دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط»: قمة الأسد - إردوغان قبل نهاية العامhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7/5043034-%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A5%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D9%86%D9%87%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85
دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط»: قمة الأسد - إردوغان قبل نهاية العام
رئيس النظام السوري بشار الأسد مع رئيس الوزراء التركي آنذاك (الرئيس الحالي) رجب طيب إردوغان في دمشق عام 2010 (أ.ف.ب)
أكدت موسكو أنها تواصل بذل جهود مكثفة لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، ودفع الطرفين إلى إيجاد توافقات في الملفات المطروحة.
ومع نفي الطرفين الروسي والتركي صحة معطيات إعلامية تركية حول ترتيب لقاء على المستوى الرئاسي قريباً، قال دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط»، إن الأطراف «لم تبحث بعد» مكان وموعد عقد قمة تجمع الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب إردوغان، لكنه أعرب عن «تطورات إيجابية متسارعة لتسوية الملفات الخلافية»، متوقعاً أن القمة «سوف تعقد قبل نهاية العام الحالي».
وتجاهل الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، التعليق على أنباء تناقلتها وسائل إعلام تركية حول ترتيب لقاء على المستوى الرئاسي في روسيا، الشهر المقبل، لكنه قال للصحافيين، الثلاثاء، إن روسيا «تواصل تهيئة الظروف لإطلاق الاتصالات بين تركيا وسوريا».
وردّ بيسكوف على سؤال الصحافيين حول ما إذا كانت موسكو تستعد لتنظيم اجتماع بين الرئيسين التركي والسوري، بالقول: «مسألة تنظيم اتصالات معينة بين المسؤولين الأتراك والسوريين على مختلف المستويات، مطروحة على جدول أعمالنا».
لقاء بوتين ووزير الخارجية التركي بموسكو في 11 يونيو الماضي (الخارجية التركية)
وقال الناطق الروسي إن بلاده «مثل دول أخرى، مهتمة بتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا». وأوضح: «العديد من الدول التي تلعب دوراً مهماً في المنطقة وبالطبع روسيا أيضاً، مهتمة بمساعدة البلدين على تحسين العلاقات، وهذا مهم جداً للمنطقة، وليس فقط لدفع التسوية السياسية، ولكن أيضاً من أجل الاستقرار في المنطقة بأكملها».
وكانت صحيفة «ديلي صباح» التركية الموالية للحكومة، نقلت عن مصادرها أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يستضيف رئيسي سوريا وتركيا ويتوسط في هذه المفاوضات.
ونفى مصدر دبلوماسي تركي كذلك المعطيات حول تحديد موعد اللقاء الشهر المقبل.
اجتماع على مستوى وزراء دفاع سوريا وتركيا وإيران وروسيا في موسكو يوم 25 أبريل 2023 (وزارة الدفاع الروسية - أ.ف.ب)
ونقلت وكالة أنباء «تاس» الحكومية عن خبير روسي، أن «عملية دفع العلاقات بين تركيا وسوريا باتت أمراً لا رجعة فيه»، واتهم الولايات المتحدة بأنها «تحاول التدخل في الجهود المبذولة في هذا الاتجاه».
ورأى أنه «بما أن واشنطن لا تدعم جهود تركيا لتطبيع العلاقات مع سوريا، فمن الواضح أنه في الظروف التي تتحدث فيها أنقرة عن وجود إرادة سياسية للتطبيع، تحاول الولايات المتحدة التدخل في هذه العملية، لكن الجليد بين الطرفين السوري والتركي قد انكسر بالفعل».
لقاء إردوغان وبوتين على هامش قمة «منظمة شنغهاي» في آستانة (الرئاسة التركية)
في المقابل، قال دبلوماسي روسي شارك في جولات لدفع مسار إطلاق الحوارات السورية - التركية، إن «الحديث لا يدور عن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة». ورأى في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الطرفين السوري والتركي ليسا مستعدين لتطبيع العلاقات، لكن الحديث يدور «عن حاجة ملحة وضرورية للغاية لبدء اتصالات تركية - سورية لتسوية قضايا مهمة جداً للطرفين».
