مساعٍ لتغيير موقف إدارة بايدن بشأن حظر استخدام أوكرانيا للسلاح الأميركي في العمق الروسي

«السبع» تناقش مصادرة الأصول الروسية... وبوتين يلوح بالرد

أوستن مع بلينكن
أوستن مع بلينكن
TT

مساعٍ لتغيير موقف إدارة بايدن بشأن حظر استخدام أوكرانيا للسلاح الأميركي في العمق الروسي

أوستن مع بلينكن
أوستن مع بلينكن

قال الجنرال تشارلز براون، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إنه لا يوجد نظام أسلحة «سحري» واحد يمكن أن يقدمه الشركاء لأوكرانيا من شأنه أن يقلب الأمور ضد الروس، فيما تزامنت هذه التصريحات مع تقارير إعلامية تفيد بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن بدأ يقود جهود تغيير موقف إدارة بايدن من حظر أوكرانيا استخدام السلاح الأميركي في العمق الروسي.

وأضاف براون في ندوة نظمتها محطة «إن بي سي»، بالتعاون مع «مجلس الأطلسي»: «إن الأمر مزيج من القدرات التي تم توفيرها مع الشركاء».

رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون (رويترز)

وبعدما أكد أن مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية تعمل على ضمان أن تتمتع أوكرانيا بالقدرة على الدفاع عن نفسها، عبر توفير الدفاع الجوي والأنظمة المضادة للدروع والدبابات والمدفعية والمزيد، قال إنه في الوقت الحالي ينصب التركيز على المعركة القريبة، مشيراً أيضاً إلى أن الأمر لا يقتصر على ما تقدمه الولايات المتحدة للأوكرانيين فحسب، بل لبقية الشركاء أيضاً.

وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون (أ.ف.ب)

ولكن عندما سُئل عما إذا كان الأمر يقيد أوكرانيا بعدم استخدام الأسلحة الأميركية لضرب التشكيلات الروسية التي تتجمع لشن هجمات خارج حدود أوكرانيا، قال براون: «إن أوكرانيا لديها أنظمة أخرى يمكنها استخدامها للهجوم خارج البلاد دون استخدام الأنظمة الأميركية»، مضيفاً: «لقد كانوا يهاجمون روسيا... وسنواصل الحوار حول هذا الأمر».

وتأتي تصريحات براون بالتزامن مع تسريبات صحافية تشير إلى أن الإجماع حول هذه السياسة بدأ يتآكل، في ظل مناقشات جارية داخل إدارة الرئيس جو بايدن تهدف إلى إقناع الرئيس بتغيير موقفه من قضية استخدام السلاح الأميركي، بدفعٍ من وزارة الخارجية.

بلينكن غيّر موقفه

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن نقاشاً حاداً داخل الإدارة، مارس فيه وزير الخارجية أنتوني بلينكن ضغطاً لتغيير هذا الموقف، لا يزال في مراحل التكوين، بعد زيارته إلى كييف، الأسبوع الماضي. وليس من الواضح بعدُ عدد المسؤولين في الدائرة الداخلية للرئيس بايدن الذين وافقوا عليه. وعدّ موقف فيكتوريا نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية التي استقالت أخيراً، حيث قالت إن ما يجري في خاركيف يظهر أن الإدارة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لأوكرانيا، مؤشراً على تزايد الأصوات المؤيدة لرفع الحظر.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يرحب بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في كييف قبل أسبوع (أ.ب)

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم إنه لم يتم تقديم هذا الاقتراح رسمياً بعدُ إلى الرئيس، الذي كان يعد تقليدياً «الأكثر حذراً». ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية، ماثيو ميلر، التعليق على المداولات الداخلية حول سياسة أوكرانيا، بما في ذلك ما يخص التقرير الذي قدمه بلينكن بعد عودته من كييف.

وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن أي أسلحة يتم ضخها إلى نظام كييف لا يمكنها تغيير مسار العملية العسكرية الخاصة، وأن الجيش الروسي يعرف عمله. وقال بيسكوف للصحافيين إن «العملية العسكرية الخاصة مستمرة، وجيشنا يقوم بعمله. إنهم يعرفون كيفية القيام بذلك، هذا على الأرجح كل ما يمكن قوله»، بحسب ما ذكرته وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء.

