انطلاق حملة انتخابات الرئاسة في روسيا... وبوتين «قد يخلف نفسه»

شخصيات هامشية «تنافس» الزعيم الأقوى... بينها متهم بجرائم حرب في أوكرانيا 

دمية ماتريوشكا التقليدية الروسية في أحد محلات بيع الهدايا (أ.ب.إ)
دمية ماتريوشكا التقليدية الروسية في أحد محلات بيع الهدايا (أ.ب.إ)
TT

انطلاق حملة انتخابات الرئاسة في روسيا... وبوتين «قد يخلف نفسه»

دمية ماتريوشكا التقليدية الروسية في أحد محلات بيع الهدايا (أ.ب.إ)
دمية ماتريوشكا التقليدية الروسية في أحد محلات بيع الهدايا (أ.ب.إ)

أطلقت لجنة الانتخابات المركزية في روسيا، الخميس، صافرة الانطلاق لحملة انتخابات الرئاسة المقبلة في البلاد، بعد أن أقر مجلس الاتحاد (الشيوخ) موعد الاستحقاق في 17 مارس (آذار) المقبل.

واتجهت الأنظار إلى الرئيس فلاديمير بوتين الذي لم يعلن بعد رسمياً نيّته خوض المنافسة للفوز بولاية جديدة، وسط اقتناع سائد في الأوساط السياسية والبرلمانية، وعلى مستوى الشارع الروسي، بأنه «المرشح الفعلي» الوحيد للمنصب، على الرغم من إعلان عدد من الشخصيات الهامشية على المستوى السياسي والاجتماعي خوض المنافسة.

انطلاق الحملة الرئاسية

نشر مجلس الاتحاد (الشيوخ)، وهو الجهة المخولة إعلان موعد انتخابات الرئاسة وفقاً للدستور الروسي، نص قرار تم إقراره الخميس بإجماع الأصوات، وحدد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية. ما وفر أساساً قانونياً للجنة الانتخابات لإعلان انطلاق الحملة الرئاسية بشكل رسمي. وأعلنت رئيسة المجلس، فالنتينا ماتفيينكو، أن قرار المجلس «يمثل رسمياً بداية الحملة الانتخابية». وأكدت أن الانتخابات المقبلة هي «الحدث السياسي الأكثر أهمية، الذي سيحدد إلى حد كبير اتجاه التنمية في روسيا».

بدورها، شكرت رئيسة لجنة الانتخابات المركزية، إيلا بامفيلوفا، أعضاء مجلس الشيوخ على قرارهم. وقالت خلال الاجتماع: «شكراً لكم على توفير الإطار التشريعي اللازم لإجراء الانتخابات بكرامة. وستضمن الانتخابات المقبلة إلى حد كبير تعزيز تنمية روسيا وانتصارها في هذه المعركة الجيوسياسية القاسية». وأضافت رئيسة اللجنة أنه يجري النظر في إمكانية إجراء عمليات التصويت لمدة 3 أيام بدلاً من تقليد «اليوم الواحد للتصويت»، الذي كان معمولاً به سابقاً.

إيلا بامفيلوفا رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية خلال اجتماع مجلس الاتحاد (الشيوخ) (أ.ف.ب)

وينتظر وفقاً لرئيسة لجنة الانتخابات المركزية إجراء الاستحقاق الانتخابي في التوقيت نفسه في «المناطق الجديدة»، في إشارة إلى المقاطعات الأوكرانية التي ضمّتها روسيا العام الماضي، بشكل أحادي. لكنها قالت إن هذه العملية تتطلب التنسيق مع هيئة الأمن الفيدرالي ووزارة الدفاع ورؤساء المجالس المحلية في تلك الأقاليم. وقالت بامفيلوفا للصحافيين إن «النظام الانتخابي في روسيا الاتحادية يتمتع بهامش من الأمان، أريد أن أؤكد لكم أن النظام الانتخابي في بلادنا لديه احتياطي قوي من القوة من أجل تنظيم وإجراء الانتخابات المقبلة تماماً كما يطلبها ويتوقعها شعبنا، لأن الشعب بالنسبة لنا هو القاضي الرئيسي والممتحن الرئيسي». وذكّرت بأنه «لأول مرة في تاريخ روسيا الجديدة، ستُعقد الانتخابات الرئاسية في مثل هذا الجو الجيوسياسي السام، عندما تم إسقاط جميع الأقنعة، عندما انهارت بقايا الزخارف الديمقراطية البالية، وسعت أطراف لتدمير رموزنا الثقافية وتقاليدنا الوطنية واستقلال الدولة».

