انقلابيو النيجر يوجهون رسالة تهدئة إلى باريس

عبر إخلاء سبيل ستيفان جوليان بعد احتجازه خمسة أيام

نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي في 30 يوليو (أ.ب)
نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي في 30 يوليو (أ.ب)
TT

انقلابيو النيجر يوجهون رسالة تهدئة إلى باريس

نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي في 30 يوليو (أ.ب)
نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي في 30 يوليو (أ.ب)

منذ يوم 26 يوليو (تموز) حين أطاح الانقلاب العسكري الرئيس النيجري محمد بازوم، انزلقت العلاقات الفرنسية - النيجرية إلى مسالك وعرة، وتوتّرت الأوضاع بين باريس ونيامي، وتكاثرت الاتهامات المتبادلة.

ومنذ ذاك التاريخ، تعاقبت الأزمات حيث رفضت فرنسا الأمر الواقع الجديد وبقيت متمسكة بالرئيس المعزول بعدّه ممثل الشرعية والمنتخب ديمقراطيا. في المقابل، لم يتأخر الانقلابيون في المطالبة برحيل القوات الفرنسية «1500 رجل» المرابطة في البلاد وطرد السفير الفرنسي سيلفان إيتيه، فضلا عن تأجيج الشارع والدفع إلى مظاهرات واعتصامات إن كان أمام السفارة الفرنسية أو قريبا من القاعدة العسكرية الفرنسية الرئيسية في النيجر القائمة قرب المطار الدولي في نيامي. وما برحت باريس تلتزم سياسة متشددة رافضة الخضوع لمطالب الانقلابيين، وتعبر عن دعمها لقرارات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا «إيكواس» التي لم تتخل عن الخيار العسكري لإعادة الانتظام الدستوري إلى النيجر.

قضية الفرنسي المحتجز

وإذا كانت التوقعات تذهب في اتجاه مزيد من التصعيد بين العاصمتين لتمسك كل طرف بمواقفه، فإن عنصرا «إيجابيا» استجد مساء الأربعاء وكشفت عنه وزارة الخارجية الفرنسية صباح الخميس، ويتناول الإفراج عن المواطن الفرنسي ستيفان جوليان بعد احتجازه منذ يوم الجمعة الماضي. وسارعت الخارجية الفرنسية صباح الخميس إلى إصدار بيان من سطر ونصف جاء فيه ما يلي: «إن فرنسا تعبر عن ارتياحها لإطلاق سراح ستيفان جوليان، مستشار الفرنسيين في الخارج، الذي حصل في النيجر في 13 سبتمبر (أيلول)».

عناصر أمن خلال تظاهرة خارج القاعدة الجوية الفرنسية بنيامي في 3 سبتمبر (أ.ف.ب)

بداية تنبغي الإشارة إلى أن جوليان ليس دبلوماسيا وليس موظفا رسميا ويقوم عمله على تمثيل مصالح الفرنسيين في النيجر لدى السفارة والقنصليات الفرنسية. وجوليان المقيم في النيجر منذ 18 عاما، رفض الاستجابة لدعوات السفارة والخارجية الفرنسيتين للرحيل عن النيجر عقب الانقلاب؛ حيث كانت باريس أول من سارع لترحيل رعاياها من هذا البلد.

ويمتلك جوليان شركة تجارية تعمل في قطاع الاستيراد والتصدير. وتعود مشكلته مع الأمن النيجري إلى يوم الجمعة 8 سبتمبر (أيلول)؛ حيث طلب منه موظفون في السفارة الفرنسية في نيامي مساعدته لإخراج حوائجهم من السفارة التي يفرض عليها الأمن النيجري رقابة مشددة حيث يفتش كل ما يدخل إليها ويخرج منها. ولدى تفتيش الشاحنة الصغيرة التي دخلت حرم السفارة لنقل الحوائج، تم العثور على ثياب عسكرية عائدة لقوات بوركينا فاسو. ونتيجة ذلك، ألقي القبض على جوليان وعلى ثلاثة من موظفيه ونقل المواطن الفرنسي إلى السجن. وتبين لاحقا أن الثياب العسكرية عائدة لملحق لعسكري سبق له أن شغل منصب ملحق عسكري في واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو.

