هل يوحّد خطر الإرهاب دول الساحل؟

مالي والنيجر وبوركينا فاسو تناقش تشكيل «فيدرالية»

متظاهرون في نيامي بالنيجر بمناسبة لقاء رؤساء حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي في 29 ديسمبر الماضي (رويترز)
متظاهرون في نيامي بالنيجر بمناسبة لقاء رؤساء حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي في 29 ديسمبر الماضي (رويترز)
TT

هل يوحّد خطر الإرهاب دول الساحل؟

متظاهرون في نيامي بالنيجر بمناسبة لقاء رؤساء حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي في 29 ديسمبر الماضي (رويترز)
متظاهرون في نيامي بالنيجر بمناسبة لقاء رؤساء حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي في 29 ديسمبر الماضي (رويترز)

توصف دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو بأنها من بين أفقر دول العالم، وأكثرها هشاشة اقتصادية وأمنية، وهي وضعية تعقدت أكثر بسبب خطر الإرهاب الذي يضربها منذ أكثر من عشر سنوات، ولكن العسكريين الذين يحكمون هذه الدول الثلاث بعد أن دخلوا في قطيعة مع الغرب ودول الجوار، يحلمون بإقامة «وحدة فيدرالية» تمكنهم من مواجهة التحديات المشتركة.

قواسم مشتركة كثيرة تجمعُ هذه الدول الثلاث، عدا الفقر والهشاشة الأمنية، لعل من أبرزها أنها تعيش أوضاعاً دستورية استثنائية بعد انقلابات عسكرية قادت الجيوش فيها إلى سدة الحكم، ما جعلها تخضعُ لحصار إقليمي قوي، ودفعها إلى إقامة تحالف استراتيجي مع روسيا.

قوات «إيكواس» في أثناء تأديتها مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

وفي إطار توجهاتها الجديدة، أقامت الدول الثلاث، العام الماضي، تحالفاً عسكرياً تحت اسم «تحالف دول الساحل» يهدف إلى توحيد الجهود من أجل محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، كما أعلنت نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، الانسحاب الرسمي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).

ولكن الخطوة الأبرز، تلك التي أعلن عنها وزراء من الدول الثلاث خلال اجتماع في بوركينا فاسو نهاية الأسبوع الماضي، وهي رغبتهم في إقامة نظام فيدرالي من شأنه، لو تحقق، أن يكون خطوة غير مسبوقة في تاريخ منطقة الساحل.

خلال الاجتماع المذكور، ناقش عدد من الخبراء والمسؤولين فكرة إقامة «كونفدرالية» بين الدول الثلاث في المرحلة الأولى، من شأنها أن تمهد الطريق نحو إقامة «نظام فيدرالي» في المستقبل. وقال وزير الدفاع في بوركينا فاسو الجنرال قاسم كوليبالي: «إن واغادوغو تمنحنا اليوم الفرصة لقطع خطوة إضافية نحو مواصلة وضع الآليات والأدوات والإجراءات التي تعزز تحالفنا». وأضاف الوزير أن الاجتماع من شأنه أن يفضي إلى «وضع الهيكلة النهائية للكونفدرالية التي تطمح لها الدول الثلاث».

جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

وقال وزير الدفاع النيجري الجنرال سيالفيو مودي: «هذه الآليات ستعزز من التحالف الذي أقمناه، كما ستفضي إلى كونفدرالية فعالة، وهدفنا الوحيد هو تحقيق السعادة والرفاهية لشعوبنا».

ويقود هذه المساعي الحالمة مجموعة من الجنرالات في البلدان الثلاثة، ولكن عليهم قبل ذلك أن يتجاوزوا مصاعب جمة تتعلق بالتنسيق الأمني والعسكري على الحدود، لاستعادة السيطرة على مناطق واسعة من دولهم لا تزال تقع تحت سيطرة تنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وتتمركز التنظيمات الإرهابية في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وهي منطقة توصف بأنها الأكثر خطورة في الساحل، وتجد جيوش الدول الثلاث صعوبة كبيرة في اختراقها، حيث تشكل منذ سنوات قواعد خلفية لتدريب المقاتلين الإرهابيين على شن الهجمات الإرهابية.

ورغم أن جيوش الدول الثلاث عقدت صفقات سلاح ضخمة من روسيا وتركيا، خاصة لتعزيز قدراتها الجوية، كما استعان كل من مالي وبوركينا فاسو بمجموعة «فاغنر» الروسية، إلا أن مناطق واسعة من الدول الثلاث لا تزال خارج سيطرة الجيش، ولا يزال مستوى التنسيق الأمني على الحدود ضعيفاً.

ومن أجل حل هذه المعضلة، كثف قادة جيوش الدول الثلاث من اللقاءات التشاورية الهادفة إلى وضع إطار أمني وعسكري فعال لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات الاستخباراتية، على غرار زيارة قام بها قائد أركان جيش النيجر، الجنرال موسى بارو، إلى مالي قبل أيام، أعلن بشكل رسمي أنها تهدف إلى «تقوية التعاون الثنائي في مجال الأمن ومحاربة الإرهاب».

