ماكرون: مستعدون لكل الاحتمالات في أوكرانيا

الرئيس الفرنسي قال إن حلفاء كييف هدفهم منع بوتين من الانتصار في الحرب

صورة مركبة لقادة «مثلث فيمار» الذين يعقدون قمة في برلين الجمعة لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا (أ.ف.ب)
صورة مركبة لقادة «مثلث فيمار» الذين يعقدون قمة في برلين الجمعة لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

ماكرون: مستعدون لكل الاحتمالات في أوكرانيا

صورة مركبة لقادة «مثلث فيمار» الذين يعقدون قمة في برلين الجمعة لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا (أ.ف.ب)
صورة مركبة لقادة «مثلث فيمار» الذين يعقدون قمة في برلين الجمعة لتعزيز الدعم العسكري لأوكرانيا (أ.ف.ب)

استبق الرئيس الفرنسي قمة «مثلث فيمار» التي ستلتئم، الجمعة، في برلين بمشاركة قادة أطرافها الثلاثة (ألمانيا وبولندا وفرنسا)، والمخصصة لتعزيز الدعم لأوكرانيا في حربها مع روسيا التي تدخل، الأسبوع المقبل، عامها الثالث، بتكثيف الضغوط على شريكيه المستشار الألماني أولاف شولتس، ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، وعلى الاتحاد الأوروبي بشكل عام.

الرئيس الفرنسي خلال الحديث التلفزيوني المطول من قصر الإليزيه ليل الخميس ــ الجمعة (أ.ف.ب)

وفي مقابلة تلفزيونية مطولة، ليل الخميس ــ الجمعة، دافع إيمانويل ماكرون عن مواقفه السابقة التي أثارت جدلاً داخل فرنسا وخارجها والمتمثلة في عدم استبعاد إرسال قوات فرنسية وأوروبية إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات من غالبية الأحزاب الفرنسية خصوصاً من شركاء باريس الأميركيين والأوروبيين.

الرئيس الفرنسي مستقبلاً رئيس وزراء بولندا في قصر الإليزيه في 12 فبراير الماضي (رويترز)

وجاء أقوى رد من شولتس الذي أكد أن توافق الغربيين منذ بدء الحرب الأوكرانية على الامتناع عن نشر قوى على الأراضي الأوكرانية، والابتعاد عن عَدِّهِمْ شركاء في الحرب كان معمولاً به منذ عامين، وما زال قائماً. وتحدث ماكرون للقناتين الرئيسيتين في فرنسا (الأولى والثاني) عارضاً حججه، وساعياً لإقناع مواطنيه والآخرين بصواب مواقفه.

منع انتصار روسيا أو إلحاق الهزيمة بها؟

بداية، حدد ماكرون الهدف المشترك الذي يتعين على الجميع الالتزام به، وهو أنه «لا يتعين السماح لروسيا بأن تربح الحرب» القائمة حالياً، والطريق إلى ذلك تكمن في «جعل كل الخيارات مطروحة» بما فيها إرسال القوات إلى الأراضي الأوكرانية. وسارع ماكرون إلى التحذير من أنه «لو قررنا أن نكون ضعفاء بمواجهة شخص (الرئيس الروسي بوتين) لا حدود لما يمكن أن يقوم به، والذي نقض (في السابق) كل وعوده، ولو قلنا له بسذاجة إننا لن نذهب إلى هذا أو ذاك الخيار، فعندها لا نكون قد اخترنا السلام بل الهزيمة».

زيلينسكي يطالب برلين بأن تزوده بصواريخ «توروس» باستمرار (أ.ب)

من هنا، وفق مقاربته، لا يجب استبعاد أي خيار؛ لأن ذلك سيوفر خدمة لبوتين، وقال ما حرفيته: «بما أن روسيا لا تضع أي قيود على حربها العدوانية ضد أوكرانيا، فإن الغرب ليس مضطراً إلى فرض أي قيود على دعمه لأوكرانيا مسبقاً». بيد أن قراراً من هذا النوع يفترض التحلي «بالعزم والإرادة والشجاعة والتأكيد أننا مستعدون لاستخدام الوسائل الضرورية لتحقيق هدفنا المتمثل في ضمان عدم انتصار روسيا في الحرب».

