«أهلية بايدن» تطغى على قمة الناتو... وتشكّك في صلابة «القيادة الأميركية»

أوكرانيا تتصدّر المحادثات... وبكين تدين «افتراءات» الحلف

ستولتنبرغ لدى استقباله روته في مقرّ «الناتو» ببروكسل يونيو 2021 (أ.ب)
ستولتنبرغ لدى استقباله روته في مقرّ «الناتو» ببروكسل يونيو 2021 (أ.ب)
TT
20

«أهلية بايدن» تطغى على قمة الناتو... وتشكّك في صلابة «القيادة الأميركية»

ستولتنبرغ لدى استقباله روته في مقرّ «الناتو» ببروكسل يونيو 2021 (أ.ب)
ستولتنبرغ لدى استقباله روته في مقرّ «الناتو» ببروكسل يونيو 2021 (أ.ب)

عندما وافق فولوديمير زيلينسكي علی المشاركة حضورياً في قمة الناتو، كان هدفه واضحاً؛ إقناع الحلفاء الغربيين بالموافقة على خطة لدعم أوكرانيا مادياً وعسكرياً على المدى الطويل، عبر اتفاق يصمد أمام عودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض.

ولم يكن زيلينسكي يتوقع أن التحدي الفوري الذي يواجهه الدعم الغربي لبلاده، لا ينبع في الحقيقة من الرئيس الأميركي السابق، المشكّك في الالتزام الأميركي اللامشروط لكييف، بل من أقرب حلفائه؛ الرئيس الأميركي جو بايدن.

ستتوجه الأنظار إلى المؤتمر الصحافي الذي يعقده بايدن في اختتام القمة يوم الخميس لرصد قدرته على التفاعل مع أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)
ستتوجه الأنظار إلى المؤتمر الصحافي الذي يعقده بايدن في اختتام القمة يوم الخميس لرصد قدرته على التفاعل مع أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)

فبينما كان قادة الناتو يتوافدون إلى قاعدة «أندروز» للمشاركة في احتفالات إحياء الذكرى الـ75 للحلف، بدا البيت الأبيض منهمكاً في دحض مزاعم حول خضوع بايدن للعلاج من «باركينسون»، ومحاولة وضع حد للدعوات الديمقراطية بتنحّيه من السباق الرئاسي لصالح نائبته كامالا هاريس.

وفاقمت التكهنات حول أهلية بايدن العقلية من حجم المخاوف الأوروبية، حيال صلابة الالتزام الأميركي بالحلف وأمن أوروبا، في «أخطر فترة تمر بها القارة منذ الحرب العالمية الثانية»، كما وصفها مسؤول رفيع في الناتو.

مخاوف أوروبية من سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تجاه حلف الناتو إذا فاز بالانتخابات وعاد إلى البيت الأبيض (أ.ب)
مخاوف أوروبية من سياسات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تجاه حلف الناتو إذا فاز بالانتخابات وعاد إلى البيت الأبيض (أ.ب)

قمة الفرصة الأخيرة

بعد 12 يوماً من أداء بايدن الكارثي في المناظرة الرئاسية الأولى في هذه الدورة الانتخابية، قد تنجح قمة الناتو في إحياء حملة الرئيس الانتخابية وإسكات معارضيه، مؤقتاً على الأقل، أو إنهائها. ويستضيف بايدن، من الثلاثاء إلى الخميس، لقاءات ثنائية في البيت الأبيض، واجتماعات مكثّفة مع قادة الناتو، واحتفالات تذكارية، تنتهي في ختام القمة بمؤتمر صحافي أمام صحافة العالم.

متظاهرون يحتجون ضد قمة «الناتو» في واشنطن، الثلاثاء (د.ب.أ)
متظاهرون يحتجون ضد قمة «الناتو» في واشنطن، الثلاثاء (د.ب.أ)

وستتيح اللقاءات الثنائية خصوصاً فرصةً لحلفاء واشنطن لتقييم أداء بايدن، في وقت أقرّ دبلوماسيون حول العالم بقلقهم الشديد من تدهور صحة «قائد العالم الحر»، بيد أن بعض أبرز حلفاء بايدن الدوليين سارعوا للتعبير عن دعمهم غير المباشر له، حيث أكّد المستشار الألماني، قبل ساعات من وصوله إلى واشنطن، ثقته في أهلية الرئيس الأميركي، وقال إنه «ليس قلقاً» بشأن إرهاق المضيف أثناء أعمال القمة.

