«غزو روسيا»... أخطر قرار يتخذه زيلينسكي منذ بداية الحرب

عملية «جريئة ومحفوفة بالمخاطر» لن يصمت عليها بوتين

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ب)
TT

«غزو روسيا»... أخطر قرار يتخذه زيلينسكي منذ بداية الحرب

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أرشيفية - أ.ب)

لم يفاجئ التوغل الأوكراني في الأراضي الروسية في منطقة كورسك، الأسبوع الماضي، موسكو فقط، لكنه فاجأ حتى أنصار كييف الغربيين، وفي مقدمتهم واشنطن.

وبعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة، الثلاثاء، في منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، حسب محلّلين، حتى عمق 15 كلم على الأقل، والسيطرة على عدة مواقع.

وأكّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أن كييف تسعى «إلى نقل الحرب» داخل روسيا، وقال إن أوكرانيا «تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضروري؛ الضغط على المعتدي».

بدوره، شدّد مسؤول أوكراني كبير على أن عملية التوغل المباغتة في كورسك تهدف إلى «تشتيت» قوات موسكو، و«زعزعة» الوضع في روسيا.

وعندما بدأ التوغل، الثلاثاء، بدا الأمر كأنه «عرض آخر للشجاعة العسكرية من قِبل إحدى مجموعات الميليشيات المناهضة لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين»، وبحلول الخميس أصبح من الواضح أن كييف نفسها تحاول توجيه ضربة استراتيجية مضادة لروسيا، وفقاً لما ذكرته صحيفة «التايمز» البريطانية.

وحسب الصحيفة، فإن «بصمات الرئيس زيلينسكي الشخصية موجودة في كل مكان، لقد كان سراً (مذاعاً) في كييف لعدة أشهر أن الرئيس كان يضغط على قادته العسكريين لشنّ هجوم صيفي»، ونظراً للمشاكل المتعلقة بالقوى البشرية والموارد في أوكرانيا، فقد كان القادة متردّدين، لكن زيلينسكي كان يسعى جاهداً إلى عكس السرد القائل بأن أوكرانيا تخسر الحرب.

وحاول زيلينسكي إيجاد طريقة لوقف خسارة المزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا، وتعطيل هذه الديناميكية أو عكسها. وهذا الخيار العسكري الاستراتيجي هو أسلوب إلى حد كبير «جريء ومحفوف بالمخاطر»، ولم تشهد موسكو غزواً لمتر واحد من أراضيها من قِبل أي شخص منذ عام 1941، والصور القادمة من كورسك صادمة للشعب الروسي، وقد يكون من الصعب على الكرملين إدارة كيفية تأثيرها على مواطنيه.

أما القادة الغربيون فهم يشعرون بالقلق، حيث يتم الآن استخدام بعض المعدات الأرضية (مركبات قتالية مدرّعة، ومركبات مشاة مدرّعة، وقاذفات صواريخ، ومدافع هاون، ووحدات دفاع جوي أرضية) لحلف شمال الأطلسي (ناتو) داخل روسيا، وهو ما يمثّل تجاوزاً لعتبة أو خط أحمر آخر، ولو أن القادة الأوكرانيين طلبوا الإذن الغربي مسبقاً لما حصلوا عليه؛ لذا «مضوا قُدماً في التوغل على أي حال»، وفقاً لـ«التايمز».

والخطة محفوفة بالمخاطر؛ إذ ليس أمام موسكو الآن خيار سوى القيام بكل ما يلزم لوقف هذا التوغل، ولا يمكن للضربة المضادة الأوكرانية في كورسك أن تحقّق سوى أهداف محدودة، وبالإضافة إلى توضيح وجهة نظرهم السياسية لموسكو وبقية العالم، يأمل الأوكران أن يكون لهذا الهجوم تأثير في إبعاد القوات الروسية عن جبهات القتال الأخرى، وتخفيف الضغط عليها.

