بوتين وشي يتفقان على تعزيز «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي»

إعلان سياسي يحدد أولويات البلدين في مواجهة التغيرات المتسارعة في العالم

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ يتبادلان الوثائق الثنائية خلال اجتماع في بكين (سبوتنيك)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ يتبادلان الوثائق الثنائية خلال اجتماع في بكين (سبوتنيك)
TT

بوتين وشي يتفقان على تعزيز «الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ يتبادلان الوثائق الثنائية خلال اجتماع في بكين (سبوتنيك)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ يتبادلان الوثائق الثنائية خلال اجتماع في بكين (سبوتنيك)

حدّد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جينبينغ، أولويات تحركهما المشترك خلال المرحلة المقبلة، في إطار مساعي الطرفين لمواجهة استحقاقات «التغيرات المتسارعة» في العالم، وتعزيز الرؤية المشتركة للتعامل مع الملفات الإقليمية والدولية، فضلاً عن ترسيخ التعاون الثنائي وتوسيع مجالاته.

وأسفرت الزيارة الثانية خلال الأشهر الستة الماضية، التي يقوم بها بوتين إلى الصين، عن وضع إطار مشترك للتحرك السياسي، قال مسؤولون روس إنه يوفر قاعدة عملية لتنفيذ اتفاقات الشراكة والتعاون الموقعة بين البلدين.

جانب من المفاوضات الروسية الصينية اليوم في بكين (أ.ب)

وهذه أول زيارة خارجية يقوم بها بوتين بعد توليه مهام ولايته الرئاسية الخامسة، ما عكس درجة اهتمام الكرملين بتنسيق المواقف مع بكين في المرحلة المقبلة. وعقد الرئيسان جولات حوار مستفيضة، تخللتها مشاركة في فعالية خاصة لإحياء الذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

كما التقى بوتين في جلسات حوار منفصلة مع مسؤولين صينيين بارزين، تم التركيز خلالها على «الإطار العملي لتنفيذ اتفاقات التعاون».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ خلال حضورهما حفلاً موسيقياً (أ.ب)

وبعد الشقّ الرسمي من جولات الحوار، أدلى الرئيسان الروسي والصيني بتصريحات عكست تقارب أولويات الطرفين على صعيد السياسة الدولية والملفات الساخنة في العالم. وأكدا أن الصين وروسيا تعملان معاً لتحقيق مزيد من المنافع للبلدين وتقديم المساهمات الواجبة في الأمن والاستقرار العالميين، وأيضاً التزام الصين وروسيا بمبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة، وألا تكون العلاقات الثنائية موجهة ضد دول أخرى.

كما تحدثا عن تمسك الصين وروسيا بقوة بالنظام الدولي المتمركز حول «الأمم المتحدة»، وهو نظام عالمي قائم على القانون الدولي، وأنهما تنسقان مواقفهما بشكل وثيق في منصات متعددة الأطراف، مثل «الأمم المتحدة» و«أبيك» و«مجموعة العشرين».

وقال الرئيسان إنه «في عالم اليوم لا تزال عقلية الحرب الباردة منتشرة، وتشكل الهيمنة الأحادية ومواجهة الكتل والسياسات تهديداً مباشراً للسلام العالمي وأمن جميع البلدان».

وقال شي إن روسيا والصين تعتقدان أن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية هي الطريق الصحيحة، مؤكداً أن موقف الصين من هذا الأمر يبقى ثابتاً دون تغيير. وأشار إلى أن تطابق مواقفه مع بوتين حيال الملف الفلسطيني، مشيراً إلى «الحاجة الملحة لحلّ النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وضرورة حلّ القضية الفلسطينية على أساس صيغة الدولتين مع تنفيذ قرارات (الأمم المتحدة)».

بدوره، أشار بوتين إلى عمق الحوار الروسي الصيني في مجالات السياسة والأمن، وديناميكية التقدم العالية للتبادلات الاقتصادية، وتوسيع الاتصالات الإنسانية والتنسيق الفعال في الساحة الدولية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في الذكرى 75 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (سبوتنيك - أ.ب.أ)

وقال إن البلدين يعملان معاً لإنشاء نظام عالمي عادل يعتمد على القانون الدولي. وأشار إلى ضرورة العمل على إقامة بنية أمنية موثوقة ومناسبة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مؤكداً تطابق وجهات نظر موسكو وبكين على أن إنشاء تحالفات عسكرية سياسية مغلقة في المنطقة أمر ضارّ ويؤدي إلى نتائج عكسية.

وقال إن روسيا والصين تعتزمان مواصلة الجهود من أجل تحقيق التكامل بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة «حزام واحد طريق واحد».

وقال إن التجارة والاستثمار المتبادلين بين روسيا والصين «محميان بشكل موثوق من التأثير السلبي لدول أخرى، وهناك خطط لتعزيز الاتصالات بين المصارف». وشكّل التوقيع على إعلان سياسي مشترك النتيجة الأهم للزيارة، إلى جانب التوقيع على 10 وثائق موجهة لتعميق الشراكة والتعاون في مجالات مختلفة.

وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، للصحافيين إن الإعلان السياسي يقع في وثيقة مفصلة تتضمن أكثر من 30 صفحة، و«تشير إلى الطبيعة الخاصة لعلاقاتنا الثنائية، وتحدد مزيداً من الطرق لتطوير مجموعة العلاقات الثنائية بأكملها، وتؤكد الدور القيادي لروسيا والصين في تشكيل نظام عالمي عادل وديمقراطي».

ونشر الموقع الإلكتروني للكرملين نصّ الوثيقة الموقعة، ووصفها بأنها تهدف إلى «تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي وتدشين حقبة جديدة من التعاون».

ووفقاً للنص المنشور، فقد أشار زعيما الدولتين إلى أن «العلاقات بين روسيا الاتحادية والصين تتعرض لاختبار بسبب التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، ما يدل على قوتها واستقرارها». وأضافا أن «الولايات المتحدة ما زالت تفكر في سياق الحرب الباردة وتسترشد بمنطق المواجهة بين الكتل»، ما يتطلب تعزيز التنسيق والتعاون الثنائي في كل المجالات لمواجهة التحديات الجديدة. في هذا الإطار، فقد حدّدت الوثيقة ملامح تحرك الطرفين لتوسيع التعاون في عدد من المجالات.

وعلى وجه الخصوص، تم التطرق إلى دعم الصين روسيا بصفتها رئيسة مجموعة «بريكس» هذا العام وضرورة إنجاح انعقاد القمة السادسة عشرة للمجموعة وتعزيز آليات عملها.

ووفقاً للوثيقة، ستواصل موسكو وبكين العمل ضمن «مجموعة العشرين» لزيادة تمثيل دول الجنوب العالمي في نظام الإدارة الاقتصادية العالمية. وفي هذا السياق، رحّب البلدان بدخول الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين كمشارك كامل.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ في الذكرى 75 لتأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (سبوتنيك - أ.ب.أ)

وأعرب الطرفان عن استعدادهما لمواجهة التهديدات المختلفة على الإنترنت بشكل مشترك، بما في ذلك تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والدعوة إلى نظام عالمي متعدد الأطراف وشفاف لإدارة الإنترنت، مع ضمان أمن القطاعات الوطنية.

وفي الوقت نفسه، أكدت موسكو وبكين الدور الرائد لـ«الأمم المتحدة» في تطوير القواعد العالمية في مجال أمن المعلومات الدولي. وفي هذا الصدد، أشار زعيما روسيا والصين إلى ضرورة تعزيز التنسيق الثنائي عند النظر في القضايا الرئيسية على منصات المنظمة العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك، ستواصل موسكو وبكين التنسيق الوثيق داخل «منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» (أبيك)، وتعتزمان تعزيز الأساليب المتعلقة ببناء اقتصاد عالمي مفتوح.

وستواصل روسيا والصين تعزيز الدور المتزايد لمجموعة «بريكس» في الشؤون الدولية، وستعملان على تطوير التعاون بشكل ديناميكي في صيغة «بريكس بلس»، وتعزيز تكامل الدول الأعضاء الجديدة.

وتضمنت الوثيقة بنداً يؤكد دعم الصين جهود الاتحاد الروسي لضمان سيادته وسلامة أراضيه، وتعارض التدخل في شؤونه الداخلية. وأكد الطرفان أن «الدولتين مقتنعتان بأنه لا يمكن لأي دولة أن تضمن أمنها على حساب أمن الآخرين».

ونتيجة لذلك، دعت موسكو وبكين في الوثيقة الجهات الفاعلة الأخرى في السياسة الدولية إلى التوقف عن اتباع سياسات المواجهة ومحاولات التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

كما لاحظ الطرفان التأثير السلبي لاستراتيجية «الهند والمحيط الهادئ» الأميركية على العالم الإقليمي، وشددا معارضتهما لإنشاء تحالفات عسكرية ضد دول ثالثة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وفي هذا السياق، أعرب الطرفان عن قلق بشأن العواقب على الاستقرار الاستراتيجي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نتيجة تنفيذ مشروع تحالف «أيكوس».

في الإطار ذاته، أكد الاتحاد الروسي والصين على إدانة نشر الأسلحة الصاروخية الأميركية، ليس في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فقط، ولكن في أوروبا أيضاً، لأن مثل هذه الخطوات المزعزعة للاستقرار تشكل تهديداً مباشراً لأمن روسيا والصين.

وبشكل منفصل، أكد الطرفان على معارضتهما لمحاولات الهيمنة التي تقوم بها الولايات المتحدة لتغيير ميزان القوى في شمال شرقي آسيا، من خلال بناء القوة العسكرية. كما انتقد زعيما روسيا والصين محاولات عدد من الدول استخدام الفضاء الخارجي لأغراض المواجهة المسلحة.