بيد أن ماكرون، الليلة الماضية، رغم تشدده، لم يستخدم المفردات والعبارات التي استخدمها في براغ في حديثه عن مصير الحرب؛ إذ إنه عاد لتعبير «منع انتصار» روسيا، بينما قال في العاصمة التشيكية إنه «يتعين إلحاق الهزيمة» بها وليس فقط منعها من تحقيق الانتصار. وثمة فروق مهمة بين التعبيرين.

أمن فرنسا وأوروبا مرتبط بمصير الحرب في أوكرانيا

ينطلق ماكرون الذي، كما يبدو، يريد أن يفرض نفسه، على الأقل أوروبياً، وفي ظل الغياب الأميركي الحالي بسبب حملة الانتخابات الرئاسية، «زعيماً» للتيار المتشدد الداعي لمقارعة بوتين بعد أن كان الأكثر «تفهماً» له، من الوضع الميداني ومن المخاطر المترتبة على هزيمة أوكرانيا. فمن جهة، وفق ما شرحه، أخفق الهجوم الأوكراني المضاد، الصيف الماضي، ومن جهة ثانية، تفتقر القوات الأوكرانية للذخائر والصواريخ والعنصر الإنساني ما يجعل الوضع الميداني اليوم «بالغ الصعوبة»؛ لذا يتعين أن يكون العام الحالي «عام الاستنهاض» الذي يفترض به أن يغير المعطيات الميدانية.

مظاهرة أوكرانية أمام بوابة براندنبورغ في برلين (أ.ف.ب)

يتوقف ماكرون طويلاً عند النتائج المترتبة على انتصار روسي في الحرب التي يعدها «وجودية بالنسبة لأوروبا ولفرنسا». ذلك أن انتصاراً كهذا «سيعني أن أوروبا فقدت أمنها، وأن حياة الفرنسيين سوف تتغير». ثم تساءل: «من يعتقد للحظة واحدة أن الرئيس الروسي الذي لا حدود لما يمكن أن يقوم به، سوف يتوقف (عند أوكرانيا)؟». ولكي يفهم الفرنسيون خطورة الوضع، ذكرهم بأن المسافة بين مدينة ستراسبورغ الفرنسية ومدينة لفيف الواقعة غرب أوكرانيا لا تزيد على 1500 كلم، وأن الحرب واقعة على التراب الأوروبي وليس في أصقاع بعيدة. وإذ كرر أن فرنسا متمسكة بأن تكون «قوة من أجل السلام»، حمَّل بوتين سلفاً أية مسؤولية في تصعيد الوضع مؤكداً أن بلاده «تتحضر» للسيناريوهات المقبلة.

وخلاصته أن «مصير أمن أوروبا وأمن الفرنسيين سيقرره مصير الحرب» الأوكرانية. ولتلافي نتائج كارثية كهذه، فإن ماكرون يجزم بالقول إن الغربيين «سيقومون بكل ما هو ضروري لتحقيق هذا الهدف»؛ أي منع بوتين من تحقيق الانتصار. وقال ماكرون: «يتعين إيقاف بوتين في أوكرانيا، وإن خيار السلام لا يعني قبول الهزيمة، بل يعني رفض سقوط أوكرانيا؛ ولذلك يتعين أن نكون أقوياء، ونتمتع بالصدقية وأن نكون جاهزين للتكيف مع ما ستختاره روسيا، وإذا تمددت الحرب باتجاه أوروبا (أي إلى ما بعد أوكرانيا)، فهذا سيكون من مسؤولية روسيا وحدها».

ماكرون: لسنا في حالة حرب مع روسيا

ورغم ذلك كله، فإن الرئيس الفرنسي حرص على التأكيد أن الغربيين «ليسوا في حالة حرب مع روسيا»، وأنهم «ليسوا الجهة التي تصعد الحرب». بيد أن موسكو تتهمهم بأنهم «شركاء» فيها، وتنبههم من الذهاب إلى العمل بمخططات ماكرون التي عدُّوها «خطاً أحمر»، لا بل إن الرئيس الروسي السابق ميدفيديف حذرهم من اللجوء إلى السلاح النووي.