ضبط الحدود وعودة اللاجئين
وزاد أنه بالنسبة إلى أنقرة التي أظهرت في الآونة الأخيرة حماسة كبيرة لدفع هذا المسار، فإن «الأولوية تتركز على عنصرين رئيسين هما: ملف اللاجئين، وموضوع الحاجة إلى ضبط الحدود المشتركة الممتدة لمسافة 900 كيلومتر».
وأكد أنه «لا يمكن أن تصل الأمور إلى استقرار حقيقي في المناطق الحدودية إلا عبر تعزيز سيطرة السلطات المركزية على المنطقة».
جنديان تركيان في دورية بمنطقة الجدار الحدودي بين تركيا وسوريا (وزارة الدفاع التركية)
وأكد أن هذا المدخل يعد مؤشراً جدياً من جانب تركيا على الاستعداد الكامل للانسحاب من الأراضي السورية عند توفر الظروف الملائمة لذلك، وبسط سيطرة السلطات على المنطقة الحدودية.
لكنه في الوقت ذاته، أشار إلى أنه «لم يقم أحد بإلغاء اتفاق أضنة الموقع عام 1998 والذي يسمح لتركيا بالتوغل لأسباب أمنية في مناطق الشريط الحدودي»، ملاحظاً أن لهجة الحكومة السورية «بدأت تتغير أخيراً، ولم تعد تتحدث عن (احتلال تركي) بل باتت تركز على عبارات عامة مثل (الاحتلال الأجنبي)».
ولاحظ أن تلك العبارة تنطبق على وجود الولايات المتحدة العسكري في سوريا، وليس على الوجود التركي، باعتبار أن «الوجود التركي في بعض المناطق له أرضية قانونية (...)، ورغم بعض التجاوزات في مناطق عدة فإن هذا لا يغير القناعة الرئيسية بأن تركيا مستعدة للانسحاب عند توافر الظروف».
صورة أرشيفية لدورية عسكرية تركية - روسية مشتركة في الدرباسية قرب الحدود التركية في الحسكة (أ.ف.ب)
وأكد الدبلوماسي الروسي أن بلاده «تعمل بشكل وثيق مع أنقرة، ولدينا تنسيق أمني واسع في غالبية المناطق، ويتم تسيير دوريات مشتركة في مناطق عدة».
وقال إن الأولوية الروسية في دفع الاتصالات التركية - السورية تقوم على «المحافظة على نظام التهدئة في سوريا لحين نضوج العامل السوري الداخلي لدفع التسوية السياسية النهائية في البلاد».
إيران عنصر مساعد
في السياق ذاته، تطرق الدبلوماسي إلى موقف طهران حيال جهود موسكو لتقريب وجهات النظر بين دمشق وأنقرة، وقال إن «التنسيق مع طهران يجري على أعلى مستويات»، وزاد أن «إيران عامل مساعد ولا تعرقل تلك الجهود بل تنخرط معنا في تنسيق كامل».
ورداً على سؤال حول القمة المرتقبة بين إردوغان والأسد، قال الدبلوماسي الروسي إن الحديث عن إنضاج ظروف لعقد مثل هذه القمة متواصل منذ عام ونصف عام. وزاد: «لكن لم يتم التطرق حتى الآن بشكل محدد إلى موعد بعينه أو مكان لعقد هذه القمة».
وكشف عن أن بعض وجهات النظر المطروحة على مستوى اللقاءات الجارية، تقوم على ضرورة أن يتم عقد اللقاء الرئاسي، إما على أراضي أحد البلدين الجارين وإما في منطقة حدودية.
وتطرق في هذا الشأن إلى جولات الحوار التي استضافها العراق، مؤكداً أن اللقاءات التي يتم ترتيبها في العراق «يمكن أن تكون على مستوى نواب الوزراء أو على المستوى الوزاري، وأيضاً على مستوى رؤساء الأجهزة الأمنية»، مستبعداً أن يتم تطوير ذلك لعقد لقاءات على المستوى الرئاسي.
