ساد اعتقاد لدى الدوائر الغربية أن موسكو سوف تتعب من الحرب وكييف سوف تصمد

محللان: اليوم الأول من مؤتمر الأمن في ميونيخ بدد هذا الوهم... إذ إن أمن أوروبا في خطر

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصوله لإلقاء خطابه السنوي أمام الأمة في موسكو أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصوله لإلقاء خطابه السنوي أمام الأمة في موسكو أمس (أ.ف.ب)
TT

ساد اعتقاد لدى الدوائر الغربية أن موسكو سوف تتعب من الحرب وكييف سوف تصمد

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصوله لإلقاء خطابه السنوي أمام الأمة في موسكو أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى وصوله لإلقاء خطابه السنوي أمام الأمة في موسكو أمس (أ.ف.ب)

يرى المحللان السياسيان فيكتور لاخ والدكتورة إلينا خاميليفكا أن الشعور بدوار بعد احتفال فخم يمكن أن يكون قاسياً، حيث الشعور بالصداع والاعتراف الصارخ بالواقع. فبالنسبة لكثير من دول أوروبا كانت الحرب المستمرة منذ عامين في أوكرانيا مثل صراع بعيد، وتهديد ما زال مجرداً. وهذا الانفصال المريح الذي يشبه مادة مخدرة أخفى الخطورة الحقيقية للوضع.

شموع تظهر حول صورة زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني عند نصب تذكاري مؤقت بعد وفاته في السجن (أ.ف.ب)

ومع دخول الحرب الآن عامها الثالث، ولم يظهر الهجوم الروسي أي مؤشر على تراجعه، ما زالت الاحتياجات التمويلية لأوكرانيا مرتفعة، وتسعى أميركا وحلفاؤها لطمأنة الدولة التي تمزقها الحرب بأنها ما زالت ملتزمة بمساعدتها في قتالها.

وقال فيكتور لاخ الرئيس التنفيذي لمؤسسة شرق أوروبا، والدكتورة إلينا خاميليفكا، الخبيرة في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وهي زميلة غير مقيمة بجامعة تورونتو في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يقدمان الحد الأدنى من الدعم لأوكرانيا، بهدف منع انهيارها وليس ضمان تحقيق انتصار حاسم. وقد أصبحت شجاعة أوكرانيا في أرض المعركة، رغم الإعجاب المؤكد بها، سرداً مريحاً يؤجج الاعتقاد أن روسيا سوف تتعب وأوكرانيا سوف تصمد.

ويقول المحللان إن اليوم الأول من مؤتمر الأمن في ميونيخ الشهر الماضي بدد هذا الوهم؛ فقد أدت أنباء وفاة الزعيم المعارض الروسي أليكسي نافالني، وانسحاب أوكرانيا من أفدييفكا، واحتمال شن روسيا عدواناً ضد دول البلطيق، وتصريحات دونالد ترمب الغامضة بشأن تايوان إلى خلق جو واضح من اليأس. لكن رغم الجو الكئيب الذي ساد في المؤتمر فإن العالم الغربي لم يستيقظ حتى الآن ليدرك الصورة الكئيبة الكاملة.

زيلينسكي يتوسط ضيوفه في كييف بمناسبة الذكرى الثانية للحرب (إ.ب.أ)

ويضيف المحللان: «في ميونيخ غالباً ما سمعنا مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقولون إنه في حقيقة الأمر، أوكرانيا سوف تنتصر على المدى الطويل. ولكن بالنسبة للأوكرانيين يبدو ذلك تحولاً بعيداً عن واقع الخطر الشديد، ومن ثم يوجِد الأميركيون والأوروبيون مبرراً لعدم دعم أوكرانيا».

ودعا المحللان الغرب إلى الاعتراف بالحقائق المحزنة التالية: إن أوكرانيا لا تستطيع مواصلة الحرب من دون الحصول على مساعدات إضافية. وحزمة المساعدات التي تبلغ قيمتها 95 مليار دولار والمعلقة أمام الكونغرس الأميركي أساسية ليظل الجنود الأوكرانيون قادرين على الدفاع عن الجبهة، وللحفاظ على صمود الاقتصاد. وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إنه سوف يخسر الحرب من دون الحصول على مزيد من الدعم.

راما مستقبلاً زيلينسكي في تيرانا (أ.ب)

أقرّت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، بأنها لا ترى بديلاً عن المساعدة التي تشتد الحاجة إليها للدولة المحاصرة، والتي عُلّقت في الكونغرس. وقالت يلين، في مقابلة الخميس، في ساو باولو: «لا أرى بديلاً حقيقياً للكونغرس، لتزويد أوكرانيا، بالمساعدة التي تحتاج إليها هذا العام». وأضافت: «لا أعتقد أن أي شخص يمكن أن يسد تلك الفجوة». وقالت يلين إنه بينما قدم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا «تمويلاً مفيداً للغاية، وأسهمت اليابان أيضاً، فإن الإجمالي لا يبدو كافياً».

