تسعى فرنسا لتعزيز شراكتها الإستراتيجية مع الهند التي أبرمت قبل 25 عاما. ولهذا الغرض، فقد دعت رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي ليكون ضيف الشرف في الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، وحضور العرض العسكري الذي يجرى، تقليديا، في 14 يوليو (تموز) من كل عام، وهو يخلد الثورة الفرنسية التي انطلقت في التاريخ المذكور عام 1789.
ودأب الرؤساء الفرنسيون على اغتنام المناسبة وسيلة لتعزيز علاقات قائمة أو بناء علاقات جديدة. وفي العام الأول من ولايته الأولى (2017) دعا الرئيس إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي دونالد ترمب ليكون ضيف الشرف، ووقتها أعجب الأخير بما رآه إلى درجة الإعلان أنه سيطلب من وزير الدفاع الأميركي تنظيم شيء مشابه في واشنطن بمناسبة العيد الوطني الأميركي.
وأمس، أصدرت باريس ونيودلهي بيانا مشتركا جاء فيه أن كتيبة عسكرية هندية سوف تشارك في العرض العسكري إلى جانب القوات الفرنسية وأن مجيء مودي الى باريس، بهذه المناسبة، «سيشكل فرصة لتحديد أهداف طموحة في مجالات التعاون الإستراتيجي والعلمي والجامعي والاقتصادي وفي عدد كبير من المجالات الصناعية».
وأضاف البيان أن البلدين «يتشاركان الرؤية نفسها بخصوص الأمن والسلام إن في أوروبا أو في منطقة الهندي ـ الهادي» وأنهما «يدافعان عن مبادئ وأهداف شرعة الأمم المتحدة التي يقوم عليها تعاونهما» في المنطقة الأخيرة.
ووصفت باريس زيارة مودي بأنها «تاريخية» وأنها «ستوفر الفرصة لإطلاق مبادرات مشتركة من أجل الرد على تحديات الزمن الراهن» التي ذكر منها البيان المشترك التحدي البيئوي والتنمية المستدامة والتعددية القطبية. وتجدر الإشارة الى أن الهند تترأس العام الجاري مجموعة العشرين.
وليس سرا أن باريس كغيرها من القوى الكبرى، تولي شرق آسيا - منطقة الهندي والهادي أهمية استثنائية لعدة أسباب رئيسية، منها أنها ستضم، بحلول العام 2040، 75 بالمائة من سكان العالم وأن الهند أصبحت الدولة الأولى في العالم من حيث عدد سكانها، متفوقة بذلك على الصين.
يضاف إلى ما سبق أن الاقتصاديين يرون فيها، للسنوات القادمة، نقطة الارتكاز الاقتصادي في العالم. بيد أنها، بالمقابل، آخذة بالتحول الى ميدان منافسة مفتوح بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، كما أن الهند تعد منافسا رئيسيا للصين.
في السنوات الأخيرة، تحاول فرنسا تعزيز حضورها في المنطقة حيث تتمتع بممتلكات شاسعة مثل كاليدونيا الجديدة وأرخبيلات بولينيزيا والقطب الجنوبي وغيرها.
وتنشر فرنسا 7 آلاف جندي في هذه المناطق وعشر فرقاطات وطائرات مراقبة وقتالية... وبعد أن كانت تراهن على أستراليا لتعزيز وجودها في المنطقة مستندة الى العقد العسكري الضخم الذي أبرم بين البلدين (فرنسا وأستراليا)، والذي نص على حصول كانبيرا على 12 غواصة تعمل بالدفع التقليدي وقيمتها تزيد على خمسين مليار يورو، إلا أن فسخ العقد في سبتمبر (أيلول) من العام 2021، شكل ضربة للطموحات الفرنسية. لذا قررت باريس التركيز على الهند التي تعد زبونا مهما للمبيعات المدنية والعسكرية الفرنسية.
ففي فبراير (شباط) الماضي، أبرمت شركة الطيران الهندية عقدا كبيرا مع كونسورسيوم إيرباص ستحصل بموجبه على 250 طائرة إيرباص. وقبل ذلك بخمس سنوات، وقع عقد ثنائي تشتري الهند بموجبه 36 طائرة قتالية فرنسية من طراز «رافال» تصنعها شركة «داسو» للطيران وبلغت قيمة العقد 7.8 مليار يورو، ما يجعل الهند أحد أهم الأسواق للسلاح الفرنسي.
بيد أن الإعلان الفرنسي - الهندي المشترك لجهة تعزيز التعاون الإستراتيجي الذي يعني في جانب منه الجانب الدفاعي والعسكري، صدر في الوقت الذي فتحت فيه النيابة المالية الفرنسية تحقيقا أوليا حول اتهامات بالفساد ضد شركة «طاليس» للإلكترونيات بخصوص حصولها على عقد لتجديد طائرات ميراج 2000 فرنسية الصنع بالتشارك مع «داسو».
ويأتي فتح التحقيق انطلاقا من دعوى قدمها مواطن هندي مقيم في بريطانيا، اتهم فيها «طاليس» بعدم الإيفاء باتفاق ينص على حصوله على عمولة من 20 مليون يورو مقابل تسهيل مهمة «طاليس» للحصول على عقد التجديد في العام 2011، البالغة قيمته 1.4 مليار يورو.
ويجرم القانون الفرنسي دفع العمولات، التي يعدها عمليات فساد وإفساد. من جانبها، نفت الشركة الفرنسية الاتهامات المسوقة ضدها، مؤكدة احترامها وتطبيقها للقوانين الفرنسية.
أما على المستوى السياسي، فإن باريس تحرص على ألا تكون جزءا من المحور الأميركي أو الصيني المتنافسين، وأن تتمتع باستقلالية القرار، وهو ما كرره الرئيس ماكرون بعد انتهاء زيارته للصين وأثار موجة استغراب لدى حلفاء فرنسا ولدى عدد من شريكاتها في الاتحاد الأوروبي.