متظاهرون يرفعون علماً روسياً في نيامي 3 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وبالفعل، أجرى الجنرال النيجري لقاء مطولاً مع نظيره المالي الجنرال عمر ديارا، ناقشا خلاله ملف الأمن وآليات تعزيز التنسيق العسكري في إطار «تحالف دول الساحل»، وجاء في بيان رسمي أنهما اتفقا على تسريع وضع آليات التنسيق العسكري والأمني.

وقال قائد أركان جيش النيجر في تصريح صحافي، إنه سيعمل خلال الفترة المقبلة على عقد لقاءات مماثلة مع أقرانه العسكريين في مالي وبوركينا فاسو، من أجل الوقوف في وجه الهجمات الإرهابية التي ما فتئت تشنها التنظيمات الإرهابية على الحدود.

ورغم أنه قد مر أكثر من ستة أشهر على إقامة «تحالف دول الساحل»، فإن مستوى التنسيق الأمني والعسكري فيما بينها لا يزال ضعيفاً، ولا تزال التنظيمات الإرهابية تمتلك القدرة على التحرك بحرية كبيرة في المثلث الحدودي، رغم أن جيوش هذه الدول حققت بعض الانتصارات، ولكنها لا تزال انتصارات محدودة وتمت بشكل فردي.

وبالتزامن مع هذه الوضعية الصعبة، عقد الرئيس الانتقالي في مالي العقيد أسيمي غويتا يوم الاثنين الماضي، اجتماعاً مع قادة الجيش والأمن، وأكد للجميع أنه «لا راحة قبل القضاء على أي تهديد لوحدة مالي الترابية».

وقال وزير الدفاع المالي عقب الاجتماع، في تصريحات نشرت، الأربعاء، إن الجيش المالي أصبح يتمتع بتسليح جيد، ولديه مؤهلات لاستعادة السيطرة على جميع التراب المالي، ولكنه لن يتوقف عند ذلك، بل إنه يسعى إلى مساعدة النيجر وبوركينا فاسو على محاربة الإرهاب.

وفيما يدفع خطر الإرهاب دولَ الساحل (النيجر ومالي وبروكينا فاسو) إلى التوحد، فإن العسكريين الذين يحكمون هذه الدول الهشة يعتمدون على خطر الإرهاب بوصفه حجة للبقاء في سدة الحكم، وتعطيل العمل بالدستور وإعلان حالة الطوارئ، ويرفضون أي حديث عن انتخابات رئاسية في الأفق القريب.


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا قادة من الجيش يشرحون للرئيس الموريتاني الترسانة التي اقتنوها لتحديث معدات الجيش

الجيش الموريتاني يدخل سباق التسلح ويقتني مسيّرات

أطلق الجيش الموريتاني (الأربعاء) مناورات عسكرية في منطقة بالقرب من العاصمة نواكشوط، استخدمت فيها صواريخ مضادة للطائرات وأخرى مضادة للدروع.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أوروبا بوتين مع الراحل يفغيني بريغوجين (أ.ف.ب)

عام على تمرد مجموعة فاغنر وزعيمها «الرجل العظيم» بريغوجين

نجح بوتين في تعزيز سلطته في عملية تطهير كبرى داخل المؤسسة العسكرية بعد عام من تمرد مجموعة فاغنر.

«الشرق الأوسط» (موسكو) «الشرق الأوسط» (لندن)
أفريقيا وزير الخارجية الروسي يلتقي نظيره البوركيني في واغادوغو في 4 يونيو 2024 (رويترز)

وصول عشرات المدرّبين العسكريين الروس إلى بوركينا فاسو

وصل عشرات المدرّبين العسكريين الروس إلى بوركينا فاسو التي تشهد تمرداً في أعقاب هجوم إرهابي في الشمال المضطرب لزمت السلطات الصمت بشأنه، وفق ما أفادت مصادر.

«الشرق الأوسط» (أبيدجان)
أفريقيا السكان المحليون تظاهروا طلباً للحماية من الإرهاب (صحافة محلية)

عشرات القتلى في هجمات إرهابية لـ«القاعدة» في مالي

قتل خمسة جنود من الجيش المالي، وجرح عشرة آخرون في هجوم إرهابي شنته كتيبة تتبع لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» ضد ثكنة للجيش في منطقة قريبة من موريتانيا.

الشيخ محمد (نواكشوط)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
TT

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)
مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

اندلعت معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين، الواقعة في أقصى شمال شرقي البلاد، الخميس، والتي تمثل آخر معاقل المتمردين وأهم مركز للتبادل التجاري على الحدود مع الجزائر.

أعلن متمردو الطوارق في مالي أنهم هزموا القوات الحكومية في قتال عنيف للسيطرة على مدينة كيدال الشمالية الرئيسية (أ.ف.ب)

ولا تزال الأنباء القادمة من منطقة المعارك متضاربة جداً، في حين يؤكد كل طرف تفوقه في الميدان، وانتشار مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي لمعارك عنيفة، دون ما يؤكد صحة نسبتها إلى المواجهات الدائرة منذ أمس على الحدود بين مالي والجزائر.

