«فاغنر» بإدارة جديدة

بوتين يجتمع مع تروشيف ويفكوروف (إ.ب.أ)
بوتين يجتمع مع تروشيف ويفكوروف (إ.ب.أ)
TT

«فاغنر» بإدارة جديدة

بوتين يجتمع مع تروشيف ويفكوروف (إ.ب.أ)
بوتين يجتمع مع تروشيف ويفكوروف (إ.ب.أ)

من المفروض أن تكون «فاغنر»، الشركة الروسية العسكرية، سريّة. فالقانون الروسيّ يمنع الشركات الأمنيّة الخاصة. فجأة ظهرت «فاغنر». وانكشفت معها شبكة كبيرة، ومنظومة تمارس الأنشطة المتعددة. منها العسكريّ، ومنها الاقتصادي والماليّ. وهي تمتدّ من الداخل الروسيّ بوصفه مركز قيادة أساسيّاً، إلى منطقة الشرق الأوسط، ومنها إلى العمق الأفريقيّ. هي وسيلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لعبة جيوسياسيّة كبيرة جدّاً.

تروشيف (يمين) ويفكوروف (إ.ب.أ)

ومن خلالها يريد سيد الكرملين مقارعة الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركيّة. وإذا لم تكن لديه القدرة العسكريّة للمنافسة، فـ«فاغنر» هي الوسيلة، والأقلّ تكلفة، التي يمكن إنكارها إذا دعت الحاجة.

هكذا أنكرت وزارة الدفاع الروسيّة علاقتها بها عندما اصطدمت هذه الأخيرة بالقوّة الأميركيّة في دير الزور شرق سوريا. حينها، قُتل منها ما يقارب 200 عنصر.

تبدّل دور «فاغنر» مع بدء الحرب على أوكرانيا، مع تعثّر الجيش الروسيّ فيها، فما كان من «فاغنر» إلا أن تتدخّل للقتال. وكانت مدينة باخموت قمّة إنجازاتها. لكن باخموت، كانت أيضاً الشرارة العلنيّة للخلاف بين مموّلها، الملياردير الروسي يفغيني بريغوجين، ووزارة الدفاع، خصوصاً مع الوزير سيرغي شويغو.

بعد الانسحاب من باخموت، أرادت الشركة الناشئة أن تبتلع الإمبراطوريّة الروسية، التي يبلغ عمرها ما يقارب الـ300 سنة، أي منذ نشأتها فعلياً عام 1721، وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991. لكنها فشلت، لأنها أرادت ابتلاع أكثر بكثير مما يمكن لها أن تهضم. وعلى أثر التمرّد، سقطت طائرة المموّل في 23 أغسطس (آب) الماضي، وقُتل معه أهمّ قائد عسكريّ في الشركة، ديمتري أوتكين.

 

الإدارة الجديدة لـ«فاغنر»

 

عادة، تُغير الشركات أسمائها وإداراتها، كلما كان هناك تعثّر أو خسارة. وذلك بهدف الانطلاق مُجدّداً. هكذا حصل مع «فاغنر». الرئيس بوتين اجتمع مع أندريه تروشيف، أحد قادتها سابقاً، المعروف بالاسم الحركي «سيدوي» أو «الشعر الرمادي»، بحضور نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف. وكلّفه المهمة العسكريّة الجديدة.

بريغوجين يتحدث على قناته من مكان مجهول (أ.ب)

في الشكل، الرئيس بوتين يجتمع مع نائب وزير الدفاع، والقائد الجديد ويعطي تعليماته. بُثت المقابلة علناً. والرسالة واضحة، من الرئيس بوتين وتحدد مَن هو المسؤول الفعليّ.

الغريب، هو غياب وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي من المفروض أن تقاتل «فاغنر» إلى جانب قوّاته، حتى ولو حلّ مكانه نائبه في الاجتماع. والغريب أيضاً، هو غياب رئيس الأركان غيراسيموف (لم يظهر منذ فترة)، وهو القائد المسؤول عن المسرح الأوكراني ككلّ.

حدّد الرئيس بوتين المهمّة الأساسية للقائد الجديد، ألا وهي المسرح الأوكرانيّ. بكلام آخر، المطلوب إعادة تأهيل مَن يمكن الوثوق به من قوات «فاغنر»، وذلك ضمن وحدات جديدة، والتي من المفروض أن تكون مختلطة مع قوات أخرى.

