حتى الآن، لا يزال المسؤولون الأميركيون يرجّحون أن الهجوم الأوكراني على كورسك لن يوقف الهجمات الروسية على شرق أوكرانيا، بما يؤدي إلى إجبار موسكو على وقف الأعمال الحربية والجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب، كما يأمل الأوكرانيون. وهو ما عبّر عنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، في مؤتمر صحافي، قائلاً إن «النقطة الأساسية هي إجبار روسيا على إنهاء الحرب»، في إشارة إلى الخطط التي يستعد للكشف عنها للمسؤولين الأميركيين. وأضاف: «نريد حقاً العدالة لأوكرانيا. وإذا تم قبول هذه الخطة، وإذا تم تنفيذها، فإننا نعتقد أنه سيتم تحقيق الهدف الرئيسي».
رفع القيود عن الأسلحة
ومع قصور رد فعل روسيا المفاجئ على الهجوم، سعى الرئيس الأوكراني إلى الاستفادة من تقدم قواته في كورسك؛ لتصعيد ضغوطه على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لرفع القيود عن استخدام الأسلحة الصاروخية بعيدة المدى لضرب أهداف في عمق الأراضي الروسية، وخصوصاً من منطقة كورسك.
وفي حين لا تزال واشنطن تنتظر وصول وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف، وأندريه يرماك، كبير مستشاري الرئيس زيلينسكي، «للاطلاع على أهداف الهجوم» على كورسك والاستماع إلى طلباتهما عن رفع القيود على الأسلحة، التقى وزير الخارجية الأوكراني، الخميس، في بروكسل نظراءه الأوروبيين للهدف نفسه؛ الأمر الذي ردده منسق الشؤون الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل.
وقال: «الأسلحة التي نقدمها لأوكرانيا يجب أن تستخدم بالكامل، ويجب رفع القيود حتى يتمكن الأوكرانيون من استهداف الأماكن التي تقصفهم فيها روسيا». وأضاف بوريل: «بخلاف ذلك، فإن الأسلحة عديمة الفائدة. وكما ذكر زملائي، ربما تكون الولايات المتحدة هي الحكومة الغربية الأكثر تردداً الآن في تخفيف الضوابط، حيث ترعى إدارة بايدن حذراً طويل الأمد من دفع الكرملين إلى التصعيد الخطير».
تشكيك بالجدوى القتالية
ورغم ذلك، يشكك بعض المحللين فيما ستكسبه أوكرانيا من خلال استهداف عمق الأراضي الروسية. وأشار ستيفن بيدل في مقال في مجلة «فورين أفيرز»، «إلى الفاعلية الاستراتيجية المحدودة لمثل هذه التدابير، ما لم يتزامن مع مجموعات متزامنة من القتال الجوي والبري لتأمين أهداف الحرب». وهو ما يزيد الأعباء على أوكرانيا التي تتعرض لضغوط للتفاوض على صفقة، يحتمل أن تتخلى فيها عن الأرض مقابل السلام، بعد فشل هجومها المضاد الصيف الماضي، وتعاني نقصاً في تجنيد الأفراد، وشكوكاً في تسلمها الأسلحة الغربية في المستقبل، والخشية من عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في الخريف المقبل، واحتمال أن يكون مستعداً «لاتفاق سلام» قد يكون في مصلحة روسيا.
روسيا لم تغير خططها
وتشير تقديرات بعض المتخصصين في الشؤون الحربية، إلى أن التقدم الذي حققته أوكرانيا في كورسك، وبدلاً من أن يكون محاولة منها لمقايضة الأرض بالسلام، فقد بدأ يتحول احتلالاً فعلياً، بعدما زادت روسيا من حدة هجماتها على خط المواجهة الرئيسي شرق أوكرانيا، وواصلت توغلها في منطقة دونباس الصناعية. لا، بل زادت من الهجمات الجوية الروسية على جميع أنحاء أوكرانيا، حيث تستهدف بشكل منهجي شبكة الطاقة في أوكرانيا؛ الأمر الذي يزيد المخاوف بشأن ما سيأتي مع اقتراب أشهر الشتاء.
ورغم ذلك، يشير بعض المسؤولين الأوكرانيين إلى قيام روسيا بتحويل بعض قواتها من مناطق القتال شرق أوكرانيا إلى منطقة كورسك، لمواجهة الهجوم الأوكراني. لكن العمليات الجوية الروسية في تلك المنطقة كانت محدودة جداً. وقال الجنرال الأوكراني فيتالي سارانتسيف في مؤتمر صحافي، الجمعة: «شعرنا بالارتياح في الطيران التكتيكي. لقد قلل العدو بشكل كبير من استخدامه في اتجاهنا».