اللجنة الدستورية إلى العراق؟
اللافت في حديث الدبلوماسي الروسي عن مجالات استضافة العراق للقاءات حول سوريا، أنه تطرق أيضاً إلى أفكار يجري تداولها حالياً في روسيا، حول إمكان نقل لقاءات اللجنة الدستورية السورية المقبلة إلى العراق. وقال إن هذا البلد الجار والقريب من كل الأطراف يشكل منصة مناسبة ومهمة لعقد لقاءات «الدستورية»، بسبب سهولة الوصول إليه من سوريا ومن تركيا، وكذلك من مناطق سيطرة المعارضة السورية.
وحول توقعات موسكو لموعد عقد قمة على المستوى الرئاسي تجمع الأسد وإردوغان، أعرب الدبلوماسي عن قناعة بأن القمة سوف تنعقد «قبل حلول نهاية العام الحالي».
وقال: «اللقاء الرئاسي سوف يتم بكل تأكيد قبل نهاية العام (...)، وستتم خلال الفترة المقبلة تسوية العديد من القضايا المهمة المطروحة على أجندة الطرفين؛ التركي والسوري».
أثار اعتقال قيادي سابق في «الجيش الحر» (الجيش الوطني)، من قبل إدارة الأمن العام، التوتر في أوساط أبناء محافظة دير الزور الموجودين في دمشق، فتجمع العشرات منهم.
تسعى موسكو إلى المحافظة على وجودها العسكري في سوريا كونه يلبي مصالح وصفها عسكريون روس بأنها استراتيجية.
رائد جبر (موسكو)
البابا فرنسيس... الإصلاحي المدافع عن المهاجرين والداعي للسلامhttps://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7/5134696-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D8%A7-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AD%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85
البابا فرنسيس... الإصلاحي المدافع عن المهاجرين والداعي للسلام
البابا فرنسيس يحرر حمائم بيضاء في كاتدرائية الروح القدس بإسطنبول خلال زيارة لتركيا استمرت 3 أيام عام 2014 (أ.ف.ب)
غيّب الموت، في روما، البابا فرنسيس، عن 88 عاماً، اليوم الاثنين، بعد ظهوره، أمس، ضعيفاً لكن باسماً، بين آلاف المصلّين الذين احتشدوا في باحة القديس بطرس في روما، خلال عيد القيامة لدى المسيحيين. وعانى رأس الكنيسة الكاثوليكية، منذ أكثر من شهرين، تداعيات التهاب رئوي حاد. وكان يتمتع بشعبية واسعة بين أتباع كنيسته في مختلف أنحاء العالم، ولو أنه واجه معارضة شرسة من البعض، ولا سيما داخل الكنيسة؛ بسبب إصلاحاتٍ دعا إليها أو قام بها.
البابا فرنسيس يشرب خلال ظهوره بشُرفة «كاتدرائية القديس بطرس» في عيد الفصح (رويترز)
وكان البابا يعاني الضعف جراء إصابته بالتهاب رئوي، دخل على أثره المستشفى لنحو شهر.
وكشف البابا فرنسيس، في أواخر عام 2023، أنه يريد أن يُدفن في كنيسة سانتا ماريا ماجوري بوسط روما، وليس في سرداب كنيسة القديس بطرس، وهو ما سيكون سابقة منذ أكثر من ثلاثة قرون. وأصدر الفاتيكان، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، طقوساً مبسّطة للجنازات البابوية، مِن أبرزها استخدام تابوت بسيط من الخشب والزنك، بدلاً من التوابيت الثلاثة المتداخلة المصنوعة من خشب السرو والرصاص والبلوط. وطوال حبريته، التي امتدت 12 عاماً، دافع أول بابا يسوعي وأميركي جنوبي في التاريخ، دون هوادة، عن المهاجرين والبيئة والعدالة الاجتماعية دون أن يمسّ عقيدة الكنيسة في شأن الإجهاض أو عزوبية الكهنة.
