المعطيات الأولية عن حادث طائرة زعيم «فاغنر» تزيده غموضاً

طائرة بريغوجين ربما تعرضت لهجوم تفجيري... والروس ينتظرون نتائج التحقيق

حطام الطائرة في موقع الحادث بمنطقة تفير الروسية (أ.ف.ب)
حطام الطائرة في موقع الحادث بمنطقة تفير الروسية (أ.ف.ب)
TT

المعطيات الأولية عن حادث طائرة زعيم «فاغنر» تزيده غموضاً

حطام الطائرة في موقع الحادث بمنطقة تفير الروسية (أ.ف.ب)
حطام الطائرة في موقع الحادث بمنطقة تفير الروسية (أ.ف.ب)

تكشَّفت تفاصيل إضافية حول حادث تحطم طائرة زعيم «فاغنر» يفغيني بريغوجين. وبدا الخميس أن الفرضية الأساسية تحوم حول احتمال أن تكون الطائرة تعرّضت لهجوم متعمد، عبر استخدام عبوة ناسفة أدت إلى انشطار ذيلها وسقوطها بعد ذلك مباشرة، في حين لم تستبعد أوساط مقربة من «فاغنر» أن تكون الطائرة تعرضت لهجوم خارجي بواسطة صاروخ أرض - جو أصاب ذيلها. ومع تكتم أوساط التحقيق على مجريات عمليات فحص ما تبقى من هيكل الطائرة المنكوبة وإجراء التحليلات اللازمة على أشلاء القتلى، لم تخف أوساط حزبية وسياسية أنها تترقب نتائج التحقيق، في مؤشر إلى أن الحادث قد تكون له تداعيات داخلية في حال ثبتت صحة نظرية استهداف الطائرة بفعل متعمد.

الغموض يسيطر على حادث تحطم طائرة خاصة كانت تقل زعيم «فاغنر» (أ.ف.ب)... وفي الإطار صورة أرشيفية لبريغوجين

ماذا جرى؟

نحو الساعة السابعة بتوقيت موسكو (الرابعة بتوقيت غرينتش) أقلعت الطائرة التي تقلّ بريغوجين وستة من أقرب مساعديه من مطار شيريميتوفا شمال العاصمة الروسية، متجهة نحو سان بطرسبورغ. هذه الرحلة تستغرق عادة أكثر من ساعة بقليل. لكن التطورات الدراماتيكية بدأت بعد مرور وقت قصير على إقلاعها، وعندما بدأت تأخذ مستوى الارتفاع المناسب، وقع حادث غامض أسفر عن انشطار ذيل الطائرة، وبعد مرور دقائق قليلة سجلت كاميرات شهود عيان مشهد سقوطها بشكل عمودي مخلّفة سحابة بيضاء كثيفة خلفها، ثم أسفر ارتطامها بالأرض عن اشتعال النيران فيها بشكل كثيف. وقالت مصادر صحيفة «كوميرسانت» الرصينة: إن الحريق «كان هائلاً واستمر بضع دقائق» أتت خلالها النيران بشكل كامل على بقايا الطائرة وركابها. في إشارة إلى أن حجم الحريق نجم عن اشتعال مخزن الوقود الممتلئ أثناء الارتطام بالأرض.

جزء من حطام طائرة قائد «فاغنر» (رويترز)

سقط حطام الطائرة قرب بلدة كوجينكو التي تبعد عن موسكو نحو 350 كيلومتراً، وهذه نصف المسافة تقريباً بين العاصمة الروسية وسان بطرسبورغ. وكان من الواضح أنه لم يكن هناك أمل في نجاة أي من ركاب الطائرة. بالإضافة إلى الركاب السبعة قضى في الحادث طاقم الطائرة المؤلف من 3 أشخاص. أما الركاب فقد كان بينهم فضلاً عن بريغوجين نفسه، أقرب مساعديه ديمتري أوتكين، المعروف بأنه لعب دوراً أساسياً في تأسيس «فاغنر» وإدارة نشاطها لسنوات طويلة. المرافقون الآخرون لبريغوجين، كانوا أيضاً من الصف الأول في قيادة المجموعة المسلحة.

