فرنسا ترفع التأهب الأمني لأعلى درجاته ومخاوف من استهداف الألعاب الأولمبية

مصادر القلق داخلية وخارجية ومسؤولة أمنية تردها للوضع الجيوسياسي المتوتر عالمياً

الرئيس إيمانويل ماكرون يحضر مراسم تكريمه لدى وصوله الاثنين إلى غويانا «منطقة تابعة لفرنسا ما وراء البحار» (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يحضر مراسم تكريمه لدى وصوله الاثنين إلى غويانا «منطقة تابعة لفرنسا ما وراء البحار» (أ.ف.ب)
TT

فرنسا ترفع التأهب الأمني لأعلى درجاته ومخاوف من استهداف الألعاب الأولمبية

الرئيس إيمانويل ماكرون يحضر مراسم تكريمه لدى وصوله الاثنين إلى غويانا «منطقة تابعة لفرنسا ما وراء البحار» (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون يحضر مراسم تكريمه لدى وصوله الاثنين إلى غويانا «منطقة تابعة لفرنسا ما وراء البحار» (أ.ف.ب)

في 5 مارس (آذار) الحالي، دعت سيلين بيرتون، مسؤولة الأمن الداخلي، بمناسبة جلسة استماع أمام لجنة القوانين في مجلس الشيوخ الفرنسي، إلى «عدم تناسي عودة التهديد الأمني (إلى الأراضي الفرنسية) بالنظر لما هو جارٍ على المسرح الخارجي، خصوصاً في إطار جيوسياسي متوتر، وبسبب تنظيمات إرهابية تستهدف الغرب».

وأضافت المسؤولة الأمنية الفرنسية: «ليس لدينا أي شك أن هذه التنظيمات الإرهابية سوف تسعى للاستفادة من إقامة الألعاب الأولمبية في فرنسا (نهاية يوليو (تموز) ــ بداية أغسطس (آب) لتضرب».

وجاءت العملية الإرهابية الضخمة التي تبناها تنظيم «داعش خراسان» والتي استهدفت حفلاً موسيقياً، مساء الجمعة، في ضاحية قريبة من موسكو، لتضاعف المخاوف الفرنسية الموجودة أصلاً. والقلق الفرنسي تمثل في دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون، الأحد، لاجتماع مجلس الدفاع والأمن في قصر الإليزيه بحضور كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين. وقد أُتبع في اليوم التالي باجتماع في رئاسة الحكومة. وأفاد قصر ماتينيون (مقر رئاسة الحكومة) بأن رئيسها، غبريال أتال طلب من أمين عام مجلس الدفاع والأمن الوطني الدعوة سريعاً إلى اجتماع طارئ يضم كل الأجهزة الأمنية المعنية برفع الاستعداد الأمني إلى أعلى درجاته. والغرض من الاجتماع الجديد تحديد الإجراءات والتدابير المفترض اتخاذها على ضوء التهديدات الأمنية.

عقب اجتماع الإليزيه، أعلن أتال على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) أنه «نظراً لإعلان تنظيم (داعش) مسؤوليته عن الهجوم (في موسكو)، والتهديدات التي تلوح ضد بلادنا، فقد قررنا رفع وضع التعزيز الأمني إلى أعلى مستوى: حالة الطوارئ»، وتسمى إدارياً «هجوماً إرهابياً طارئاً»، وهو المستوى الأعلى درجة لتعزيز الأمن. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أوساط رئاسة الحكومة تبريراً لرفع حالة الطوارئ بتأكيدها أن «داعش» «يهدد فرنسا كما أنه منخرط في مخططات إرهابية حديثة جرى تعطيلها في كثير من الدول الأوروبية منها ألمانيا وفرنسا...).

رئيس الحكومة غبريال أتال السبت في جولة انتخابية لدعم لائحة حزب «النهضة» الداعم للعهد الحالي (أ.ف.ب)

مصادر أمنية: التهديد الإرهابي لم يغب يوماً عن فرنسا

تقول المصادر الأمنية إن التهديد الإرهابي لم يغب يوماً عن فرنسا. وفي كل مناسبة يذكّر جيرالد درامانان، وزير الداخلية بوجوده، ويدعو إلى الحيطة والحذر. وليست تلك المرة الأولى التي ترفع فيها السلطات التأهب الأمني إلى أعلى درجاته بعد أن عمدت الحكومة إلى إنزاله للمستوى الثاني بداية عام 2024.

وبعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا في عاميْ 2015 و2016، عمدت الحكومة وقتها إلى إقرار هذا المستوى الذي دخل حيز التنفيذ في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016. ويتألف الإنذار الإرهابي في فرنسا من 3 مستويات، ويمكن رفع مستوى التأهب إلى الحد الأقصى بشكل مباشر بعد وقوع هجوم، أو عندما تنشط جماعة إرهابية محددة وغير محلية.

رجال أمن فرنسيون يفتشون يوم 20 مارس سيارة في مدينة مرسيليا في إطار حملة جديدة لمكافحة المخدرات (أ.ف.ب)

ويجري فرض أعلى مستوى للتأهب فترة زمنية محدودة أثناء إدارة الأزمات، وأهم ما فيه أنه يسمح بتعبئة الموارد الأمنية بشكل استثنائي بما في ذلك الاستعانة بوحدات من الجيش، كما يتيح نشر المعلومات التي يمكن أن تحمي المواطنين في حالة الأزمات. ومن الناحية العملية، فإنه يمكِّن القوى الأمنية من تفتيش الأفراد والسيارات على مداخل الإدارات العامة والمدارس، وفرض حماية مشددة لأماكن العبادة... وفُرضت أقصى درجات التأهب نهاية عام 2018 عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف السوق والأنشطة التي تقام في مدينة ستراسبوغ (شرق) بمناسبة عيد الميلاد، وقد ارتكبه شريف شوكت، وتبناه تنظيم «داعش». ومنذ 29 فبراير (شباط) الماضي وحتى 5 أبريل (نيسان)، يمثل 4 متهمين بالمشاركة في هذا العمل الإرهابي أمام المحكمة. ومجدداً، أُعلنت حالة التأهب القصوى عقب الهجوم الذي استهدف كنيسة نوتردام في مدينة نيس الساحلية المتوسطية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020.

وأُعلنت هذه الحالة، مرة أخرى، في أكتوبر من العام الماضي بعد اغتيال أستاذ الآداب دومينيك برنارد، في مدينة أراس (شمال) على يدي تلميذه السابق واسمه محمد موغوشكوف. وكشفت مصادر أمنية أن «داعش ــ خراسان» كان على صلة بالخطة الإرهابية التي كانت تستهدف مجدداً ستراسبورغ نهاية العام الماضي، والتي جرى اكتشافها وتعطيلها. ودعت وزارة الداخلية المسؤولين الأمنيين في كل المحافظات إلى السعي الجاد لتحديد الأشخاص الذين قد يكونون مصدر تهديد أمني في أسرع وقت.

وفُهم أن التركيز سيجري على الأشخاص المنحدرين من مناطق القوقاز الروسية مثل الشيشان وأنغوشيا أو الجمهوريات السوفياتية السابقة التي كان ينتمي إليها عدد من الأشخاص الذين ارتكبوا 3 أعمال إرهابية على الأراضي الفرنسية؛ منها اغتيال المدرس صامويل باتي وقطع رأسه، وقتل أستاذ الآداب دومينيك برنارد.

استهداف الألعاب الأولمبية

بعد 4 أشهر، ستستضيف باريس ومدن فرنسية رئيسية عدة الألعاب الأولمبية التي يُتوقع أن تستقطب ملايين عدة من الزوار في فترة زمنية قصيرة (26 يوليو - 11 أغسطس). والتخوف الفرنسي الأكبر يكمن في استهداف الحفل الافتتاحي للألعاب الذي سيحصل، على عدة كيلومترات، بمحاذاة نهر السين، وبحضور عشرات رؤساء الدول والحكومات عبر العالم. من هنا، فإن نجاح الإرهابيين في استهداف قاعة مدينة كروكوس في شمال غربي موسكو رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي تنفذها السلطات الأمنية الروسية، من شأنه إثارة قلق المسؤولين الفرنسيين، خصوصاً أن فرنسا عانت من هجمات إرهابية قام بها أفراد تعود أصولهم إلى مناطق روسية أو جمهوريات سوفياتية سابقة. وتجدر الإشارة إلى أن أنشطة (داعش خراسان) لا تنحصر في هذه الولاية، بل امتدت إلى أفغانستان وباكستان وطاجيكستان والهند وحتى بنغلاديش وسريلانكا ومالديف.