النشأة والميلاد
وُلد خورخي ماريو بيرجوليو، في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1936، في بوينس آيرس، وسط عائلة مكونة من خمسة أطفال، وهو أكبر أشقائه الأربعة، كان والده مهاجراً من إيطاليا. أما والدته فوُلدت في الأرجنتين، غير أنها من أصول إيطالية جنوية أيضاً. عمل والده في السكك الحديدية، أما والدته فكانت ربة منزل. وخلال مراهقته المبكرة، أُصيب البابا بالتهاب رئوي حاد نتيجة العدوى، وهو ما سيؤثر على صحته لاحقاً ويؤدي لاستئصال رئته اليمنى حين كان كاهناً.
ومنذ طفولته وشبابه، عُرف عن البابا شغفه بالأفلام، والموسيقى الشعبية في الأرجنتين والأوروغواي، ورقص التانجو، ومتابعته كرة القدم، وحبه تشجيعها، وبشكل خاص نادي برشلونة، وفقاً لما نشرته وسائل إعلام محلية.
تلقّى البابا تعليمه الابتدائي في إحدى ضواحي بوينس آيرس، أما مدرسته الإعدادية فكانت متخصصة في التقنيات الكيميائية، وتابع دراسته الجامعية محصلاً درجة الماجستير في الكيمياء بجامعة بوينس آيرس.
السِّلك الكنسي
انضمّ إلى الرهبنة اليسوعية وهو في عمر 21 عاماً، وذلك في مارس (آذار) 1958، ودرس العلوم الإنسانية واللاهوتية في سانتياغو في تشيلي، وأشهر نذوره الرهبانية في مارس 1960، ليغدو بذلك عضواً رسمياً عاملاً في الرهبنة. وبعد إنهاء دراساته الأولى في تشيلي، عاد إلى الأرجنتين ليتابع دراساته في الفلسفة واللاهوت بالمعهد الإكليركي في ديفيتو فيلا، ثم في جامعة سان ماكسيمو دي مغيل، والتي حصل منها على البكالوريوس، وتابع دراساته في الأدب وعلم النفس بين عاميْ 1964 و1965 في جامعة ديلا أنماكيولادا في سانتا في، وتخرَّج فيها.
وفي عام 1967 أنهى بيرجوليو دراسته اللاهوتية، وسيم كاهناً في 13 ديسمبر 1969.
الكاردينال الفلبيني لويس أنطونيو تاجلي يُعلّم البابا فرنسيس كيفية استخدام إشارة اليد الشهيرة «أحبك» في ساحة مول آسيا بمانيلا بالفلبين 16 يناير 2015 (أ.ب)
اختير بيرجوليو لمنصب الرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين، في أبريل (نيسان) 1973، ثم انتقل إلى فرنكفورت بألمانيا للإشراف على أطروحة الدكتوراه فيها بطلب من الرهبنة اليسوعية، وعند عودته عُيّن المدير والمعرّف الروحي في جامعة مدينة قرطبة الأرجنتينية.
يتقن البابا اللغات الإسبانية واللاتينية والإيطالية والألمانية والفرنسية والأوكرانية، بالإضافة إلى الإنجليزية.
ترقياته الأسقفية
في 20 مايو (أيار) 1992، عيَّنه البابا يوحنا بولس الثاني أسقفاً مساعداً في بوينس آيرس، وأسقفاً فخرياً لمدينة أوكا، وحصل على الرسامة الأسقفية في 27 مايو بالكاتدرائية.
وفي 3 يونيو (حزيران) 1997، عُين البابا رئيس أساقفة معاوناً لبوينس آيرس، وبعد وفاة الكاردينال كواراشينو، أصبح رئيس الأساقفة، وكبير أساقفة الأرجنتين، ورئيساً للكاثوليك من الطقوس الشرقية في الأرجنتين، الذين ليس لديهم رئيس أساقفة خاص بهم، وذلك ابتداءً من 28 فبراير (شباط) 1998.
انتخابه بابا للفاتيكان
في عام 2001، جرى تعيينه «كاردينال» من قِبل البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني، وبرز بصفته أحد الشخصيات المؤثرة في الكنيسة الكاثوليكية بأميركا اللاتينية.
وأصبح أكثر شهرة في القارة، إذ بات رئيساً لمجلس أساقفة الأرجنتين في 2005، وأُعيد انتخابه في 2008 لفترة ثانية.