من جهته، عبّر رئيس الوزراء البريطاني الجديد عن توقه للقاء «أقرب حليف» لبلاده، في اجتماع ثنائي مطوّل بالبيت الأبيض، الأربعاء.

علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف الناتو في كييف (رويترز)
علم أوكرانيا يظهر أمام شعار حلف الناتو في كييف (رويترز)

ولا شكّ أن حلفاء بايدن من الحزب الديمقراطي يراقبون، بدورهم، أداء الرئيس عن كثب، تمهيداً لرسالة دعم واضحة لحملته بحلول نهاية الأسبوع، إذا نجح بايدن في تقديم صورة القائد القوي التي وعدهم بها، أو حثّه على التنحي بصوت موحّد في حال حضوره مخيّباً للتوقعات.

وفي أروقة «مركز والتر. إ - واشنطن للمؤتمرات»، حيث تنعقد قمة الناتو، كان لافتاً اهتمام الصحافيين الواسع بالتسريبات حول «صوت» الرئيس الأميركي و«مشيته» و«هيئته العامة»، لترتفع أسهم المسؤولين الإداريين والقائمين على تنظيم اللقاءات الجانبية للرئيس مع ضيوفه من القادة، لتوازي أهمية المتحدثين الرسميين والمسؤولين السياسيين من الصفين الثاني والثالث.

واشنطن تستضيف قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تنطلق الثلاثاء وتستمر 3 أيام (أ.ب)
واشنطن تستضيف قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) التي تنطلق الثلاثاء وتستمر 3 أيام (أ.ب)

تحديات دعم أوكرانيا

قبل ساعات من انطلاق أعمال الناتو، وجّهت موسكو رسالة قاسية لقادة الحلف، بهجوم واسع على العاصمة الأوكرانية كييف أسقط عشرات القتلى.

وفي الذكرى الـ75 لتأسيسه، يُخصِّص الحلف غالبية مباحثاته، الأربعاء والخميس، لتأكيد دعم أوكرانيا، وإبرام اتفاق يضمن استمرار تدفق المساعدات العسكرية لهذا البلد الأوروبي في مواجهة الهجوم الروسي، والتصدعات المتفاقمة في الدعم الغربي من الكونغرس الأميركي إلى قادة أوروبيين، أمثال الزعيم المجري فيكتور أوربان.

وأوضح مصدر مطلع على أعمال القمة، أن أوكرانيا والدعم الذي يقدّمه حلف شمال الأطلسي، هو الموضوع الرئيسي الذي سيتم بحثه يومي الأربعاء والخميس خلال القمة.

وتابع: «يقدّم حلفاء الناتو مستوى غير مسبوق من الدعم لأوكرانيا، ويدعمون حق البلاد في الدفاع عن النفس في وجه العدوان الروسي، وهذا الدعم المستمر هو المهمة الأكثر إلحاحاً المطروحة خلال هذه القمة، حيث سيناقش القادة توفير دعم إضافي لكييف، فضلاً عن تعهّد مالي طويل الأجل».

ويأمل زيلينسكي في الحصول على المزيد من أنظمة الدفاع الجوي، مشدداً على أهميتها في تعزيز قدرة بلاده على مواجهة القوات الروسية، ويسعى زيلينسكي كذلك إلى انتزاع التزام مالي طويل الأمد، تمهيداً لعودة ترمب إلى البيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني)، واحتمال تعليقه المساعدات، أو تقليصها.

وفي حديثه للصحافيين، الجمعة، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إن الدول الأعضاء في الناتو، البالغ عددها 32 دولة، تنفق نحو 40 مليار يورو (43 مليار دولار) سنوياً على المعدات العسكرية لأوكرانيا، منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022، معتبراً ذلك «الحد الأدنى الأساسي».

يسيران داخل مركز المؤتمرات الذي سيستضيف قمة الناتو في واشنطن (أ.ب)
يسيران داخل مركز المؤتمرات الذي سيستضيف قمة الناتو في واشنطن (أ.ب)

مبدأ الردع والدفاع

إلى جانب أوكرانيا، سيبحث قادة الناتو سبل تعزيز «الردع والدفاع»، عبر التزام الدول الأعضاء بمساهمة دفاعية تبلغ 2 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي.

