عسكريو الغابون يطيحون الرئيس و«يحيلونه إلى التقاعد»

الانقلاب الثامن في أفريقيا خلال 3 سنوات... وباريس المتضرر الأكبر

TT

عسكريو الغابون يطيحون الرئيس و«يحيلونه إلى التقاعد»

متظاهرون يرفعون علم الغابون في شوارع أكاندا (إ.ب.أ)
متظاهرون يرفعون علم الغابون في شوارع أكاندا (إ.ب.أ)

في خطابه إلى السفراء الفرنسيين عبر العالم بمناسبة مؤتمرهم السنوي يوم الاثنين الماضي، نبّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى «عدوى الانقلابات» في أفريقيا، خصوصاً في الفضاء الفرنكوفوني الأفريقي.

وكان يشير بذلك إلى الانقلابات التي حدثت منذ عام 2001 في مالي وبوركينا فاسو وغينيا... وآخرها في النيجر. واليوم، يمكن أن يضاف إليها الغابون؛ المستعمرة الفرنسية السابقة التي تبنت الفرنسية لغة رسمية وحصلت على استقلالها في عام 1960 بعد 54 عاماً من الاستعمار. أما إذا أضفنا إليها السودان، فإن أفريقيا تكون قد شهدت 8 انقلابات في أقل من 3 سنوات. والثابت أنه في 5 من الدول الـ6، تبدو المصالح الفرنسية هي المستهدفة بالدرجة الأولى.

علاقة وثيقة

تلقي المراجعة التاريخية أضواءً كاشفة على العلاقة القائمة بين باريس وليبرفيل. وإذا كان اليوم من المستبعد أن تتدخل القوة الفرنسية المرابطة في الغابون والتي يبلغ عديدها، وفق بيانات وزارة الدفاع، 370 عنصراً، فقد سبق لباريس أن تدخلت، بعد فترة قصيرة على استقلال البلاد، لإجهاض انقلاب عسكري ضد أول رئيس منتخب للغابون.

ولمزيد من الضمانات، فقد أبرمت باريس وليبرفيل اتفاقات منذ عام 1960، أضيفت إليها في عام 2011 اتفاقات أخرى. علماً بأن القاعدة العسكرية الفرنسية، كما نظيرتها في السنغال، ذات صبغة «إقليمية» بمعنى أنها تتناول كل منطقة وسط أفريقيا؛ الأمر الذي يبين أهميتها بالنسبة إلى الحضور الفرنسي في المنطقة، وللدفاع عن المصالح الفرنسية. ثم إن الرئيس عمر بونغو؛ والد الرئيس الحالي المخلوع علي بونغو، والذي حكم الغابون طيلة 41 عاماً، كان وثيق الصلة بفرنسا؛ الأمر الذي سهل للشركات الفرنسية أن تنسج علاقات هيمنة بالاقتصاد الغابوني.

ثم إن علي بونغو المتزوج من مواطنة فرنسية، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة السوربون العريقة، كثير الترداد على باريس والمدن الفرنسية الأخرى، حيث تمتلك عائلته كثيراً من المنازل والشقق في أفخر المناطق الباريسية، فضلاً عن مجموعة من السيارات غالية الثمن. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي يلاحق عدة إخوة للرئيس المعزول لاتهامهم بالثراء غير المشروع.

انتخابات متنازع عليها

بالنظر إلى ما سبق، تتوجه الأنظار إلى باريس للتعرف على رد فعلها على الانقلاب الذي جرى صبيحة يوم الأربعاء بعد دقائق قليلة من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 26 أغسطس (آب) الحالي، وأدت إلى فوز بونغو بولاية ثالثة بحصوله على 64.27 في المائة، متفوّقاً على مرشح المعارضة ألبير أندو أوسا الذي حصل على 30.77 في المائة من الأصوات.

لقطة من فيديو إعلان قيادات عسكرية الانقلاب في الغابون (أ.ب)

وليس سراً أن التصويت جرى من غير حضور مراقبين أجانب، وفي ظل تعتيم إعلامي تمثل في منع وسائل إعلامية فرنسية رئيسية من العمل، وقطع شبكة الإنترنت، والأهم وجود شكوك في حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق. وجاءت النتيجة المنتظرة أصلاً لتمدد حكم عائلة بونغو؛ إذ إن الوالد وابنه حرصا على إفراغ الدستور من أي قيود تحدد عدد الولايات المتاحة لرئيس الجمهورية، فعائلة بونغو تحكم الغابون منذ 55 عاماً؛ منها 14 عاماً لعلي بونغو.

