​فرنسا على مفترق طرق... وماكرون قد يصبح «الخاسر الأكبر»

يواجه ضغوطاً لدعم «جبهة جمهورية» تحول دون وصول اليمين المتطرف إلى السلطة

ناخبان فرنسيان يدليان بصوتهما في مكتب اقتراع بلوزان السويسرية الأحد (إ.ب.أ)
ناخبان فرنسيان يدليان بصوتهما في مكتب اقتراع بلوزان السويسرية الأحد (إ.ب.أ)
TT

​فرنسا على مفترق طرق... وماكرون قد يصبح «الخاسر الأكبر»

ناخبان فرنسيان يدليان بصوتهما في مكتب اقتراع بلوزان السويسرية الأحد (إ.ب.أ)
ناخبان فرنسيان يدليان بصوتهما في مكتب اقتراع بلوزان السويسرية الأحد (إ.ب.أ)

منذ الثامنة صباحاً، بدأ الناخبون الفرنسيون البالغ عددهم 49.5 مليون شخص بالتدفق بكثافة غير معهودة على مراكز الاقتراع، في إطار الجولة الأولى من الانتخابات لاختيار نوابهم الـ577 من بين 4011 مرشحاً، وذلك لولاية من خمس سنوات.

وأفادت وزارة الداخلية أن نسبة المشاركة حتى الخامسة بعد الظهر وصلت إلى 59.39 في المائة، بزيادة 20 نقطة عما كانت عليه في انتخابات العام 2022 في الفترة عينها. وقياساً لنسب الظهيرة، فإنه من المنتظر أن تتخطى المشاركة نسبة 67 في المائة مع إغلاق مكاتب الاقتراع في العاصمة باريس والمدن الكبرى عند الثامنة مساء.

وتدل هذه النسب على أن الرهان على تعبئة شعبية واسعة من أجل انتخابات استثنائية كان صائباً، الأمر الذي تفسره التحديات الكبرى التي ستفرض نفسها على البلاد، فيما ملامح المستقبل القريب تبدو غامضة.

ماكرون الخاسر الأكبر

وبانتظار الجولة الثانية الأحد المقبل، التي سترسم صورة المجلس النيابي الجديد والتوازنات السياسية الجديدة، يبدو واضحاً، اليوم، أن التحدي الأكبر سيواجهه «ائتلاف الوسط» المشكل من الأحزاب الثلاثة «تجدد»، و«الحركة الديمقراطية»، و«هورايزون» الداعمة للرئيس إيمانويل ماكرون وعهده.

ماكرون برفقة مواطنيه خارج مكتب اقتراع في منتجع «لو توكيه» (أ.ف.ب)

ذلك أن الائتلاف المذكور يظهر بصورة «الحلقة الأضعف» من بين المجموعات السياسية الثلاث؛ اليمين المتطرف الممثل بـ«التجمع الوطني»، وتحالف أحزاب اليسار والخضر تحت اسم «الجبهة الشعبية الجديدة» وائتلاف الوسط، الذي يهيمن على الانتخابات المبكرة. وعمد ماكرون إلى حل البرلمان ليل التاسع من يونيو (حزيران)، عقب النتائج الهزيلة التي حصل عليها داعموه في الانتخابات الأوروبية. وثمة إجماع داخل الطبقة السياسية على أن الرئيس الفرنسي «ارتكب خطأً سياسياً من الحجم الكبير» بإقدامه على حل البرلمان، وأنه قام برهانات خاسرة سيكون هو وحزبه أول من سيدفع ثمنها.

الدليل على ذلك «وقبل أن تظهر نتائج الجولة الأولى من الانتخابات»، التراجع الكبير للوائح «ائتلاف الوسط»، والنسبة غير المسبوقة من أصوات الناخبين التي ترجح استطلاعات الرأي منذ ثلاثة أسابيع أن يحصل عليها اليمين المتطرف. وذهب الرئيس السابق فرنسوا هولاند إلى أن «الماكرونية السياسية قد انتهت».