كما نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أن الولايات المتحدة تدرس الآن تدريب القوات الأوكرانية داخل البلاد، بدلاً من إرسالها إلى ألمانيا. وسيتطلب ذلك نشر أفراد عسكريين أميركيين في أوكرانيا، وهو أمر آخر حظره بايدن حتى الآن. ويثير هذا تساؤلاً حول كيفية رد الولايات المتحدة إذا تعرض المدربون الذين من المرجح أن يتمركزوا بالقرب من مدينة لفيف الغربية، للهجوم. واستهدف الروس بشكل دوري مدينة لفيف، رغم أنها بعيدة عن مناطق القتال الرئيسية. لكن الجنرال براون قال خلال ندوته مع «إن بي سي»، إنه عندما يتم هزيمة الغزو الروسي سيعود أفراد الخدمة الأميركية إلى أوكرانيا لتدريب الجيش الأوكراني، لكن حالياً، يتم التدريب خارج البلاد».

الأصول الروسية في خدمة المعركة

البنك المركزي الأوروبي (رويترز)

وفي سياق متصل، حثت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، الخميس، وزراء مجموعة السبع المجتمعين في إيطاليا على العمل على «خيارات أكثر طموحاً» لاستخدام الأصول الروسية المجمدة لمساعدة أوكرانيا.

ويجتمع الوزراء ومحافظو البنوك المركزية في المجموعة في ستريسا بإيطاليا، للتحضير لقمة رؤساء دول مجموعة السبع الشهر المقبل. وعلى جدول الأعمال خطة لتمويل المساعدات الحيوية لأوكرانيا باستخدام الفوائد الناتجة عن أصول البنك المركزي الروسي البالغة 300 مليار يورو (325 مليار دولار) المجمدة من قبل مجموعة السبع وأوروبا. واتخذ الاتحاد الأوروبي الخطوة الأولى نحو الاتفاق هذا الشهر على مصادرة عائدات الأصول الروسية المجمدة لتسليح أوكرانيا، وهي مكاسب ستراوح بين 2.5 و3 مليارات يورو (2.7 إلى 3.3 مليار دولار) سنوياً.

كرستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي (رويترز)

ورحبت يلين في مؤتمر صحافي قبل الاجتماع بهذه الخطة، ولكنها قالت: «علينا أيضاً أن نواصل عملنا الجماعي بشأن خيارات أكثر طموحاً، مع الأخذ في الاعتبار جميع المخاطر ذات الصلة، والعمل معاً». وبحسب يلين، فإنها تريد تقديم «خيارات ملموسة» لزعماء مجموعة السبع، وأضافت: «الفشل في اتخاذ إجراءات إضافية ليس خياراً، ليس لمستقبل أوكرانيا، وليس لاستقرار اقتصاداتنا وأمن شعوبنا».

وأوضح مرسوم وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، أن روسيا ستحدد الممتلكات الأميركية، ومنها الأوراق المالية التي يمكن استخدامها للتعويض عن أي خسائر قد تتكبدها موسكو في حال صادرت الولايات المتحدة أياً من الأصول الروسية المجمدة لديها. ونص مرسوم بوتين على أنه بوسع أي كيان روسي أن يطلب من محكمة بالبلاد البت فيما إذا كانت ممتلكاته تم الاستيلاء عليها بشكل غير مبرر وطلب تعويض. وبعد ذلك يمكن أن تأمر المحكمة بتحويل التعويض في شكل أصول أو ممتلكات أميركية في روسيا من قائمة ستضعها اللجنة الحكومية الروسية المعنية ببيع الأصول الأجنبية.

رحبت يلين في مؤتمر صحافي قبل الاجتماع بالخطة الأوروبية (أ.ف.ب)

وحدد المرسوم الأوراق المالية والعقارات والمنقولات وحقوق الملكية والحصص في الشركات الروسية من بين الأصول المملوكة للولايات المتحدة، والتي قد تصبح عرضة للمصادرة. واعترف الرئيس السابق دميتري ميدفيديف، الشهر الماضي، بأن روسيا تمتلك كمية ضئيلة من ممتلكات الدولة الأميركية، وأن أي رد تتخذه روسيا سيكون غير متماثل ويركز على أصول الأفراد.