المستشار الألماني مرحّباً بالرئيس الفرنسي في برلين الجمعة: هل قلب الطرفان صفحة الخلافات حول مسار الحرب في أوكرانيا؟ (د.ب.أ)

ثمة غائب أساسي في شروح ماكرون عندما ينبه من أن مخططات روسيا تتجاوز أوكرانيا، وهو أنه لم يشر مرة واحدة إلى دور الحلف الأطلسي في الدفاع عن أوروبا. فإذا كانت طموحات بوتين تتجه إلى الغرب، فإن البلد الوحيد الذي قد يكون مهدداً فعلا هو مولدوفا التي لا تنتمي إلى الحلف الأطلسي بينما بقية الدول الأوروبية القريبة من روسيا (رومانيا، بولندا، دول بحر البلطيق} كلها أعضاء في الحلف الأطلسي، وكلها تستفيد من البند الخامس من شرعية الحلف الذي يوفر لها مظلة الحماية بما فيها المظلة النووية.

وعندما سئل ماكرون عما إذا كان بوتين «عدواً» لفرنسا، رفض التسمية، واستخدم مكانها كلمة «خصم». وعندما أكد أن نهاية الحرب يجب أن تكون من خلال انسحاب القوات الروسية، واستعادة الأوكرانيين أراضيهم المحتلة، سئل عما إذا كان ذلك يتضمن أيضا استعادة شبه جزيرة القرم. لكن الرئيس الفرنسي تجنب الإجابة المباشرة، مؤكدًا أنه «سيعود للأوكرانيين أن يقرروا لأنهم هم من سيفاوض» بشأن مستقبل بلادهم.

حرص الرئيس الفرنسي، في حديثه، على عدم كشف أوراقه متبنياً مبدأ «الغموض الاستراتيجي»، ومكتفياً بتأكيد أن «كل الخيارات مفتوحة». لكن ما تتعين متابعته هو مدى تجاوب الأوروبيين مع طروحاته التي عبروا عن رفضهم لها قبل 3 أسابيع. من هنا، فإن ما سيصدر عن قمة «مثلث فيمار» سيكون بالغ الأهمية خصوصاً أنه يضم ألمانيا، الداعم الأكبر بالسلاح لأوكرانيا، ولكن غير الراغب في الانخراط المباشر في النزاع.


مقالات ذات صلة

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (رويترز)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصواريخ «عابرة للقارات للمرة الأولى»

اتّهمت أوكرانيا، الخميس، روسيا بإطلاق صاروخ عابر للقارات على أراضيها على الرغم من عدم وجود رأس نووية.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سوتشي بروسيا 18 مايو 2018 (رويترز)

ميركل تكشف في مذكراتها سبب رفضها دعم عضوية أوكرانيا لـ«الناتو»

بعد ثلاثة أعوام على تقاعدها عادت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى الأضواء بكتاب مذكرات عن حياتها تحدثت فيه عن أوكرانيا وعلاقتها ببوتين وترمب

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا جانب من إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من طراز «هواسونغ 18» في 18 ديسمبر 2023 (رويترز)

صواريخ «أتاكمز» التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

ديفيز يعدّ أن الصواريخ بعيدة المدى التي تمنحها الولايات المتحدة لأوكرانيا لن تغير في الأمر شيئاً، فهذه الصواريخ لا تستطيع وحدها تغيير ديناميكية المعركة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا رجال إطفاء أوكرانيون يعملون في مكان ما بعد هجوم جوي في دنيبرو وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

إطلاق صافرات الإنذار في أنحاء أوكرانيا تحسباً لوقوع هجمات جوية وصاروخية

دوت صافرات الإنذار من إمكانية وقوع هجمات جوية وصاروخية في جميع أنحاء أوكرانيا في الساعات الأولى من صباح الخميس.

«الشرق الأوسط» (كييف)

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب)

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب، ألقاه بصورة مفاجئة مساء الخميس، من أن النزاع في أوكرانيا اكتسب «عناصر ذات طابع عالمي».

وحذّر من أن بلاده يمكن أن تستخدم صواريخها الجديدة ضد الدول التي تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها على روسيا.

وعدَّ بوتين أن الضربات الصاروخية التي نفّذتها أوكرانيا في الأيام الأخيرة ضد الأراضي الروسية باستخدام أسلحة غربية باءت بالفشل. وقال: «لقد صدّت أنظمتنا الدفاعية الجوية هذه الهجمات. فالأهداف التي حددها العدو بوضوح لم تتح».

وأعلن بوتين أن قواته قصفت أوكرانيا بصاروخ بالستي جديد متوسط المدى، في إشارة إلى القصف الذي طال مدينة دنيبرو. وأشار إلى أن «مهندسينا أطلقوا عليه اسم (أوريشنيك)»، لافتاً إلى أن الصاروخ استهدف «موقعاً للمجمع الصناعي - العسكري الأوكراني».