انتقادات حادة

ونقلت صحيفة «لو موند» المستقلة عن مستشاره الإعلامي السابق غاسبار غانتزر قوله: إن «التاريخ سيحاكم ماكرون، وإذا فاز اليمين المتطرف بالسلطة، فسيعده المسؤول عن ذلك». ولم تتردد مجلة «دير شبيغل» الألمانية، الأسبوع الماضي في تقديم تحليل تحت عنوان: «هل ستسقط فرنسا؟ كيف قدم إيمانويل ماكرون فرنسا إلى اليمين المتطرف؟». وسبق للمستشار أولاف شولتس ولغيره من القادة الأوروبيين التعبير عن قلقهم إزاء الوضع السياسي في فرنسا وما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية، التي من شأنها قلب التوازنات السياسية في الاتحاد الأوروبي، وتهشيم العلاقة الخاصة القائمة بين باريس وبرلين، لا بل تهديد المشروع الأوروبي.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف بعد خروجها من مركز الاقتراع في مدينة هينان - بوفون شمال البلاد الأحد (رويترز)

أما إدوار فيليب، رئيس الوزراء السابق، ومن أكثر الشخصيات السياسية شعبية في فرنسا، فقد اتهم ماكرون بـ«القضاء على الأكثرية»، ووصف حل البرلمان بـ«العمل المتهور»، ما يعني أن رئيس الجمهورية «منقطع» عن حقيقة الواقع السياسي الذي تعيشه فرنسا، وعن انفراط عقد الفرنسيين الذين مشوا في مشروعه السياسي وساعدوه مرتين في 2017 و2022 في هزيمة مارين لوبان، مرشحة اليمين التي لم تتردد في تأكيد أن حزبها، «التجمع الوطني»، «جاهز لتسلم السلطة».

الوعد المنسي

إذا صدقت استطلاعات الرأي وفاز اليمين المتطرف بالأكثرية النيابية «289 نائباً»، أو اقترب منها إلى حد بعيد بحيث يحصل على الأكثرية النسبية، فلن يكون من مفر لماكرون سوى استدعاء رئيس الحزب المذكور لتشكيل حكومة جديدة، بحيث تصبح السلطة التنفيذية في فرنسا برأسين في إطار ما يسمى «المساكنة» بين رئيس للجمهورية من فريق، وحكومة من فريق آخر.

والمفارقة أن ماكرون وعد الفرنسيين منذ انتخابه الأول أن هدفه السياسي الأول هو محاربة اليمين المتطرف، ومنعه من حكم البلاد. لكن النتيجة جاءت مغايرة للواقع تماماً، إذ بعد سبع سنوات على رأس الجمهورية، ها هو يقدم السلطة على «طبق من فضة» لليمين المتطرف الواصل إليها مع برنامج شعبوي وخطط تتعارض مع الدستور الفرنسي، ولا تحترم القيم المعمول بها في إطار الجمهورية.

جوردان بارديلا رئيس حزب «التجمع الوطني» قد يكون على بُعد خطوات من رئاسة الحكومة (أ.ف.ب)

ومن الأمثلة على ذلك، حرمان مزدوجي الجنسية من تسلم وظائف «حساسة أو استراتيجية»، ما يعني عملياً التشكيك في ولائهم للجمهورية الفرنسية، ونسف مبدأ المساواة بين الفرنسيين. كذلك، يريد اليمين المتطرف تنظيم استفتاء شعبي لحرمان المولودين على الأراضي الفرنسية من الجنسية، وهو مبدأ معمول به منذ عام 1851. ورغم أن «التجمع الوطني» عمد إلى «تهذيب» برنامجه الانتخابي، فإن وصوله إلى السلطة يثير مخاوف داخل الأوساط الإعلامية والثقافية والنقابية والدبلوماسية.