من يخلف بوتين؟

إلى ذلك، اتّجهت الأنظار فور الإعلان عن تحديد موعد الانتخابات إلى طبيعة الحملات الانتخابية وهويات الأشخاص المشاركين فيها. علماً بأن الرئيس الروسي تجنب خلال الفترة الماضية الرد على أسئلة الصحافيين حول نيته الترشح لولاية جديدة، برغم القناعة أنه سيقدم على ذلك «في الوقت المناسب»، وفقاً للناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.

بوتين لدى إلقائه خطاباً في الكرملين في 4 ديسمبر (أ.ف.ب)

ولا تستبعد أوساط الكرملين أن يقدم بوتين على إعلان ترشحه رسمياً خلال مؤتمره الصحافي السنوي الشامل الذي ينعقد في 14 من الشهر الحالي. وكان بيسكوف قال، قبل يومين، إن «الرئيس المقبل بعد فلاديمير بوتين يجب أن يكون هو نفسه». وخلال لقاء مع منصة إخبارية شبابية، سُئل بيسكوف عن «شخصية الرئيس الذي يجب أن يأتي بعد انتهاء عهد بوتين»، فأجاب: «يجب أن يكون نفس الشخص، أو شخصاً آخر يحمل نفس المواصفات».

ورداً على سؤال توضيحي حول ما إذا كان الرئيس القادم سيكون قادراً على الحفاظ على إنجازات بوتين، قال بيسكوف: «من الصعب القول. لم يعلن بوتين بعد عن نيته الترشح لمنصب الرئاسة. لكنني أريد بصدق أن أصدق أنه سوف يفعل ذلك. ليس لدي شك في أنه سيفوز في الانتخابات، وليس لدي شك في أنه سيستمر في كونه رئيسنا».

ويتربع بوتين على عرش الكرملين منذ عام 2000، وكان من المنتظر أن ينهي رسمياً ولايته الأخيرة في ربيع العام المقبل. لكن تعديلاً دستورياً أقرّ في منتصف عام 2020 منحه الفرصة للترشح لولايتين إضافيتين، ما يعني أنه نظرياً على الأقل يمكنه أن يبقى على سدة الرئاسة حتى عام 2036.

«تصفير العداد»

وأقرّ مجلس النواب الروسي (الدوما) في 2020 وثيقة التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس فلاديمير بوتين، بعد إدخال بند عليها يمنح الرئيس الحق في الترشح مجدداً لولايتين رئاسيتين جديدتين. وطرحت النائبة في مجلس الدوما فالنتينا تيريشيكوفا، رائدة الفضاء السوفياتية الشهيرة، التعديل بشكل «مفاجئ» في أثناء مناقشة وثيقة التعديلات الدستورية، وتضمن اقتراحها إضافة مادة في مشروع التعديلات ينص على أنه «بعد دخول الدستور المحدث حيز التنفيذ، يتمتع الرئيس الحالي، مثل أي مواطن آخر، بالحق في الترشح مجدداً لمنصب رئيس الدولة».

ويعني هذا النص «تصفير العداد» أمام رئاسة بوتين الذي كان يجب أن تنتهي ولايته الأخيرة في 2024، وفتح المجال لترشيح نفسه مجدداً. وبدا أن هذا السيناريو كان معداً مسبقاً، إذ سرعان ما ظهر بوتين في المجلس بعد دقائق من إعلان الاقتراح، وألقى خطاباً أعلن فيه الموافقة على اقتراح تيريشيكوفا مشترطاً أن توافق عليه المحكمة الدستورية، وهو أمر بدا محسوماً.

منافسون «هامشيون»

في مقابل بوتين الذي تصفه وسائل الاعلام بأنه «زعيم الأمة» ويعد الرجل الأقوى في البلاد، يبدو موقف «المنافسين» الذين أعلنوا حتى الآن نيتهم خوض السباق هشاً للغاية. ووصفتهم وسائل إعلام بأنهم «مجرد شخصيات هامشية لا حضور أو تأثير لها».

