استعجال بريغوجين… والشيطان في التفاصيل

يفغيني بريغوجين (أ.ب)
يفغيني بريغوجين (أ.ب)
TT

استعجال بريغوجين… والشيطان في التفاصيل

يفغيني بريغوجين (أ.ب)
يفغيني بريغوجين (أ.ب)

هل ينطبق على يفغيني بريغوجين القاعدة التي تقول: «مَنْ تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه»؟ وهل كان من الممكن أن يتحدّى بريغوجين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسيّة عام 2024، لو لم يتمرّد؟ حدث ما حدث، واتّبع الغرب وخاصة أميركا نصيحة نابوليون التي تقول: «إذا كان عدوّك يرتكب الأخطاء، فلا توقفه».

لذلك؛ حذّرت كييف من القيام بعمليات سريّة في الداخل الروسيّ خلال الفترة القصيرة للتمرّد، فالتزمت كييف بالتحذير. هاجم بريغوجين وزارة الدفاع، كما رئاسة الأركان. واتهمهما بالتقصير وسوء التخطيط، كما سوء إدارة الحرب. وبذلك يكون بريغوجين يهاجم الرئيس بوتين بطريقة غير مباشرة. فهو، أي بوتين، ومع وزير الدفاع، رئيس الأركان، إلى جانب عدد محدود جدّاً من دائرة الرئيس بوتين، من خطّط للحرب دون إعلام أي من القيادات العسكريّة العليا، أو حتى السياسيّة ضمناً وزير خارجيّته، والذي قال في الهند مؤخراً خلال قمّة دوليّة عقدت في دلهي: إن أوكرانيا هي من هاجمت روسيا.

قال بريغوجين الحقيقة حول الوضع الميداني في أوكرانيا. كما ضرب المصداقيّة التي قامت عليها الحرب، والتي اعتمد عليها الرئيس بوتين. لم يلقَ آذاناً صاغية، فتمرّد في المكان نفسه الذي تمرّد فيه الجنرال لافر كورنيلوف عام 1917، في مدينة روستوف جنوب روسيا. وحسب صحيفة «الغارديان»، لا يزال لدى بريغوجين تأييد داخلي معيّن، حتى لو تراجع بعد التمرّد، ووصل إلى 29 في المائة خلال وبعد إنهاء التمرّد بعد أن كان قبل التمرّد يقارب الـ58 في المائة (1643 شخصاً مُستطلعاً). فهو صادق مع الشعب الروسيّ حتى الوقاحة. وهو من أثبت قيادة عسكريّة ميدانيّة. زار الجبهات، شارك مقاتليه في مآسيهم ومعاناتهم اليوميّة. مقابل ذلك، هناك أخبار تقول إن الرئيس بوتين يستعمل حالياً شبيهاً له خلال تنقّله؛ خوفاً على امنه الشخصيّ - وهذا أمر مستبعد في حالة بوتين اليوم.

تراجع بريغوجين في منتصف الطريق إلى موسكو، فكان الفضل للرئيس البلاروسي. فماذا بعد؟ ما جمعته المصلحة والسلطة لا يفرّقه تمرّد بسيط. وإذا ارتبط اسم الرئيس بوتين بـ«الشيف» بريغوجين فقد ينطبق المثل الروسيّ على هذه العلاقة: «عندما يتكلم المال يصمت الصدق»، أو «تعطي الأعمى العينين فيطالبك بالحاجبين». لا يمكن للرئيس بوتين نكران العلاقة القريبة مع بريغوجين، حتى لو تبرّأ منه. فقد أصبح مصير بوتين يتعلّق مباشرة بما سيحقّقه الجيش الروسيّ في أوكرانيا من انتصارات وبسرعة. والعكس، قد يعني المزيد من شرعنة التمرّد الذي قاده المموّل السابق لمجموعة «فاغنر».

لا يمكن لبوتين أن يطبّق القول «إن الانتقام طبق من المفضّل أن يؤكل بارداً». فالوقت لا يسمح له. وهو مضطّر إلى إثبات قيادته واسترداد هيبته حتى ولو قلّل الكرملين من التأثير السلبي للتمرّد. وعليه، لبوتين مهمّتان صعبتان متزامنتان، هما: ترتيب وضع الداخل خاصة في وزارة الدفاع، الأركان والاستخبارات. وتفكيك إمبراطوريّة بريغوجين في الداخل الروسي وعبر العالم خاصة في أفريقيا.