اللافت، أنه سرعان ما اتضح، أن كل المجموعة كانت قد عادت للتو من رحلة إلى أفريقيا، هدفت إلى ترتيب نشاط المجموعة في القارة خلال المرحلة المقبلة. وتشير معطيات إلى أن الجسم الأساسي من قيادة «فاغنر» كان رافق بريغوجين في رحلته، وبعد عودة المجموعة من أفريقيا مباشرة استخدمت طائرتين من الطراز نفسه يملكهما بريغوجين منذ عامين، للتوجه من موسكو إلى سان بطرسبورغ. ويوضح هذا سبب وجود طائرة ثانية لم يعلن عن أسماء ركابها، رافقت طائرة بريغوجين، خلال انطلاقها من موسكو. دلّت معطيات إلى أن الطائرة التي قد تكون أبلغت بشكل أو بآخر بحادث طائرة بريغوجين، ظلّت تحوم في سماء بطرسبورغ لبعض الوقت ولم تطلب إذناً بالهبوط، ثم عادت إلى موسكو بعد ذلك.

تشير المعطيات التي نشرت أيضاً، إلى أن الطائرتين وهما من طراز «امبراير ليغاسي» كان بريغوجين قد استخدمهما مرات عدة للتنقل خلال الفترة الماضية بين موسكو وبطرسبورغ ومينسك وروستوف ومدن أخرى داخل روسيا وفي بيلاروسيا المجاورة.

فرضيات التحقيق

لم تكشف جهات التحقيق عن الفرضيات الأساسية التي تتعامل معها لكشف ملابسات الحادث. لكن ملف التحقيق فتح على أساس بند قانوني تحت عنوان «إهمال أو عطل فني أسفر عن وفاة شخصين أو أكثر». يوضح هذا مسار اهتمام جهات التحقيق. لكن خبراء في مجال التحقيق في حوادث الطيران لفتوا الأنظار إلى فرضيات قد تكون أكثر إثارة. وفقاً لبعضهم، فإن سبب التحطم قد يكون انفجاراً وقع في الجزء الخلفي من الطائرة، الذي انفصل عنها. ويعتقدون أن الثقوب الموجودة في جسم الطائرة والأجنحة تشير إلى احتمال تعرض طائرة رجل الأعمال لهجوم خارجي بصاروخ.

موقع حادث تحطم طائرة يفغيني بريغوجين (أ.ب)

تشير معطيات نشرتهما صحيفتا «كوميرسانت» و«نيزافيسيمايا غازيتا» الرصينتان عادة في التعامل مع ملفات مماثلة، إلى أنه أثناء مرور الطائرتين فوق منطقة بولوغوفسكي في مقاطعة تفير، سمع شهود عيان انفجارين في السماء، وبعد ذلك اندفعت إحدى الطائرتين، التي كانت تدور في البداية بشكل حلزوني، ثم سقطت بشكل عمودي، وارتطمت بالأرض.

للتعرف على هوية معظم ضحايا المأساة، سيكون من الضروري إجراء اختبارات الحمض النووي. ومع ذلك، فقد تم بالفعل وفقاً لمعطيات التحقيق الأولية التعرف إلى جثتي بريغوجين وأوتكين.

حتى الآن، يميل الخبراء في مجال التحقيق في الحوادث الذين قابلتهم «كوميرسانت» إلى الرواية القائلة بأن سبب تحطم الطائرة لا يمكن أن يكون خللاً فنياً أو بسبب أخطاء الطاقم، ولكن على الأرجح تعرضها لهجوم خارجي. تقول الفرضية: إن الكارثة قد تكون نجمت عن وقوع انفجار على متنها أو تم استهدافها بصاروخ. وهو أمر أكدته قنوات «تلغرام» الموالية لبريغوجين، ورأت أن الأرجح أنه تم إسقاط الطائرة بواسطة نظام صاروخي مضاد للطائرات. ويدعم هذا الرأي حقيقة أنه تم العثور على الذيل بعيداً عن موقع تحطم الهيكل. وتظهر على الحطام، بما في ذلك الجناح، ثقوب كثيرة، تذكّر بتأثير العناصر الضاربة لصواريخ أرض - جو.

بوتين يلقي كلمة بمناسبة الذكرى الثمانين لمعركة كورسك في الحرب العالمية الثانية(رويترز)

بدوره، أفاد قسم التحقيق الإقليمي التابع لسلطات النقل الجوي أنه لا توجد أسباب للحديث عن «هجوم إرهابي»؛ لذلك تم فتح قضية جنائية بموجب المادة 263 من القانون الجنائي للاتحاد الروسي (انتهاك قواعد السلامة والتشغيل؛ مما أدى، بسبب الإهمال، إلى وفاة شخصين أو أكثر). عموماً، فقد شكلت الوكالة الفيدرالية للنقل الجوي لجنة لدراسة المواد المتعلقة بعمل الطاقم الطاقم والحالة الفنية للطائرة المحطمة وتصرفات الخدمات الأرضية. في المقابل، ركزت وسائل الإعلام الحكومية حملات قوية تتهم الغرب بتدبير قتل بريغوجين بهدف إحراج الكرملين وإظهار أنه «انتقم» من رجل الأعمال بسبب التمرد العسكري الذي قاده قبل شهرين.