السد المنيع

ثمة سبيل وحيد لمنع اليمين المتطرف من الإمساك بتلابيب السلطة، وذلك من خلال تشكيل ما يسمى في فرنسا «الجبهة الجمهورية» التي يمكن أن تضم كافة الأطراف التي تتبنى قيم الجمهورية من حرية وإخاء ومساواة، والتقاليد المتبعة والرغبة في العيش المشترك. وثمة سابقة «تاريخية» برزت في عام 2002 عندما تشكلت هذه الجبهة لمنع جان ماري لوبان، والد المرشحة الرئاسية مارين لوبان وزعيمة اليمين المتطرف، من الفوز في الانتخابات الرئاسية، حيث تنافس في جولتها الحاسمة مع الرئيس اليميني الأسبق جاك شيراك. وكانت النتيجة احتواء لوبان الأب، حيث فاز شيراك بنسبة 80 في المائة من الأصوات، وهي نسبة لم يحصل عليها أي رئيس آخر في الجمهورية الخامسة، بمن فيهم مؤسسها الجنرال شارل ديغول. بيد أن أمراً مثل هذا مرهون بما سيقرره الرئيس ماكرون و«ائتلاف الوسط» بالنظر إلى أنه سيحل في كثير من الدوائر الانتخابية في المرتبة الثالثة.

غابريال أتال رئيس الحكومة الحالي يلتقط صورة «سيلفي» في ضاحية «فان» جنوب باريس (رويترز)

وينص القانون الانتخابي على أن أي مرشح يحصل على نسبة 12.5 في المائة من أصوات الناخبين في الدائرة التي يترشح فيها من حقه الاستمرار في التنافس في الجولة الثانية. لكن حظوظه بالفوز ستكون عملياً معدومة. لكنه بالمقابل، يستطيع تجيير أصواته إما إلى مرشح اليمين المتطرف، وإما إلى «الجبهة الشعبية الجديدة».

من هنا تأتي أهمية «التعليمات» الصادرة عن الائتلاف، وعن المرشحين أنفسهم، للناخبين. لكن الصعوبة تكمن في أن غابريال أتال، رئيس الحكومة، الذي قاد الحملة الانتخابية عن جبهة ماكرون، بنى دعايته السياسية على «التحذير والتخويف من مخاطر الأطراف»، بحيث إن وصول أي من المجموعتين إلى السلطة سيعني «دفع البلاد إلى الإفلاس والفوضى».

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» لحظة اقتراعه في أحد مراكز العاصمة (أ.ف.ب)

وبكلام آخر، فإن أتال يساوي بين المجموعتين، علماً بأن اليسار هو من ضمن لماكرون الفوز بالانتخابات الرئاسية مرتين متتاليتين، وبالتالي سيعدّ رفض ائتلافه الدعوة للاقتراع ضد اليمين المتطرف بمثابة «خيانة»؛ لذا ستكون الأيام القليلة الفاصلة عن الجولة الثانية حاسمة، إن لم يكن لاحتواء تقدم «التجمع الوطني»، فعلى الأقل لمنعه من الحصول على الأكثرية المطلقة.

وفي رسالة جماعية، نشرتها صحيفة «لو موند» يوم 25 يونيو، دعت 220 شخصية سياسية ومن المجتمع المدني الماكرونيين إلى التوقيع على اتفاق مبدئي مسبق للتنازل المتبادل بين جبهة اليسار والائتلاف الماكروني، وتمكين المرشح المتمتع بأكبر فرصة من منازلة اليمين المتطرف.

ووجهت مارتين أوبري، الوزيرة السابقة والشخصية المرموقة المنتمية إلى «الحزب الاشتراكي»، ورئيسة بلدية مدينة ليل (شمال)، رسالة إلى الرئيس ماكرون على منصة «إكس» جاء فيها: «السيد الرئيس، أنت غير قادر على رفض مبدأ التنازل الذي سمح لك بالفوز بولايتين رئاسيتين، وإلا فإنك تخاطر عن وعي بتمكين التجمع الوطني من الحصول على الأكثرية المطلقة».