وفي 13 مارس 2013، وبعد يومين من التوصيت، جرى انتخابه بابا للكنيسة الكاثوليكية في اجتماع الكرادلة، عقب استقالة البابا بنديكتوس السادس عشر. اختار البابا لنفسه اسم فرنسيس؛ تأسياً بالقديس فرنسيس الأسيزي؛ أحد معلمي الكنيسة الجامعة، «والمدافع عن الفقراء، والبساطة، والسلام».
البابوية
ومنذ اليوم الأول لانتخاب فرنسيس بابا للفاتيكان، رفض البابا الجديد الإقامة في المقر البابوي، مفضّلاً البقاء في دير القديسة مارتا المتواضع، ومتخلياً عن بهرجة الملابس والحليّ والأحذية القرمزية التقليدية. واختار التنقل في سيارة متواضعة، واعتاد مخاطبة المؤمنين بلغة بسيطة كتلك التي يستخدمها عادةً المبشّرون العلمانيون الذين تحظر الكنيسة نشاطهم. وإلى جانب هذا، أصرّ دائماً على إظهار بُعده الإنساني العميق عندما كان يطلب من الشعب أن يتضرّع لأجله قبل أن يبادر هو إلى منحه البركة الرسولية.
أيضاً، منذ وصوله إلى سُدة البابوية، أعلن البابا فرنسيس إطلاق برنامج إصلاحي واسع سُرعان ما أطلق صفارات الإنذار في الدوائر الكنسية المحافِظة والأوساط السياسية اليمينية في إيطاليا وخارجها، خاصة في الولايات المتحدة، حيث يتمتع التيار المتشدّد في الكنيسة الكاثوليكية بنفوذ واسع وموارد مالية وتحالفات وثيقة مع التيارات المحافِظة في الكنائس الأخرى.
وهكذا، لم يشهد بابا في التاريخ الحديث معارضة كالمعارضة الداخلية التي واجهها فرنسيس - ولا يزال - حتى قيل إن شعبيته خارج الكنيسة الكاثوليكية أكبر بكثير من شعبيته داخلها.
البابا فرنسيس يبارك مشجعاً لفريق إس إس لاتسيو الإيطالي لكرة القدم خلال لقاء بابوي مع رياضيين وأنصار النادي بقاعة بولس السادس بالفاتيكان في 2015 (إ.ب.أ)
بل لقد أعرب فرنسيس مراراً أمام مُعاونيه عن «مرارة عميقة» بسبب المكائد التي تحيكها الدوائر المحافِظة المتشددة في الكنيسة، والتي أدّت إلى عرقلة كثير من بنود برنامجه الإصلاحي الذي تعثرّ في شِقه الاقتصادي والمالي، لكنه نجح في إحداث تغيير ملموس على صعيد استراتيجية التواصل ومكافحة التحرّش الجنسي الذي سبّب له كثيراً من الحرج، خلال زياراته للخارج.
لكن على الرغم من تراجع منسوب التفاؤل الكبير الذي رافق وصوله إلى السدة البابوية، استطاع فرنسيس الحفاظ على الزخم الإصلاحي الذي وعد به، إذ قام بتعيين عدد كبير من أنصار برنامجه الإصلاحي في مراكز حساسة، خاصة في وزارة الخارجية والمجلس الاستشاري الواسع النفوذ، وفي مناصب استراتيجية لإدارة أموال الكنيسة. كذلك، واصل تعيين كرادلة جدد حتى أصبحوا يشكلون الأكثرية في المَجمع الذي من المفترض أن ينتخب خلفه بعد رحيله.
إصلاحاته في الكنيسة الكاثوليكية
عمل البابا فرنسيس على التخفيف من صرامة القوانين المتعلقة بالطلاق والزواج، وسمح لبعض المطلقين الذين تزوجوا مجدداً بتلقّي المناولة المقدسة، كما دعا إلى جعل الكنيسة أكثر قرباً من الناس وأقل بيروقراطية.