الأحزاب الروسية تترقب

مع العاصفة التي ثارت على مواقع التواصل الاجتماعي، حول الحادث، والتي حملت تأويلات كثيرة وصل بعضها إلى تأكيد أن «بريغوجين لم يمت»، وأن ما جرى مجرد لعبة لانتقال الرجل إلى حياة سرية، أو للتملص من التزامات شركة «فاغنر» حيال آلاف العائلات التي قضى أبناؤها نحبهم في الحرب، لكن مزاج الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان والتي تميل عادة للدفاع عن وجهات نظر الكرملين، بدا مختلفاً ويشوبه الحذر والترقب. وقال نائب مجلس الدوما ورئيس الخدمة الصحافية للحزب الشيوعي الروسي ألكسندر يوشينكو: «إنها مسألة تحقيق. ماذا حدث هناك؟ لا أحد يعرف أي شيء».

وزاد النائب: «أعتقد أنه ليست هناك حاجة إلى استخلاص أي استنتاجات متسرعة». وقال ياروسلاف نيلوف، نائب رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الليبرالي في مجلس الدوما: «مجموعات التحقيق تعمل، يبقي كل شيء تحت السيطرة».

ضباط شرطة روس أمام مقر «فاغنر» في سان بطرسبرغ (أ.ف.ب)

في حين أكد نائب رئيس مجلس الدوما فلاديسلاف دافانكوف عن حزب «الشعب الجديد»، أن حزبه سينتظر النتائج الرسمية للتحقيق: «وإذا كانت لدينا أسئلة، سنتقدم بالفعل بطلبات إلى الهيئات الرسمية».

في المقابل، امتنع ممثلو حزب «روسيا الموحدة» الحاكم عن التعليق، وأوصوا بانتظار نتائج التحقيق الرسمي في الحادث. كما رفض المكتب الصحافي لحزب «روسيا العادلة - من أجل الحقيقة» التعليق رسمياً، مشيراً إلى عدم وجود اتصال حالياً مع زعيم الحزب سيرغي ميرونوف. لكن النائب عن الحزب في مجلس الدوما نيكولاي نوفيتشكوف قال إنه، مثل «جميع الوطنيين في روسيا»، يأمل مخلصاً «أن يكون السيد بريغوجين الوطني والبطل الذي حارب من أجل روسيا، لا يزال على قيد الحياة».

أهمية هذه التعليقات تبرز من خلال مراجعة مواقف الأحزاب خلال استفحال الأزمة بين بريغوجين ووزارة الدفاع، في ذلك الوقت كانت كل الأحزاب تقريباً تدافع عن مواقف «فاغنر» وتدعو وزارة الدفاع والكرملين إلى عدم ترك «الأبطال» من دون تسليح وإمدادات كافية.

في وقت لاحق، أشارت معطيات إلى أن بعض زعماء الأحزاب مثل سيرغي ميرونوف كانت لهم مواقف حسبت لصالح بريغوجين أثناء التمرد المسلح. ولم يظهر ميرونوف بعد ذلك في نشاطات علنية.


مقالات ذات صلة

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

تُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
أوروبا أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز) play-circle 01:26

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

فجّر المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو، الاثنين، مفاجأة مدوية بتصدّره الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، حسب النتائج شبه النهائية، وسينافس سياسية مغمورة في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وبعد فرز أكثر من 99 في المائة من الأصوات، حصل كالين جورجيسكو (62 عاماً) المنتمي إلى اليمين المتطرف، والمعارض لمنح أوكرانيا المجاورة مساعدات والمناهض لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على 22.94 في المائة من الأصوات، متقدماً على إيلينا لاسكوني (52 عاماً)، وهي رئيسة بلدية مدينة صغيرة تترأس حزباً من اليمين الوسط وحلّت في المركز الثاني بـ19.17 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي أُجريت، الأحد.

إيلينا لاسكوني (52 عاماً) التي ستخوض الجولة الثانية في أثناء إدلائها بصوتها الأحد (إ.ب.أ)

وتراجع رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو الذي كان المرشح الأوفر حظاً، إلى المركز الثالث، بفارق نحو ألف صوت فقط عن لاسكوني (19.15 في المائة).