وقال مسؤولون واقتصاديون لـ«رويترز»، هذا الشهر، إن قدرة روسيا على الرد بالمثل إذا استولى الغرب على أصولها المجمدة تناقصت بسبب تضاؤل ​​الاستثمار الأجنبي، لكنها قد تلاحق أموال مستثمري القطاع الخاص بدلاً من ذلك. وأقرت واشنطن تشريعاً يسمح لإدارة الرئيس جو بايدن بمصادرة الأصول الروسية الموجودة في البنوك الأميركية، ونقلها إلى أوكرانيا، وهو ما وصفته موسكو مراراً بأنه غير قانوني.

ولم تُنجز بعد تفاصيل الخطة الأميركية، بما في ذلك الجهة التي ستصدر الدين؛ الولايات المتحدة وحدها أم دول مجموعة السبع ككل. لكنها ستكون بمثابة أساس لمناقشات مجموعة السبع، وفقاً لمصدر بوزارة الخزانة في إيطاليا، التي تستضيف محادثات ستريسا، بصفتها رئيسة مجموعة السبع هذا العام. وقال المصدر إن الاقتراح الأميركي هو «وسيلة مثيرة للاهتمام للمضي قدماً»، لكن «أي قرار يجب أن يكون له أساس قانوني متين». ويشكل الوقت أهمية بالغة؛ إذ إن بطء وصول المساعدات الأوروبية إلى كييف، وشبه توقف المساعدات الأميركية لعدة أشهر في أثناء المشاحنات الداخلية في واشنطن، كانا سبباً في إجهاد قدرات أوكرانيا، ما سمح لروسيا باستعادة زمام المبادرة على الأرض. وبالإضافة إلى الولايات المتحدة وإيطاليا، تضم مجموعة السبع بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان.

نزاعات قانونية

وتشعر الدول الأوروبية بالقلق من حصول سابقة في القانون الدولي، وخطر حدوث نزاعات قانونية خطرة مع موسكو. ولم يُخف جانكارلو جورجيتي، وزير الاقتصاد الإيطالي، تعقيدات القضية، وأكد أن روما ستكون «وسيطاً نزيهاً» في المناقشات، لكنه قال إن المهمة «حساسة للغاية».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

في أبريل (نيسان) الماضي، أرسلت موسكو تحذيراً مبطناً إلى إيطاليا بصفتها رئيسة مجموعة السبع، عبر قرار بوضع اليد على الفرع الروسي لمجموعة «أريستون» الإيطالية؛ «رداً على أعمال عدائية ومخالفة للقانون الدولي مارستها الولايات المتحدة ودول أجنبية أخرى انضمت إليها». في مارس (آذار) الماضي، هددت روسيا الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات قانونية «تدوم لعقود» إذا استخدمت عائدات أصولها المجمدة لصالح أوكرانيا، ووصفت ذلك بأنه «سرقة». وقال جون كيرتون، مدير مجموعة أبحاث مجموعة السبع في جامعة تورونتو، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الاستفادة من الفوائد على الأصول الروسية فقط «من شأنها أن تقلل إلى حد كبير من المشاكل القانونية». وأضاف: «من الناحية القانونية، لن يكون ذلك بمثابة مصادرة للأصول». ورحبت فرنسا، الأربعاء، بالخطة الأميركية، قائلة إنها تأمل في أن يتوصل وزراء المال في مجموعة السبع إلى اتفاق هذا الأسبوع. وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير: «قدم الأميركيون مقترحات تندرج في إطار القانون الدولي، وسنعمل عليها بشكل علني وبنّاء».