ويقول الحلف إنه «منذ ضم روسيا غير القانوني لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، نفّذ حلف شمال الأطلسي أكبر تعزيز للدفاع الجماعي للحلف منذ جيل واحد، ما عزّز قدرته على الدفاع عن جميع الحلفاء في البر والبحر والجو، وفي الفضاء الإلكتروني والفضاء».

الأعلام ترفرف خارج مقر الحلف الأطلسي في بروكسل (أرشيفية - رويترز)
الأعلام ترفرف خارج مقر الحلف الأطلسي في بروكسل (أرشيفية - رويترز)

تحالفات دولية... واستياء صيني

أما القضية الثالثة التي ستُطرح خلال القمة، فتتعلق بالبعد الدولي للحلف، الذي يسعى لتوسيع نطاق تحالفاته. ويستشهد المصدر المطلع نفسه في هذا الصدد بتصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، حول ضرورة «اتباع نهج 360 درجة تجاه الأمن». ويقول إنه «على الرغم من أن حلف شمال الأطلسي لا يريد أن يصبح شرطياً عالمياً، فإن مفهوم الأمن أصبح عالمياً أكثر فأكثر».

وبدا الناتو مهتماً بتعزيز تحالفاته في آسيا على وجه الخصوص، ما يبرّر دعوة قادة أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية للمشاركة في القمة.

وقال ستولتنبرغ في مؤتمره الصحافي، الاثنين، إن «دعوة مسؤولي هذه الدول، الواقعة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تُظهر أن أمننا ليس إقليمياً، بل عالمي»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.

وأضاف: «تدعم إيران وكوريا الشمالية والصين حرب العدوان الروسي غير القانونية على أوكرانيا وتسهّلها».

وسارعت بكين إلى إدانة هذه التصريحات، التي وصفتها بـ«الافتراء»، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان: «يدّعي الناتو أنه منظمة إقليمية ودفاعية، فيما يواصل توسيع قواته خارج حدوده، ويثير الاشتباكات، وينخرط في أعمال ترهيب».

وتابع: «ما يسمّى بأمن الناتو يأتي على حساب أمن دول أخرى، وأفعاله أدّت إلى مخاطر أمنية عالية جداً على العالم والمنطقة»، داعياً الحلف إلى «التوقف عن خلق أعداء وهميين في كل مكان».


مقالات ذات صلة

أوزيل يدعو لإسقاط شرعية إردوغان عبر حملة توقيعات لدعم إمام أوغلو

شؤون إقليمية تجمع حاشد لأنصار إمام أوغلو في إسطنبول ليل الأربعاء - الخميس للمطالبة بالإفراج عنه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة (حزب الشعب الجمهوري - إكس)

أوزيل يدعو لإسقاط شرعية إردوغان عبر حملة توقيعات لدعم إمام أوغلو

تحدى زعيمُ المعارضة التركية، رئيسُ «حزب الشعب الجمهوري» أوزغور أوزيل، السلطاتِ، مطالباً بإصدار لائحة الاتهام في تحقيقات الفساد المتهم فيها أكرم إمام أوغلو.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث (يمين) يرحب بوزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان لوكورنو في البنتاغون بواشنطن 17 أبريل 2025 (أ.ب)

أميركا تحث فرنسا على قيادة مسؤولية الدفاع في أوروبا

حثّ وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث فرنسا على زيادة إنفاقها الدفاعي وتولّي مسؤولية الدفاع الأساسية لأوروبا، إلى جانب حلفاء آخرين بحلف الناتو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يسار) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقطان صورة خلال لقائهما في أوديسا (أ.ب)

موسكو غاضبة من خطط الدنمارك لإرسال جنود إلى أوكرانيا «من أجل التدريب»

موسكو غاضبة من خطط الدنمارك لإرسال جنود إلى أوكرانيا «من أجل التدريب» وزيلينسكي يزور مع روته أوديسا ويؤكد أنه لا يمكن «لأحد سوانا» أن يتحدث عن حدود أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ مبنى هاري إس ترومان المقر الرئيسي لوزارة الخارجية الأميركية في واشنطن (أ.ب - أرشيفية)

