تساؤلات حول تبعات الضعف السياسي لماكرون على مواقف باريس من الحرب في أوكرانيا

الرئيس سيكون الخاسر الأكبر في الانتخابات البرلمانية المقبلة ودوره في الداخل والخارج مرشح للضمور

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
TT

تساؤلات حول تبعات الضعف السياسي لماكرون على مواقف باريس من الحرب في أوكرانيا

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)
رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)

ما بين 9 و11 يوليو (تموز) المقبل، تلتئم في واشنطن قمة استثنائية لحلف شمال الأطلسي، الذي يحتفل هذا العام بالذكرى الـ75 لتوقيع المعاهدة التي أفضت لقيام أحد أكبر الأحلاف العسكرية في العالم.

ومنذ اليوم، تفيد معلومات العاصمة الأميركية أن الملف الأوكراني سيكون بطبيعة الحال المحور الرئيس لمناقشات قادة الحلف، والمرجح أن يكون بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

صورة مركبة لجان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)

ومن بين جميع رؤساء دول وحكومات النادي الأطلسي، ستتجه الأنظار بشكل خاص إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يخوض راهناً تحدياً رئيسياً هو قطعاً الأهم في حياته السياسية، وعنوانه الانتخابات التشريعية التي ستجرى في جولتين، يومي 30 يونيو (حزيران) و7 يوليو.

رئيس الحكومة غابرييل أتال لدى حضوره المؤتمر الصحافي للرئيس ماكرون... فهل يكون ترؤسه الحكومة هو الأقصر في تاريخ الحكومات الفرنسية؟ (رويترز)

وبالنظر لما تؤشر إليه استطلاعات الرأي المتواترة، فإن «ائتلاف الوسط» الذي يضم حزب ماكرون (تجدد) والأحزاب الثلاثة الرديفة له سيكون الخاسر الأكبر حيث إنه سيهبط إلى المرتبة الثالثة في البرلمان المقبل بعد مجموعة اليمين المتطرف (التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا)، والجبهة الشعبية الجديدة المؤلفة من أحزاب اليسار والخضر.

وبالنظر للدينامية الواضحة التي يتمتع بها التيار اليميني المتطرف وتجمع اليسار، فإن المجموعة الداعمة لماكرون ستكون بالغة الضعف في البرلمان الجديد إلا إذا حصلت عجيبة انتخابية غير متوقعة.

وثمة سيناريوهان محتملان؛ إما أن يحصل اليمين المتطرف على الأكثرية المطلقة، وعندها سيكون ماكرون مضطراً للطلب من جوردان بارديلا تشكيل الحكومة الجديدة. وإما ألا تحصل أي مجموعة من المجموعات الثلاث على الأكثرية المطلقة، وتفشل أيضاً أي منها في إبرام تحالفات سياسية بالنظر للتباعد الآيديولوجي والسياسي القائم بينها. وفي الحالتين سيخرج ماكرون من المعركة مثخناً بالجراح وضعيفاً سياسياً.

زيلينسكي مع وزير الدفاع الفرنسي (أ.ب)

ماكرون... من داعية للسلام إلى صقر حربي

 

منذ أكثر من عام، تخلى الرئيس الفرنسي عن وهم لعب دور الوسيط مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بخصوص أوكرانيا وتحول إلى أكثر القادة الغربيين تشدداً في الدعوة إلى توفير أكبر دعم ممكن لكييف، والعمل على حرمان بوتين من إحراز انتصار في أرض المعركة، لأن شيئاً كهذا، كما شرحه مراراً، سيكون بمثابة «تهديد لأمن أوروبا»، ولأن بوتين «لن يتوقف عند حدود أوكرانيا».

زيلينسكي يعاين مركبة عسكرية فرنسية (أ.ب)

وذهب ماكرون أبعد من غيره في الدعوة إلى إرسال عسكريين غربيين لتدريب القوات الأوكرانية على أراضي أوكرانيا والسماح لكييف باستخدام الأسلحة الغربية لضرب أهداف داخل الأراضي الروسية وتزويدها بصواريخ «سكالب» الدقيقة وبعيدة المدى والتهيؤ لإعطائها مقاتلات «ميراج» فرنسية الصنع.

ومع مرور الأشهر، توثّقت علاقات ماكرون بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي زار باريس 4 مرات، آخرها في 7 يونيو، وفي كل مرة كانت باريس حريصة على إبراز الدعم الكامل له، والدفع باتجاه تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى الحلف الأطلسي.

وخلال الأشهر الطويلة التي جمّد فيها مجلس النواب الأميركي المساعدات لأوكرانيا، سعى ماكرون للعب دور الزعيم الغربي غير المنازع الدافع باتجاه دعم كييف والإصغاء لكل ما تطلبه، بما في ذلك إرسال قوات إلى أراضيها، ليس للقتال ضد روسيا، ولكن لأغراض التدريب وحراسة الحدود وتقديم المشورة ونزع الألغام.