وكما ينص التقليد الانقلابي، فقد أعلن الانقلابيون؛ الذي ظهر منهم 12 عسكرياً ومدني واحد على شاشة القناة التلفزيونية «غابون24»، في بيانهم، نهاية نظام بونغو، وإلغاء الانتخابات ونتائجها، وتنحية الرئيس، ووضعه مع جزء من عائلته وأطبائه في الإقامة الجبرية، وحل كل مؤسسات الدولة، وإغلاق الحدود، والقبض على عدة وزراء وأعيان من النظام؛ من بينهم ابن علي بونغو.

ومن التهم التي وجّهت إلى هؤلاء: الخيانة العظمى، واختلاس الأموال العامة، والتزوير الانتخابي، وتلقي رشى، وتهريب المخدرات. وكما في النيجر، فقد نزل الآلاف من الأشخاص إلى الساحات والشوارع في العاصمة ليبرفيل وفي مدينة بور جونتيل؛ العاصمة الاقتصادية للبلاد، للتعبير عن دعم الانقلابيين.

استغاثة الرئيس

واللافت أن بونغو، شخصياً، بث شريط فيديو قصيراً على وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيه «أصدقاءه» إلى «إحداث ضجيج». وجاء في الشريط؛ حيث يبدو جالساً على أريكة وملامح القلق على وجهه: «أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون، أوجه رسالة إلى كل أصدقائنا عبر العالم لأقول لهم أن يحدثوا ضجيجاً... إزاء الأشخاص الذين عمدوا إلى توقيفي أنا وعائلتي». ولم يفهم ما إذا كان الرئيس المحتجز يدعو إلى التدخل العسكري لإنقاذه أم لممارسة ضغوط سياسية أو شعبية على الانقلابيين لإطلاق سراحه. إلا إن الجنرال بريس أوليغي نغوما، أحد جنرالات الانقلاب ورئيس الحرس الجمهوري، أكد لصحيفة «لوموند» أن الرئيس علي بونغو «أحيل إلى التقاعد، وهو يتمتع بكامل حقوقه كأي غابوني عادي». وأضاف الجنرال أوليغي: «لم يكن له الحق في ممارسة ولاية ثالثة. الدستور انتُهك، والقانون الانتخابي لم يكن جيداً. لذا؛ فإن الجيش قرر التحرك وقلب الصفحة وتحمل المسؤولية».

ورفض رئيس الحرس عدّ نفسه «رئيس الأمر الواقع» للغابون، مؤكداً أن نقاشاً سيحصل مع مجمل الجنرالات في اجتماع لاحق، وذلك «بحثاً عن توافق، وحق كل طرف أن يعرض أفكاره، وبعدها سينتخب الأفضل؛ بمن في ذلك اسم من سيقود المرحلة الانتقالية». وأظهرت صور نقلتها القنوات التلفزيونية أفراداً من الحرس الجمهوري يحيون الجنرال أوليغي، ويسمونه «أوليغي الرئيس».

لائحة اتهام

يتضمن البيان الذي أذاعه الانقلابيون فجر الأربعاء «مضبطة اتهام» بحق الرئيس بونغو وعهده وعهد عائلته والمحيطين به. وتذهب الاتهامات في 3 اتجاهات: التزوير الانتخابي، والفساد، والعائلية. ونظراً إلى تخوفهم من رد الفعل الخارجي على الانقلاب، فقد سارع العسكر إلى الإعلان عن «تمسكهم باحترام كل التزامات الغابون إزاء الأسرة الوطنية {الداخل} والدولية».

ووفق مصادر في العاصمة الفرنسية، فإن ما سبق «يعدّ رسالة مباشرة إلى باريس» التي لها المصالح الرئيسية في هذا البلد الغني بالنفط وبالمعادن وبالغابات. وتكفي الإشارة إلى أن شركة «توتال إنيرجي» تعمل في الغابون منذ ما قبل الاستقلال، ورغم أن إنتاجها من النفط الغابوني قد تراجع في السنوات الأخيرة، فإنها تسيطر على دورة تكرير وتوزيع المشتقات النفطية، وشركة «إيرامت» تستخرج ما نسبته 90 بالمائة من المنغنيز. وكانت مجموعة «بولوريه» الفرنسية تدير مرافئ الغابون، إلا إنها باعت مؤخراً امتيازها لشركة «إم إس سي» السويسرية.

رد فعل فرنسا

حتى عصر الأربعاء، لم يكن قد صدر أي تعليق على مجريات الأحداث في الغابون من رئاسة الجمهورية ولا من وزارة الخارجية. وحده الوزير أوليفيه فيران قال للصحافة، عقب اجتماع مجلس الوزراء في قصر الإليزيه، إن فرنسا «تدين الانقلاب العسكري الجاري في الغابون»، وهي «تتابع من كثب تطورات الوضع». وأضاف فيران لاحقاً أن باريس «تذكر بتعلقها بالمسارات الانتخابية الحرة والشفافة».