بوتين يتوسط رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف (يسار) ووزير الدفاع سيرغي شويغو (أ.ب)

يهدف هذا التعيين إلى إعادة انخراط «فاغنر» في المسرح الأوكراني، لكن تحت قيادة جديدة، وذلك بهدف استغلال قدراتها العسكريّة المحترفة، وخبرات قواتها القتالية. كما تهدف الخطوات الجديدة، إلى توجيه رسائل مهمّة إلى الخارج، حيث توجد قواتها، خصوصاً في أفريقيا. فالشركة كبيرة جدّاً كي تسقط بسرعة بعد مقتل مؤسسها.

لكن التحدّيات كثيرة جدّاً أمام الوحدات الجديدة من «فاغنر». فالبيئة العسكريّة تبدلّت بشكل جذريّ. وعندما تُقتل القيادات العسكريّة بهذا الشكل، تفقد الوحدات حدتها القتاليّة وثقتها بنفسها بعد غياب المُلهم الأساسي الكاريزماتيّ، أن كان بريغوجين، أو أوتكين. من هنا يمكن القول إن عودة «فاغنر» للقتال على المسرح الأوكرانيّ، لن تكون مؤثّرة جداً بحيث تشكّل نقطة تحوّل. وإن أقصى ما يمكن الاستفادة منها، هو حول مدينة باخموت حيث تحقّق القوات الأوكرانيّة تقدّماً، ولأن لقواتها خبرة سابقة في القتال في هذه المدينة.

تتزامن عودة «فاغنر» مع مرسوم استدعاء 130 ألفاً للخدمة الإلزاميّة، وذلك حسب القانون الروسيّ. هذا مع العلم، أن هذه القوات سوف لن تكون جاهزة للقتال قبل تدريبها الأساسيّ، إذ لا خبرة عسكريّة لها. وهي ستكون حتماً عدداً يُضاف إلى المسرح الأوكرانيّ، خصوصاً في الأقاليم الأربعة التي أعلن ضمّها الرئيس بوتين. ويمنع القانون الروسيّ نشر هذه القوات خارج الأراضي الروسيّة.

 

البُعد الاقتصادي في أفريقيا

ضباط شرطة روس أمام مقر «فاغنر» في سان بطرسبرغ (أ.ف.ب)

يرتب حالياً الرئيس بوتين الشق العسكريّ لـ«فاغنر». فماذا عن الشق الأهم في أفريقيا، ألا وهو إدارة المؤسسات والشركات الروسيّة في القارة، والتي تهتم باستغلال الثروات الطبيعية المحليّة، من ذهب وألماس ويورانيوم وغيرها؟

نشرت مجلّة «وول ستريت جورنال» مقالاً حول الشخص الأهم لـ«فاغنر» في أفريقيا، الذي يهتم بالشق الاقتصادي والمالي، ألا وهو الروسي ديمتري سيتي (Dmitri Seytii)، المقرّب جدّاً من بريغوجين. التقاه في آخر زيارة له لأفريقيا قبل مقتله. درس ديمتري سيتي في فرنسا إدارة الأعمال، وله علاقات مميّزة مع مسؤولي الدول الأفريقية، حيث توجد «فاغنر». فهل ستكون هناك إدارة جديدة؟ ومَن سيكون المدير الفرعيّ؟ لكن الأكيد، أنه سينضوي تحت عباءة الكرملين.


مقالات ذات صلة

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره الصيني شي جينبينغ (رويترز)

تقرير: الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على شركات صينية تدعم روسيا

كشف تقرير صحافي أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات على عدة شركات صينية يُزعم أنها ساعدت شركات روسية في تطوير طائرات مسيرة هجومية تم استخدامها ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل )
أوروبا مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين (أرشيفية - رويترز)

مدير المخابرات الروسية: نرغب في «سلام راسخ وطويل الأمد» في أوكرانيا

قال مدير جهاز المخابرات الخارجية الروسية إن بلاده تعارض تجميد الصراع في أوكرانيا؛ لأن موسكو بحاجة إلى «سلام راسخ وطويل الأمد».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي (أرشيفية - أ.ف.ب)

ضابط روسي هارب: كنا على استعداد لتنفيذ ضربة نووية في بداية الحرب

قال ضابط روسي هارب إنه في اليوم الذي تم فيه شن الغزو في فبراير 2022 كانت قاعدة الأسلحة النووية التي كان يخدم فيها «في حالة تأهب قتالي كامل».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جنود أوكرانيون من لواء المدفعية 43 يطلقون مدفعاً ذاتي الحركة من طراز 2S7 باتجاه مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة دونيتسك (أ.ف.ب) play-circle 02:10

محللون: روسيا تتقدم في أوكرانيا بأسرع وتيرة منذ بداية الحرب

يقول محللون ومدونو حرب إن القوات الروسية تتقدم في أوكرانيا بأسرع وتيرة منذ الأيام الأولى للغزو عام 2022، حيث سيطرت على منطقة كبيرة خلال الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
TT

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا رسمياً، الاثنين، المستشار أولاف شولتس مرشحاً له للانتخابات المبكرة المقررة في فبراير (شباط) على رغم تراجع شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة بعد انهيار ائتلافه الحكومي.