وحقّق جورجيسكو هذه النتيجة المفاجئة بعد أن أطلق حملة عبر تطبيق «تيك توك» ركزت على ضرورة وقف كل مساعدة لكييف، وحقّقت انتشاراً واسعاً خلال الأيام الماضية.

وعلّق جورجيسكو، الأحد، بالقول: «هذا المساء، هتف الشعب الروماني من أجل السلام، وهتف بصوت عالٍ للغاية».

وكان من المتوقع أن يبلغ الجولة الثانية جورج سيميون (38 عاماً)، زعيم تحالف اليمين المتطرف من أجل وحدة الرومانيين (أور)، لكنه حلّ رابعاً بـ13.87 في المائة من الأصوات. وهنّأ خصمه، معرباً عن سعادته بأن «سيادياً» سيترشح للجولة الثانية.

رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو يلقي خطاباً وهو محاط بكبار المسؤولين في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

وعوّل سيميون المعجب بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على خطاباته القومية، للاستفادة من غضب مواطنيه الذين يعانون الفقر بسبب التضخم القياسي.

كما أراد أن يُظهر نفسه معتدلاً؛ لكن ذلك «انعكس عليه سلباً بين الأكثر تطرفاً»، وفق ما قاله المحلل السياسي كريستيان بيرفوليسكو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تصويت مناهض للنظام

وأشار المحلل بيرفوليسكو إلى أن «اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات»؛ إذ نال أكثر من ثلث الأصوات، متوقعاً أن تنعكس هذه النتائج لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل. لكن حصول ذلك يؤشّر إلى مفاوضات صعبة لتشكيل ائتلاف.

جورج سيميون (38 عاماً) زعيم تحالف اليمين المتطرف يتحدّث للإعلام في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

ويحكم الديمقراطيون الاشتراكيون، ورثة الحزب الشيوعي القديم الذي هيمن على الحياة السياسية في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، حالياً في ائتلاف مع الليبراليين من حزب التحرير الوطني الذي هُزم مرشحه أيضاً.

وبات الرومانيون يعوّلون على المرشحين المناهضين للنظام، في ظل صعود الحركات المحافظة المتشددة في أوروبا، بعد عقد من حكم الليبرالي كلاوس يوهانيس، وهو من أشد المؤيدين لكييف. وتراجعت شعبيته لا سيما بسبب رحلاته المكلفة إلى الخارج المموّلة بالمال العام. ويرى خبراء أن اليمين المتطرف استفاد من مناخ اجتماعي وجيوسياسي متوتر في رومانيا المنضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبات لهذه الدولة الواقعة على حدود أوكرانيا دور استراتيجي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث ينتشر على أراضيها أكثر من 5 آلاف جندي من حلف «الناتو»، وتشكّل ممراً لعبور الحبوب الأوكرانية.

وتُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا المجاورتين. ويشغل رئيس الجمهورية منصباً فخرياً إلى حد كبير، لكنه يتمتع بسلطة معنوية ونفوذ في السياسة الخارجية. وتباينت المواقف حيال هذه النتائج في شوارع بوخارست، الاثنين. ورأى البعض فيها مفاجأة سارّة، مثل المتقاعدة ماريا شيس (70 عاماً) التي عدّت أن جورجيسكو «يبدو رجلاً نزيهاً وجاداً ووطنياً وقادراً على إحداث التغيير». وأوضحت أنها أُعجبت بمقاطع الفيديو التي نشرها على «تيك توك» مشيراً فيها إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا وتعهّده بـ«السلام والهدوء». وأضافت: «انتهى الخنوع للغرب، وليُفسح المجال لمزيد من الاعتزاز والكرامة».

في المقابل، أعرب آخرون، مثل أليكس تودوز، وهو صاحب شركة إنشاءات، عن «الحزن وخيبة الأمل أمام هذا التصويت المؤيّد لروسيا بعد سنوات عدة في تكتلات أوروبية أطلسية». وعدّ أنه بمثابة تصويت ضد الأحزاب التقليدية التي لحقت بها حملة «تضليل» على الشبكات الاجتماعية أكثر من كونه موقفاً مؤيداً لـ«الكرملين». وحول الجولة الثانية، فقد أعرب عن خشيته من أن «الرومانيين ليسوا مستعدين لانتخاب امرأة (لاسكوني)»؛ لصد اليمين المتطرف في هذا البلد؛ حيث لا تزال النعرات الذكورية راسخة.