هل تكلفة استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا أكبر من مكاسبه؟

محللون: ساعد في تجديد الترسانات الغربية وتوفير الوظائف وظهور أسواق جديدة للطاقة وأعطى فرصة لدول أوروبا الشرقية للتخلص من مخزوناتها السوفياتية

أمين عام «الناتو» يعلن عن مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا خلال اجتماع قاعدة رامشتين في ألمانيا (ا.ف.ب)
أمين عام «الناتو» يعلن عن مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا خلال اجتماع قاعدة رامشتين في ألمانيا (ا.ف.ب)
TT

هل تكلفة استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا أكبر من مكاسبه؟

أمين عام «الناتو» يعلن عن مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا خلال اجتماع قاعدة رامشتين في ألمانيا (ا.ف.ب)
أمين عام «الناتو» يعلن عن مزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا خلال اجتماع قاعدة رامشتين في ألمانيا (ا.ف.ب)

بعد مرور أكثر من عام على بدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وانتهاء فصل الشتاء وجفاف الأراضي الخصبة في جنوب وشرق البلاد وفي الوقت الذي تستعد فيه كييف لشن هجوم مضاد على القوات الروسية، يثور سؤال مهم أمام الحلفاء الغربيين: هل تستحق أوكرانيا كل هذا الدعم؟ وإذا كانت كذلك، فلماذا؟

يقول الكاتب الروسي المقيم في ألمانيا ليونيد بيرشدسكي في تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن التأييد الشعبي في مختلف الدول الغربية لاستمرار تزويد أوكرانيا بالأسلحة يتراجع؛ ففي الولايات المتحدة تزداد نسبة المواطنين الذين يرون أن ما تقدمه الإدارة الأمريكية لأوكرانيا أكثر مما يجب. وفي ألمانيا ترى أغلبية واضحة أن الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة الأوكرانية غير كافية.

وفي حين تتفق المؤسسات السياسية والأمنية الغربية باستثناءات قليلة خصوصاً المجر، على ضرورة هزيمة روسيا لحماية النظام الليبرالي في العالم، ومنع تمدد العدوان الروسي، وتعليم الحكام المستبدين في العالم درساً حتى لا يحاولوا السير على خطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هناك ملايين المواطنين من خارج هذه المؤسسات لا تحركهم هذه الحجج.

وبالنسبة للكثيرين الذين يعيشون في ألمانيا أو فرنسا أو اليابان، يعد النظام العالمي الليبرالي تعبيراً مجرداً في أفضل الأحوال، ومحاولة لوضع لمسة جميلة وإيجابية على الهيمنة الأميركية على العالم.

وفي كل هذه الدول وفي الولايات المتحدة أيضاً لا يتصور المواطنون أن روسيا يمكنها مهاجمة مدنهم كما تفعل في المدن الأوكرانية الآن.

وحتى التضامن مع الشعب الأوكراني الذي يتعرض لعدوان غاشم واضطر للفرار من بلاده، لم يعد قضية جذابة عالمياً.

فأوكرانيا معروفة كدولة فاسدة، وأحدث فضيحة تورطت فيها أكبر جمعية خيرية أوكرانية في إستونيا أظهرت كيف يمكن تحويل المساعدات لغير مستحقيها بسهولة. كما أن الكثيرين من الأوروبيين المتطوعين لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين في دولهم، يرون أن هذه المساعدة أفضل من إرسال الأسلحة أو الطائرات المسيرة للقوات الأوكرانية.

وعندما تدعو الحكومات المواطنين الغربيين لدعم أوكرانيا، فهي تعتمد بشدة على البعد الأخلاقي والعاطفي: أغلب الشعوب تتفق على أن شن حرب من أجل الغزو تصرف خطأ، وأن التعذب أمر بغيض وانه يجب حماية الشعوب المسالمة.

لكن مثل هذه المشاعر التضامنية يمكن أن تتلاشى خاصة في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم العالمية الناتجة عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا والعقوبات التي تم فرضها على موسكو وتزايد المخاوف من مواجهة نووية مع رئيس مثل بوتين.

لذلك إذا أرادت الحكومات استمرار التأييد الشعبي لأوكرانيا، فإنها تحتاج لتقديم حجج ومبررات تستند للمصالح الذاتية المباشرة للناخبين المشتتين وضعاف الثقة. لذلك تتحدث الحكومات ومؤيدوها عن قلة الثمن المدفوع لدعم أوكرانيا مقارنة بالفوائد الناتجة عن التصدي لأطماع بوتين. وكما يقول الصحفي الأوكراني فيتالي سيزوف فإن مستوى الدعم الغربي الحالي لأوكرانيا هو ثمن بسيط يتم دفعه لوقف روسيا العدوانية والتي لا يمكن التنبؤ بتحركاتها دون ان يحتاج حلف الناتو لإرسال جنوده لساحة المعركة. فإجمالي الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا حتى الآن بلغ 8ر76 مليار دولار وهو لا يزيد عن 2ر1 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي الأمريكي في العام الماضي. كما أن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا التي بلغت 46.6 مليار دولار تعادل 3ر5 فقط من الإنفاق العسكري الأمريكي خلال

العام الماضي.

كما أن أغلب الأموال التي رصدتها لأوكرانيا، خرجت من الأراضي الأمريكية في صورة أسلحة ومعدات الأمريكية ساعدت في توفير وظائف للأمريكيين، لآن قطاع الصناعات العسكرية والجوية الأمريكية مسؤولة عن توفير حوالي 2 في المائة من الوظائف في الولايات المتحدة.