إذا هناك 3 مستويات، أو دوائر للعمل في روسيا اليوم بعد التمرّد. الأولى، هي الداخل الروسيّ، وكل ما يحمله من أعباء وصعوبات. وقد يمكن تقسيم هذه الدائرة (الداخليّة) إلى دوائر عدة في الوقت نفسه. على سبيل المثال: من سيحلّ مكان «فاغنر»؟ أهي قوات رمضان قاديروف؟ من سيحلّ مكان بريغوجين؟ وهل يمكن تركه قريباً من المسرح الحربيّ الأوكرانيّ، كي يحصد المصداقيّة كلما تعثّر الجيش الروسيّ؟ وهل سيُخاط له الكثير من الملفات تتعلّق بالفساد لمحاكمته على أساسها، فيُطلب تسليمه من بيلاروسيا؟ ومن سيتحّكم بمؤسسات «فاغنر»، خاصة الإعلامية؟ وهل سيكون هناك قيادة موحّدة لـ«فاغنر»، أم قيادة متعددّة شرط أن تكون تحت إمرة من الكرملين؟ هل سيُطاح وزير الدفاع؟ ورئيس الأركان؟ متى؟ ومن سيحلّ مكانهما، وهما المحسوبان الأقرب إلى أذن الرئيس بوتين من ضمن طاعة عمياء له؟ كيف سيتمّ التعامل مع الضباط الكبار المقرّبين من بريغوجين؟ وكيف سيُعاد رسم العلاقة المدنيّة السياسيّة مع العسكر؟ وفي حال التغيير على صعيد القيادات العسكريّة، هل سيبقى مسار الحرب في أوكرانيا على النمط القديم نفسه؟ ومن أين سيأتي بضباط أفذاذ لقيادة الحرب على أوكرانيا، بعد أن كان التغيير في القيادات العسكريّة خلال الحرب هو النمط السائد؟ ألم يُطهّر جوزيف ستالين جيشه ممن يعارضه؟ وألم يُخرج ستالين بعض القيادات العسكريّة التي زجّها في السجن لقيادة حربه ضدّ هتلر؟ وألم يحقّق هؤلاء النصر له؟ هذا في الدائرة الأولى.

أما في الدائرة الثانية، وبعد أن عدَدْنا أن أوكرانيا تقع الآن ضمن اهتمامات الدائرة الأولى. فعلى بوتين تطمين الحلفاء، كما الدول المحايدة. من هنا الرسائل والاتصالات الدبلوماسيّة لوزير الخارجيّة سيرغي لافروف. وأخيراً وليس آخراً، لا بد من إعادة تأهيل مجموعة «فاغنر» في العالم وخاصة أفريقيا. هذا على الورق، أما في الحقيقة فإن الشيطان يكمن حتماً في التفاصيل.


مقالات ذات صلة

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون أوكرانيون يرتدون زياً عسكرياً خلال تدريبات عسكرية نظمها الجيش الأوكراني في كييف (أ.ف.ب)

القوات الروسية تعتقل رجلاً بريطانياً يقاتل مع أوكرانيا في كورسك

قال مصدر أمني لوكالة الإعلام الروسية إن القوات الروسية ألقت القبض على بريطاني يقاتل مع الجيش الأوكراني في منطقة كورسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المرشح لمنصب الرئيس كالين جورجيسكو يتحدّث لوسائل الإعلام في بوخارست (أ.ب)

مرشح مُوالٍ لروسيا يتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيّد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية برومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حقّقها رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

فجّر المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو، الاثنين، مفاجأة مدوية بتصدّره الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، حسب النتائج شبه النهائية، وسينافس سياسية مغمورة في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وبعد فرز أكثر من 99 في المائة من الأصوات، حصل كالين جورجيسكو (62 عاماً) المنتمي إلى اليمين المتطرف، والمعارض لمنح أوكرانيا المجاورة مساعدات والمناهض لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على 22.94 في المائة من الأصوات، متقدماً على إيلينا لاسكوني (52 عاماً)، وهي رئيسة بلدية مدينة صغيرة تترأس حزباً من اليمين الوسط وحلّت في المركز الثاني بـ19.17 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي أُجريت، الأحد.

إيلينا لاسكوني (52 عاماً) التي ستخوض الجولة الثانية في أثناء إدلائها بصوتها الأحد (إ.ب.أ)

وتراجع رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو الذي كان المرشح الأوفر حظاً، إلى المركز الثالث، بفارق نحو ألف صوت فقط عن لاسكوني (19.15 في المائة).