ولا تستطيع أوروبا توفير الذخيرة والمعدات التي تحتاج إليها أوكرانيا بالسرعة الكافية، وواشنطن فقط هي التي يمكنها تعويض نقص الذخيرة في الوقت المناسب لمواصلة المجهود الحربي.

وزير خارجية أوكرانيا دميترو كوليبا خلال استقباله بوريل في كييف (إ.ب.أ)

وينبغي زيادة الإنفاق العسكري بدرجة كبيرة. وهناك حاجة لإنفاق أكثر من 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي مع خوض روسيا حربها في ظل نموذج اقتصاد مناسب لذلك. وأدركت إستونيا ذلك، لكن فرنسا وألمانيا لم تنجحا حتى الآن في تحقيق ذلك. ويتعين على الدول الغربية زيادة إنفاقها العسكري بدرجة كبيرة، والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، وتقديم دعم ملموس وفوري لأوكرانيا، إذ إن أمن أوروبا في خطر.

وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع الرئيس فلاديمير بوتين (أ.ب)

لقد فشل أسلوب الغرب في تقديم الدعم تدريجياً؛ فالمساعدات العسكرية التدريجية تتيح لروسيا تكييف أساليبها والحصول على المساعدة من دول مثل إيران وكوريا الشمالية.

فالتأخير في تزويد أوكرانيا بطائرات «إف 16» حتى صيف هذ العام يوفر لروسيا فرصة ثمينة لمواجهة طائرات «الميغ» و«السوخوي» الأوكرانية. كما أن المدفعية أمر مهم للغاية. وصرح زيلينسكي أنه وفقاً للمخابرات الأوكرانية، سوف تحصل روسيا على مليون قذيفة مدفعية من كوريا الشمالية. وفي المقابل، تراجع الاتحاد الأوروبي عن التزامه بتزويد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية عيار 155 مليمتراً بحلول مارس (آذار) الحالي، وحتى نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي لم يصل سوى 330 ألف قذيفة إلى كييف.

حضت حكومة المملكة المتحدة بشكل خاص ألمانيا، على تقديم صواريخ «تاوروس» بعيدة المدى إلى الحكومة في كييف، بينما أعربت لندن عن غضبها بسبب تصريحات المستشار الألماني، أولاف شولتس، بشأن النشاط البريطاني في أوكرانيا. وأوضح وزراء ومسؤولون بريطانيون كبار مراراً لألمانيا أن أوكرانيا تحتاج بشدة إلى صواريخ «تاوروس»، طبقاً لمصادر مطلعة، وفق وكالة «بلومبرغ» للأنباء، الجمعة.

يُعَد قرار الرئيس جو بايدن السماح بتدريب الطيارين الأوكرانيين على الطائرة «إف - 16» تحوّلاً مهماً (أ.ف.ب)

وقدمت المملكة المتحدة حلولاً لمعارضة برلين، لإرسالها، بما في ذلك اتفاق مبادلة، سيشهد إمداد بريطانيا كييف بمزيد من صواريخها «ستورم شادو»، ثم ستعيد ألمانيا تزويد المملكة المتحدة بصواريخ بديلة بعيدة المدى. وذكر مسؤول بريطاني، طلب عدم الكشف عن هويته بسبب سرية المحادثات بين البلدين، أن ألمانيا يتعين أن تتوقف عن تقديم اعتذارات. وكان شولتس قد كرر رفضه الواضح لتوريد صواريخ «تاوروس» الموجهة إلى أوكرانيا في الوقت الحالي مبرراً ذلك بتجنب خطر تورط ألمانيا في الحرب. وكان شولتس قد قرر مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عدم توريد صواريخ «تاوروس» إلى أوكرانيا خوفاً من احتمال أن تصيب هذه الصواريخ التي يبلغ مداها 500 كيلومتر الأراضي الروسية.

راما مستقبلاً زيلينسكي في تيرانا (أ.ب)

يشار إلى أن ألمانيا هي ثاني أكبر داعم لكييف عسكرياً واقتصادياً بعد الولايات المتحدة، في تصديها للغزو الروسي لأوكرانيا الذي دخل عامه الثالث الشهر الماضي. ووصلت قيمة الأسلحة التي وردتها ألمانيا إلى أوكرانيا بالفعل أو تعهدت بتوريدها إلى 28 مليار يورو.