مقالات ذات صلة

وساطة إماراتية بين روسيا وأوكرانيا تنجح في تبادل 180 أسيراً

الخليج الوساطة الإماراتية نجحت منذ بداية العام في إتمام 4 عمليات تبادل أسرى حرب بين روسيا وأوكرانيا، ونجحت في ديسمبر في تبادل مسجونين اثنين بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا (رويترز)

وساطة إماراتية بين روسيا وأوكرانيا تنجح في تبادل 180 أسيراً

قالت وزارة الخارجية الإماراتية إن جهود وساطة أجرتها الإمارات بين روسيا وأوكرانيا أدت إلى إتمام عملية تبادل أسرى حرب شملت 180 أسيراً من كلا الجانبين.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
أوروبا صورة جماعية خلال المفاوضات الرامية لضم أوكرانيا ومولدوفيا إلى الاتحاد الأوروبي في يونيو 2024 (إ.ب.أ)

انطلاق مفاوضات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي

أطلق الاتحاد الأوروبي رسمياً المفاوضات الرامية إلى ضم أوكرانيا، الثلاثاء، مما يضع الدولة التي مزقتها الحرب على مسار طويل نحو العضوية التي حاولت روسيا عرقلتها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري ماكرون يصافح بحرارة الأمين العام للحلف الأطلسي بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي في باحة قصر الإليزيه الاثنين (إ.ب.أ)

تحليل إخباري تساؤلات حول تبعات ضعف ماكرون على مواقف باريس من الحرب في أوكرانيا

ماذا ستكون عليه سياسة فرنسا في الملف الأوكراني إذا ما صحّت توقعات نتائج الانتخابات البرلمانية؟

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية فيدان شارك في اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة «بريكس» بروسيا بوقت سابق يونيو الحالي (الخارجية التركية)

​تركيا: الانضمام إلى «بريكس» لا يعني تغيير محاور سياستنا

أكدت تركيا أن محاولتها الانضمام إلى «بريكس» لا تتعلق بتغيير محاور سياستها الخارجية وانتقدت عدم التزام دول في «الناتو» بروح التحالف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا من لقاء سابق بين إردوغان وبوتين (أرشيفية - الرئاسة التركية)

تركيا تحذر من استمرار الحرب في أوكرانيا وتكلفتها على العالم

حذرت تركيا من خطر استمرار نمو وانتشار الحرب في أوكرانيا، وارتفاع تكلفتها على العالم، واستخدام أسلحة الدمار الشامل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تساؤلات حول تبعات الضعف السياسي لماكرون على مواقف باريس من الحرب في أوكرانيا

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
TT

تساؤلات حول تبعات الضعف السياسي لماكرون على مواقف باريس من الحرب في أوكرانيا

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)

ما بين 9 و11 يوليو (تموز) المقبل، تلتئم في واشنطن قمة استثنائية لحلف شمال الأطلسي، الذي يحتفل هذا العام بالذكرى الـ75 لتوقيع المعاهدة التي أفضت لقيام أحد أكبر الأحلاف العسكرية في العالم.

ومنذ اليوم، تفيد معلومات العاصمة الأميركية أن الملف الأوكراني سيكون بطبيعة الحال المحور الرئيس لمناقشات قادة الحلف، والمرجح أن يكون بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

صورة مركبة لجان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)

ومن بين جميع رؤساء دول وحكومات النادي الأطلسي، ستتجه الأنظار بشكل خاص إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يخوض راهناً تحدياً رئيسياً هو قطعاً الأهم في حياته السياسية، وعنوانه الانتخابات التشريعية التي ستجرى في جولتين، يومي 30 يونيو (حزيران) و7 يوليو.

رئيس الحكومة غابرييل أتال لدى حضوره المؤتمر الصحافي للرئيس ماكرون... فهل يكون ترؤسه الحكومة هو الأقصر في تاريخ الحكومات الفرنسية؟ (رويترز)

وبالنظر لما تؤشر إليه استطلاعات الرأي المتواترة، فإن «ائتلاف الوسط» الذي يضم حزب ماكرون (تجدد) والأحزاب الثلاثة الرديفة له سيكون الخاسر الأكبر حيث إنه سيهبط إلى المرتبة الثالثة في البرلمان المقبل بعد مجموعة اليمين المتطرف (التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا)، والجبهة الشعبية الجديدة المؤلفة من أحزاب اليسار والخضر.

وبالنظر للدينامية الواضحة التي يتمتع بها التيار اليميني المتطرف وتجمع اليسار، فإن المجموعة الداعمة لماكرون ستكون بالغة الضعف في البرلمان الجديد إلا إذا حصلت عجيبة انتخابية غير متوقعة.