الأكثر من ذلك، يقول رافائيل كوهين وجيان جينتل من مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث إن أغلب المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا جاءت من الأسلحة الموجودة والمخزنة وبعضها متقادم، وهو ما يعني أن الكونجرس عندما يصوت على تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، فإنه يتيح للحكومة الأمريكية تحديث ترسانتها العسكرية.

وفي أوروبا أيضا أدت المساعدات العسكرية التي قدمتها دول القارة لأوكرانيا بقيمة 5ر23 مليار دولار إلى تحفيز الصناعات العسكرية التي توفر 8ر3 مليون وظيفة مباشرة، وتدفع أكثر من 140 مليار يورو في صورة أجور سنوية. كما أتاحت الحرب الروسية في أوكرانيا لدول أوروبا الشرقية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق فرصة التخلص من مخزوناتها العسكرية القديمة، وتعاقدت مع الشركات الألمانية والبريطانية والفرنسية على تزويدها بأسلحة وذخائر جديدة.

فرقى من سلاح الجو الأوكراني مع طائرة سيخوي-25 التي تعود للحقلبة السوفياتية(ا.ب)

كما تقول الحكومات الأوروبية إنه إذا كانت الحرب والعقوبات التي فرضتها أوروبا على روسيا بسببها قد أدت لخسائر اقتصادية وبخاصة للمصدرين الأوروبيين، حيث ساهمت في تسجيل الاتحاد الأوروبي عجزا تجاريا قياسيا في العام الماضي، فإن هذا السيناريو ساعد أوروبا في إيجاد المزيد من أسواق التصدير البديلة حاليا كما حدث في سوق الطاقة.

وهناك أزمة المهاجرين في أوروبا والتي يمكن أن يؤدي انتصار روسيا في الحرب إلى تفاقهما. فالاجتياح الروسي لأوكرانيا أدى إلى تدفق ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى باقي دول أوروبا بصورة لم تحدث حتى مع طوفان الهجرة الذي وصلها في السنوات الأولى للحرب الأهلية في سوريا. ووفق تقديرات الأمم المتحدة فر حوالي 2ر8 مليون أوكراني إلى أوروبا بسبب الحرب، في حين وصل 2ر5 مليون مهاجر غير شرعي من دول الشرق الأوسط وأفريقيا حتى نهاية 2016 لكن الحكومات الأوروبية تقول إنه إذا خرجت أوكرانيا منتصرة من الحرب سيعود أغلب الأوكرانيين إلى ديارهم ولن يظل في أوروبا إلا عدد قليل من الأشخاص الذين تحتاجهم سوق العمل واندمجوا في الدول التي لجأوا إليها. أما إذا انتصرت روسيا فسيبقى ملايين الأوكرانيين في الدول الأوروبية مع ما يمثلونه من ضغط على مستويات معيشة المواطنين.

أخيرا، يقول بيرشدسكي إنه إذا عجزت الحكومات الغربية عن تقديم المزيد من الحجج التي تخاطب المصالح الذاتية للناخين لضمان استمرار إرسال الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا، لن يصمد الأوكرانيون طويلا خاصة إذا فشل هجومهم المضاد المنتظر على القوات الروسية. ولما كان انتهاء الحرب قريبا أمر غير محتمل حاليا، فإنه على السياسيين الغربيين التأكد من أن ناخبيهم لن يدركوا أن هؤلاء السياسيين أصروا منذ البداية على مواصلة الأخطاء باهظمة التكلفة في التعامل مع الحرب الأوكرانية


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب) play-circle 01:12

أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي بعد استهدافها بصاروخ باليستي روسي

أعلن الرئيس الأوكراني، الجمعة، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي، بعدما استهدفتها روسيا، هذا الأسبوع، بصاروخ باليستي فرط صوتي.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
TT

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم أمس (الجمعة)، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة في أعقاب الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

وقال زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو: «عندما يبدأ شخص ما في استخدام دول أخرى ليس فقط للإرهاب، ولكن أيضاً لاختبار صواريخهم الجديدة من خلال الإرهاب، فإن هذه بالتأكيد جريمة دولية».

وقال زيلينسكي إن سلوك روسيا «يسخر» من مواقف الصين ودول الجنوب العالمي الداعية إلى الاعتدال. داعياً مرة أخرى إلى رد فعل قوي من المجتمع الدولي.

كما وجه زيلينسكي نداء إلى مواطنيه والدبلوماسيين الأجانب العاملين في كييف. وقال إن أوكرانيا تعمل على تعزيز دفاعها الجوي. ومع ذلك، يجب أن يؤخذ كل إنذار بغارة جوية بشكل جدي، ويجب الاحتماء في حالة الخطر.

وفي الوقت نفسه، قال إنه لا ينبغي استخدام التهديد المحتمل من هجوم صاروخي روسي كذريعة للتوقف عن العمل، في إشارة إلى السفارات المغلقة جزئياً في البلاد.

وأضاف: «عندما تنطلق صفارة الإنذار، نذهب للاحتماء. وعندما لا تكون هناك صفارة إنذار، نعمل ونخدم»، مشيراً إلى أن بوتين سيواصل ترويع أوكرانيا «لقد بنى قوته الكاملة على هذا».