أكثر من نصف أطفال جنوب الصحراء الكبرى لا يملكون شهادة ميلاد أو هوية

إثيوبيا والصومال الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة إذ إن نسبة الأطفال الذين لديهم شهادة ميلاد هناك لا تزيد على 3 % (رويترز)
إثيوبيا والصومال الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة إذ إن نسبة الأطفال الذين لديهم شهادة ميلاد هناك لا تزيد على 3 % (رويترز)
TT

أكثر من نصف أطفال جنوب الصحراء الكبرى لا يملكون شهادة ميلاد أو هوية

إثيوبيا والصومال الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة إذ إن نسبة الأطفال الذين لديهم شهادة ميلاد هناك لا تزيد على 3 % (رويترز)
إثيوبيا والصومال الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة إذ إن نسبة الأطفال الذين لديهم شهادة ميلاد هناك لا تزيد على 3 % (رويترز)

في دول العالم المتقدمة، يكاد يكون من غير المعقول أن يولد طفل دون أن تكون له شهادة ميلاد، غير أن هذا الأمر شائع للغاية في الكثير من البلدان الأفريقية، إذ تشير بيانات لصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) إلى أن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 أعوام والمسجلين رسمياً في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا لا تزيد على النصف فقط. ويترتب على هذا الأمر عواقب وخيمة تؤثر على فرص الأطفال غير المسجلين في التعليم والرعاية الصحية والعمل، والتمتع بحقوق الإنسان، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

تعد أفريقيا التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.3 مليار نسمة، القارة الأكثر شباباً بين قارات العالم، إذ تتراوح أعمار ثلث السكان في الدول الـ46 الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، بين 10 و24 عاماً. في الوقت نفسه، ينمو سكان هذه المنطقة بأسرع معدل في العالم. ومن المنتظر وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة أن يصل عدد سكان هذه المنطقة بحلول عام 2050 إلى 2.1 مليار نسمة، ملايين منهم بلا هوية قانونية.

تعتبر إثيوبيا والصومال الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة؛ حيث توضح منظمة «اليونيسف» أن نسبة الأطفال الذين لديهم شهادة ميلاد هناك لا تزيد على 3 في المائة من جميع الأطفال دون سن الخامسة، بينما تصل هذه النسبة إلى 14 في المائة في زامبيا. أما في تنزانيا وأنغولا وتشاد، فإن هذه النسبة تقارب 25 في المائة؛ وتبلغ هذه النسبة نحو 33 في المائة (الثلث) في أوغندا وجنوب السودان. من جانبها، تقول أماندين بولينجر، رئيسة حماية الطفل في «اليونيسف» في أنغولا: «تمنح شهادة الميلاد الطفل وجوداً قانونياً واسماً رسمياً وجنسية وأساساً للحياة. فمن دون تسجيل الميلاد، يتعرض الطفل للظلم مع بداية حياته».

وأوضحت بولينجر أن أول هذه التداعيات يتمثل في غالب الأحوال في عدم حصول الطفل الذي ليست له شهادة ميلاد على التطعيمات الوقائية، لافتة إلى أن هذا الأمر يعد بداية سيئة للحياة. وقالت إن هؤلاء الأطفال – الذين سيصبحون بالغين لاحقاً - لا يمكنهم إثبات هوياتهم أو أعمارهم، ولا يمكنهم فتح حساب بنكي أو ممارسة حق التصويت أو التملك أو الحصول على إرث أو التقدم لوظيفة في سوق العمل القانونية، كما أنهم غير محميين من الاتجار بالبشر أو زواج الأطفال، فضلا عن أنهم معرضون لخطر الاستغلال كجنود أطفال.

هناك العديد من الأسباب لانخفاض نسبة تسجيل المواليد، ففي أفريقيا تتم الولادات في الغالب في المنازل، وغالباً ما يكون ذلك في مناطق ريفية نائية. ولا يمتلك العديد من الآباء الوثائق اللازمة لتقديم طلب للحصول على شهادة ميلاد. وفي بعض الحالات، ينكر الرجال أبوتهم أو يكونون غير موجودين. بالإضافة إلى ذلك، لا تدرك الكثير من الأمهات بسبب تدني مستواهن التعليمي أن عليهن تسجيل أطفالهن.

أول هذه التداعيات يتمثل في غالب الأحوال في عدم حصول الطفل الذي ليست له شهادة ميلاد على التطعيمات الوقائية (رويترز)

بدورها، تقوم جانيينا بابتيستا، كبيرة طبيبات النساء في مستشفى كاجوييرو في العاصمة الأنغولية لواندا، بتلخيص التداعيات، قائلة: «الطفل غير المسجل هو طفل غير موجود. إنه غير موجود في النظام». تقول بابتيستا إن طاقمها يحاول تثقيف النساء الحوامل حول أهمية شهادات الميلاد، لكن في مستشفى مزدحم مع موظفين مثقلين بالأعباء يكون هذا الأمر محدود الإمكانية.