«لفتة» نيجرية

يوم الثلاثاء، قالت الخارجية الفرنسية إنها «تتابع من قرب» وضع جوليان الذي قبضت عليه قوات الأمن النيجرية وتدعو إلى «الإفراج الفوري عنه»، مضيفة أن السفارة في نيامي «معبأة كليا» لتوفير الحماية القنصلية للمواطن الفرنسي. ورفضت الخارجية توضيح ظروف اعتقاله. وقالت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية، في مؤتمرها الصحافي المشترك مع نظيرها المصري سامح شكري في القاهرة، إن باريس «اعترضت» على الأسباب التي قدمتها نيامي حول أسباب اعتقال جوليان لأنها ليست صحيحة. وأضافت كولونا أن هذا السبب هو ما دفع النيجر لإطلاق سراحه.

لافتة تقول «وداعاً فرنسا» خلال مظاهرة في نيامي (رويترز)

وبالتوازي، وصف الوزير المفوض للتجارة الخارجية أوليفيه بيشت ما حصل بأنه «نهاية سعيدة» لسرعة الإفراج عن المقبوض عليه. وفي الحالتين، حرص المسؤولون الفرنسيون على عدم إضفاء أي بعد سياسي على هذه الواقعة التي يمكن النظر إليها على أنها «لفتة» نيجرية لباريس، وهي الأولى من نوعها منذ أسابيع.

وكان بإمكان سلطات النيجر أن تبقي المواطن الفرنسي في السجن، وأن توجه إليه اتهامات متعددة الأشكال والأنواع لإبقائه في السجن، وأن تساوم على إطلاق سراحه وأن تطالب بمقابل.

بيد أن أمرا كهذا لم يحصل، ما دفع مصدرا سياسيا فرنسيا إلى اعتبار أن المجلس العسكري برئاسة الجنرال عبد الرحمن تياني، مهندس الانقلاب، أراد توجيه رسالة إلى السلطات الفرنسية أو حتى إطلاق حوار معها. والحال أن شيئا كهذا غير متوافر في الوقت الحاضر، إذ إن المجلس العسكري ووزارة الخارجية النيجرية يرفضان التعاطي مع السفير سيلفان إيتيه الذي سحبت منه صفته الرسمية وكل ما يتصل بها من ميزات، وهو يعد حاليا مواطنا فرنسيا عاديا يتعين عليه الخروج من البلاد. ثم إن باريس ما زالت تعد محمد بازوم الرئيس الشرعي وترفض التعامل مع غيره، وترهن بقاء قواتها من عدمه بما يريده الأخير.

إلا أن اتصالات بين العسكريين من الجانبين حصلت بداية الشهر الحالي حول إمكانية خروج جزء من القوة الفرنسية المرابطة في النيجر، استتباعا لقيام المجلس العسكري بنقض جميع الاتفاقات الأمنية والدفاعية القائمة بين الطرفين. وأعطت نيامي مهلة شهر للقوة الفرنسية للرحيل. إلا أن الرئيس إيمانويل ماكرون أكد مؤخرا أن بلاده «لن تخضع» لطلب الانقلابيين، لأن بازوم لم يقدم استقالته وما زال الرئيس الشرعي من جهة، ولأنها لا تعترف بشرعية من تسلم السلطة عن طريق الانقلاب.

مأزق باريس

أصبح واضحا أن باريس موجودة في مأزق قد يطول. فهي من جهة لا تريد أن تخسر موطئ قدم في منطقة الساحل بعد أن اضطرت، بفعل الانقلابات العسكرية، للخروج من مالي ثم من بوركينا فاسو. وبالمقابل، سيكون من الصعب عليها المحافظة على مواقعها بسبب الرفض الرسمي لبقائها، وخصوصا بسبب العداء الشعبي الذي تؤججه الدعاية المعادية لها التي تغذيها الوسائل الإعلامية والجمعيات القريبة من روسيا. وباريس تعاني من العزلة الدبلوماسية والسياسية، فلا مواقفها المتشددة تلقى تأييدا داخل الاتحاد الأوروبي أو في الولايات المتحدة، ولا يمكنها المراهنة على التدخل العسكري لقوة من «إيكواس» بعد أن برز تراجع رغبة نيجيريا، البلد الأقوى والأكثر تأثيرا، في استمرار السير بالحل العسكري. وسبق للرئيس بولا تيبونو أن اقترح مرحلة انتقالية من تسعة أشهر مطورا بذلك مقترحا تقدمت به الجزائر التي تعارض بقوة الخيار العسكري وتعده مصدر تهديد لها ولكل المنطقة.