رواية الطوارق

قالت مصادر قريبة من المتمردين الطوارق إن الجيش المالي ومقاتلي «فاغنر» حاولوا السيطرة على مدينة تينزاواتين، ولكن تم التصدي لهم وإرغامهم على الانسحاب بعد أن تكبّدوا خسائر «فادحة».

وقال مصدر محلي: «وقعت المواجهة عند منطقة آشابريش، غير بعيد من تينزاواتين، وانسحب خلالها الجنود الماليون ومقاتلو (فاغنر)، وتركوا خلفهم ثلاث مركبات عسكرية محترقة، ومركبة أخرى سليمة استحوذ عليها الجيش الأزوادي».

وأضاف المصدر نفسه أن المقاتلين الطوارق «شرعوا في عملية واسعة لتمشيط المنطقة، من أجل الوقوف على عدد القتلى في صفوف الجيش المالي ومرتزقة (فاغنر)، كما تأكد أسر جندي مالي أثناء المعركة، وقُتل جندي واحد من صفوف الطوارق وأُصيب آخر»، على حد تعبير المصدر.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

في غضون ذلك، قال محمد مولود رمضان، المتحدث باسم تنسيقية الحركات الأزوادية، وهي تحالف لجماعات متمردة يهيمن عليها الطوارق، إن «(فاغنر) تخطط بمعية الجيش المالي للاستيلاء على تينزاواتين، آخر ملاذ للمدنيين الذين فرّوا من انتهاكاتهم».

وأضاف في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «وحدات من جيش أزواد منتشرة في المنطقة تشتبك حالياً مع العدو لصدّ تقدمه»، قبل أن يؤكد: «نواجه تقدماً ونحمي السكان المدنيين النازحين، وكبّدنا مرتزقة (فاغنر) ومعاوني الجيش المالي خسائر كبيرة».

رواية أخرى

لكن الرواية الصادرة عن المتمردين الطوارق، تختلف تماماً عن رواية الجيش المالي، الذي أصدر فجر الجمعة بياناً قال فيه إن وحدة عسكرية تابعة له في منطقة تينزاواتين تعرّضت أمس لما قال إنه «هجوم إرهابي» من طرف المتمردين الطوارق الذين وصفهم بـ«الإرهابيين».

وأضاف الجيش المالي في بيان صادر عن قيادة أركانه أنه تصدى للهجوم وأطلق عملية عسكرية واسعة لملاحقة المتمردين، مشيراً إلى أن «ردة فعل الجيش القوية لا تزال مستمرة، وقد كبّدت المجموعات الإرهابية خسائر ثقيلة»، وفق نص البيان. وتعهد الجيش نشر حصيلة العملية العسكرية في وقت لاحق.

صور من المعارك متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك)

المعركة الأخيرة

تعدّ مدينة تينزاواتين آخر معقلٍ يتمركز فيه المسلحون الطوارق الساعون إلى إقامة دولة مستقلة في شمال مالي، لتحمل اسم «أزواد»، وهم الذين سيطروا على شمال مالي عام 2012، ولكنهم فقدوا السيطرة عليه منذ أن أطلق الجيش المالي عام 2022، عملية عسكرية واسعة النطاق من أجل ما سماه «توحيد الأرض».

وتأتي هذه العملية العسكرية بأمر من المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ انقلاب 2020، قرّر بعده التخلي عن التحالف مع فرنسا، والتوجه نحو روسيا للحصول على أسلحة جديدة، ودعم في الميدان من مئات المقاتلين التابعين لمجموعة «فاغنر» الخاصة.

وسيطر الجيش المالي مطلع العام على مدينة كيدال، عاصمة شمال مالي والمدينة الأهم بالنسبة للطوارق، وأعلن الاثنين الماضي أنه سيطر على منطقة «إن - أفراك» الاستراتيجية الواقعة على بُعد 120 كلم شمال غرب تيساليت في منطقة كيدال.

حركة مسلحة من الطوارق في شمال مالي (أ.ف.ب)

وأطلق الجيش يوم الأربعاء عملية عسكرية للسيطرة على مدينة تينزاواتين القريبة جداً من الحدود مع الجزائر، فيما يمكن القول إنها آخر المعارك بين الطرفين، حين يحسمها الجيش المالي سيكون قد سيطر على كامل أراضيه.

ومنذ بداية العملية العسكرية الأخيرة فرّ المدنيون نحو الجانب الآخر من الحدود، ودخلوا أراضي الجزائر خوفاً من المعارك، وقال أحد سكان المنطقة: «منذ أول أمس، انتشرت شائعات عن هجمات. لقد لجأنا إلى الجزائر. اليوم سمعنا إطلاق نار. إنها اشتباكات بين الجيش المالي والروس ضد تنسيقية الحركات الأزوادية».