هوّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحد من تلميحات غربية تشير إلى أن الولايات المتحدة تتأهب لحرب متزامنة تخوضها ضد روسيا والصين بأنها محض هراء، وحذَّر الغرب من أن أي حرب ضد بلاده ستكون في مستوى مغاير تماماً عن الصراع في أوكرانيا.
وكانت لجنة مؤلفة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي شكلها الكونغرس الأميركي قالت يوم الخميس إن واشنطن يجب أن تعد لحرب متزامنة محتملة مع موسكو وبكين من خلال توسيع القوات الاعتيادية وتقوية التحالفات وتعزيز برنامجها لتحديث أسلحتها النووية.
وقال بوتين، الذي يفترض أن يزور الصين هذا الأسبوع، إن الولايات المتحدة أججت التوتر مع بكين بتشكيل تحالف أمني يضم معها أستراليا وبريطانيا، وأشار في الوقت ذاته إلى أن روسيا والصين لا تشكلان تحالفاً عسكرياً. وأضاف بوتين في مقابلة مع التلفزيون الروسي نشر الصحافي بافيل زاروبين مقتطفات منها الأحد أن أفكار الحرب بين روسيا والولايات المتحدة ليست نافعة، لكن إذا نشرت مثل تلك الأفكار فهي لا تقلق موسكو بأي حال. وتابع في المقتطف المنشور على تطبيق «تلغرام»: «لا أعتقد أن هذا تفكير سليم يدور في ذهن شخص سوي بالقول إن الولايات المتحدة تعد لخوض حرب مع روسيا. حسناً كلنا مستعدون لحرب لأننا نتبع المبدأ الأزلي: إذا أردنا السلام نستعد للحرب، لكننا نريد السلام... وأيضاً محاربة روسيا والصين معاً هراء، لا أعتقد أن الأمر جاد. أعتقد فقط أنهم يخيفون بعضهم بعضاً».
ويعد توطد العلاقة بين القوتين النوويتين العظميين الصين وروسيا من أحد أهم التطورات الجيوسياسية في السنوات القليلة الماضية ويراقبه الغرب بقلق. وترى الولايات المتحدة أن الصين هي أكبر منافس لها وروسيا أكبر خطر من دولة عليها ويقول الرئيس الأميركي جو بايدن إن هذا القرن سيتشكل على أساس المنافسة الوجودية بين الديمقراطيات والديكتاتوريات، على حد وصفه.
حرب مغايرة
وحذَّر بوتين من أن خوض الولايات المتحدة لحرب مع روسيا سيكون على نطاق مغاير كلياً للحرب في أوكرانيا التي يصفها الكرملين بأنها عملية عسكرية خاصة. وقال بوتين: «وإذا أرادوا محاربة روسيا فستكون حرباً مغايرة تماماً... لن تكون مجرد شن عملية عسكرية خاصة... انظروا للشرق الأوسط هل هذه عملية عسكرية خاصة؟ هل هناك مقارنة قائمة بينهما؟». وأضاف: «إذا تطرقنا لحرب بين قوى نووية عظمى فسيكون الأمر مختلفاً تماماً. لا أعتقد أن أشخاصاً أسوياء يمكنهم أن يفكروا في هذا الأمر، لكن إن خطرت لهم بالفعل هذه الأفكار فكل ما ستفعله هو أنها ستتسبب في توخينا الحذر».
وتقول الولايات المتحدة إن روسيا والصين تحدثان ترسانتهما النووية، وإن الصين سيكون لديها على الأرجح مخزون من 1500 رأس حربي نووي بحلول عام 2035 إذا واصلت بالوتيرة الحالية في زيادة السلاح النووي. ويقول اتحاد العلماء الأميركيين إن بوتين يسيطر على نحو 5889 رأساً حربياً نووياً حتى عام 2023، مقارنة مع 5244 يتحكم فيها بايدن. وتنشر روسيا من هذا العدد نحو 1674 رأساً حربياً نووياً استراتيجيا، بينما تنشر الولايات المتحدة 1670 رأساً منها.
