36 ساعة في تورينو الملقبة بـ«باريس الصغيرة»

تعرَّف أجمل معالم رابع أكبر مدينة في إيطاليا

‪مدينة تورينو الإيطالية (نيويورك تايمز)
‪مدينة تورينو الإيطالية (نيويورك تايمز)
TT

36 ساعة في تورينو الملقبة بـ«باريس الصغيرة»

‪مدينة تورينو الإيطالية (نيويورك تايمز)
‪مدينة تورينو الإيطالية (نيويورك تايمز)

مع وجود خلفية كجبال الألب، تعدّ تورينو، رابع أكبر مدينة في إيطاليا، أنيقة وجذابة وغنية بالتاريخ. تكثر الميادين الكبرى والقصور الملكية السابقة في هذا المعبر الحدودي الشمالي الإيطالي، الذي أطلق عليه اسم «ليتل باريس أو باريس الصغيرة»، والذي كان لفترة وجيزة أول عاصمة لإيطاليا بعد توحيد البلاد عام 1861. والمدينة غارقة في الملذات الدنيوية. وقد تم اختراع شوكولاته «جياندوجا» هناك، ويمكن تذوقها بين المقاهي التاريخية، ومتاجر الشوكولاته. ومما يكتسب أهمية خاصة في فصل الشتاء، وجود تشكيلة متزايدة من المعارض والمتاحف الآخذة في الاتساع -بما في ذلك واحدة من أكبر مجموعات الآثار المصرية في العالم، ومتحف للفاكهة المزيفة، ومركز جديد للفن المعاصر على مضمار سباق على أسطح المنازل- يوفر الراحة من البرد، وهو غذاء للروح.

‪مدينة تورينو الإيطالية (نيويورك تايمز)

التنزه سيراً على الأقدام إلى كنيسة أعلى التل

إذا كان تسلق جبل حقيقي يبدو شاقاً، فإن السير لمدة 15 دقيقة صعوداً إلى جبل مونتي دي كابوتشيني، قمة التل الذي تعلوه كنيسة من القرن السابع عشر، سوف يمنحكم على الأقل إطلالات جبلية رائعة. أما في الغرب، فإن شبكة شوارع تورينو من المباني الباروكية وأبراج الجرس تمتد لأميال، يتخللها برج وقبة مولي أنطونيليانا، وهو صرح بارز من الطوب يعود إلى القرن التاسع عشر بُنيَ في الأصل ليكون معبداً يهودياً، ولكن تم تغيير الغرض منه ليكون نصباً تذكارياً لتوحيد إيطاليا. (حتى عام 1861، كانت إيطاليا خليطاً من الممالك المستقلة والدوقيات ودول المدن). واليوم، يضم «مولي أنطونيليانا» المتحف الوطني للسينما. خارج منظر المدينة، تشكل جبال الألب جداراً طويلاً مثلجاً مسنناً بقممه السامقة.

تورينو رابع أكبر مدينة في إيطاليا (نيويورك تايمز)

الانغماس في المطبخ المحلي

حي سان سالفاريو، الذي كان ذات يوم منطقة رثة بالقرب من محطة القطار المركزية، يعج الآن بالمقاهي والحانات من كل نوع. يبدو مطعم سكانابيو، وهو مطعم محبوب للغاية افتتح في عام 2008، بأنه أقدم من 100 عام على الأقل بسبب مراياه المصطنعة بالطلاء المذهب، وصور مناظر المدينة بلونها البني الداكن، وأطعمة بييمونتي اللذيذة والعريقة.

زيارة سوق واسعة

تعدّ سوق «ميركاتو دي بورتا بالازو»، الواقعة في ساحة الجمهورية الكبرى، واحدة من أكبر الأسواق في أوروبا، وهي مثيرة من حيث الحجم والتمدد. وتنقسم السوق مربعات، لكل منها تخصصه الخاص. في أحد هذه المواقع، تتدفق الدكاكين بالخيرات الزراعية للبلاد، بما في ذلك الليمون الصقلي، والخرشوف السرديني، والفلفل البوليزي. وربع ثانٍ مخصص للنظارات الشمسية، والحقائب، والبيجامات، وقمصان كرة قدم الإيطالية، والملابس، والإكسسوارات الأخرى رخيصة الثمن. أما الربع الثالث فيضم قاعة «أنتيكو تيتويا ديل أوروليو»- وهي سوق مغطاة بالزجاج والمعادن تعج بمتعهدي القهوة والجبن واللحوم المشفاة والخبز والزيتون وغيرها من الأطعمة الإيطالية الكلاسيكية، في حين أن الربع الأخير يحتوي على مطعم «ميركاتو سنترال تورينو»، وهو عبارة عن صالة واسعة مخصصة للأطعمة المنزلية الحديثة. إذا كنت لا تزال في مزاج التسوق، فإن سوق «إل بالون» المفضلة في تورينو، يُقام من الاثنين إلى السبت (ساعات العمل متفاوتة) في شبكة من الشوارع القريبة، لا سيما عبر بورغو دورا.