اقتطاعات كبيرة مرتقبة في موازنة الخارجية الأميركية

نقلت وسائل إعلام أن موازنة وزارة الخارجية الأميركية قد تخفض بمقدار النصف تقريبا وستتوقف الولايات المتحدة جزئيا عن تمويل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والناتو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يسار) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقطان صورة خلال لقائهما في أوديسا (أ.ب)

الأمين العام لـ«الناتو»: دعم أوكرانيا لا يتزعزع

كشف الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته أنه زار مدينة أوديسا الأوكرانية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل - كييف)

اجتماعات باريس تعيد الأوروبيين طرفاً في مفاوضات أوكرانيا ويأملون أن تضع حداً للأحادية الأميركية

اجتماع موسع في قصر الإليزيه ضم الوفود الفرنسية والأوكرانية والأميركية وممثلين من بريطانيا وألمانيا )إ.ب.أ)
اجتماع موسع في قصر الإليزيه ضم الوفود الفرنسية والأوكرانية والأميركية وممثلين من بريطانيا وألمانيا )إ.ب.أ)
TT
20

اجتماعات باريس تعيد الأوروبيين طرفاً في مفاوضات أوكرانيا ويأملون أن تضع حداً للأحادية الأميركية

اجتماع موسع في قصر الإليزيه ضم الوفود الفرنسية والأوكرانية والأميركية وممثلين من بريطانيا وألمانيا )إ.ب.أ)
اجتماع موسع في قصر الإليزيه ضم الوفود الفرنسية والأوكرانية والأميركية وممثلين من بريطانيا وألمانيا )إ.ب.أ)

شكل قصر الإليزيه ومقر وزارة الخارجية الفرنسية، طيلة يوم الخميس، المحطة التي توقف عندها قطار الحرب الروسية - الأوكرانية من أجل سلسلة طويلة من اللقاءات غير المسبوقة، حيث استضافت العاصمة الفرنسية، في الوقت نفسه، وفدين؛ الأول أميركي عماده وزير الخارجية ماركو روبيو، ومبعوث الرئيس ترمب ستيف ويتكوف، والآخر أوكراني موسع، شمل مدير ديوان الرئيس زيلينسكي أندريه يرماك، ووزيري الخارجية والدفاع أندريه سيبيها ورستم عمروف، بالإضافة إلى مستشارَي الأمن القومي لبريطانيا وألمانيا: جوناثان باول وينس بلوتنر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح في قصر الإليزيه الخميس وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وفي الوسط المبعوث الأميركي الرئاسي ستيف ويتكوف (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح في قصر الإليزيه الخميس وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وفي الوسط المبعوث الأميركي الرئاسي ستيف ويتكوف (رويترز)

واستبق الرئيس إيمانويل ماكرون لقاءه بروبيو وويتكوف، في إطار غداء عمل في القصر الرئاسي، بحضور وزير الخارجية جان نويل بارو، باتصال بنظيره الأوكراني. وعصراً، عقد اجتماع موسع لم يكن مخططاً له برئاسة ماكرون وضم الوفدين الأميركي والأوكراني والمستشارين الأمنيين البريطاني والألماني ووزير الخارجية الفرنسي، ما يعد تتويجاً للمحادثات التي تواصلت طيلة النهار. وفائدة هذه الاجتماعات أنها لا تترك الوفد الأوكراني وحيداً ووجهاً لوجه مع ممثلي الإدارة الأميركية، ما يمثل دعماً ومؤازرة له.

وكانت قد حصلت، قبل الظهر وبعده، ثلاثة اجتماعات مكثفة في الإليزيه، أدارها مستشار الرئيس ماكرون الدبلوماسي إيمانويل بون، وأهمها الاجتماع الذي ضم ممثلي الدول الأوروبية الثلاث «فرنسا وألمانيا وبريطانيا» مع الوفدين الأميركي والأوكراني، وهو الأول من نوعه، علماً بأن الجانب الأوروبي كان مستبعداً من المحادثات الثنائية التي أجراها الجانب الأميركي في المملكة السعودية مع الطرفين الروسي والأوكراني.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإلى جانبه أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته خلال زيارة لمستشفى عسكري في مدينة أوديسا الأوكرانية الساحلية (رويترز)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وإلى جانبه أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته خلال زيارة لمستشفى عسكري في مدينة أوديسا الأوكرانية الساحلية (رويترز)