وكحد أقصى، قد تأمل القوات الأوكرانية حول كورسك في توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من احتلال محطة الطاقة النووية فيها، مقابلاً لاحتلال روسيا لمحطة زابوريجيا الأوكرانية عام 2022، لكن هذه الأهداف ستعتمد على المدة التي ستستغرقها العملية، وبأي طريقة يمكن للأوكرانيين الصمود داخل كورسك.

وتشير المؤشرات حتى الآن إلى أن كييف جادّة في هذا الأمر، فعناصر كبيرة من اللواءين الميكانيكييْن «22» و«88» الأوكرانيين، ولواء «80» الجوي، موجودون على الجانب الروسي من الحدود، إلى جانب وحدات من ألوية أخرى، وهناك قوات يتراوح تعدادها على الأرجح بين 6 و10 آلاف جندي، وقد سبق العملية هجوم إلكتروني «أعمى» الدفاعات الحدودية الروسية، وأضعف قوة الطائرات بدون طيار.

ومن الواضح أن الجيش الأوكراني يعتزم الوقوف والقتال في الجيب الذي أنشأه، وربما يتم تعزيزه، لكن الأعداد الهائلة من الجنود التي سترسلها موسكو سوف تُنبئنا في نهاية المطاف بشكل القتال المقبل، واستمرار وجود هذا التوغل داخل الأراضي الروسية سوف يكون أمراً غير مقبول بالنسبة للرئيس بوتين.

وسيتم قياس نجاح الهجوم عسكرياً، من خلال مدى قدرة الأوكرانيين على جعل موسكو تدفع ثمن استعادة أراضيها في نهاية المطاف، أما سياسياً فيعتمد النجاح على كيفية تأثير التوغل على نفسية موسكو، وما إذا كان ذلك سيخلق بعض الشكوك الحقيقية داخل دائرة بوتين في أن الحرب تستحق حقاً تكلفتها المتزايدة.

ويتعين على القادة السياسيين، الذين ليس لديهم خبرة عسكرية في كثير من الأحيان، اتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة، ويبذل القادة العسكريون قصارى جهدهم لإنجاحها، وعندما ظهر زيلينسكي، الممثل الكوميدي الذي تحوّل إلى سياسي، في أحد شوارع كييف، بعد ساعات قليلة من الغزو الروسي عام 2022، ليعلن أنه لن يذهب إلى أي مكان، وأن أوكرانيا ستقاتل، كان لحظتها يتخذ أكبر قرار استراتيجي في حياته، ويبدو أنه اتخذ الأسبوع الماضي ثاني أكبر قرار استراتيجي، وربما الأكثر خطورة.


مقالات ذات صلة

الجيش الروسي يعلن وقف التقدم الأوكراني في عمق كورسك

أوروبا دبابة أوكرانية تطلق قذائفها خلال الهجوم في كورسك (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الجيش الروسي يعلن وقف التقدم الأوكراني في عمق كورسك

أعلن الجيش الروسي وقف التقدم الأوكراني قرب بلدات في منطقة كورسك حيث تنفذ كييف منذ أيام توغلاً برياً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

زيلينسكي: روسيا استخدمت صاروخاً كورياً شمالياً في هجوم كييف

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم الأحد إن القوات الروسية استخدمت على الأرجح صاروخاً كورياً شمالياً في هجوم جوي خلال الليل على منطقة كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا مقيمون أمام مبنى تعرض لقصف من الجانب الأوكراني بالقرب من المبنى بكورسك في روسيا (أ.ب)

كييف: هجوم كورسك هدفه زعزعة الوضع في روسيا وتشتيت قواتها

قال مسؤول أوكراني أمني رفيع إن «آلاف» الجنود الأوكرانيين يشاركون في عملية التوغل بمنطقة كورسك الروسية بهدف «تشتيت» قوات موسكو.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا مبانٍ مدمَّرة في أعقاب توغل القوات الأوكرانية بمنطقة كورسك الروسية الأربعاء الماضي (رويترز)