أنصار العسكريين يحتفلون في شوارع ليبرفيل (أ.ف.ب)

وقبله، اكتفت رئيسة الحكومة، إليزابيث بورن، بالقول إن فرنسا «تفرد انتباهاً كبيراً» لما يجري في الغابون، وذلك بمناسبة كلمة ألقتها صباحاً بحضور السفراء الفرنسيين عبر العالم.

وتتصف عبارة الوزير الفرنسي الأخيرة بالغموض، خصوصاً أن ما يؤخذ على انتخابات الغابون ليس فقط غياب الشفافية عنها؛ بل أيضاً وقوع عمليات تزوير واسعة ورفض السلطات حضور مراقبين محايدين أجانب.

تحدٍّ جديد

ويطرح الانقلاب الجديد تحدياً واضحاً لفرنسا. والمرجح أن باريس تريد مراقبة تطورات الوضع قبل أن تحدد طريقة تعاملها مع العسكر، خصوصاً أن الوضع يختلف عما هو عليه في النيجر؛ إنْ كان لجهة عديد قواتها أو لغياب العداء لها ولمصالحها كما هي الحال في نيامي. ومشكلتها أنها في النيجر وقفت وراء «المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)» ودفعت باتجاه المواقف الأكثر تشدداً فيما بقي رد فعلها الأول «معتدلاً» إلى حد بعيد. ويؤخذ على باريس أنها غضت الطرف عما يحصل في الغابون على الصعيد الداخلي، وهي التي تعطي دروساً في الديمقراطية للقارة بأكملها. وكان الرئيس ماكرون قد زار الغابون في شهر مارس (آذار) الماضي، وهي الزيارة التي رأت فيها شخصيات معارضة تزكية للمرشح الرئاسي علي بونغو.

وهاجم جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق وزعيم اليسار المتشدد، سياسة ماكرون الأفريقية، متهما إياه بـ«الممالأة».

ودعت السفارة الفرنسية، الأربعاء، الرعايا الفرنسيين إلى البقاء في بيوتهم والامتناع عن الخروج.

إدانات دولية

وفي سياق مواز، أكّد جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أن الدبلوماسيين الأميركيين والعسكريين الموجودين في الغابون هم «في أمان»؛ وإذ اكتفى بالقول إن واشنطن «تتابع الوضع من قرب»، فقد عدّ أن تعاقب الانقلابات العسكرية في أفريقيا «مثير لقلق كبير»، رافضاً التعقيب على نتيجة الانتخابات الغابونية التي ربحها الرئيس بونغو.

من جانبه، أدان موسى فكي محمد، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، في بيان الأربعاء، «بشدة المحاولة الانقلابية»، وندد بـ«الانتهاك الفاضح» للمبادئ المعمول به في الاتحاد، ودعا الجيش الغابوني والقوى الأمنية إلى «الالتزام بالقيام بمهمتهم وضمان السلامة الجسدية لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته وأعضاء الحكومة». وجاء في بيان للاتحاد الأفريقي أن الانقلاب يشكل «انتهاكاً صارخاً للأدوات القانونية والسياسية للاتحاد، ومنها شرعية الانتخابات والديمقراطية والحوكمة (الرشيدة)».

وكانت الصين من أوائل من علق على الانقلاب، حيث دعت بكين إلى «ضمان سلامة علي بونغو». وجاء في بيان الخارجية الصينية أن بكين «تتابع من قرب تطور الوضع في الغابون، وتدعو الأطراف المعنية إلى التصرف وفق مصلحة الشعب الغابوني، وإلى العودة الفورية إلى النظام الطبيعي».

أما منظمة الكومنولث؛ التي تقودها بريطانيا، والتي انضمت إليها الغابون العام الماضي رغم أن لغتها الرسمية هي الفرنسية، فقد عدّت في بيان أن «المعلومات الواردة حول استيلاء غير شرعي على السلطة في الغابون تشكل لنا مصدر قلق كبير». واستبق جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، اجتماعاً لوزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد بمدينة طليطلة الإسبانية، بالإعراب عن مخاوفه من أنه إذا تأكد الانقلاب العسكري، فإن ذلك «سيزيد من الاضطرابات في المنطقة كلها»، رافضاً الذهاب أبعد من ذلك؛ في انتظار معلومات إضافية. وسبق أن شهدت الغابون انقلاباً فاشلاً في عام 2019 استهدف الرئيس علي بونغو.