وثمة سيناريوهان محتملان؛ إما أن يحصل اليمين المتطرف على الأكثرية المطلقة، وعندها سيكون ماكرون مضطراً للطلب من جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. وإما ألا تحصل أي مجموعة من المجموعات الثلاث على الأكثرية المطلقة، وتفشل أيضاً أي منها في إبرام تحالفات سياسية بالنظر للتباعد الآيديولوجي والسياسي القائم بينها. وفي الحالتين سيخرج ماكرون من المعركة مثخناً بالجراح وضعيفاً سياسياً.

زيلينسكي مع وزير الدفاع الفرنسي (أ.ب)

ماكرون... من داعية للسلام إلى صقر حربي

 

منذ أكثر من عام، تخلى الرئيس الفرنسي عن وهم لعب دور الوسيط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص أوكرانيا وتحول إلى أكثر القادة الغربيين تشدداً في الدعوة إلى توفير أكبر دعم ممكن لكييف، والعمل على حرمان بوتين من إحراز انتصار في أرض المعركة، لأن شيئاً كهذا، كما شرحه مراراً، سيكون بمثابة «تهديد لأمن أوروبا»، ولأن بوتين «لن يتوقف عند حدود أوكرانيا».

زيلينسكي يعاين مركبة عسكرية فرنسية (أ.ب)

وذهب ماكرون أبعد من غيره في الدعوة إلى إرسال عسكريين غربيين لتدريب القوات الأوكرانية على أراضي أوكرانيا والسماح لكييف باستخدام الأسلحة الغربية لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية وتزويدها بصواريخ «سكالب» الدقيقة وبعيدة المدى والتهيؤ لإعطائها مقاتلات «ميراج» فرنسية الصنع.

ومع مرور الأشهر، توثّقت علاقات ماكرون بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي زار باريس 4 مرات، آخرها في 7 يونيو، وفي كل مرة كانت باريس حريصة على إبراز الدعم الكامل له، والدفع باتجاه تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى الحلف الأطلسي.

وخلال الأشهر الطويلة التي جمّد فيها مجلس النواب الأميركي المساعدات لأوكرانيا، سعى ماكرون للعب دور الزعيم الغربي غير المنازع الدافع باتجاه دعم كييف والإصغاء لكل ما تطلبه، بما في ذلك إرسال قوات إلى أراضيها، ليس للقتال ضد روسيا، ولكن لأغراض التدريب وحراسة الحدود وتقديم المشورة ونزع الألغام.

بايدن وماكرون بعد انتهاء المؤتمر الصحافي في باريس (أ.ف.ب)

اليوم، يطرح السؤال التالي: ما ستكون عليه سياسة فرنسا في هذا الملف إذا ما صحت توقعات نتائج الانتخابات البرلمانية؟

يوم الاثنين، وجّه ماكرون رسالة إلى الفرنسيين من خلال الصحف الإقليمية، وفيها برّر حلّ البرلمان، وطلب من الفرنسيين أن يعمدوا إلى «الخيار الصحيح» في الانتخابات المقبلة. وفي الرسالة نفسها، أكد الرئيس الفرنسي أنه باقٍ في منصبه حتى شهر مايو (أيار) عام 2027 أي حتى آخر يوم من ولايته، مهما تكن نتيجة الانتخابات. ولا ينصّ الدستور الفرنسي على استقالة رئيس الجمهورية في حالة خسارته للانتخابات، ما يجعله قيّماً على سياسة فرنسا الخارجية والدفاعية، كما أنه القائد الأعلى للقوات الفرنسية والحامل لرموز القوة النووية.

الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني بمناسبة حضورهما قمة «مجموعة السبع» في إيطاليا (د.ب.أ)

التعاون مع حكومة من لون سياسي مختلف

 

ليس سراً أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا يثير قلق الخارج. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس أول من قرع ناقوس الخطر. كذلك، فإن السلطات الأوكرانية تنظر بوجل إلى ما سيخرج من صناديق الاقتراع، وإلى ضعف المعسكر الرئاسي، خصوصاً في ظل وجود مخاوف من عودة الرئيس الأميركي السابق إلى البيت الأبيض، بداية العام المقبل.