هل سيستمع ماكرون لهذه النداءات الموجهة إليه؟ السؤال مطروح بقوة وله تبعات جذرية على مستقبل فرنسا، وعلى صورتها في أوروبا والعالم، وعلى دورها في الأزمات؛ أكانت حرب أوكرانيا أو غزة أو مستقبل الاتحاد الأوروبي. فالصوت الغالب يساراً هو التنازل للمرشح الأكثر أهلية، والهدف تحصين «السد المنيع» بوجه اليمين المتطرف. بيد أن المثل الشعبي يقول: «يد واحدة لا تصفق».

برنامج «التجمع الوطني»

منذ اليوم، تدور تساؤلات حول ما سيعمد اليمين المتطرف إلى تنفيذه من برنامجه الانتخابي الراديكالي، ولكن أيضاً بشأن تعامل الخارج معه وتأثيرات ذلك كله على سياسة فرنسا الخارجية؛ من الحرب في أوكرانيا، ومستقبل الترسانة النووية الفرنسية والجهة التي تديرها، والعلاقة مع روسيا والولايات المتحدة الأميركية ودور ونفوذ فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي وفي مجلس الأمن الدولي وبشأن أزمات العالم كله، خصوصاً أن باريس تمتلك ثالث أكبر شبكة دبلوماسية في العالم.

جوردان بارديلا ومارين لوبان خلال إطلاق حملة «التجمع الوطني» للانتخابات الأوروبية في مرسيليا (رويترز)

وفي الجانبين الاقتصادي والمالي، برزت في الأسابيع الثلاثة الماضية علامات مقلقة لجهة ارتفاع قيمة الفوائد على الديون الفرنسية، والوهن الذي أصاب العملة الأوروبية الموحدة (اليورو). كذلك، برزت تساؤلات حول السياسة الاقتصادية لفرنسا التي كان عنوانها الليبرالية وتشجيع الاستثمار وخفض الضرائب على الشركات.

وأخيراً، ورغم التحول في طروحات «التجمع الوطني»، وهو الاسم الجديد لـ«الجبهة الوطنية» التي كان جان ماري لوبان أحد مؤسسيها، فما زالت العديد من المخاوف تنتاب شرائح من الفرنسيين بسبب رؤيته المتسمة بالعنصرية ومعاداة الأجانب والسامية والجالية المسلمة، فضلاً عن علاقاته مع روسيا.


مقالات ذات صلة

ماكرون: على أوروبا ألا «تُفوض للأبد» أمنها لأميركا

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

ماكرون: على أوروبا ألا «تُفوض للأبد» أمنها لأميركا

عَدّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، في بودابست أن الأوروبيين يجب ألا «يُفوضوا للأبد» أمنهم للأميركيين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)

علاقة مودة بين ترمب وماكرون «باتت من الماضي»

في عام 2018 زُرعت شجرة في حدائق البيت الأبيض رمزاً للصداقة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي يومها دونالد ترمب، لكنها تلفت بعد فترة قصيرة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر في باريس دعماً للبنان يوم 24 أكتوبر الماضي (إ.ب.أ)

إسرائيل تتغلب على فرنسا في المحاكم وتشارك في معرض «يورونافال»

تغلبت إسرائيل على فرنسا في المحاكم التي سمحت لشركاتها بالحضور والمشاركة في معرض «يورونافال» للصناعات الدفاعية البحرية الذي ينطلق الاثنين.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون يعترف: عسكريون فرنسيون قتلوا القيادي الجزائري العربي بن مهيدي

اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، بأن القيادي في «جبهة التحرير الوطني» التي قادت حرب التحرير في الجزائر، العربي بن مهيدي، «قتله عسكريون فرنسيون».