وقال مصدر مقرب من الحزب اليساري الوسطي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن قيادته عبّرت «بالإجماع» عن تأييدها شولتس. وسيصادق أعضاء الحزب على الترشيح خلال مؤتمر في 11 يناير (كانون الثاني).

وكان شولتس (66 عاماً) قد أعلن رغبته في الترشح عن حزبه بعد انهيار ائتلافه الحكومي مع حزب الخضر والليبراليين في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، وواجه ضغوطاً داخل حزبه لترك منصبه لوزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية.

وزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (أ.ف.ب)

وقرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

وحصل ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المعارض المحافظ على أكثر من ضعف هذه النسبة (33 في المائة)، كما يتقدم «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف على حزب شولتس حاصداً 18 في المائة من نوايا التصويت.

وكتبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن أولاف شولتس هو «على الأرجح المرشح الأكثر ضعفاً وأقل شخصية مناسبة لتولي منصب المستشار رشحها الحزب الاشتراكي الديمقراطي على الإطلاق».

انهار الائتلاف الحكومي الألماني بزعامة شولتس، الذي تولى السلطة منذ نهاية عام 2021، بعد إقالة المستشار وزير المال الليبرالي كريستيان ليندنر إثر خلافات عميقة حول الميزانية والسياسة الاقتصادية التي يجب اتباعها، في خضم معاناة أكبر اقتصاد في أوروبا من أزمة صناعية.

«مستشار السلام»

ويكرر شولتس الهادئ الطباع قناعته بقيادة حزبه إلى النصر مرة أخرى، مذكراً بفوزه في انتخابات عام 2021 بخلاف كل التوقعات؛ إذ استفاد إلى حد كبير من انقسامات في المعسكر المحافظ.

المستشار أولاف شولتس ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس بعد إعلان فوز الأول بترشيح الحزب ببرلين الاثنين (رويترز)

وتتمثل استراتيجيته هذه المرة، في تقديم نفسه على أنه رجل ضبط النفس في الدعم العسكري لأوكرانيا على أمل الاستفادة من النزعة إلى السلام المتجذرة لدى الألمان منذ الفظائع النازية، ومن أصوات المؤيدين لروسيا.

وأشار استطلاع حديث أجراه التلفزيون العام «آي آر دي» ARD، إلى أن 61 في المائة ممن شملهم يؤيدون قرار شولتس بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ «توروس» القادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية.

ويتناقض هذا الموقف مع موقف حلفاء ألمانيا الرئيسين، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وفي السياق نفسه، أثار الاتصال الهاتفي الذي أجراه شولتس مؤخراً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاستياء خصوصاً في كييف.

كما اتهمته المعارضة في ألمانيا، بالمساهمة في الـ«دعاية» الروسية وبالقيام بمناورة انتخابية تقدمه على أنه «مستشار السلام» قبل انتخابات خطيرة.

«خبرة كبيرة»

ولا يخفي المحافظون ارتياحهم لترشيح المستشار. وقال النائب ماتياس ميدلبرغ إن القرار «جيد بالنسبة لنا»، مضيفاً أن «بيستوريوس كان سيسبب إزعاجاً أكبر لائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي» المعارض المحافظ.

لكن أظهر شولتس مرات عدة قدرته على تحدي التوقعات، وهو سياسي مخضرم شغل منصب رئيس بلدية مدينة هامبورغ (شمال)، ونائب المستشارة أنجيلا ميركل (2005 - 2021) في حكومتها الأخيرة متولياً حقيبة المال.

وفي 2021، فاز من خلال تقديم نفسه على أنه الوريث الحقيقي للمستشارة المحافظة.

وينوي هذه المرة أيضاً أن يطمئن الناخبين من خلال تجربته، في خضم سياق جيوسياسي عالمي متوتر وغارق في المجهول بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وشددت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ساسكيا إسكين في تصريحات للإذاعة البافارية، الاثنين، على أن شولتس يتمتع بـ«خبرة كبيرة جداً، وبقدرة على المناورة، لا سيما على المستوى الدولي».