أنصار المجلس العسكري يتظاهرون خارج مقر القاعدة العسكرية الفرنسية بنيامي في 2 سبتمبر (أ.ف.ب)

من هنا، قد يكون الإفراج عن المواطن الفرنسي خطوة صغيرة يعود من خلالها التواصل السياسي والدبلوماسي بين الدولة المستعمرة «فرنسا» والمستعمرة سابقا «النيجر»، بحثا عن ترتيبات تحفظ ماء الوجه للأولى في إطار حل ثنائي أو أفريقي، مقابل ضمانات من السلطة العسكرية النيجرية بتسليم مقاليد السلطة للمدنيين بعد فترة انتقالية تقصر أو تطول، على غرار ما حصل سابقا مع الانقلابيين في مالي وبوركينا فاسو أو منذ أيام مع انقلابيي الغابون.

ولعل إحدى علامات «التطبيع» في التعامل مع النظام الجديد في نيامي أن الجيش الأميركي الذي يملك ثلاث قواعد عسكرية في النيجر، أبرزها قرب مدينة أغاديز «وسط البلاد»، استأنف تحليق طائراته المسيرة المسخرة لمراقبة التنظيمات الإرهابية وملاحقتها بعد توقف مؤقت بدأ مباشرة عقب الانقلاب. ومصدر الخبر الذي عمم الأربعاء الجنرال جيمس هيكر القائد الأعلى للقوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا. وتدافع واشنطن عن الحل السياسي - الدبلوماسي الذي تعده الوحيد الممكن بخلاف باريس التي تتهم مصادرها الطرف الأميركي بالتخلي عن مساندة فرنسا وانعدام التضامن معها.


مقالات ذات صلة

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )
شمال افريقيا السفير الجزائري لدى استدعائه بوزارة خارجية النيجر (الخارجية النيجرية)

استياء جزائري من «محاولات أجنبية لتعكير العلاقات» مع النيجر

ندّد حزب جزائري، مشارك في الحكومة، بـ«حملة مغرضة تغذيها أطراف أجنبية تحاول تعكير العلاقات بين الجزائر والنيجر».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

جيش بوركينا فاسو يدين مقاطع فيديو لجنود يمثلون بجثث

عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
TT

جيش بوركينا فاسو يدين مقاطع فيديو لجنود يمثلون بجثث

عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)
عناصر من جيش بوركينا فاسو (رويترز)

دان جيش بوركينا فاسو مقاطع فيديو تداولها مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي، هذا الأسبوع، تُظهر أشخاصاً يمثلون بجثث، ويصفون أنفسهم بأنهم من «الجنود ومقدمي الخدمات المعاونة للجيش»، وفق «رويترز».

لاقى ذلك رواجاً بعد أن انتشر، الأسبوع الماضي، مقطع فيديو يُظهر رجلاً يرتدي زياً عسكرياً مالياً يقطع بطن جثة بسكين، ووصف جيش مالي مقطع الفيديو بأنه «جريمة بشعة غريبة» لا تتماشى مع قيمه العسكرية.

وأفادت تصريحات وتقارير إعلامية حول اللقطات بأن الأسبوع الحالي أيضاً شهد انتشار مقاطع فيديو مماثلة لرجال في بوركينا فاسو المجاورة يعرضون أشلاء مقطوعة من جثث ويحرقونها. ولم يتسنَّ لـ«رويترز» التحقق من المقاطع.

وقالت القوات المسلحة في بوركينا فاسو في بيان أمس (الأربعاء): «في الأيام القليلة الماضية، جرى تداول لقطات مروعة على وسائل التواصل الاجتماعي لوحشية غير معتادة».

واستنكرت «الأفعال المروعة»، وقالت إنها تتنافى مع قيمها العسكرية. وسارت على خطى جيش مالي بالتعهد بالتحقيق في المقاطع، وتحديد هوية مرتكبي هذه الأفعال.

يقاتل جيشا مالي وبوركينا فاسو تمرداً مسلحاً في منطقة الساحل الأفريقي منذ اندلاعه لأول مرة في مالي قبل 12 عاماً. واتهمت جماعات معنية بحقوق الإنسان والأمم المتحدة مراراً جيشَي مالي وبوركينا فاسو بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين المشتبه بتعاونهم مع متمردين. وينفي كلا الجيشين ارتكاب أي انتهاكات.

وتخضع بوركينا فاسو ومالي للحكم العسكري منذ عامَي 2020 و2022 على الترتيب. وتسبب إخفاق الحكومات السابقة في حماية المدنيين من التمرد في منطقة الساحل في حدوث انقلابَين في مالي، وانقلابَين آخرَين في بوركينا فاسو، وانقلاب واحد في النيجر المجاورة منذ عام 2020.

ومع ذلك، لم تفلح المجالس العسكرية حتى الآن في الوفاء بوعودها بقمع التمرد، والتصدي لأعمال العنف التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين.