راهن إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لتصحيح المسار بعد الانتخابات الأوروبية، لكنه خسر رهانه وخرج من الدورة الأولى في موقع ضعيف جداً ومرغماً على إعادة بناء صورته ومصيره السياسي فيما تبقى من ولايته المهددة بالبلبلة.
وقالت أديلاييد ذو الفقار باسيش، المديرة العامة لمعهد «بي في آ» لاستطلاعات الرأي، باختصار «إنه رهان خاسر» مع احتمال حصول حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف على غالبية نسبية، بل ربما مطلقة، موضحة أن «إيمانويل ماكرون في مأزق في حين أنه طرح نفسه حاجزاً... منذ 2017» بوجه الجبهة الوطنية قبل أن تتخذ اسم التجمع الوطني عام 2018. ورأى فينسان مارتينيي، الخبير السياسي في جامعة نيس كوت دازور ومعهد بوليتكنيك، أن حل الجمعية الوطنية «من الخطوات الأكثر تهوراً في تاريخ الجمهورية الخامسة، مبنية على التوقعات الأكثر عبثية».
وعوّل الرئيس على انقسامات اليسار، متوقعاً أن يأتي معسكره في المرتبة الثانية بعد التجمع الوطني الذي حصل على أكثر من 34 في المائة من الأصوات، بحسب التقديرات الأولية مساء الدورة الأولى. غير أن اليسار خاض الانتخابات موحداً وانتزع المرتبة الثانية بحصوله على ما بين 28 و29 في المائة، مُرغماً الماكرونيين على سحب العديد من المرشحين في بعض الدوائر إن أرادوا قطع الطريق أمام اليمين المتطرف في الدورة الثانية.
وقال فينسان مارتينيي: «هذا يسرّع حقاً بسقوط ماكرون، والعواقب بالنسبة له ستكون قاضية، إنه يخسر كلّ شيء». وستتقلص غالبيته النسبية في الجمعية الوطنية من 250 مقعداً من أصل 577 حالياً إلى 60 مقعداً، بحسب التوقعات الأكثر تشاؤماً، وستتشكل كتلته الجديدة حول شخصيات أخرى، أياً كانت نتيجة الدورة الثانية في السابع من يوليو (تموز) الحالي.
شرعية خاصة
وطرح رئيس وزرائه السابق إدوار فيليب نفسه بمثابة البديل، متهماً ماكرون بأنه «قضى على الغالبية الرئاسية». ولفت مارتينيي إلى أن الرئيس خسر أيضاً سلطته على معسكره نفسه الذي تسيطر عليه مشاعر تتراوح «بين الغضب والكراهية» تجاهه منذ قراره المتسرع في التاسع من يونيو (حزيران)، وقال أحد وجوه الغالبية بمرارة: «إننا غاضبون جداً».
ورأى وزير سابق أن هذه التطورات تؤذن بنهاية «الرئاسة الفائقة» التي ينتهجها ماكرون أسلوباً في الحكم منذ 2017.
وسواء اضطر ماكرون إلى التعايش مع رئيس وزراء من التجمع الوطني أو التعامل مع غالبية موسّعة أو مع حكومة من الخبراء، سيكون الوضع في مطلق الأحوال مختلفاً تماماً عما كان عليه من قبل.
فلن يعود ماكرون يمسك بكل الصلاحيات طارحاً نفسه رئيساً للحكومة وزعيماً للغالبية ووزيراً في آن، يُصدر كلّ الإعلانات ويشرف على كل القرارات، بل سيكون لرئيس الوزراء المقبل شرعيته الخاصة.
ورأت ماتيلد فيليب غاي، أستاذة القانون العام في جامعة ليون 3، «إن كان المواطنون صوّتوا لشرعية أخرى، فهذا يعني على الصعيد القانوني أنه خسر شرعيته». وقال أحد أوائل الداعمين للرئيس: «سيواجه فترة من الضعف، والسؤال المطروح هو إلى أي مدى سيدرك ذلك ويحسن التعامل معه؟».
«حياة مستحيلة»
ولفت إلى أن هذه التحولات في المشهد السياسي تجري كلها قبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية، مبدياً مخاوف من أن تعمّ فرنسا فوضى ومظاهرات بينما أنظار العالم موجهة إليها لهذه المناسبة.
وأوضح مسؤول وسطي أن ماكرون أبدى على مدى سبع سنوات ثقة في نفسه وفي مصيره، مضيفاً: «إنه يؤمن بأنه يبقى في الإمكان دائماً قلب الطاولة، وبأنه في الجوهر الشخص المؤهل للقيام بذلك».
وسيطرح نفسه في مواجهة الصعاب حارساً للمؤسسات والقيم الجمهورية، ولا سيما في حال تعايش صدامي مع رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا، ومن خلاله مع زعيمة الحزب مارين لوبن. وسيحاول حتماً استعادة مكانه في التاريخ حتى لا يحفظ منه فقط صفة رئيس ثانٍ قرار فاشل بحل الجمعية الوطنية بعد قرار جاك شيراك عام 1997.
وقالت ماتيلد فيليب غاي: «من الممكن أن يسعى لترميم صورته خلال عام، وبعدها يعيد حل (الجمعية الوطنية) بذريعة ما؛ لاستعادة غالبية مواتية أكثر»؛ إذ لا يمكنه حل الجمعية الجديدة قبل انقضاء 12 شهراً.
وبعدما انتخب عام 2017 ثم عام 2022 بناءً على وعد بقطع الطريق على اليمين المتطرف، لم يعد لديه في حال وصول بارديلا إلى رئاسة الحكومة سوى خيار واحد، وهو منع مارين لوبان من الوصول إلى قصر الإليزيه في 2027.
ورأى وزير سابق يعرف ماكرون جيداً أنه «سيحول حياة (المعسكر الخصم) جحيماً ويحاول التموضع مجدداً لتعيين خلفه». ورأى أحد أوائل مؤيدي الرئيس أنه «إذا فشل التجمع الوطني خلال العامين المقبلين، فقد يظهر بمثابة الشخص الذي أعطى فرنسا رئيساً غير متطرف في 2027»، لكنه لفت إلى أن «اليمين المتطرف لا يفلت السلطة حين يمسك بها».