تعد الأمهات اللاتي يلدن في مستشفى كاجوييرو محظوظات، إذ إنه المستشفى الحكومي الوحيد في أنغولا الذي يحتوي على مكتب مدمج لتسجيل المواليد. وكان هناك 25 مكتب تسجيل آخر في المستشفيات تم إغلاقها أثناء جائحة «كورونا» ولم تتم إعادة فتح هذه المكاتب حتى الآن.

ومع ذلك، فإن من غير الممكن تسجيل المواليد الجدد في مستشفى كاجوييرو إلا في أوقات محددة بين الساعة 8 صباحاً و3 مساءً يومياً، وهو ما يعني أن المرأة التي تلد في أوقات أخرى ستجد أبواب مكاتب التسجيل مغلقة.

أنجبت كلوديا لوبيز ابنها قبل ساعات قليلة، وها هي تنتظر الخروج من المستشفى، غير أن هذه الشابة (22 عاماً) لم تسمع قط عن إمكانية تقديم طلب للحصول على شهادة ميلاد للطفل الصغير لوكاس. لا تحمل كلوديا وثائق خاصة بها ولا وثائق تخص والد الطفل، وقالت: «ولكن الآن بعدما علمت بذلك، سأعود وأقوم بذلك».

لكن حتى إذا تم إعلام الآباء بأهمية شهادة الميلاد، فإن الكثير منهم يواجه عقبات بيروقراطية كبيرة. تبلغ مادالينا زونجو من العمر 17 عاماً، وهي أم تعيش في منطقة جرافانيل ذات الدخل المنخفض في لواندا. لا تستطيع مادالينا تسجيل ابنها غابرييل البالغ من العمر شهراً واحداً، لأنها هي نفسها لا تملك شهادة ميلاد كما أن والد طفلها غير موجود. وتقول مادالينا إن والديها أيضاً لا يملكان وثائق سارية، ومن ثم فليس هناك أمل كبير في أن يتم تسجيل الطفل غابرييل يوماً ما. وتقول بولينجر: «إنها دائرة مفرغة. إذا لم يتم تسجيل الأطفال عند الولادة، فإن فرصهم في تسجيل أنفسهم في وقت لاحق من حياتهم، تكون ضئيلة للغاية».

تشعر مادالينا بالقلق لأنها تعرف من تجربتها الشخصية أن عدم وجود شهادة ميلاد يحرم الإنسان من العديد من الفرص في الحياة. لقد واجهت هي نفسها صعوبات في الالتحاق بالمدرسة حتى إنها لم تتمكن من الالتحاق بالصف الأول الابتدائي إلا وهي في سن الحادية عشرة، لكنها تركت المدرسة بعد انتهاء الصف الثالث وهي في سن الثالثة عشرة، وتقول مادالينا عن ذلك: «كان الأمر صعباً للغاية، إذ كان يتعين عليّ في كل عام دراسي جديد أن أقدم طلب التحاق من جديد. لقد استسلمت».

هناك ملايين الأشخاص في أفريقيا من دون شهادة ميلاد، ما يسبّب الفقر ويدمر الآفاق المستقبلية - وهي أسباب تدفع الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

لكن حتى أولئك الذين يتمكنون من الوصول إلى أوروبا، يواجهون نفس العقبة مرة أخرى: فمن دون وثائق هوية لا يمكنهم إثبات هويتهم. وعن ذلك تقول بولينجر: «هذا يجعل فرصهم في طلب اللجوء أقل. أو يجعلهم يشعرون بأنهم مضطرون لانتحال هوية مزيفة أو مزورة».

يذكر أن النقاش الدائر في دول أوروبية متضررة من الهجرة غالباً ما يوجه اتهاماً للمهاجرين غير النظاميين بإلقاء جوازات سفرهم عمداً أثناء رحلة اللجوء، لكن الحقيقة هي أن العديد منهم لا يملكون وثائق هوية من الأساس.


مقالات ذات صلة

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

رياضة عالمية منتخب سيدات المغرب من المرشحات لجائزة الأفضل في القارة الأفريقية (الشرق الأوسط)

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، اليوم (الأربعاء)، القوائم المرشحة للحصول على جوائزه لعام 2024 في فئة السيدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية كولر مدرب الأهلي المصري ينافس 4 مدربين لمنتخبات على الأفضل في أفريقيا (أ.ف.ب)

«كاف»: 5 مرشحين لجائزة أفضل مدرب في أفريقيا

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عن القائمة النهائية للمرشحين لجائزة أفضل مدرب في القارة السمراء في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف حكيمي (أ.ب)

حكيمي يتصدر قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

ينافس المغربي الدولي أشرف حكيمي بقوة على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا للعام الثاني على التوالي بعد دخوله القائمة المختصرة للمرشحين، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
أفريقيا وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)

روسيا تسعى لطرح نفسها شريكاً لا غنى عنه لأفريقيا

سعت موسكو خلال مؤتمر وزاري روسي أفريقي عقد السبت والأحد في سوتشي (جنوب غرب) إلى فرض نفسها شريكاً لا غنى عنه للدول الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (سوتشي - لندن)

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.