إلا أن ماكرون سعى، في اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا الأسبوع الماضي، إلى إظهار أنه ممسك بناصية الأمور في بلاده، مؤكداً عزمه على ممارسة صلاحياته كاملة، وفق النصوص الدستورية. وللتدليل على ذلك، فيما خصّ الملف الأوكراني، كرّر ماكرون في المؤتمر الصحافي الذي جمعه بالأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في قصر الإليزيه، عصر الاثنين، تأييده لأوكرانيا، وقال ما حرفيته: «إن دعمنا لأوكرانيا لا يزال وسيبقى ثابتاً، وسنواصل التعبئة للاستجابة لاحتياجات أوكرانيا الفورية ونقل رسالة تصميمنا القاطع على الوقوف إلى جانب الأوكرانيين على المدى الطويل».

وأشار ماكرون إلى أن بلاده «تتحمل أيضاً مسؤولياتها بالكامل، وتقوم بواجبها، وستواصل القيام بذلك في رومانيا وبولندا ودول البلطيق». كما دعا حلف شمال الأطلسي إلى إرسال «إشارة قوية إلى واشنطن حول تقدم أوكرانيا في عملية التكامل الأورو أطلسية، وباتجاه الحلف، حيث لها مكانها الصحيح نظراً لمساهمتها في توفير الأمن له».

وباختصار، يريد ماكرون أن يلعب دور المحامي عن المصالح الأوكرانية، وأهمها قبول انضمام أوكرانيا إلى النادي الأطلسي. الأمر الذي يعارضه كثير من الدول الأعضاء.

وبخصوص القمة الأطلسية، قال سيباستيان، الاثنين، إن الانتخابات المقبلة «إما أن ترسل رسالة انطواء على الذات (في حال فوز الجبهة الوطنية أو تحالف اليسار) أو رسالة واضحة» حول استمرار فرنسا في سياستها الخارجية والدفاعية الراهنة.

منذ أشهر طويلة، لا سيما مع حلّ البرلمان، تنبش السلطة الفرنسية أوراقاً قديمة لليمين المتطرف، واليسار، خصوصاً الشيوعيين وحزب «فرنسا الأبية»، وتتهمهما بالقرب من روسيا ومن الرئيس بوتين. بيد أن هاتين المجموعتين سعيتا، في بلورة برنامجهما الانتخابي، إلى التخلي عن المواقف المتطرفة.

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)

فجبهة اليسار غيّرت لهجتها إلى حدّ بعيد، ونصّ برنامجها الانتخابي على أن هدفها «العمل على إفشال هجوم فلاديمير بوتين العدواني، وسوقه أمام العدالة الدولية، والدفاع عن السيادة الأوكرانية، وحرية الشعب الأوكراني وسلامة أراضيه من خلال توفير السلاح الضروري...».

كذلك، بالنسبة لـ«التجمع الوطني» حيث يسعى بارديلا إلى موقف متوازن، وأكد يوم 19 يونيو (حزيران) الحالي أنه «لم يتخلّ عن التزامات فرنسا على المسرح العالمي». إلا أنه رئيساً للحكومة المقبلة لديه «خطوط حمراء» لن يقبل بتخطيها.

وفي عرضه لبرنامج حزبه، الاثنين، وصف هذه الخطوط بـ«الواضحة تماماً»، وهي 3 خطوط، أولها رفض إرسال قوات فرنسية إلى الأراضي الأوكرانية، وثانيها رفض إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى القوات الأوكرانية، وثالثها رفض استهداف الأراضي الروسية. إلا أنه بالمقابل، عدّ موسكو «تشكل تهديداً متعدد الأبعاد لفرنسا وأوروبا، وتواجه المصالح الفرنسية في أفريقيا والبحر الأسود وما وراء البحار...».

هكذا، تبرز صعوبة المرحلة التي تنتظر فرنسا في الأشهر والسنوات المقبلة. فالضبابية كاملة، ولا أحد يعرف منذ اليوم كيف ستكون الأمور بعد أسبوع من يوليو، إذ نتيجتها الأولى ستكون إضعاف موقف الرئيس ماكرون في الداخل والخارج على السواء، خصوصاً إذا كانت السلطة التنفيذية برأسين، لا يعملان في الوجهة نفسها وفي الوقت نفسه.