وبالتوازي، حصل اجتماع في وزارة الخارجية الفرنسية ضم الوزير جان نويل بارو ونظيره الأميركي روبيو، وتناول، إلى جانب أوكرانيا، ملفي الشرق الأوسط، وهما الحرب الإسرائيلية على غزة، والملف النووي الإيراني. وبالتوازي، فإن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو وصل إلى العاصمة الأميركية للقاء نظيره بيت هيغسيث والمبعوث الخاص لأوكرانيا الجنرال جوزيف كيلوغ، إضافة إلى مديرة المخابرات تولسي غابارد، وذلك من أجل جولة من المحادثات تتناول أوكرانيا، ولكن أيضاً الحلف الأطلسي والخطط الأميركية تجاهه والمخاوف الأوروبية من تراجع الدور الأميركي فيه.

الأوروبيون يدخلون على خط المفاوضات

تكمن أهمية مباحثات باريس، وفق مصدر دبلوماسي أوروبي، في ثلاثة أمور متصلة: الأول، التعرف مباشرة من الطرف الأميركي على ما توصلت إليه مفاوضات الحرب في أوكرانيا التي تلعب فيها الولايات المتحدة دور الوسيط بين موسكو وكييف، وعجز واشنطن عن فرض وقف إطلاق النار الذي قبلته كييف وتحفظت عليه موسكو ولم تقبل منه سوى وقف الهجمات على البنى التحتية الخاصة بالطاقة. والثاني، نقل وجهة النظر الأوروبية للعاصمة الأميركية عبر المسؤولين الرئيسيين اللذين يمثلانها في المفاوضات، ومن ضمنها تحفظات الاتحاد الأوروبي على المسار الذي تسلكه، والتأكيد على عزمه مواصلة دعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً، فضلاً عن الرفض الأوروبي لما ورد في آخر تصريحات لويتكوف التي تحدث فيها صراحة عن ضم خمس مناطق أوكرانية لروسيا؛ أولها شبه جزيرة القرم. ولعل أبرز دليل على انخراط الأوروبيين في دعم أوكرانيا إعلان المستشار الألماني المقبل فريديرتش ميرتس أنه يؤيد تزويد كييف بصواريخ «توروس» المتطورة التي رفض أولاف شولتس، المستشار المنتهية ولايته، نقلها إلى القوات الأوكرانية. وفي هذا الخصوص، اعتبرت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم الخارجية الروسية أن استخدام صواريخ «توروس» لضرب البنية التحتية الروسية سيعد «مشاركة مباشرة» من ألمانيا في حرب أوكرانيا ما يعني، منطقياً، رداً من روسيا على ذلك.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يسار) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقطان صورة خلال لقائهما في أوديسا (أ.ب)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (يسار) والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقطان صورة خلال لقائهما في أوديسا (أ.ب)

مطلبان أوروبيان من واشنطن

يتمثل العنصر الثالث في أن مجيء الوفد الأميركي إلى باريس يبين رغبة واشنطن في العودة إلى الحوار مع الجانب الأوروبي. ونُقل عن روبيو قوله إن غرض الزيارة «دفع هدف الرئيس ترمب، القاضي بوضع حد للحرب بين روسيا وأوكرانيا ووضع حد للمجازر، إلى الأمام».

ويأتي ذلك فيما مساعي السلام الأميركية «المنفصلة» تراوح مكانها، وفيما يمارس الرئيس الروسي فن المناورة وكسب الوقت والحصول على أكبر قدر من التنازلات من الرئيس الأميركي على حساب أوكرانيا. وإذ اعتبر ويتكوف، عقب لقائه بوتين الأسبوع الماضي، أن الأخير «يريد سلاماً مستداماً»، فإن باريس ومعها أكثرية الأوروبيين ترى العكس تماماً.