ثمة أمور عدة تثير قلق السلطات الفرنسية، ومنها ما أشار إليه المحامي والباحث تيبو دو مونبريال، «مركز بحوث الأمن الداخلي» بقوله إنه «إذا كان (داعش) قادراً على ضرب أهداف في موسكو، فهذا يعني أن قدراته لتنفيذ عمليات خارجية ارتقت إلى مستوى يثير مخاوف كبرى». ووفق سيلين بيرتون، المذكورة سابقاً، فإن التهديدات الأمنية بلغت «أعلى مستوى منذ عام»، وأنها «تتخذ أشكالاً عدة» أولها عمليات يقوم بها أشخاص «يأتون من الخارج»، أو يتحركون بتعليمات من تنظيمات إرهابية خارجية على رأسها (داعش خراسان). وأشارت المسؤولة الأمنية إلى توقيف أشخاص عدة من آسيا الوسطى ومن طاجيكستان تحديداً في فرنسا أو دول أوروبية أخرى».

ففي شرق ألمانيا، قُبض على شخصين من أصل أفغاني ومن مبايعي «داعش خراسان»، قبل 3 أيام فقط من الهجوم في موسكو، كانوا يخططون لعمل يستهدف استوكهولم، عاصمة السويد التي جرت فيها عمليات عدة لإحراق المصحف الشريف.

وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان المسؤول الأول عن الأمن الداخلي ووراءه وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو بعد اجتماع بقصر الإليزيه في 20 مارس (أ.ف.ب)

ولا تستبعد المصادر الفرنسية تحريك متطرفين انطلاقاً من «داعش سوريا» الذي رغم ضعفه ما زال قادراً على تجنيد عملاء وتحريكهم. ونقلت صحيفة «لو فيغارو» في عددها ليوم الاثنين عن سيلين بيرتون تخوفها من إرهابيين فرنكوفونيين، خرجوا من سوريا إلى تركيا وبلدان المغرب وهم قادرون على التواصل مع أشخاص على الأراضي الفرنسية. وأخيراً، فإن المسؤولة الأمنية تحذر من «الدينامية الإسلاموية» المتطرفة التي تحرك أشخاصاً من الشبان ينشطون محلياً، وربما يكونون مصدراً للتهديدات الإرهابية، مشيرة إلى توقيف قاصر يبلغ 14 عاماً كان يخطط لهجوم في مدينة ليل (شمال). وسبق لفرنسا أن عانت من الإرهاب الداخلي أو ما يسمى «الذئاب المتوحدة» التي تتحرك وفق آيديولوجيا إسلاموية متطرفة وعنيفة ومن غير تواصل مع جهات خارجية. وأخيراً، تحذر المسؤولة الأمنية ممن تسميهم «العائدين» من ميادين القتال سواء أكان في سوريا أو العراق، ومن «الجهاديين» في السجون الفرنسية البالغ عددهم نحو 700 شخص، ومنهم من سيخرجون تباعاً بعد انتهاء أحكامهم.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

TT

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

وقال زيلينسكي، في مقطع مصوَّر نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي، إن «وزير الدفاع الأوكراني قام بالتواصل مع شركائنا من أجل (الحصول على) أنظمة جديدة للدفاع الجوي، وتحديداً نوع من الأنظمة يمكنه أن يحمي الأرواح في مواجهة أخطار جديدة».

كذلك، عَدَّ الرئيس الأوكراني أن روسيا تسخر من دعوات حليفها الصيني إلى ضبط النفس، حين تطلق صاروخاً من الجيل الجديد على أوكرانيا.

وقال، في المقطع نفسه: «من جانب روسيا، هذا الأمر يشكل سخرية من مواقف دول مثل الصين (...) وبعض القادة الذين يدعون، في كل مرة، إلى ضبط النفس»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك»، ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية، وذلك بعد استخدامه لضرب أوكرانيا.

وقال بوتين، خلال اجتماع مع مسؤولين عسكريين بثَّ التلفزيون وقائعه: «سنواصل هذه الاختبارات، وخصوصاً في الأوضاع القتالية، وفقاً لتطور الوضع وطبيعة التهديدات التي تستهدف أمن روسيا».