مفاوضات حاسمة قبل انتهاء مهلة الانسحاب من الانتخابات التشريعية في فرنسا

الرئيسة السابقة للمجموعة البرلمانية اليمينية المتطرفة (التجمع الوطني الفرنسي) مارين لوبان تصل إلى مقر الحزب في باريس الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيسة السابقة للمجموعة البرلمانية اليمينية المتطرفة (التجمع الوطني الفرنسي) مارين لوبان تصل إلى مقر الحزب في باريس الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

مفاوضات حاسمة قبل انتهاء مهلة الانسحاب من الانتخابات التشريعية في فرنسا

الرئيسة السابقة للمجموعة البرلمانية اليمينية المتطرفة (التجمع الوطني الفرنسي) مارين لوبان تصل إلى مقر الحزب في باريس الثلاثاء (أ.ف.ب)
الرئيسة السابقة للمجموعة البرلمانية اليمينية المتطرفة (التجمع الوطني الفرنسي) مارين لوبان تصل إلى مقر الحزب في باريس الثلاثاء (أ.ف.ب)

ستُحَدَّد في فرنسا بحلول مساء اليوم (الثلاثاء)، أسماء المرشحين للجولة الثانية من الانتخابات التشريعية بعد انسحاب العشرات من مرشحي اليسار، كما اليمين، لمحاولة منع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة رغم الانقسامات العديدة.

وانسحب، مساء أمس، 155 مرشحاً من اليسار ومعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، مؤهلون لخوض الجولة الثانية، من السباق الانتخابي الأحد المقبل، حسب تعداد أوّلي أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولا يزال الانسحاب ممكناً حتى الرابعة من بعد ظهر اليوم بتوقيت غرينتش لصالح منافس من حزب سياسي آخر، على أمل الحيلولة دون فوز مرشحي اليمين المتطرف.

والهدف من سلسلة الانسحابات هذه هو تشكيل «جبهة جمهورية» لمواجهة حزب التجمّع الوطني برئاسة جوردان بارديلا (28 عاماً) الذي تصدّر حزبه الجولة الأولى من الانتخابات بفارق كبير.

وفي حال أصبح بارديلا رئيساً للحكومة، ستكون هذه أول مرّة تقود فيها حكومة منبثقة من اليمين المتطرّف فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد ثلاثة أسابيع من الزلزال السياسي الذي أحدثه ماكرون بإعلانه حلّ الجمعية الوطنية، صوّت الفرنسيون بكثافة يوم الأحد في الجولة الأولى من الانتخابات التي تثير نتائجها ترقباً كبيراً في الخارج.

وحلّ «التجمّع الوطني»، (يمين متطرّف)، وحلفاؤه في طليعة نتائج الجولة الأولى من الاقتراع، بنيله 33.14% من الأصوات (10.6 مليون صوت). وانتُخب 39 نائباً عن هذا الحزب في الجولة الأولى.

وبذلك، تقدّم على الجبهة الشعبية الجديدة التي تضم اليسار (27.99 في المائة)، فيما جاء معسكر ماكرون في المرتبة الثالثة بفارق كبير (20.8 في المائة).

وطالب اليمين المتطرّف الفرنسيين بمنحه غالبية مطلقة في الجولة الثانية. وقال رئيسه الشاب إنّ الجولة الثانية ستكون «واحدة من الأكثر حسماً في مجمل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة» التي تأسست في عام 1958.

من جهتها، قالت زعيمة اليمين المتطرّف الفرنسي مارين لوبان: «نحن بحاجة إلى غالبية مطلقة». وترأس لوبان كتلة نواب التجمّع الوطني في البرلمان الفرنسي كما انتُخبت من الجولة الأولى في الشمال.

وأسّس والدها جان-ماري لوبان في عام 1972 مع عنصرين سابقين في قوات الأمن الخاصة النازية، الجبهة الوطنية التي أطلق عليها اسم «التجمع الوطني» في عام 2018.

وأُدين لوبان الذي كان يركز خطابه على الهجرة واليهود، عدّة مرّات بسبب تجاوزاته، خصوصاً بعد أن وصف غرف الغاز بأنّها «مجرد تفصيل في التاريخ».

عدة سيناريوهات

وفي ظلّ حيرة وغموض على كل الجبهات، هناك عدة سيناريوهات مطروحة.

ومع تراجع احتمال قيام «الجبهة الجمهورية» التي كانت تتشكل تقليديا في الماضي بمواجهة التجمّع الوطني في فرنسا، بات من المطروح أن يحصل حزب جوردان بارديلا ومارين لوبان على أغلبية نسبية قوية أو حتى أغلبية مطلقة، الأحد المقبل.