وعيَّن نساء في مناصب قيادية داخل الفاتيكان، لأول مرة في تاريخ الكنيسة، كما دعا إلى تعزيز دور المرأة داخل الكنيسة، لكنه لم يصل إلى حد الموافقة على منحهن رتبة الكهنوت.
وأطلق البابا الراحل إصلاحات داخل الفاتيكان لمحاربة الفساد المالي، وأقال عدداً من المسؤولين في إدارة الكنيسة بسبب قضايا مالية مشبوهة، وكان يشدد على ضرورة أن تكون الكنيسة نموذجاً في الشفافية والنزاهة، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».
وكان هذا السياسي البارع ذو المواقف الجريئة عازماً على إدخال إصلاحات على الكوريا الرومانية؛ أي الحكومة المركزية للكرسي الرسولي، ومصمماً على تعزيز دور النساء والعلمانيين فيها، وعلى تطهير مالية الفاتيكان التي هزّتها شُبهات وفضائح. ولم يتردد حيال مأساة الاعتداءات الجنسية على الأطفال في الكنيسة، في إلغاء السر البابوي في شأنها، وألزم رجال الدين والعلمانيين بإبلاغ رؤسائهم عن أي حالات من هذا النوع، لكن خطواته لم تنجح، مع ذلك، في إقناع جمعيات الضحايا التي أخذت عليه عدم اتخاذه إجراءات أبعد من ذلك.
البابا فرنسيس يتلقى المساعدة من مساعده رئيس الأساقفة دييغو جيوفاني رافيلي لدى وصوله لبدء مجمع كنسي عام لتنصيب 21 من الكرادلة بكاتدرائية القديس بطرس بالفاتيكان 7 ديسمبر 2024 (أ.ب)
وعُرف بأسلوبه القريب من الناس، ما أكسبه شعبية كبيرة، إذ كان مثلاً يتمنى للمؤمنين «شهية طيبة»، كل يوم أحد، في ساحة القديس بطرس. وتعرّض لانتقادات شديدة من معارضيه المحسوبين على التيار المحافظ الذين رأوا أنه يبتعد عن المبادئ التقليدية للكنيسة، وعَدُّوا أن أسلوبه في الإدارة سُلطويّ. وواجه البابا معارضة داخلية حادة بسبب إصلاحات أخرى، وانتقده البعض لقراراته الجريئة، كوضع قيود على القداس اللاتيني، والسماح بمباركة أزواج من المِثليين. كذلك اتهم البعض فرنسيس بالمبالغة في التخفيف من مكانة منصب البابا بأسلوبه الخارج عن المألوف، كتفضيله مثلاً الإقامة في شقة متواضعة من غرفتين بمساحة 70 متراً مربعاً، على السكن في القصر الرسولي الفخم.
التقارب بين الأديان
وبرز البابا فرنسيس، المتمسك بالحوار بين الأديان، وخصوصاً مع الإسلام. ففي عام 2017، زار مصر والتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكد أن الحوار بين الأديان أصبح ضرورة مُلحة للتوصل إلى السلام، ومواجهة الخلافات، مشيراً إلى أنه «ما من عنفٍ يمكن أن يُرتكب باسم الله». وفي كلمته أمام المؤتمر العالمي للسلام، الذي نظّمه الأزهر، قال البابا فرنسيس: «لنكرر معاً: من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض، وأرض العهود بين البشر وبين المؤمنين، لنكرر (لا) قوية وواضحة لأي شكل من أشكال العنف والثأر والكراهية يُرتكب باسم الدين، أو باسم الله».
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مستقبِلاً البابا فرنسيس عام 2017 (رويترز)
ودعا البابا إلى وقف «تدفق الأموال والأسلحة نحو الذين يثيرون العنف». وأضاف: «من الضروري وقف انتشار الأسلحة التي، إن جرى تصنيعها وتسويقها، فسيجري استخدامها عاجلاً أو آجلاً».
وفي عام 2019، وقَّع البابا مع شيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي، لتعزيز الحوار بين الأديان.