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الرئيس ماكرون خلال إلقائه خطاباً أمام البرلمان المغربي (أ.ف.ب)

ماكرون يجدد أمام البرلمان المغربي دعم «سيادة» المغرب على الصحراء

جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام البرلمان المغربي، الثلاثاء، التأكيد على تأييد بلاده لـ«سيادة المملكة على الصحراء».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)
عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)
TT

السجن مدى الحياة لجنديين روسيين قتلا عائلة أوكرانية

عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)
عناصر من قوات الشرطة الروسية بالقرب من مركز الاعتقال الذي شهد حادث احتجاز رهينتين في روستوف أون دون 16 يونيو (حزيران) 2024 (أ.ب)

قضت محكمة روسية بسجن جنديين مدى الحياة بعد إدانتهما بتهمة قتل عائلة مكونة من تسعة أشخاص في منزلها في إحدى المناطق المحتلة من أوكرانيا، وفق ما ذكرت وسائل إعلام رسمية، الجمعة.

وقال الادعاء الروسي إنه في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، دخل الجنديان الروسيان أنطون سوبوف وستانيسلاف راو منزل عائلة كابكانيتس في مدينة فولنوفاخا، وأطلقا النار ببنادق مزودة بكواتم صوت على أفراد العائلة التسعة الذين كانوا يعيشون هناك، وبينهم طفلان يبلغان خمس وتسع سنوات.

ونقلت وكالة «تاس» الحكومية للأنباء، عن مصدر أمني لم تسمه، أن المحكمة العسكرية للمنطقة الجنوبية في روستوف أون دون حكمت على الجنديين بالسجن مدى الحياة بتهمة القتل الجماعي «بدافع الكراهية السياسية أو العقائدية أو العنصرية أو الوطنية أو الدينية».

وأثار الحادث ضجة في أوكرانيا. وزعمت كييف في ذلك الوقت أن جنوداً روساً قتلوا أفراد العائلة وهم نيام بعد رفضهم الخروج من المنزل والسماح للجنود الروس بالعيش فيه، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية». وقال مسؤول حقوق الإنسان في أوكرانيا دميتري لوبينيتس، بعد يوم من جريمة القتل، إن «المحتلين قتلوا عائلة كابكانيتس التي كانت تقيم حفل عيد ميلاد لرفضها التخلي عن منزلها».

واستولت القوات الروسية على مدينة فولنوفاخا في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا في بداية هجومها العسكري الشامل، وقد تعرضت المدينة للتدمير جراء القصف المدفعي. واتُّهم جنود روس بقتل مدنيين مرات عدة في البلدات والمدن الأوكرانية التي احتلوها منذ فبراير (شباط) 2022.

ونفت موسكو استهداف المدنيين، وحاولت الادعاء بأن التقارير عن الفظائع في أماكن مثل بوتشا كانت مزيفة، على الرغم من توافر أدلة من مصادر مستقلة متعددة. ويعد الحكم في هذه القضية مثالاً نادراً على اعتراف روسيا بجريمة ارتكبتها قواتها في أوكرانيا. ولم تذكر وسائل الإعلام الرسمية الدافع وراء جريمة القتل.

وأشارت وكالة «تاس» إلى أن الأمر ربما كان «نزاعاً داخلياً»، في حين قالت كل من إذاعة أوروبا الحرة المستقلة، وصحيفة «كوميرسانت» التجارية، إن الأمر ربما كان مرتبطاً بنزاع حول الحصول على الفودكا. وعقدت المحاكمة في جلسة سرية مغلقة.

وأفادت إذاعة «أوروبا الحرة» المستقلة بأن راو (28 عاماً) وسوبوف (21 عاماً) كانا مرتزقين لصالح منظمة «فاغنر» شبه العسكرية قبل الانضمام إلى الجيش الرسمي لروسيا. وقالت إنهما تلقيا جوائز من الدولة قبل بضعة أشهر من ارتكابهما جريمة القتل الجماعي.