بايدن وماكرون بعد انتهاء المؤتمر الصحافي في باريس (أ.ف.ب)

اليوم، يطرح السؤال التالي: ما ستكون عليه سياسة فرنسا في هذا الملف إذا ما صحت توقعات نتائج الانتخابات البرلمانية؟

يوم الاثنين، وجّه ماكرون رسالة إلى الفرنسيين من خلال الصحف الإقليمية، وفيها برّر حلّ البرلمان، وطلب من الفرنسيين أن يعمدوا إلى «الخيار الصحيح» في الانتخابات المقبلة. وفي الرسالة نفسها، أكد الرئيس الفرنسي أنه باقٍ في منصبه حتى شهر مايو (أيار) عام 2027 أي حتى آخر يوم من ولايته، مهما تكن نتيجة الانتخابات. ولا ينصّ الدستور الفرنسي على استقالة رئيس الجمهورية في حالة خسارته للانتخابات، ما يجعله قيّماً على سياسة فرنسا الخارجية والدفاعية، كما أنه القائد الأعلى للقوات الفرنسية والحامل لرموز القوة النووية.

الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني بمناسبة حضورهما قمة «مجموعة السبع» في إيطاليا (د.ب.أ)

التعاون مع حكومة من لون سياسي مختلف

 

ليس سراً أن وصول اليمين المتطرف إلى السلطة في فرنسا يثير قلق الخارج. وكان المستشار الألماني أولاف شولتس أول من قرع ناقوس الخطر. كذلك، فإن السلطات الأوكرانية تنظر بوجل إلى ما سيخرج من صناديق الاقتراع، وإلى ضعف المعسكر الرئاسي، خصوصاً في ظل وجود مخاوف من عودة الرئيس الأميركي السابق إلى البيت الأبيض، بداية العام المقبل.

إلا أن ماكرون سعى، في اجتماع مجموعة السبع في إيطاليا الأسبوع الماضي، إلى إظهار أنه ممسك بناصية الأمور في بلاده، مؤكداً عزمه على ممارسة صلاحياته كاملة، وفق النصوص الدستورية. وللتدليل على ذلك، فيما خصّ الملف الأوكراني، كرّر ماكرون في المؤتمر الصحافي الذي جمعه بالأمين العام للحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، في قصر الإليزيه، عصر الاثنين، تأييده لأوكرانيا، وقال ما حرفيته: «إن دعمنا لأوكرانيا لا يزال وسيبقى ثابتاً، وسنواصل التعبئة للاستجابة لاحتياجات أوكرانيا الفورية ونقل رسالة تصميمنا القاطع على الوقوف إلى جانب الأوكرانيين على المدى الطويل».

وأشار ماكرون إلى أن بلاده «تتحمل أيضاً مسؤولياتها بالكامل، وتقوم بواجبها، وستواصل القيام بذلك في رومانيا وبولندا ودول البلطيق». كما دعا حلف شمال الأطلسي إلى إرسال «إشارة قوية إلى واشنطن حول تقدم أوكرانيا في عملية التكامل الأورو أطلسية، وباتجاه الحلف، حيث لها مكانها الصحيح نظراً لمساهمتها في توفير الأمن له».

وباختصار، يريد ماكرون أن يلعب دور المحامي عن المصالح الأوكرانية، وأهمها قبول انضمام أوكرانيا إلى النادي الأطلسي. الأمر الذي يعارضه كثير من الدول الأعضاء.

وبخصوص القمة الأطلسية، قال سيباستيان، الاثنين، إن الانتخابات المقبلة «إما أن ترسل رسالة انطواء على الذات (في حال فوز الجبهة الوطنية أو تحالف اليسار) أو رسالة واضحة» حول استمرار فرنسا في سياستها الخارجية والدفاعية الراهنة.

منذ أشهر طويلة، لا سيما مع حلّ البرلمان، تنبش السلطة الفرنسية أوراقاً قديمة لليمين المتطرف، واليسار، خصوصاً الشيوعيين وحزب «فرنسا الأبية»، وتتهمهما بالقرب من روسيا ومن الرئيس بوتين. بيد أن هاتين المجموعتين سعيتا، في بلورة برنامجهما الانتخابي، إلى التخلي عن المواقف المتطرفة.

رئيس جمهورية ليتوانيا جيتاناس وسيدا وملك إسبانيا فيليبي السادس خلال زيارة تفقدية لقاعدة جوية ليتوانية تنطلق منها طائرات إسبانية في إطار مهمات الحلف الأطلسي (الرئاسة الليتوانية)

فجبهة اليسار غيّرت لهجتها إلى حدّ بعيد، ونصّ برنامجها الانتخابي على أن هدفها «العمل على إفشال هجوم فلاديمير بوتين العدواني، وسوقه أمام العدالة الدولية، والدفاع عن السيادة الأوكرانية، وحرية الشعب الأوكراني وسلامة أراضيه من خلال توفير السلاح الضروري...».

كذلك، بالنسبة لـ«التجمع الوطني» حيث يسعى بارديلا إلى موقف متوازن، وأكد يوم 19 يونيو (حزيران) الحالي أنه «لم يتخلّ عن التزامات فرنسا على المسرح العالمي». إلا أنه رئيساً للحكومة المقبلة لديه «خطوط حمراء» لن يقبل بتخطيها.

