تصاعدت لهجة التحذيرات الروسية من انزلاق الوضع نحو مواجهة نووية واتساع رقعة الصراع حول أوكرانيا. ورد الكرملين بقوة على إعلان وارسو استعدادها لنشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها، وتوعد باتخاذ تدابير جوابية فورية، فيما حملت تصريحات أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نبرة متشائمة، حول ما وصفه بـ«مخاطر استراتيجية جدية على صعيد اتساع الخطر النووي».
وحمّل لافروف الغرب المسؤولية عن تصاعد التوتر النووي في العالم، وقال إن العالم «يتأرجح بشكل خطير على شفا صراع عسكري مباشر بين القوى النووية» الكبرى، محذرا من تطور «محفوف بعواقب كارثية». وأضاف لافروف في رسالة وجّهها عبر تقنية الفيديو كونفرنس إلى المشاركين في مؤتمر موسكو لمنع انتشار الأسلحة النووية: «اليوم، لا تزال الولايات المتحدة ودول الناتو التابعة لها، مهووسة بفكرة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا، ومستعدة لمواصلة محاولات احتواء بلادنا والتضحية لهذا الهدف بآخر أوكراني (...) هذه الدول تتأرجح بشكل خطير على شفا صدام عسكري مباشر بين القوى النووية، وهو أمر محفوف بعواقب كارثية».
«مخاطر استراتيجية جدية»
وزاد الوزير الروسي أن «أكثر ما يثير القلق هو أن الثلاثي النووي بالذات في الغرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) يغالي في دعم نظام كييف الإجرامي، ويعد المبادر الرئيسي لمختلف الخطوات الاستفزازية. نحن نرى في ذلك مخاطر استراتيجية جدية، تؤدي إلى زيادة مستوى الخطر النووي». وقال لافروف أيضاً إن «الغرب الجماعي» بقيادة الولايات المتحدة، يروج لما وصفها بـ«مخططات الغش العلنية» التي أوضح أنها تهدف لـ«تحقيق التفوق من خلال فرض قيود جديدة على الترسانات النووية للخصوم».
ورأى الوزير الروسي أنه «في الظروف الراهنة وفي سياق حرب عالمية شاملة ضد روسيا، لا توجد أي أسس للحوار مع الولايات المتحدة بشأن الاستقرار الاستراتيجي».
وعلى الرغم من ذلك، قال لافروف إن روسيا مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات لـ«مناقشة التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عندما تفعل الولايات المتحدة نفس الشيء».
وذكّر الوزير بأن الكونغرس الأميركي رفض في عام 1999 التصديق على هذه المعاهدة «تحت ذرائع واهية»، مؤكداً أن قرار روسيا سحب التصديق على المعاهدة كان ردا منطقيا على «الأعمال التدميرية التي قامت بها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى».
ورفض لافروف مجدداً الاتهامات الأميركية لبلاده بشأن نشر أسلحة نووية روسية في الفضاء ورأى أنها «سخيفة»، وشدد على أن روسيا تؤيد الحفاظ على السلام في الفضاء. وقال الوزير الروسي إن «درجة سخافة الأكاذيب المناهضة لروسيا من جانب واشنطن تجاوزت كل الحدود. الأمر وصل إلى حد توجيه اتهامات لا أساس لها بوجود نوع من النشاط في الفضاء يهدد الأمن الدولي، ويرتبط بنشر أسلحة نووية هناك».
ووفقا له، فإن «مثل هذه الافتراءات لا علاقة لها بالواقع (...) لأن روسيا ملتزمة التزاما راسخا بتعهداتها القانونية الدولية، بما في ذلك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وتدعو باستمرار إلى الحفاظ على الفضاء الخارجي باعتباره فضاء للأنشطة السلمية الحصرية لجميع الدول على أساس متساو».
واللافت أن حديث لافروف جاء متزامنا مع تصاعد حدة السجالات حول الأمن النووي بين روسيا والغرب، ومباشرة بعد إعلان بولندا استعدادها لنشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها.
«مفاوضات بولندية - أميركية»
وكان الرئيس البولندي أندريه دودا أكد التوّجه نحو هذا المسار، وأعلن أنه «إذا قرر حلفاؤنا نشر أسلحة نووية على أراضينا لتعزيز أمن الجناح الشرقي لحلف الناتو، فنحن مستعدون لذلك. نحن عضو في حلف شمال الأطلسي، ولدينا أيضا التزامات في هذا الصدد، ما يعني أننا ببساطة ننفذ سياسة مشتركة». وفقا له، فإن هذه القضية «كانت على جدول أعمال المفاوضات البولندية - الأميركية مؤخرا».
وأشار دودا إلى أن روسيا تعزز القدرات العسكرية في منطقة كالينينغراد بشكل متسارع، مضيفا أن «موسكو نقلت مؤخرا أسلحتها النووية إلى بيلاروسيا».
وجاء رد فعل الكرملين سريعا على هذه التصريحات، إذ قال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف إن الجيش الروسي «سوف يتخذ إجراءات أمنية فورية في حالة نشر أسلحة نووية في بولندا». ونقلت وكالة أنباء «إنترفاكس» الروسية عن بيسكوف قوله إن «الجيش سوف يقوم بالطبع بتحليل الوضع إذا تم تنفيذ مثل هذه الخطط، وعلى أي حال سيفعل كل ما هو ضروري، وجميع الخطوات الجوابية اللازمة لضمان سلامة أراضينا وأمنها». وتابع قائلاً: «إذا قرر حلفاؤنا نشر أسلحة نووية كجزء من الاستخدام المشترك للأسلحة النووية على أراضينا، من أجل تعزيز أمن الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، فنحن مستعدون لذلك». وقال دودا: «نحن حليف في حلف شمال الأطلسي وعلينا التزامات في هذا المجال، أي إننا ببساطة نتبع سياسة مشتركة».
وكانت السجالات حول نشر الأسلحة النووية في بولندا بدأت منذ سنوات عدّة، وتحدثت وزارة الدفاع البولندية عن خطط للانضمام إلى برنامج المشاركة النووية التابع لحلف شمال الأطلسي في عام 2015. وفي خريف عام 2022، قال نائب رئيس الخدمة الصحافية بوزارة الخارجية آنذاك، فيدانت باتيل، إن الولايات المتحدة لا تنوي نشر أسلحة نووية في الدول التي انضمت إلى «الناتو» بعد عام 1997، بما في ذلك بولندا (التي انضمت إلى الكتلة عام 1999).
واحتدم النقاش مجدداً بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قرار نشر الأسلحة النووية في بيلاروسيا الربيع الماضي. وأعربت بولندا عن استعدادها للمشاركة بشكل أكبر في الردع النووي ورغبتها في الانضمام إلى البرنامج النووي.
بدوره، رأى نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري ميدفيديف، أن التصريحات البولندية تعد مؤشرا على تطور خطر للغاية، وقال إن «طلب نشر الأسلحة النووية في بولندا يهدد عمليا بأمر أساسي، هو أن هذه الأسلحة سوف تستخدم بالفعل».