روسيا: إسقاط 14 طائرة مسيَّرة و4 صواريخ أطلقتها أوكرانيا فوق كورسك

وحدات الدفاع الجوي الروسية دمرت 14 طائرة مسيرة وأربعة صواريخ من طراز توشكا يو أطلقتها أوكرانيا فوق منطقة كورسك المتاخمة للحدود.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون يستخدمون الكشافات لرصد طائرات مسيّرة في سماء مدينة كييف (أرشيفية - رويترز)

قتيلان جراء ضربة صاروخية على كييف

قتل رجل عمره 35 عاماً وطفله البالغ 4 سنوات في الساعات الأولى من صباح اليوم (الأحد) جراء سقوط شظايا صاروخ أطلق في إطار هجوم جوي روسي على كييف

«الشرق الأوسط» (كييف)

التوغل الأوكراني يهدف إلى «زعزعة» روسيا... وموسكو تتوعد بالرد

جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم روسي على منطقة كييف في 11 أغسطس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم روسي على منطقة كييف في 11 أغسطس (أ.ف.ب)
TT

التوغل الأوكراني يهدف إلى «زعزعة» روسيا... وموسكو تتوعد بالرد

جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم روسي على منطقة كييف في 11 أغسطس (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم روسي على منطقة كييف في 11 أغسطس (أ.ف.ب)

تهدف عملية التوغل الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية إلى «تشتيت» قوات موسكو و«زعزعة» الوضع في روسيا، على ما أفاد مسؤول أوكراني كبير في مقابلة أجرتها معه «وكالة الصحافة الفرنسية»، في اليوم السادس من هذا الهجوم المباغت الذي توعدت موسكو بالرد عليه. وبعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة الثلاثاء في منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، بحسب محللين، حتى عمق خمسة عشر كم على الأقل والسيطرة على عدة مواقع. وقال المسؤول الأمني الذي فضّل عدم الكشف عن هويته: «نحن في حالة هجوم. والهدف هو تشتيت مواقع العدو، وإلحاق أكبر قدر من الخسائر وزعزعة الوضع في روسيا؛ لأنهم غير قادرين على حماية حدودهم، ونقل الحرب إلى الأراضي الروسية».

توغّل واسع

صورة وزّعها رئيس بلدية كورسك لنيران مشتعلة في منطقة سكنية بعد تعرّضها لهجوم صاروخي أوكراني (أ.ف.ب)

أعلن الجيش الروسي، الأربعاء، أن أوكرانيا أرسلت ألف جندي للمشاركة في التوغل الذي فاجأ الكرملين. وعلّق المسؤول الأوكراني بالقول: «هناك أكثر من ذلك»، مُقدّراً عددهم بـ«الآلاف». وبعد أيام من امتناع السلطات الأوكرانية عن التعليق مباشرة على هذا الهجوم، تطرّق الرئيس فولوديمير زيلينسكي للمرة الأولى إلى هذه العملية في خطابه اليومي مساء السبت بالقول إن كييف تسعى إلى «نقل الحرب» إلى روسيا.

في المقابل، نشرت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، صوراً جديدة قالت إنها تُظهر غارة على رتل من المدرعات الأوكرانية في منطقة كورسك، وتدمير دبابة. ولمواجهة هجوم كورسك، أرسلت روسيا تعزيزات وبدأت بـ«عملية لمكافحة الإرهاب» في ثلاث مناطق متاخمة لأوكرانيا، بينها كورسك. وأعلنت، السبت، إجلاء أكثر من 76 ألف شخص يقيمون في منطقة التوغل. وطلبت أوكرانيا، من جانبها، إجلاء ما لا يقل عن 20 ألف مدني من منطقة سومي، الواقعة مقابل منطقة كورسك.