ومع سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التقليل من أهمية العمل «الإرهابي» في كورسك، تحاول قواته الحفاظ على زخمها شرق أوكرانيا، متجنبة سحب الكثير من القوات المحترفة، والإبقاء على المجندين المدربين تدريباً سيئاً، للتعامل مع الوضع في كورسك.
ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن نايغل غولد ديفيز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قوله: «في حشد القوات لمواجهة التوغل الأوكراني، تبذل روسيا كل ما في وسعها لتجنب سحب وحدات من هجومها في دونباس، حيث ترى روسيا حالياً أنها قادرة على احتواء التهديد على أراضيها دون المساس بأهم هدف لها في أوكرانيا».
من جهة أخرى، قال قائد الجيش الأوكراني أوليكساندر سيرسكي، الجمعة، إن قوات بلاده تقدمت لمسافة كيلومترين خلال توغلها في المنطقة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. وأطلع سيرسكي الرئيس فولوديمير زيلينسكي على التطورات خلال حديثهما عبر رابط فيديو، قائلاً إن القوات الأوكرانية سيطرت على خمسة كيلومترات مربعة من الأراضي الروسية.
وتم رصد أعنف قتال مجدداً في بوكروفسك شرق منطقة دونيتسك الأوكرانية، حيث سرَّع الجيش الروسي من وتيرة تقدمه. وأعلن مسؤولون ليلاً أن الوحدات الروسية تمكنت من رفع العلم الروسي في قرية كارليفكا المتنازع على السيطرة عليها منذ أمد طويل. وهناك تقارير متضاربة من منطقة كورسك. وبحسب بعض الحسابات، استعادت القوات الروسية السيطرة على قرية كورينوفو ذات الأهمية الاستراتيجية.
ورغم ذلك، أفادت مدونة «تو ميجورز» العسكرية الموالية لروسيا بإعادة حشد القوات الروسية هناك؛ مما يشير إلى استمرار القتال للسيطرة على القرية.
قالت السلطات الأوكرانية، الجمعة، إن امرأتين قُتلتا وأصيب 11 شخصاً على الأقل في هجوم شنّته روسيا خلال الليل وألحق أضراراً بمصنع في مدينة سومي بشمال البلاد. وأدت الضربة الجوية إلى اندلاع حريق؛ مما دفع السلطات في المنطقة إلى إصدار إرشادات للسكان بالبقاء داخل المنازل وإغلاق النوافذ بسبب تلوث الهواء.
وفي واقعة أخرى، قال فيليب برونين، حاكم بولتافا في وسط أوكرانيا، كما نقلت عنه وكالات أنباء، إن منشأة صناعية في المنطقة تعرّضت للقصف في هجوم بطائرة مسيّرة، لكن دون وقوع إصابات. وذكرت القوات الجوية الأوكرانية أنها أسقطت 12 من أصل 18 طائرة مسيّرة أطلقتها روسيا في هجوم خلال الليل فوق خمس مناطق. وسقطت أربع طائرات مسيّرة أخرى فوق الأراضي الأوكرانية. وأضافت القوات الجوية أن روسيا استخدمت أيضاً صاروخاً من طراز «إسكندر - إم» في الهجوم.
ذكرت القوات الجوية الأوكرانية، الجمعة، أنها أرسلت للشركاء الأميركيين تقريراً أولياً عن تحطم طائرة مقاتلة من طراز «إف - 16» يوم الاثنين.
وقال ميكولا أوليشتشوك قائد القوات الجوية الأوكرانية على تطبيق المراسلة «تلغرام» إن شركاء من الولايات المتحدة، حيث تصنع مقاتلات «إف - 16»، يساعدون في التحقيق.
وأعلن الجيش الأوكراني، الخميس، تحطم الطائرة ومقتل قائدها في أثناء اقترابها من هدف خلال هجوم جوي روسي كبير. وقال مسؤول دفاعي أميركي لـ«رويترز» إن تحطم الطائرة لا يبدو ناجماً عن إطلاق نار من الجانب الروسي، وإنه يجري النظر في أسباب محتملة تتعلق بارتكاب الطيار خطأ أو حدوث عطل. وشكّل وصول أولى طائرات «إف - 16» محطة مهمة بالنسبة لأوكرانيا خلال محاربة الغزو الشامل الذي شنّته روسيا قبل عامين ونصف العام.