غير أنّ سيناريو قيام جمعية وطنية معطّلة من دون إمكانية تشكيل تحالفات تحظى بالغالبية بين الكتل الثلاث الرئيسية، يبقى ماثلاً أيضاً، وهو سيناريو من شأنه أن يُغرق فرنسا في المجهول.

في مطلق الأحوال، خسر ماكرون رهانه على حلّ الجمعية الوطنية بعد هزيمة كتلته في الانتخابات الأوروبية التي جرت في التاسع من يونيو (حزيران).

ومن المحتمل أن تُنتج الانتخابات التشريعية تعايشاً غير مسبوق بين رئيس مناصر للاتحاد الأوروبي وحكومة معادية له، الأمر الذي يمكن أن يطلق شرارة خلافات بشأن صلاحيات رئيسَي السلطة التنفيذية، خصوصاً في مسائل الدبلوماسية والدفاع.

وفي السياق، حذر رئيس الحكومة غابريال أتال، من أنّ «اليمين المتطرّف بات على أبواب السلطة»، داعياً إلى «منع التجمّع الوطني من الحصول على أغلبية مطلقة».

كذلك، أكد العضو اليساري في البرلمان الأوروبي رفاييل غلوكسمان، أنّ «أمامنا سبعة أيام لتجنّب كارثة في فرنسا»، داعياً إلى انسحاب جميع المرشّحين الذين حلّوا في المرتبة الثالثة.

«الأحمق المفيد»

لكن حليفه «حزب فرنسا الأبيّة» يرى أن هذه القاعدة لن تُطبّق إلّا في الدوائر التي حلّ فيها مرشحو التجمع الوطني في المرتبة الأولى، حسب رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون.

أمّا في المعسكر الرئاسي، فالخط لا يزال غير واضح. ففي اجتماع لحكومته يوم الاثنين، لم يُصدر ماكرون تعليمات واضحة، حسبما أفادت عدة مصادر وزارية.

لكنَّ أحد المشاركين في الاجتماع قال إن الرئيس أكّد ضرورة «عدم ذهاب أي صوت إلى اليمين المتطرّف»، وذكّر بأن اليسار دعمه مرّتين في 2017 ثمّ في 2022 ليصبح رئيساً.

ولم يُدل الرئيس الفرنسي بأي بتصريحات علنية أمس.

وأعلن كثير من مرشحي معسكره بقاءهم في الجولة الثانية. لكن تُبدي أغلبية المرشحين المنسحبين تردداً حين يتعلّق الأمر بدعم مرشحي «فرنسا الأبية» خصوصاً أن حزب ميلونشون متهَم بمعاداة السامية. ووصفه مسؤول نقابي بارز بأنه «الأحمق المفيد لجميع أولئك الذين لا يريدون التنحي».

ويراقب عديد من العواصم الأزمة السياسية في فرنسا.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إن «ألمانيا وفرنسا تتحملان مسؤولية خاصة تجاه أوروبا المشتركة... ولا يمكن لأحد أن يظل غير مبالٍ».

من جهته، رأى رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أن نتائج الجولة الأولى من هذه الانتخابات تعكس «اتجاهاً خطيراً» تسلكه فرنسا وأوروبا.

وأعلنت موسكو أنها تتابع «من كثب الانتخابات في فرنسا»، فيما أكّدت واشنطن أنها «تعتزم مواصلة تعاونها الوثيق مع الحكومة الفرنسية حول مجمل أولويات السياسة الخارجية».

وأشاد آخرون بالنتيجة التي حققها اليمين المتطرف الفرنسي، على غرار رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، التي رأت أن «شيطنة» اليمين المتطرف لم تعد مجدية.


مقالات ذات صلة

ماكرون منتقداً نفسه: الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة زاد عدم الاستقرار

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون منتقداً نفسه: الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة زاد عدم الاستقرار

قال الرئيس الفرنسي، الثلاثاء، إنه يدرك أن قراره الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة في يونيو 2024 تسبب في مزيد من عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس الحكومة الجديد فرانسوا بايرو (الأول يساراً) في صورة مركبة مع الوزراء الرئيسيين في حكومته الجديدة (أ.ف.ب)

حكومة فرنسوا بايرو ولدت «قيصرية» والديون والميزانية أكبر تحدياتها

ولدت حكومة رئيس الوزراء الفرنسي المعين فرنسوا بارنييه وجاءت ولادتها «قيصرية» نظراً للمصاعب التي واجهتها والمشاورات التي تواصلت طيلة 10 أيام.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو (إ.ب.أ)