ورقة تفاوض

دبابة أوكرانية بالقرب من بلدة سومي متّجهة نحو الحدود الروسية في 11 أغسطس (أ.ف.ب)

هدفت عملية التوغل في البداية إلى تخفيف ضغط القوات الروسية في منطقتَي خاركيف (شمال شرقي) ودونباس (شرق) الأوكرانيتين على قوات كييف، التي هي أقل عدداً ومفتقرة إلى الأسلحة، بحسب ما قال المسؤول الأوكراني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». لكن هذه العملية، بحسب المسؤول، لم تضعف حتى الآن الهجوم الروسي في شرق أوكرانيا، حيث تقضم موسكو مزيداً من الأراضي منذ أشهر عدة. وأقرّ المسؤول: «من حيث المبدأ، لم يتغير الوضع. ضغطهم في الشرق يتواصل، إنهم لا يسحبون قواتهم من هذه المنطقة»، رغم أن «وتيرة الهجمات الروسية في الشرق تراجعت بعض الشيء». لكن المسؤول اعتبر أنها «عملية جيدة للغاية»، و«باغتت الروس» و«رفعت معنوياتنا، ومعنويات الجيش والدولة والمجتمع الأوكراني». وأوضح: «أظهرت هذه العملية أننا قادرون على الهجوم والتقدم». وتوقع المسؤول أن «تصُدّ» روسيا القوات الأوكرانية في منطقة كورسك عاجلاً أو آجلاً، ولكن «إذا لم تتمكن بعد فترة معينة من استعادة هذه الأراضي، يمكن استخدامها لأغراض سياسية»، كمفاوضات السلام.

«رد شديد»

جانب من الدمار الذي خلّفه هجوم أوكراني على منطقة كورسك الروسية في 11 أغسطس (أ.ب)

كشف المسؤول أن روسيا تستعدّ لشنّ هجوم صاروخي واسع على «مراكز صنع القرار» في أوكرانيا، رداً على الهجوم. وبدا أول ملامح هذا الرد ليل السبت إلى الأحد، بعد مقتل رجل يبلغ 35 عاماً وابنه البالغ 4 سنوات في كييف، وفقاً لخدمات الطوارئ، بسبب سقوط حطام صاروخ خلال هجوم روسي. وبالفعل، توعدت روسيا، الأحد، بالرد على ضربات أوكرانية، وخصوصاً الضربة الليلية التي أسفرت عن 13 جريحاً في مدينة كورسك. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، عبر منصّة «تلغرام»: «ستتم محاسبة مدبّري هذه الجرائم ومنفّذيها، بمن فيهم رعاتهم في الخارج. إن رداً شديداً للقوات الروسية لن يتأخر».

من جانبه، أفاد البيت الأبيض الأربعاء بأنه يتواصل مع أوكرانيا لمعرفة المزيد عن «أهداف» التوغل.

قوات أوكرانية في محيط بلدة سومي 11 أغسطس (أ.ف.ب)

وأشار المسؤول الأوكراني، في هذا الصدد، إلى أنه تم إبلاغ حلفاء أوكرانيا الغربيين مسبقاً بالتوغل. وأوضح: «نظراً لاستخدام السلاح الغربي» في هذه العملية، فقد «ساهم شركاؤنا الغربيون بشكل غير مباشر في التخطيط لها». كما شدّد المسؤول الأمني على أن أوكرانيا «احترمت بشدة القانون الإنساني الدولي» أثناء توغلها في روسيا. وأضاف: «من الأهمية بمكان ألا تنتهك أوكرانيا أي اتفاق، ونحن نحترم القانون الإنساني، فنحن لا نعدم الأسرى، ولا نغتصب النساء، ولا ننهب». وأكد أن «بوتشا وإيربين، لم ولن تحدثا»، في إشارة إلى الفظائع المنسوبة في مطلع 2022 إلى القوات الروسية في هاتين المدينتين. وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كان الاستيلاء على محطة كورسك للطاقة النووية، بالقرب من الحدود، من بين أهداف العملية، أجاب: «سنرى (...) لن نتسبب بأي مشاكل على الإطلاق في الأمن النووي». وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي قد دعا الجانبين، الجمعة، في بيان إلى «التزام أقصى قدر من ضبط النفس لتجنّب حادث نووي قد تكون له تداعيات إشعاعية خطيرة».

وشنّت روسيا هجوماً على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، واحتلت مساحات شاسعة في شرق البلاد وجنوبها، واستهدفت المدن الأوكرانية بقصف مدفعي وجوي بشكل يومي.