في الأيام القليلة الماضية تحوّلت ألمانيا بنظر أوكرانيا من شريك متردد إلى حليف يبدو أنه بات الأقرب وأكثر من يبعث على الثقة. فألمانيا تبدو الدولة الغربية الوحيدة المتمسكة بدعمها لكييف من دون تردد أو تلكؤ، مقابل «فتور» في الدعم الأميركي، وتجاذب يتعمق يومياً مع بولندا.
وبعد أن كانت ألمانيا عرضة لانتقادات لاذعة من بولندا منذ بداية الحرب في أوكرانيا بسبب ترددها في تقديم الدعم الكافي لكييف، باتت الانتقادات اليوم بالشكل المعاكس. وبدأ الخلاف بين أوكرانيا وبولندا قبل أسبوع بسبب منع الأخيرة استيراد الحبوب الأوكرانية، وتصاعد ليصبح قراراً من وارسو بوقف المساعدات العسكرية لكييف. وكان رئيس الحكومة البولندية ماتويس مورافيكي قال في مقابلة مع وسيلة إعلامية بولندية إن وارسو أوقفت إرسال أسلحة لأوكرانيا، وإنها ستركز على تسليح نفسها. وأوضح متحدث حكومي بولندي لاحقاً أن الاتفاقات الماضية حول أسلحة معينة ستلتزم بها بولندا، ولكن لن يكون هناك اتفاقات جديدة.
وجاء التعليق الأول من برلين انتقاداً واضحاً من وزير الزراعة المنتمي لحزب «الخضر»، تشم أوزدمير، الذي وصف القرار البولندي بأنه «دعم جزئي». وأضاف أن الشخص الوحيد المستفيد من ذلك هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
انتقادات سياسيين ألمان
وقالت رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني (البوندستاغ)، ماري-أغنس شتراك-تزيمرمان، في تصريحات لموقع مجلة «دير شبيغل»، إنه «لو قررت الحكومة البولندية لأسباب داخلية وقف تسليح أوكرانيا، فإنه يتعين على ألمانيا أن تبحث في نقل أنظمة الدفاع الجوي التابعة لها والموجودة في بولندا، إلى أوكرانيا». ونقلت ألمانيا منذ مطلع العام ثلاثة أنظمة دفاع جوي إلى شرق بولندا على أن تبقى موجودة هناك حتى نهاية العام.
ووصف أولريك ليشته، المتحدث باسم السياسة الخارجية في «الحزب الليبرالي»، المشارك بالحكومة الألمانية، موقف بولندا بأنه «مخزٍ» بعد أن «كانت أكثر شريك موثوق به» لأوكرانيا. وقال في تصريحات لصحيفة «دي فيلت»: «إن وقفها للدعم العسكري والتحاور مع أوكرانيا بهذه الطريقة هو أمر مخزٍ»، ولكن ليشته برر الموقف البولندي بأنه «داخلي» ويتعلق بالانتخابات العامة المقبلة التي تشهدها البلاد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
«حسابات داخلية»
وفي الواقع ربط عدد من المسؤولين والمحللين الموقف البولندي بالانتخابات، خاصة بعد الفضيحة التي كُشف عنها قبل أيام وأظهرت تورط الحزب الحاكم «القانون والعدل» بفضيحة بيع تأشيرات «شنغن» للاجئين مقابل رشى. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول أميركي من دون أن تسميه القول إن تصريحات رئيس الحكومة البولندية «لا يُنظر إليها في واشنطن على أنها إشارة لتفكك الدعم الغربي الموحد لأوكرانيا». وأضاف: «كل من الدول الداعمة لديها أجندتها الداخلية، وبعض هذه الدول هي في خضم حملات انتخابية، وهم منشغلون بإيصال رسائلهم إلى ناخبيهم».
وبالفعل تلعب بعض الأحزاب البولندية على وتر الشعبوية لكسب ناخبين. وإضافة إلى الكلام عن وقف المساعدات العسكرية لكييف، يلعب بعض السياسيين من الحزب الحاكم، وهو حزب يميني محافظ، على المشاعر المعادية للأوكرانيين، وخاصة أن عام 2023 يعد ذكرى مرور 80 عاماً على ما يعرف بـ«مجازر فولهينيا» التي ارتكبها أوكرانيون قوميون بحق البولنديين بين عامي 1943 و1945، ويصنفها مؤرخون على أنها «جرائم إبادة» قُتل فيها قرابة 100 ألف بولندي. وبدأ الحزب اليميني المتطرف في بولندا «كونفيديراشا» يستخدم كذلك ذكرى المجازر للتأجيج أكثر ضد الأوكرانيين والدعوة حتى إلى تقليص المساعدات للاجئين داخل الأراضي البولندية.
دور ألمانيا
لكن صحفاً ألمانية ترى من جهة أخرى أن ألمانيا تلعب دوراً في فتور العلاقات البولندية - الأوكرانية. وكتبت صحيفة «دي فيلت» أن أوكرانيا بدأت ترى في ألمانيا شريكاً أهم من بولندا بسبب حجمها داخل الاتحاد الأوروبي. وقالت إن بولندا ليس لها شركاء داخل الاتحاد، وهي تلعب دوراً صغيراً جداً في القرار داخل الاتحاد الأوروبي على خلاف ألمانيا المؤثرة.
ورأت الصحيفة أن ألمانيا أثبتت كذلك أنها شريك جدير بالثقة، وأن وقوف المستشار الألماني إلى جانب أوكرانيا في الخلاف على صادرات الحبوب، دليل على ذلك.
وكان الاتحاد الأوروبي قد فرض في مايو (أيار) الماضي حظراً على مبيعات الحبوب في بولندا وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر (هنغاريا) بهدف حماية المحاصيل الزراعية في هذه الدول. وانتهى الحظر يوم الجمعة الماضي، وهو ما تسبب ببدء الخلاف بين هذه الدول وأوكرانيا.
وأكثر من ذلك، رأت صحيفة «دي فيلت» أن السياسة في برلين أكثر استقراراً من وارسو، وأن الدعم لأوكرانيا لن يتغير بغض النظر عن الحزب المشارك في الحكومة.
وكان دعم الرئيس فولوديمير زيلينسكي لمنح ألمانيا مقعداً دائماً في مجلس الأمن مطلع الأسبوع في نيويورك لافتاً، وربما أكثر ما يدل على حسابات أوكرانيا في تحالفاتها الجديدة.