من أسواق الخضراوات والفاكهة التقليدية في المدينة (نيويورك تايمز)

احتضان التاريخ

يدور مشهد من تاريخ تورينو حول ساحة سان جيوفاني، وهي ساحة مركزية. وإلى الشمال، انظروا مدخل بورتا بالاتينا، وهي بوابة من الطوب الروماني ترجع إلى العصر الروماني للمدينة. إلى الشرق، وأسفل بعض السلالم، تخفي آثار مدرج روماني (الدخول مجاني) في ظل متحف غاليريا سابودا (15 يورو)، وهو متحف كلاسيكي جديد يضم الفنون التي جمعها دوقات وملوك آل سافوي، السلالة الملكية التاريخية. بجانب المتحف، يحلّق برج الجرس الطويل في كاتدرائية القديس يوحنا من عصر النهضة فوق المبنى الرئيسي المنفصل، الذي تضم كنيسته كفن تورينو، وهو قطعة قماش يبلغ طولها 14 قدماً تحمل صورة باهتة لرجل ملتح يعتقد البعض أنه يسوع المسيح. لا يتم عرض القماش للعامة، ولكن متحف الكفن (8 يوروات)، الذي يبعد مسافة قصيرة، يشرح تاريخه وبعض الدراسات العلمية التي أجريت للوقوف على أصوله.

مدينة غنية بالتاريخ والأماكن الأثرية (نيويورك تايمز)

التسوق

بالنسبة إلى الأشخاص العصريين الذين يخشون أغطية الشتاء المرهقة التي تغلف الجسم، فإن نزهة التسوق بين القصور الأنيقة في وسط تورينو هي بمثابة تعليم مشجع على الطراز الشتوي. وهناك متجران راقيان يبرزان في هذا السياق. «دانبول»، بالقرب من حديقة سامباير، هو متجر معاصر، حيث يمكنك الجمع بين سترة مموهة من «باربيد»، وسترة من صوف الكشمير من «فيديلي»، وأحذية رياضية راقية سوداء من «بوشمي» مع أبازيم ذهبية للحصول على مظهر إيطالي بالكامل. يقع خلف ساحة المتحف والمطاعم المصطفة على الجانبين متجر «بيازا سان كارلو» من عام 1973، وهو عبارة عن متجر من الملابس النسائية المعاصرة.

ابدأ يومك بالشوكولاته

لا يمكنك إلقاء حبة من الكاكاو من دون أن تصطدم بمتجر للشوكولاته في تورينو، موطن شوكولاته «جياندوجا» الفخري، مزيج من الشوكولاته ومعجون البندق. يمكن العثور على نوعين من الشوكولاته الكثيفة والداكنة على شارع «فيا بو»، وهو شارع فاخر توفر أروقته المقببة الحماية من المطر والثلوج؛ مما يجعله مثالياً لنزهات فصل الشتاء. ولا توجد مقاعد وسط العلب الزجاجية المليئة بالفطائر والكعك والبسكويت في متجر «باستيكيريا غيغو» للحلويات الذي افتتح عام 1870؛ لذا فإن السكان المحليين يحتشدون على المناضد لاحتساء الشوكولاته الساخنة الغنية (4.50 يورو). لمزيد من الراحة، انضم إلى مأدبة واستمتع بالأقمشة الحمراء الفاخرة والسجاد الفخم وورق الجدران الأصيل في «كافيه فيوريو» من القرن الثامن عشر، الذي كان من بين زبائنه الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه خلال إقامته في تورينو. تتبخر شوكولاته «جياندوجا» الساخنة السميكة (5.50 يورو) في الكأس مثل الصهارة الداكنة.

تشتهر تورينو بمطبخها المميز (نيويورك تايمز)

الوصول إلى المكان الصحيح

لا توجد علامة تجارية أكثر ارتباطاً بتورينو من «فيات»، التي كان مصنعها في مقاطعة لينغوتو الجنوبية ينتج السيارات من عشرينات القرن العشرين حتى الثمانينات. يضم المبنى متعدد الأغراض (الذي تم ترميمه من قِبل المهندس المعماري الإيطالي رينزو بيانو) معرض «بيناكوتيكا أنيللي» (10.60 يورو)، وهو معرض فني يعرض نحو عشرين لوحة فنية - من قِبل الفنانين، بما في ذلك إدوارد مانيت، هنري ماتيس، أميديو موديلياني، وبابلو بيكاسو - جمعها أعضاء من عائلة أنيللي، مؤسسي شركة «فيات». كانت الإضافة الأكثر إثارة للإعجاب في المصنع السابق هي «لابيستا 500» (2.10 يورو)، وهي مساحة فنية في الهواء الطلق افتتحت عام 2022 على ممشى بيضاوي الشكل أعلى سطح المبنى كان يستخدم في وقت من الأوقات كمسار اختبار لسيارات «فيات». وتغطي هذه الدائرة آلاف النباتات والأعمال الفنية الكبيرة في الهواء الطلق، بما في ذلك لوحة إعلانية مصورة للفنانة الإيرانية شيرين علي آبادي، ولافتة نيون للفنانة السويسرية سيلفي فلوري مكتوب عليها «نعم للجميع». لكن الجاذبية السحرية الرئيسية هي منظر جبال الألب ذات القمم البيضاء المكسوة بالثلوج. التقط صورة أخيرة وقل «وداعاً».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.