحة، حملة إعلامية... جرى التحضير لها منذ فترة طويلة، وهي ضرورية قبل المرحلة الأخيرة من الدورة الانتخابية».

وقال بوتين، هذا العام، قبل انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الانتخابي، أيضاً بسخرية واضحة، إنه يُفضله على ترمب؛ لأن بايدن سياسيّ من «الطراز القديم» أكثر قابلية لتوقع خطواته.

ورداً على سؤال حول رأيه في الانتخابات، الآن، ذكر بوتين أن الانتخابات خيار الشعب الأميركي، لكنه أضاف بعد ذلك أنه بما أن بايدن أوصى أنصاره بدعم هاريس، «فسوف نفعل الشيء نفسه، سندعمها». وقال بوتين: «إنها تضحك بطريقة معبّرة ومُعدية توحي بأن كل شيء على ما يُرام بالنسبة لها»، مضيفاً أن هذا ربما يعني أنها ستمتنع عن فرض مزيد من العقوبات على روسيا. وتعتقد وكالات المخابرات الأميركية أن موسكو ترغب في فوز ترمب لأنه أقل التزاماً بدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا. لكن بوتين قال إن ترمب عندما كان رئيساً فرض عقوبات على روسيا أكثر من أي رئيس قبله في البيت الأبيض.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يأمل في موافقة بايدن على شن ضربات داخل روسيا

أوروبا زيلينسكي متوسطا بلينكن ولامي في كييف اليوم (أ.ب)

زيلينسكي يأمل في موافقة بايدن على شن ضربات داخل روسيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه سيضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن لرفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة لشن ضربات داخل روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيريه البريطاني والأوكراني في كييف (أ.ب)

بلينكن يعلن مساعدة جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار... ولندن تسلمها «مئات» الصواريخ

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الأربعاء)، من كييف مساعدة اقتصادية وإنسانية جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مبنى سكني متضرّر بعد هجوم بطائرة مسيّرة في رامينسكوي بمنطقة موسكو (أ.ف.ب)

الكرملين يهدّد بـ«رد مناسب» على منح كييف الضوء الأخضر لضرب العمق الروسي

أعرب الكرملين عن قناعة بأن واشنطن اتخذت قراراً يمنح الضوء الأخضر لأوكرانيا باستخدام أسلحة غربية بعيدة المدى لضرب مواقع في العمق الروسي.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (يسار) ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين يصلان إلى محطة قطار كييف (أ.ب)

إنذار من غارة جوية في كييف خلال زيارة بلينكن ولامي

انطلقت صفارة إنذار من غارة جوية في كييف بعد ظهر اليوم في أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي للعاصمة الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره البريطاني ديفيد لامي خلال اجتماع موسع مع وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا في كييف (أ.ب)

بلينكن ولامي يؤكدان في زيارة مشتركة نادرة لكييف التزامهما بـ«انتصار» أوكرانيا

زار وزيرا الخارجية؛ الأميركي أنتوني بلينكن، والبريطاني ديفيد لامي، كييف، فيما يسعى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للحصول على إذن بضرب عمق الأراضي الروسية.

علي بردى (واشنطن) «الشرق الأوسط» (لندن)

زيلينسكي يأمل في موافقة بايدن على شن ضربات داخل روسيا

زيلينسكي متوسطا بلينكن ولامي في كييف اليوم (أ.ب)
زيلينسكي متوسطا بلينكن ولامي في كييف اليوم (أ.ب)
TT

زيلينسكي يأمل في موافقة بايدن على شن ضربات داخل روسيا

زيلينسكي متوسطا بلينكن ولامي في كييف اليوم (أ.ب)
زيلينسكي متوسطا بلينكن ولامي في كييف اليوم (أ.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه سيضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن عندما يلتقي معه في وقت لاحق من الشهر الحالي، فيما يتعلق بمناشدته لرفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة لشن ضربات أعمق داخل الأراضي الروسية.

ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن زيلينسكي قوله، اليوم (الأربعاء)، في كييف قبل اجتماع مع وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني ديفيد لامي لبحث القضية: «للأسف، هذا لا يعتمد على تفاؤلي، إنه يعتمد على تفاؤلهم».

وقد ظلت الإدارة الأميركية ثابتة في معارضتها لنشر واستخدام أسلحة في عمق الأراضي الروسية خوفاً من تصعيد الحرب المستمرة منذ عامين ونصف العام، إلا أن بلينكن قال إنه سيجري محادثات للرد على طلبات كييف بعدما قال إن موسكو تلقت شحنات صواريخ باليستية من إيران.

وقال زيلينسكي إنه «يعتمد» على اجتماعه مع بايدن على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.