ويتعين تشجيع الابتكار الأوكراني؛ فأوكرانيا تتباهى بتكنولوجيتها العسكرية المتقدمة التي جرى اختبارها وتأكيد نجاحها في القتال. وليس لدى أوكرانيا أسطول بحري، ولكنها حققت نجاحاً رائعاً في البحر الأسود العام الماضي. وقد ألحقت مسيّرات كييف البحرية أضراراً بالغة بأسطول البحر الأسود الروسي، كما أن القوات الأوكرانية الخاصة قامت بعمليات جريئة في الأراضي الروسية. ويمكن أن يؤدي دمج هذه التكنولوجيات إلى تعزيز إمكانات حلف شمال الأطلسي (ناتو) بدرجة كبيرة.

تتعين مصادرة أرصدة الدولة الروسية المجمدة، والسماح لكييف باستخدام هذه الأموال لتمويل الأسلحة؛ فهذه الأموال التي تبلغ 300 مليار دولار ستلحق ضرراً بآلة بوتين الخاصة بالحرب، وتحرمه من أموال حيوية، وتقوض الدعم الشعبي له. ودعا المحللان في ختام تقريرهما العالم إلى مواجهة الواقع المرير الخاص بـأكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والوقوف بحزم إلى جانب أوكرانيا.


مقالات ذات صلة

ماكرون: أوكرانيا تستطيع وحدها خوض مفاوضات مع روسيا إذا توقفت الحرب

أوروبا لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

ماكرون: أوكرانيا تستطيع وحدها خوض مفاوضات مع روسيا إذا توقفت الحرب

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه إذا استطاع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إقناع نظيره الروسي، بوقف الحرب على أوكرانيا فإن ذلك سيكون خبراَ عظيماً.

أوروبا  نائب وزير الدفاع الروسي بافيل فرادكوف (وزارة الدفاع الروسية)

بريطانيا تفرض عقوبات ضد مسؤولين روس بينهم نائب وزير الدفاع

كشفت بريطانيا عن عقوبات ضد أربعة مسؤولين روس، وفرعين لشركة الطاقة النووية المدنية المملوكة للدولة في روسيا، في «أحدث حملة ضد الكرملين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ونظيره الأميركي ماركو روبيو خلال اجتماع على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن (الخارجية التركية) play-circle

وزيرا خارجية أميركا وتركيا يبحثان ملفات سوريا وغزة وأوكرانيا

قال مصدر في وزارة الخارجية التركية إن الوزير هاكان فيدان بحث مع نظيره الأميركي ماركو روبيو التطورات في سوريا وغزة والحرب بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (أنقرة )
أوروبا تظهر علامة إشعاعية بالقرب من مركبة روسية معطلة عليها حرف V وهو علامة الجيش الروسي بالقرب من محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية بأوكرانيا (أ.ب)

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تعثر على مادة «سي إس» في عينات قدّمتها أوكرانيا

أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، اليوم الجمعة، أنها عثرت على مادة «سي إس» المحظورة في تسع عينات سلّمتها إياها أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب) play-circle

زيلينسكي «مستعد» للقاء بوتين بعد الاتفاق على «خطة مشتركة» بين الحلفاء

أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، استعداداً للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه بمجرد أن تتفق كييف وحلفاؤها على خطة لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

ماكرون: أوكرانيا تستطيع وحدها خوض مفاوضات مع روسيا إذا توقفت الحرب

لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)
لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)
TT

ماكرون: أوكرانيا تستطيع وحدها خوض مفاوضات مع روسيا إذا توقفت الحرب

لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)
لقاء ثلاثي في «قصر الإليزيه» بين رؤساء فرنسا والولايات المتحدة وأوكرانيا يوم 7 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنه إذا استطاع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إقناع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بوقف الحرب على أوكرانيا فإن ذلك سيكون خبراَ عظيماً.

وأضاف ماكرون بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أنه إذا توقفت الحرب فإن أوكرانيا وحدها تستطيع خوض مفاوضات لتحقيق سلام دائم، مشيراً إلى أن فرنسا ستساعدها في ذلك.

وأكد ماكرون أنه سيكون على الأوروبيين تعزيز أمنهم وأن يصبحوا أكثر استقلالية في مجال الشؤون الدولية والدفاعية، لافتاً إلى أن بلاده ستضطلع بدورها كاملاً لتسريع هذه العملية.

زيلينسكي خلال اجتماعه يوم أمس الجمعة مع نائب الرئيس الأميركي على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن (ا.ب)

من جانبه قال زيلينسكي، إنه أطلع ماكرون على مضمون اجتماعه مع جيه.دي.فانس نائب الرئيس الأميركي، وعلى اتصاله الأخير مع ترمب أيضاً.

وأضاف زيلينسكي أنه بحث مع ماكرون العديد من القضايا الرئيسية بما في ذلك الضمانات الأمنية والمقترحات الملموسة التي قدمتها فرنسا، مشيراً إلى ضرورة تطوير استراتيجية مشتركة مع أميركا وأوروبا لتحقيق سلام عادل، مع توحيد الرؤية حول الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه نهاية الحرب مع روسيا.