في سياق متصل، أكد الرئيس الروسي أن جيشه بلاده يتقدّم حالياً على الجبهة في أوكرانيا، بما في ذلك في محيط مدينة أفدييفكا (شرق) المستهدفة بهجوم واسع النطاق تشنّه قوات موسكو منذ أيام سعياً لتطويقها. وقال بوتين إن «قواتنا تحسّن مواقعها في كل هذه المساحة تقريباً، وهي مساحة كبيرة إلى حدٍ ما». وأوضح أنها تشمل «مناطق كوبيانسك وزابوريجيا وأفدييفكا»، مشيداً باستراتيجية «الدفاع النشط» التي ينفذها جيشه.
وتأتي تصريحات الرئيس الروسي خصوصاً تلك المرتبطة بالوضع في محيط أفدييفكا في وقت أعلن جيشه تحقيق تقدّم في المنطقة في ظل تصميمه على السيطرة على هذه البلدة الواقعة على بعد أقل من 15 كلم شمال دونيتسك الخاضعة لسيطرة موسكو ضمن المنطقة التي تحمل الاسم ذاته، وأعلن بوتين ضمّها قبل أكثر من عام.
وتشكل سيطرة روسيا على أفدييفكا المبنية حول معمل كبير لفحم الكوك انتصاراً رمزياً أكثر من كونه استراتيجياً، علماً بأن المدينة تمثّل معقلاً للمقاومة الأوكرانية للهجمات الروسية منذ عام 2014.
يذكر أن مدينة أفدييفكا سقطت لمدة وجيزة في يوليو (تموز) 2014 في أيدي انفصاليين موالين لروسيا قادتهم وسلحتهم موسكو، قبل أن يستعيدها الأوكرانيون. وتحددت مذاك الخطوط الأمامية في هذه المنطقة، وتعرّضت للقصف مراراً حتى قبل الهجوم الروسي في فبراير (شباط) 2022. وبالتالي، فإن هذه المنطقة على وجه الخصوص محصّنة بشكل جيد.
وخلال الأسابيع الأخيرة، نجحت القوات الروسية في السيطرة على مواقع شمال وجنوب المدينة، فيما تهيمن على الشرق مُحكمةً قبضتها عليها بشكل تدريجي على أمل دفع الجيش الأوكراني في نهاية المطاف إلى التراجع ليبتعد عن عاصمة المنطقة دونيتسك، التي تشهد قصفاً أوكرانياً بوتيرة يومية تقريباً. لكن عدداً من المحللين تحدّثوا عن خسائر كبيرة يتكبدها الروس لجهة المعدات العسكرية، وذلك بناء على صور للهجوم تنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي.
من جهته، قلل الجيش الأوكراني في إيجازه اليومي من أهمية جميع التأكيدات الروسية، مشدداً على أن جنوده «تصدوا» لهجمات موسكو في منطقة أفدييفكا. وقال: «يحاول العدو مرة تلو أخرى خرق دفاعاتنا لكنه يفشل».
والسبت، لفت رئيس بلدية المدينة الأوكراني فيتالي باراباش إلى أن الوضع الميداني «متوتر للغاية»، فيما يحاول الروس على حد قوله «محاصرة المدينة» عبر نشر «مزيد من القوات».
من جهته، تعهّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن جيشه «سيصمد» ويقاوم الهجوم. وبحسب باراباش، ما زال في أفدييفكا ما يزيد قليلاً على 1600 مدني فيما يعرقل القصف المستمر عمليات الإجلاء. وقبل الهجوم الروسي، كانت المدينة تعد 30 ألف نسمة.
ويأتي الهجوم الروسي على أفدييفكا بعد أربعة أشهر على بدء هجوم مضاد أوكراني يواجه صعوبات عديدة في الشرق والجنوب، إذ لم يستَعِدْ الجيش الأوكراني سوى عدة قرى في هذه المرحلة رغم الدعم العسكري الغربي. وكرر بوتين الأحد أن هذا الهجوم المضاد «فشل تماماً». وأضاف: «نعلم أنه في بعض مناطق القتال، يقوم العدو بالتحضير لهجمات جديدة. نحن نرى ذلك ونعلم به. ونرد وفقاً لذلك».
وأسفرت ضربات روسية منذ السبت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ثلاثة بجروح في منطقتي خاركيف (شرق) وخيرسون (جنوب)، بحسب السلطات المحلية.