البابا فرنسيس يصافح شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب خلال اجتماع بين الأديان في أبوظبي عام 2015 (أ.ب)
كما زار العراق في 2021، حيث التقى المرجع الشيعي علي السيستاني، في خطوة غير مسبوقة لتعزيز العلاقات بين المسيحية والإسلام.
وفي ديسمبر الماضي، كشف البابا عن أنه كان هدفاً لمحاولة تفجير انتحاري أثناء زيارته للعراق قبل 3 سنوات، وكانت الأولى التي يقوم بها بابا كاثوليكي للبلاد، وربما كانت أخطر رحلة خارجية له خلال بابويته المستمرة منذ 11 عاماً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وفي جزءٍ نُشر من سيرته الذاتية المرتقبة، قال البابا فرنسيس إن الشرطة أبلغته بعد هبوط طائرته في بغداد، في مارس 2021، أن اثنين على الأقل من الانتحاريين المعروفين كانا يستهدفان إحدى الفعاليات التي كان من المفترض أن يحضرها.
البابا فرنسيس يحضر صلاة من أجل ضحايا الحرب بمدينة الموصل القديمة مارس 2021 (رويترز)
وكتب البابا، وفق مقتطف من الكتاب نشرته صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية اليومية: «كانت هناك امرأة محملة بالمتفجرات، شابة انتحارية، متجهة إلى الموصل لتفجير نفسها أثناء الزيارة البابوية، كما انطلقت شاحنة صغيرة بسرعة قصوى للقصد نفسه».
كانت زيارة البابا فرنسيس إلى الموصل محطة مهمة، خلال رحلته إلى العراق، نظراً لأن ثاني أكبر مدينة في العراق كانت تحت سيطرة تنظيم «داعش» من عام 2014 إلى 2017، وزار البابا أنقاض 4 كنائس مدمَّرة هناك، وأطلق نداءً من أجل السلام.
وخلال الزيارة، لم يقدم الفاتيكان سوى القليل من التفاصيل حول الاستعدادات الأمنية من أجل البابا. وكان حضور فعاليات عدة خلال زيارته، التي جَرَت في الوقت الذي بدأ فيه انحسار جائحة «كوفيد-19»، متاحاً لعدد محدود من الأشخاص فقط.
ونشر العراق آلافاً من أفراد الأمن الإضافيين لحماية البابا.
موقفه من حرب غزة
ظهر البابا فرنسيس من شُرفة «كاتدرائية القديس بطرس»، رغم صحّته الهشّة، في عيد الفصح، أمس، في آخِر ظهور له بينما احتشد آلاف الكاثوليك في الساحة؛ على أمل رؤية البابا بعد شهر واحد فقط من مغادرته المستشفى.
وندَّد البابا بالوضع الإنساني «المأساوي» في قطاع غزة، ودعا إلى وقف إطلاق النار، محذراً، في الوقت نفسه، من «تنامي جو معاداة السامية الذي ينتشر في جميع أنحاء العالم»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
وطالما كان بابا الفاتيكان رافضاً للحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة، والتي كان يصفها بأنها «وحشية وليست حرباً». وقال، في خطاب سنوي بمناسبة عيد الميلاد أمام كرادلة كاثوليك، ما بدا أنه إشارة إلى غارات جوية إسرائيلية أودت بحياة 25 فلسطينياً على الأقل، في ديسمبر الماضي: «جرى قصف الأطفال... هذه وحشية، هذه ليست حرباً. أردت أن أقول ذلك لأنه يمس القلب».
صاحب متجر في بيت لحم بالضفة الغربية يضع شريطاً أسود على صورة البابا الراحل فرنسيس بعد نبأ وفاته (أ.ب)
وعادةً ما يكون البابا، بصفته زعيم الكنيسة الكاثوليكية التي يبلغ عدد أتباعها 1.4 مليار نسمة، حذِراً بشأن الانحياز إلى أي من أطراف الصراعات، لكنه صار، في الآونة الأخيرة، أكثر صراحة فيما يتعلق بالحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة على حركة «حماس».
وقال البابا، في نهاية نوفمبر الماضي، إنّ «غطرسة الغزاة تسود على الحوار في فلسطين».