وحقّق جورجيسكو هذه النتيجة المفاجئة بعد أن أطلق حملة عبر تطبيق «تيك توك» ركزت على ضرورة وقف كل مساعدة لكييف، وحقّقت انتشاراً واسعاً خلال الأيام الماضية.

وعلّق جورجيسكو، الأحد، بالقول: «هذا المساء، هتف الشعب الروماني من أجل السلام، وهتف بصوت عالٍ للغاية».

وكان من المتوقع أن يبلغ الجولة الثانية جورج سيميون (38 عاماً)، زعيم تحالف اليمين المتطرف من أجل وحدة الرومانيين (أور)، لكنه حلّ رابعاً بـ13.87 في المائة من الأصوات. وهنّأ خصمه، معرباً عن سعادته بأن «سيادياً» سيترشح للجولة الثانية.

رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو يلقي خطاباً وهو محاط بكبار المسؤولين في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

وعوّل سيميون المعجب بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على خطاباته القومية، للاستفادة من غضب مواطنيه الذين يعانون الفقر بسبب التضخم القياسي.

كما أراد أن يُظهر نفسه معتدلاً؛ لكن ذلك «انعكس عليه سلباً بين الأكثر تطرفاً»، وفق ما قاله المحلل السياسي كريستيان بيرفوليسكو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تصويت مناهض للنظام

وأشار المحلل بيرفوليسكو إلى أن «اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات»؛ إذ نال أكثر من ثلث الأصوات، متوقعاً أن تنعكس هذه النتائج لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل. لكن حصول ذلك يؤشّر إلى مفاوضات صعبة لتشكيل ائتلاف.

جورج سيميون (38 عاماً) زعيم تحالف اليمين المتطرف يتحدّث للإعلام في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

ويحكم الديمقراطيون الاشتراكيون، ورثة الحزب الشيوعي القديم الذي هيمن على الحياة السياسية في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، حالياً في ائتلاف مع الليبراليين من حزب التحرير الوطني الذي هُزم مرشحه أيضاً.

وبات الرومانيون يعوّلون على المرشحين المناهضين للنظام، في ظل صعود الحركات المحافظة المتشددة في أوروبا، بعد عقد من حكم الليبرالي كلاوس يوهانيس، وهو من أشد المؤيدين لكييف. وتراجعت شعبيته لا سيما بسبب رحلاته المكلفة إلى الخارج المموّلة بالمال العام. ويرى خبراء أن اليمين المتطرف استفاد من مناخ اجتماعي وجيوسياسي متوتر في رومانيا المنضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبات لهذه الدولة الواقعة على حدود أوكرانيا دور استراتيجي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث ينتشر على أراضيها أكثر من 5 آلاف جندي من حلف «الناتو»، وتشكّل ممراً لعبور الحبوب الأوكرانية.

وتُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا المجاورتين. ويشغل رئيس الجمهورية منصباً فخرياً إلى حد كبير، لكنه يتمتع بسلطة معنوية ونفوذ في السياسة الخارجية. وتباينت المواقف حيال هذه النتائج في شوارع بوخارست، الاثنين. ورأى البعض فيها مفاجأة سارّة، مثل المتقاعدة ماريا شيس (70 عاماً) التي عدّت أن جورجيسكو «يبدو رجلاً نزيهاً وجاداً ووطنياً وقادراً على إحداث التغيير». وأوضحت أنها أُعجبت بمقاطع الفيديو التي نشرها على «تيك توك» مشيراً فيها إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا وتعهّده بـ«السلام والهدوء». وأضافت: «انتهى الخنوع للغرب، وليُفسح المجال لمزيد من الاعتزاز والكرامة».

في المقابل، أعرب آخرون، مثل أليكس تودوز، وهو صاحب شركة إنشاءات، عن «الحزن وخيبة الأمل أمام هذا التصويت المؤيّد لروسيا بعد سنوات عدة في تكتلات أوروبية أطلسية». وعدّ أنه بمثابة تصويت ضد الأحزاب التقليدية التي لحقت بها حملة «تضليل» على الشبكات الاجتماعية أكثر من كونه موقفاً مؤيداً لـ«الكرملين». وحول الجولة الثانية، فقد أعرب عن خشيته من أن «الرومانيين ليسوا مستعدين لانتخاب امرأة (لاسكوني)»؛ لصد اليمين المتطرف في هذا البلد؛ حيث لا تزال النعرات الذكورية راسخة.