وفي عرضه لبرنامج حزبه، الاثنين، وصف هذه الخطوط بـ«الواضحة تماماً»، وهي 3 خطوط، أولها رفض إرسال قوات فرنسية إلى الأراضي الأوكرانية، وثانيها رفض إرسال صواريخ بعيدة المدى إلى القوات الأوكرانية، وثالثها رفض استهداف الأراضي الروسية. إلا أنه بالمقابل، عدّ موسكو «تشكل تهديداً متعدد الأبعاد لفرنسا وأوروبا، وتواجه المصالح الفرنسية في أفريقيا والبحر الأسود وما وراء البحار...».

هكذا، تبرز صعوبة المرحلة التي تنتظر فرنسا في الأشهر والسنوات المقبلة. فالضبابية كاملة، ولا أحد يعرف منذ اليوم كيف ستكون الأمور بعد أسبوع من يوليو، إذ نتيجتها الأولى ستكون إضعاف موقف الرئيس ماكرون في الداخل والخارج على السواء، خصوصاً إذا كانت السلطة التنفيذية برأسين، لا يعملان في الوجهة نفسها وفي الوقت نفسه.


مقالات ذات صلة

روسيا تهدد الغرب بـ«مواجهة مباشرة» بسبب المسيّرات الأميركية في البحر الأسود

أوروبا صورة أرشيفية لسفينة الإنزال الروسية «قيصر كونيكوف» التي أعلنت كييف إغراقها (رويترز)

روسيا تهدد الغرب بـ«مواجهة مباشرة» بسبب المسيّرات الأميركية في البحر الأسود

أوكرانيا تهاجم خزانات نفط قريباً من موسكو وروسيا تهدد بـ«مواجهة مباشرة» بسبب المسيّرات الأميركية في البحر الأسود.

أوروبا جنود أوكرانيون يطلقون قذيفة مدفعية من مدفع قيصر فرنسي على الجبهة في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب)

عسكريون أوكرانيون: تحسُّن وتيرة وصول الذخائر لقواتنا

بعد أشهر من النقص الحاد، تتسارع وتيرة عمليات تسليم الغربيين للذخيرة خصوصاً قذائف المدفعية للجبهة في أوكرانيا، حيث تحسنت الإمدادات في الأسابيع الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال (رويترز)

أوكرانيا تحصل على 240 مليار دولار في السنوات الأربع المقبلة من الحلفاء

أعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال اليوم (الجمعة) أن بلاده وقعت 20 اتفاقية أمنية مع حلفائها الدوليين.

«الشرق الأوسط» (كييف )
آسيا الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ف.ب)

الصين: نخطط لإصلاحات «كبرى» قبيل اجتماع سياسي مهم

أعلن الرئيس الصيني شي جينبينغ أن الحزب الشيوعي الحاكم يخطط لتطبيق إصلاحات «كبرى» قبيل اجتماع سياسي مغلق.

«الشرق الأوسط» (بكين)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

روسيا تدرس خفض مستوى العلاقات مع الغرب

أعلن الكرملين، يوم الخميس، أن روسيا تدرس خفض مستوى العلاقات مع الغرب بسبب تورط الولايات المتحدة وحلفائها على نحو أعمق في حرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الاتحاد الأوروبي يرصد زيادة في معدل ترحيل المهاجرين من خارج التكتل

مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي يرصد زيادة في معدل ترحيل المهاجرين من خارج التكتل

مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب صيد بعد عملية إنقاذ قبالة جزيرة كريت اليونانية عام 2022 (رويترز)

أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات التابع للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، الجمعة، أن نسبة متنامية من المهاجرين الذين أُجبروا على مغادرة أراضي الكتلة يجري ترحيلهم إلى دول خارجها في إطار الجهود المبذولة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية.

وتشير بيانات «يوروستات» إلى وصول معدل ترحيل المهاجرين إلى 29.5 في المائة في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بنحو 21.6 في المائة في الفترة نفسها من 2022.

وارتفع خلال الفترة نفسها عدد قرارات الترحيل الصادرة بنحو 15 في المائة في حين زادت عمليات الترحيل وفقاً لتلك القرارات 58 في المائة، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية: «في إطار خريطة طريق الإعادة الجديدة، يجري العمل لدعم الدول الأعضاء في تسريع عمليات الإعادة، وتسهيل إعادة الدمج».

وأضاف: «الاستخدام المتكرر للاعتراف المتبادل بقرارات الإعادة يساعد أيضاً على تسريع العملية»، في إشارة إلى الاتفاقات بين دول الاتحاد الأوروبي والبلدان الأصلية للمهاجرين.

ومنذ 2016، أبرم الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة اتفاقات مع موريتانيا وتونس وتركيا، ومؤخراً مع مصر في إطار سعيه للحد من الهجرة غير الشرعية، وهي خطوة انتقدتها جماعات حقوق الإنسان لتجاهلها القانون الدولي الإنساني.