بين أبرز المرشحين لـ«منافسة» بوتين؛ إيغور ستريلكوف الذي شغل منصب «وزير الدفاع» السابق في «جمهورية دونيتسك» بعد إعلان انفصال الإقليم عن أوكرانيا، واشتعال الحرب فيه. وهو ضابط سابق برتبة عقيد في هيئة الأمن الفيدرالي الروسي. ويعد ستيرلكوف أبرز المطلوبين لمحكمة لاهاي، واسمه مدرج على لوائح المطلوبين الدوليين، بعد إدانته من جانب المحكمة في حادثة تحطم طائرة «بوينغ» الماليزية في سماء دونباس عام 2014. وقد حكم عليه غيابياً في أوكرانيا بالسجن مدى الحياة، بعد إدانته بارتكاب جرائم حرب في دونيتسك.

بوتين يوقع على رسالة بمعرض دولي في موسكو، 4 ديسمبر (إ.ب.أ)

واللافت أن الرجل الذي قضى أخيراً بضعة أشهر في سجن روسي بسبب دعواته للعنف، غدا خلالها مرشحاً رئاسياً عن «الجبهة اليسارية». وهو تجمع يضم «القوى الوطنية واليسارية الروسية» وفقاً لإعلان منسق الجبهة سيرغي أودالتسوف، الذي قال إن التجمع اتفق على «مرشح واحد يمثله لخوض الاستحقاق الانتخابي».

إلى جانب ستيرلكوف، المشهور باسم حركي خلال نشاطه الانفصالي في أوكرانيا هو «جيركين»، يخوض المنافسة على منصب الرئاسة الروسية كل من يكاترينا دونتسوفا، وهي صحافية ونائبة سابقة في المجلس المحلي لمدينة يكاتينبورغ (وسط روسيا)، فضلاً عن بوريس ناديجدين، وهو نائب سابق في مجلس الدوما. بالإضافة إلى ذلك، أعلن سيرغي ليباتوف، وهو رئيس جمعية المعاشات التقاعدية الوطنية، والنائب السابق لرئيس فرع العاصمة لحزب «يابلوكو» اليميني، أناتولي رابينوفيتش، عن نيتهما خوض السباق الرئاسي، لكنهما لم يقدما بعد ملفي الترشيح إلى لجنة الانتخابات.


مقالات ذات صلة

بعد تعرّض أنصاره للعنف... رئيس وزراء السنغال يدعو للانتقام

أفريقيا رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو يتحدث خلال مؤتمر صحافي في داكار 26 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بعد تعرّض أنصاره للعنف... رئيس وزراء السنغال يدعو للانتقام

دعا رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو إلى الانتقام، وذلك بعد أعمال عنف ضد أنصاره اتهم معارضين بارتكابها خلال حملة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها الأحد.

«الشرق الأوسط» (داكار)
أوروبا وزير المالية الألماني السابق كريستيان ليندنر (أ.ف.ب)

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار شولتس وافق على تقريب موعد الانتخابات أمام ضغوط المعارضة ويستعد لطرح الثقة في حكومته 16 ديسمبر.

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ب)

ألمانيا تحدد 23 فبراير موعداً للانتخابات المبكرة

تعتزم ألمانيا إجراء انتخابات عامة مبكرة في 23 فبراير (شباط) المقبل، بعد انهيار ائتلاف يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتس.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من «الاتفاق النووي» الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

إيران تدرس فرص التوصل إلى اتفاق مع ترمب

دعا كثير من المسؤولين السابقين والخبراء بل الصحف في إيران الحكومة علناً إلى تحسين العلاقات مع ترمب بعد إعلان فوزه الساحق بالانتخابات.

فرناز فصيح (واشنطن)
آسيا شيغيرو إيشيبا يدلي بصوته في البرلمان لاختيار رئيس وزراء اليابان (أ.ف.ب)

البرلمان الياباني يعيد انتخاب إيشيبا رئيساً للوزراء

أعاد البرلمان الياباني انتخاب شيغيرو إيشيبا رئيساً للوزراء، الاثنين، بعدما تكبّد ائتلافه الحاكم أسوأ خسارة انتخابية منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
TT

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)

منذ الإعلان عن فوز الرئيس السابق دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية بولاية جديدة، تتمحور الاتصالات والمؤتمرات واللقاءات الغربية حول موضوعين متصلين: الأول يتناول مصير الحرب الروسية - الأوكرانية في حال قرر ترمب وقف دعم كييف بالسلاح والمال ومعرفة ما إذا كانت الدول الأوروبية قادرة على الحلول محل الطرف الأميركي، والثاني، مصير الحلف الأطلسي، وذلك على خلفية المخاوف التي ستترتب على تقليص الولايات المتحدة انخراطها في الحلف المذكور، ما سيطرح حكما موضوع أمن أوروبا ربما مع تراجع المظلة الأميركية ــ الأطلسية بما فيها شقها النووي.

وتبرز قراءة التصريحات الصادرة عن القادة الأوروبيين في الأيام الثمانية المنقضية محورية المخاوف المرتبطة بالموضوعين المشار إليهما، لا بل الهلع من أن يعمد ترمب إلى تنفيذ تهديداته التي كررها كثيرا من المرات خلال الحملة الانتخابية الأميركية.

بناء الركن الأوروبي للحلف الأطلسي

ومن بين القادة الغربيين، يبدو الرئيس الفرنسي الذي كان من أوائل المهنئين بفوز ترمب، الأكثر رغبة في أن يلعب دورا محوريا في هذه المرحلة كونه كان سباقا في الدعوة، منذ عام 2017، إلى بناء «الاستقلالية الاستراتيجية» الأوروبية التي تغطي بالطبع الجوانب العسكرية ولكن أيضا الصناعية والتكنولوجية والسيبرانية... بيد أن دعوته السابقة لم تلق الأصداء التي كان يطمح إليها.

إلا أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وفق مصادر فرنسية، «أحدثت تغييرا في المقاربة الأوروبية»، لا، بل إن دولا أدارت ظهرها سابقا لدعوات ماكرون، تبدو اليوم مقتنعة برؤيته وأبرزها بولندا التي تحولت مع الحرب الروسية ــ الأوكرانية إلى بلد محوري في إطار الحلف الأطلسي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال احتفالات الذكرى الـ106 لنهاية الحرب العالمية الأولى الاثنين في باريس (أ.ب)

ويومي الاثنين والثلاثاء، استقبل ماكرون رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وأمين عام الحلف الأطلسي مارك روته الذي زار باريس للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه الجديد. وبالطبع كان هذان الموضوعان محور المحادثات المطولة التي أجراها الثلاثة من أجل التوافق على رؤية تشجع ترمب وتقنعه بمواصلة دعم أوكرانيا والإبقاء على انخراط واشنطن في الحلف الأطلسي.

في كلمته إلى الصحافة ظهر الثلاثاء، ربط ماكرون أمن الغربيين بالحاجة إلى أوكرانيا قوية وإلى أوروبا قوية فضلا عن حلف أطلسي متماسك وقوي، معتبرا أن هذه الثلاثية «ستشكل الأجندة الغربية للأشهر والسنوات المقبلة». فالبنسبة لأوكرانيا، رأى ماكرون أن مواصلة دعمها، ما دامت في حاجة لذلك، «تعد الأولوية القصوى» و«الطريق الوحيد للذهاب إلى المفاوضات»، مضيفا، في ما يبدو أنه رسالة لترمب: «لا شيء يجب أن يقرر بشأن (مصير) أوكرانيا من غير الأوكرانيين ولا بالنسبة لأوروبا من غير الأوروبيين».

ماكرون المدافع الأول عن مبدأ الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية بمعية الجنرال تييري بوركها (رويترز)

بالمقابل، رأى ماكرون أنه يتعين على الأوروبيين «بناء الركن الأوروبي في إطار الحلف الأطلسي لأمن جناحيه على ضفتي المحيط، وهو ما تنتظره الإدارة الأميركية من الأوروبيين». وزاد ماكرون أنه «خلال فترات طويلة تحاشت أوروبا أن تتحمل أعباء أمنها معتبرة أنها تستفيد من منافع السلام من غير أن تدفع الثمن»، متبنيا بذلك اتهامات ترمب للقادة الأوروبيين المتكررة خلال ولايته الأولى. وللتذكير، فإن الأخير نبه الأوروبيين بأنه سيترك الباب مفتوحا للرئيس الروسي ليفعل ما يشاء بالبلدان الأوروبية التي لا تساهم كفاية بميزانية الحلف.

الرئيس إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

ومرة أخرى، دافع ماكرون عن حاجة الأوروبيين إلى أجندة لاستقلالية أوروبا الاستراتيجية، ليصل إلى الحاجة لحلف أطلسي قوي «قادر على ردع أعدائنا ويكون مجهزا بخطط دفاعية محدثة وبقدرات (عسكرية) مضاعفة وبأسلحة متداولة بين جميع أعضائه...». وبنظره، «يتعين التعامل بجدية مع تعزيز القدرات الدفاعية والردعية للحلف»، مضيفا أن القوة النووية الفرنسية تعد جزءا من هذه القدرات.

توافق في المقاربة بين روته وماكرون

قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا برفقة الرئيس الأميركي جو بايدن في مقر المستشارية الألمانية ببرلين يوم 18 أكتوبر (أ.ب)

لا تختلف قراءة مارك روته عن مقاربة ماكرون أو المقاربة الغربية بشكل عام. فالأول يعد أن اللحظة الراهنة «بالغة الدقة بالنسبة للسلام والأمن عبر العالم»، منددا بالتحالف الذي بنته روسيا مع الصين وإيران وكوريا الشمالية. فمن جهة، يرى أن الثمن الذي تقدمه روسيا مقابل ما تحصل عليه من كوريا الشمالية {أسلحة وصواريخ ورجالا} وقوامه التمويل وتكنولوجيات يمكن بيونغ يانغ من تصنيع صواريخ قادرة على استهداف الأراضي الأميركية فضلا عن أوروبا والفضاء الأور ــ أطلسي إضافة إلى منطقة المحيط الهندي ــ الهادئ وبالطبع جوارها المباشر (كوريا الجنوبية واليابان).

أما ما تجنيه إيران من مبيعات السلاح إلى روسيا، فإنها «تستخدمه مع وكلائها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتغذية الإرهاب». ولمواجهة هذه المخاطر، يدعو روته إلى المحافظة على الحلف الأطلسي وتعزيزه. وكما ماكرون، فإنه يرى أن التحدي الأول هو توفير الدعم المستدام لأوكرانيا التي «تتحضر لمواجهة فصل الشتاء الأقصى منذ عام 2022»، ملمحا بذلك إلى الصعوبات التي تواجهها القوات الأوكرانية ميدانيا.

وقال روته ما حرفيته: «لم يعد كافيا أن نمد كييف بما يمكنها من مواصلة القتال... بل يجب أن نقدم لها ما يجعلها في وضع القادر على تغيير مسار الصراع». كذلك دافع روته عن الحاجة لتعزيز قدرات الحلف الأطلسي الدفاعية «في عالم أصبح أكثر خطورة» منوها بالحاجة للإسراع في تعزيز التعاون ما بين أعضاء الحلف، من غير التلميح لما قد يقدم عليه الرئيس ترمب بعد تسلمه السلطة.

حتى اليوم، يبدو الغربيون في وضع ترقب ما سيصدر عن الرئيس الأميركي الـ47. وإذا كان الشعور العام عنوانه الحاجة لرص الصفوف، فإن كثيرا من القادة الغربيين وعلى راسهم ماكرون يتخوفون من أن يهرع بعض هؤلاء إلى واشنطن للحصول على «مباركة» ترمب والتأكد من وجود علاقة «مميزة» بينه وبينهم.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

ومن بين هؤلاء رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ورئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني، وأيضا رئيس الوزراء البريطاني ستارمر وآخرون غيرهم. ومن الأفكار التي طرحت في لقاء ماكرون ــ ستارمر، وفق الصحافة البريطانية، السعي لإقناع الرئيس بايدن بالسماح للأوكرانيين باستخدام صواريخ «ستورم شادو» البريطانية ونظيرتها الفرنسية «سكالب» لاستهداف العمق الروسي، وذلك قبل رحيله عن البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) القادم. والحال أن واشنطن رفضت حتى اليوم قبول الطلب الذي يصر عليه الأوكرانيون منذ أشهر طويلة. وفي سياق موازٍ، تريد باريس ولندن من تعزيز تسليح كييف تمكينها من أن تكون في موقع قوي عندما تنطلق المفاوضات التي لا محيد عنها لوضع حد للحرب القائمة.

يبقى أن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لا يريد الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة بشأن ما ستكون عليه سياسة ترمب إزاء أوكرانيا، داعيا إلى «إعطاء الإدارة الأميركية (الجديدة) وقتها». إلا أنه لم يفته التذكير بأن أي مبادرات يجب أن تمكن أوكرانيا من أن تحدد نفسها التوقيت والشروط اللازمة للمشاركة في عملية التفاوض.