وفي سياق جدول الأعمال الثنائي، أكدت الوثيقة أن الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية سوف يواصلان شراكتهما في مجال الفضاء، ولا سيما تطوير المحطة القمرية العلمية الدولية، ومشاريع استكشاف القمر.

واتفقت روسيا والصين على العمل، بالتعاون مع شركائهما في منظمة شانغهاي للتعاون، على تعزيز إمكانات التعاون في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات الإنسانية.

ونصّت الوثيقة على أن الطرفين يعتزمان تعميق التعاون في الحرب ضد الإرهاب الدولي والتطرف، ومواصلة الالتزام بهدف بناء عالم خالٍ من استخدام الأسلحة الكيماوية.


مقالات ذات صلة

كييف تقول إن موسكو تستعد لشن هجوم في جنوب أوكرانيا

أوروبا أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)

كييف تقول إن موسكو تستعد لشن هجوم في جنوب أوكرانيا

عززت روسيا قواتها العسكرية وكثفت قصفها تمهيدا لتنفيذ هجوم في الجبهة الجنوبية حيث لم تتغير مواقعها إلى حد كبير خلال الأشهر الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

المخاوف الغربية من خطط ترمب القادمة بالنسبة لأوكرانيا والحلف الأطلسي تهيمن على الاتصالات الراهنة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا دبابة روسية مُدمَّرة على جانب طريق بمنطقة كورسك (أ.ب)

بوتين يسعى إلى استعادة كورسك قبل تنصيب ترمب

تشير تعيينات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، التي لم تؤكد كلها بعدُ، إلى أن ملف الحرب في أوكرانيا قد لا يكون بهذه السوداوية المتوقعة.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا يفرض القانون على الأفراد الذين يشاركون في الترويج لأسلوب حياة من دون أبناء غرامة قدرها 4250 دولاراً (إ.ب.أ)

النواب الروس أقرّوا قانوناً يحظر الترويج لحياة من دون أبناء

أقرّ النواب الروس اليوم (الثلاثاء) قانوناً يحظر الترويج لأسلوب حياة من دون أبناء، على خلفية الأزمة الديموغرافية في روسيا التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد خط أنابيب غاز في محطة استيراد الغاز الجديدة النرويجية (رويترز)

الحكومة النرويجية للاستحواذ على شبكة تصدير الغاز مقابل 1.6 مليار دولار

قالت وزارة الطاقة النرويجية إن النرويج توصلت إلى اتفاق مع 7 مُلّاك من القطاع الخاص لاستحواذ الحكومة على جزء كبير من شبكة خطوط أنابيب الغاز الواسعة بالبلاد.

«الشرق الأوسط» (أوسلو)

كييف تقول إن موسكو تستعد لشن هجوم في جنوب أوكرانيا

أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)
أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)
TT

كييف تقول إن موسكو تستعد لشن هجوم في جنوب أوكرانيا

أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)
أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)

عززت روسيا قواتها العسكرية وكثفت قصفها تمهيدا لتنفيذ هجوم في الجبهة الجنوبية، حيث لم تتغير مواقعها إلى حد كبير خلال الأشهر الأخيرة، وفق ما أكد متحدث باسم الجيش الأوكراني اليوم الثلاثاء.

وحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، يمثل الهجوم الروسي في منطقة زابوريجيا الجنوبية تحديا للجيش الأوكراني الذي يواجه صعوبة بالفعل على الجبهة الشرقية، ولا يزال منخرطا في عملية هجومية في منطقة كورسك الروسية، على الحدود الشمالية.

وقال المتحدث باسم الجيش الأوكراني، فلاديسلاف فولوشين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «الروس يستعدون منذ فترة، منذ عدة أسابيع، لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات، لا سيما باتجاه زابوريجيا».

وأوضح أن الجيش الروسي يعزز قواته، خاصة في مناطق فريميفكا وغوليابول وروبوتيني.

وأضاف: «كل يوم يقوم باستطلاع جوي وفني هناك، ويتزود بالذخيرة. منذ عدة أسابيع، يستعد العدو لاستخدام المدرعات».

وامتنع فولوشين عن تحديد عدد الجنود الروس المحتشدين في هذا القطاع من الجبهة، لكنه أشار إلى أن مجموعات صغيرة تشن بالفعل هجمات كل يوم.

وأكد أن القوات الأوكرانية عززت خطوط دفاعها وهي مستعدة لصد هجوم واسع النطاق.

في الصيف الماضي، شنت القوات الأوكرانية هجوما واسع النطاق لاستعادة منطقتي زابوريجيا وخيرسون في جنوب البلاد، لكنها فشلت في إحراز تقدم ملموس.

وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن موسكو حشدت 50 ألف جندي، بينهم كوريون شماليون، في محاولة لدحر القوات الأوكرانية التي تسيطر منذ نحو ثلاثة أشهر على جزء من منطقة كورسك الحدودية الروسية.