وفي مقتطفات من كتاب، نُشرت الشهر الماضي، قال البابا إن بعض الخبراء الدوليين قالوا إن «ما يحدث في غزة يحمل خصائص الإبادة الجماعية».
وانتقدت إسرائيل، حينها، هذه التصريحات، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن إسرائيل تدافع عن نفسها في وجه القسوة التي ظهرت في «اختباء (مسلّحي حماس) خلف الأطفال، خلال محاولتهم قتل أطفال إسرائيليين»، واحتجازهم 100 رهينة وإساءة معاملتهم.
وذكرت الوزارة: «للأسف، قرَّر البابا أن يتجاهل كل هذا»، مضيفة أن «وفاة أي شخص بريء في الحرب مأساة».
وتابعت قائلة: «تبذل إسرائيل جهوداً غير عادية لمنع إلحاق الأذى بالأبرياء، في حين تبذل (حماس) جهوداً استثنائية لزيادة الأذى على المدنيين الفلسطينيين».
وانتقد وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، تلك التعليقات، بشدة، في رسالة مفتوحة غير معتادة، نشرتها صحيفة «إيل فوليو» الإيطالية. وقال شيكلي إن تصريحات البابا تصل إلى حد «الاستخفاف» بمصطلح الإبادة الجماعية.
قضايا اللاجئين
في فبراير الماضي، وجَّه بابا الفاتيكان انتقاداً شديداً لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على خلفية الترحيل الجماعي للمهاجرين من الولايات المتحدة.
وحذَّر من أن «البرنامج الذي يقضي بترحيل الأشخاص قسراً، فقط بسبب وضعهم غير القانوني، يَحرمهم من كرامتهم المتأصلة، وسينتهي بشكل سيئ».
جاءت خطوة البابا فرنسيس الاستثنائية في تناول القمع الأميركي ضد المهاجرين، في رسالة إلى أساقفة الولايات المتحدة، الذين انتقدوا عمليات الطرد بوصفها تُلحق الضرر بالفئات الأكثر ضعفاً.
البابا فرنسيس يقبّل رأس طفل في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان أمس (إ.ب.أ)
ولطالما جعل فرنسيس رعاية المهاجرين أولويةً، خلال فترة بابويته، حيث طالب الدول باستقبال الفارّين من الصراعات والفقر والكوارث المناخية، وحمايتهم وتعزيزهم ودمجهم... وقال: «إن الحكومات من المتوقع أن تقوم بذلك إلى أقصى حدود قدرتها».
وقال البابا فرنسيس، في الرسالة، إن للدول «الحق في الدفاع عن نفسها والحفاظ على مجتمعاتها آمنةً من المجرمين. ومع ذلك فإن عملية ترحيل الأشخاص الذين غادروا أراضيهم، في كثير من الحالات لأسباب تتعلق بالفقر المُدقع، أو انعدام الأمن، أو الاستغلال، أو الاضطهاد، أو التدهور الخطير للبيئة، تُلحق الضرر بكرامةِ كثير من الرجال والنساء، وأُسرٍ بأكملها، وتضعهم في حالة من الضعف والعجز بشكل خاص». وأكد «حق الأشخاص في البحث عن المأوى والأمان في بلدان أخرى». وأعرب عن قلقه بشأن ما يحدث في الولايات المتحدة. وقال: «ما يُبنى على أساس القوة، وليس على الحقيقة حول الكرامة المتساوية لكل البشر، يبدأ بشكل سيئ، وسينتهي بشكل سيئ».
فصول من المرض والأزمات الصحية
سبقَ للبابا، الذي يُعَدّ الزعيم الروحي لنحو 1.4 مليار كاثوليكي في العالم، أن أمضى فترتين في المستشفى عام 2023، أُجريَت له خلال إحداهما عملية جراحية كبرى في الأمعاء، واضطر، في الأشهر الأخيرة، إلى صرف النظر عن مجموعة من الارتباطات. وأُصيب خورخي بيرجوليو عندما كان في الحادية والعشرين بالتهاب الجنبة الحاد، واضطر الجرّاحون إلى إزالة رئته اليمنى جزئياً.