ومشكلة الرئيس ماكرون اليوم أن علاقته مع بوتين قد انقطعت تماماً، وأن إيصال الرسائل إليه يتم عبر الطرف الأميركي. ويأمل الأوروبيون أن تكون اجتماعات باريس فاتحة لمرحلة جديدة من التشاور والتعاون بين ضفتي الأطلسي بعد نحو ثلاثة أشهر من السياسة الانفرادية الأميركية؛ إنْ بالنسبة لأوكرانيا أو الشرق الأوسط، فضلاً عن سياسة ترمب بشأن الرسوم الجمركية.

منطقة سكنية في أوديسا تعرَّضت للقصف الروسي (رويترز)
منطقة سكنية في أوديسا تعرَّضت للقصف الروسي (رويترز)

ويريد الأوروبيون من ترمب، من جهة، أن يكون أكثر حزماً في تعاطيه مع موسكو، ومن جهة ثانية، أكثر تفهماً إزاء مطالب أوكرانيا. ويرون أن محادثات باريس يفترض أن تدفع في هذا الاتجاه. وأكثر من مرة، عبر ترمب عن «إحباطه» لعجز المفاوضات التي تتوسط فيها بلاده عن إحراز تقدم ملموس رغم تواصله المباشر مع الرئيس بوتين أو عبر موفده ويتكوف.

ولم تتأخر موسكو في انتقاد اجتماعات باريس التي ترى فيها «محاولة من كثير من الأشخاص والبنى والدول لتخريب الحوار القائم مع الولايات المتحدة»، وفق ما أعلن كيرييل ديميتروف، مبعوث الرئيس بوتين المكلف بالمسائل الاقتصادية الدولية الذي زار واشنطن بداية الشهر الحالي.

ووصف ديمتروف الاجتماع الأخير الذي عقده الرئيس بوتين مع ويتكوف بأنه جاء «مثمراً للغاية»، مضيفاً أن «هناك حواراً مفيداً للغاية «مع واشنطن»، رغم أنه «يجري بالتأكيد في ظروف صعبة للغاية»؛ إذ إن «الهجمات مستمرة والمعلومات المضللة متواصلة». وأسف الأخير، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأخبار، لـ«التشويه المتنامي» الذي يستهدف روسيا. ولا شك أن الحوار المشار إليه يفيد روسيا بالدرجة الأولى؛ لأنه يكسر العزلة التي فرضها الغربيون عليها، بما فيهم الولايات المتحدة منذ فبراير (شباط) عام 2022؛ أي مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

أين أصبح «تحالف الراغبين»؟

يوماً بعد يوم، ينتقد الأوروبيون انتهاك روسيا المتواصل لوقف إطلاق النار الجزئي المبرم بوساطة أميركية منذ أكثر من شهر، ويرون في ذلك رفضاً روسياً لوضع حد للحرب. كذلك، فإن الأوروبيين الذين يسعون لتكوين قوة أوروبية تكون ضامنة لأي اتفاق سلام مستقبلي يبرم بين موسكو وكييف، ما زالوا يأملون أن يحصلوا على ضمانة أميركية يمكن أن تشكل «شبكة أمان» بالنسبة للقوة المذكورة. ورغم الجهود التي تبذلها باريس ولندن اللتين تترأسان «تحالف الراغبين»، وقامتا معاً بتنظيم اجتماعات عالية المستوى في العاصمتين، فإن صورة القوة الموعودة ما زالت ضبابية.

وحتى اليوم، أعربت مجموعة من ثلاثين دولة، بينها دول غير أوروبية مثل كندا وأستراليا واليابان، إرسال قوات إلى أوكرانيا. والحال أن الطرف الأميركي ما زال يمانع في توفيرها فيما تواصل موسكو رفضها المطلق لها.

وفي هذا السياق، كتب وزير خارجية أوكرانيا أندريه سيبيها على منصة «إكس»، الخميس، أن الأطراف المجتمعة في باريس «ناقشت سبل التوصل إلى سلام دائم وعادل وتحديداً تحقيق وقف إطلاق نار كامل، وإشراك قوة عسكرية متعددة الجنسيات ومواصلة تطوير البنية الأمنية لأوكرانيا، وتوفير ضمانات أمنية لبلدنا». ومن جانبه، كتب مدير مكتب زيلينسكي على المنصة نفسها أن المجتمعين «يعملون على قضايا مهمة لأمن أوكرانيا وأمن أوروبا بأكملها».