رئيس وزراء فرنسا الجديد يأمل في تشكيل حكومة جديدة قريباً

قال رئيس الوزراء الفرنسي الجديد فرنسوا بايرو أمام الجمعية الوطنية (البرلمان)، الثلاثاء، إنه يأمل في تشكيل حكومة جديدة في الأيام المقبلة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون: سأعيّن رئيساً جديداً للوزراء «في الأيام المقبلة»

اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، «اليمين المتطرف واليسار الراديكالي» بالاتحاد في «جبهة مناهضة للجمهورية».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا صورة في 04 ديسمبر الحالي في الجمعية الوطنية بباريس في فرنسا تظهِر رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه (قبل استقالته) خلال مناقشة اقتراح حجب الثقة ضد حكومته (د.ب.أ) play-circle 02:10

عدم يقين في فرنسا بعد حجب الثقة عن الحكومة واستقالة بارنييه

تدخل فرنسا في مرحلة من عدم اليقين بعد حجب الثقة عن الحكومة، وتزيد الاستقالة من حدة أزمة الميزانية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

قتيل و4 جرحى طعناً بهجوم «إسلاموي» في النمسا

شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)
شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)
TT

قتيل و4 جرحى طعناً بهجوم «إسلاموي» في النمسا

شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)
شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

قُتل فتى في الـ14، وجُرح 4 أشخاص آخرين طعناً، في هجوم في جنوب النمسا، السبت، على ما أفادت الشرطة التي أوقفت طالب لجوء سورياً، يبلغ 23 عاماً.

وأوضح الناطق باسم الشرطة، راينر ديونيسيو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «رجلاً هاجم بشكل عشوائي مارة بسكين» في مدينة فيلاخ، مؤكداً أن «فتى في الـ14 قُتل».

شخص يضع شمعة في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

وقالت الشرطة النمساوية إن رجلاً يبلغ من العمر 23 عاماً طعن 5 من المارة عشوائياً في جنوب النمسا؛ مما أسفر عن مقتل شخص واحد.

شموع وزهور في مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

وأعلن وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر، الأحد، أن الهجوم طعناً الذي أدى، السبت، إلى مقتل فتى وإصابة 5 آخرين في جنوب البلاد، «إسلاموي». وقال الوزير، أمام الصحافيين في مدينة فيلاخ، حيث وقع الهجوم: «إنه هجوم إسلاموي مرتبط بتنظيم (داعش)»، مشيراً إلى أن المشتبه به، وهو طالب لجوء سوري يبلغ 23 عاماً، اعتنق التطرف عبر الإنترنت «خلال فترة قصيرة».

ضباط الشرطة يقفون حراساً في مكان الحادث حيث قُتل صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

وأُوقف المشتبه بتنفيذه الهجوم، على الفور في هذه المدينة، وهي عاصمة كارينثيا، مما حال دون أن يودي بمزيد من الأشخاص، وذلك بعد أن تدخل سوري آخر، وهو عامل توصيل، عندما دهس المهاجم بسيارة، وفقاً للشرطة. والرجل طالب اللجوء بحوزته أوراق نظامية وليس معروفاً لدى الشرطة. ويأتي ذلك بعد يومين على هجوم دهساً بسيارة نفذه طالب لجوء أفغاني في ميونيخ بألمانيا، وأسفر عن مقتل طفلة تبلغ سنتين، ووالدتها البالغة 37 عاماً، وإصابة 37 آخرين.

ضباط الشرطة يقفون حراساً في مكان الحادث حيث قُتل صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

وتضم النمسا عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين يبلغ نحو 100 ألف. بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد في سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، جمَّدت النمسا وعدد من الدول الأوروبية طلبات اللجوء. وأعلنت الحكومة النمساوية «برنامجاً للإعادة والترحيل إلى سوريا».

شخص يحمل الزهور بالقرب من مكان الحادث الذي قُتل فيه صبي يبلغ من العمر 14 عاماً وأصيب أشخاص آخرون في هجوم طعن في بلدة فيلاخ بالنمسا... 16 فبراير 2025 (رويترز)

ولم تشهد النمسا حتى الآن سوى هجوم إرهابي واحد عام 2020، عندما أطلق أحد المتعاطفين مع تنظيم «داعش» النار في وسط فيينا؛ ما أسفر عن مقتل 4 أشخاص.