لعل رد الفعل الأوضح جاء من وزير خارجية إيطاليا، أنطونيو تاياني، الذي دعا إلى حل دبلوماسي في النيجر، وأيضاً في الغابون. وأكد تاياني، في بيان، أن بلاده «ما زالت تدعو لحل دبلوماسي (في البلدين) بالتنسيق مع شركائها»، عادّاً أن هذه المقاربة من شأنها وحدها «المحافظة على السلم والاستقرار» في أفريقيا. وسبق له أن أكد أن أوروبا «لا تستطيع السماح بقيام نزاع مسلح ولا أن نظهر نحن الأوروبيين بوصفنا مستعمرين جدداً».


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
TT

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)
جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

استعادت جماعة «بوكو حرام» الموالية لـ«تنظيم داعش» الإرهابي، قدرتها على المبادرة والهجوم في مناطق مختلفة بشمال نيجيريا، وشنّت هجوماً استهدف قاعدة عسكرية تابعة للجيش، قُتل فيه خمسة جنود على الأقل، وأُصيب عشرة جنود، فيما قال الجيش إنه قتل أكثر من خمسين من عناصر الجماعة الإرهابية.

وقالت قيادة الجيش النيجيري في بيان، إن الهجوم الإرهابي الذي شنّه فرع من جماعة «بوكو حرام»، في غرب أفريقيا، استهدف القوات المتمركزة بموقع عمليات التثبيت بقرية «كاريتو»، بولاية بورنو، في أقصى شمال شرقي نيجيريا، على الحدود مع دولة النيجر.

البيان الصادر عن مدير الإعلام العسكري، اللواء إدوارد بوبا، قال إن الهجوم الإرهابي وقع بالتزامن مع عطلة نهاية الأسبوع، ووصفه بأنه «كان منسقاً»، قبل أن يؤكد «مقتل خمسة جنود وإصابة عشرة آخرين بجروح، بالإضافة إلى فقدان أربعة جنود آخرين».

من عملية ضد جماعة «بوكو حرام» (أرشيفية متداولة)

وفي السياق ذاته، قال المتحدث باسم قيادة الجيش إن «القوات المسلحة نجحت في القضاء على عدد من الإرهابيين، واستعادة أسلحة كانت بحوزتهم»، مشيراً إلى تكبد الجيش خسائر مادية «فادحة»، حيث إن منفذي الهجوم الإرهابي أحرقوا بعض المعدات «بما في ذلك شاحنة محملة بالأسلحة، وثلاث مركبات تكتيكية، وجرافة».

وأطلق الجيش النيجيري عملية تعقب بقيادة وحدة من قوات الدعم مع غطاء جوي، وقال إن الهدف هو «استكشاف المنطقة بشكل عام، ومسارات انسحاب الإرهابيين»، وفق تعبير البيان.

وتسعى القوات النيجيرية إلى قطع الطريق أمام منفذي الهجوم الإرهابي، بهدف استعادة الجنود المفقودين، في ظل توقعات بأن الإرهابيين «اختطفوهم» ليكونوا دروعاً بشرية تحميهم من أي قصف جوي.

صورة أرشيفية لهجوم شنّته جماعة «بوكو حرام» في نيجيريا (رويترز)

الهجوم الإرهابي استهدف قرية «كاريتو»، التي لا تبعد سوى 153 كيلومتراً عن العاصمة الإقليمية مايدوجوري، وهي المقر الرئيس لـ«الكتيبة 149» التابعة للجيش النيجيري، التي تشارك بنشاط في عمليات محاربة الإرهاب، كما استهدف معاقل فرعي جماعة «بوكو حرام»، الموالية لتنظيمي «داعش» و«القاعدة».

وقالت قيادة الجيش النيجيري إن «هذا الهجوم لن يثني القوات المسلحة النيجيرية عن القضاء على الإرهاب والتمرد والتحديات الأمنية الأخرى التي تواجه البلاد»، وأعربت عن تعويلها على تعاون السكان المحليين في ملاحقة الإرهابيين.

وأعلن حاكم ولاية بورنو، باباغانا زولوم، عن وقوفه إلى جانب القوات المسلحة النيجيرية، وأضاف في بيان صحافي أن الهجوم «يعيد إلى الأذهان مستوى وحشية العناصر الإرهابية لجماعة (بوكو حرام)».

وبينما أعلن عدد من كبار قادة الجيش في نيجيريا عن انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»، والاقتراب من القضاء عليها بشكل نهائي، بدأت الجماعة تعيد ترتيب صفوفها، وإظهار قدرات جديدة على المبادرة والهجوم.

ففي حادث منفصل، نصب مسلحون من «بوكو حرام»، الثلاثاء، كميناً لفريق مراقبة من قوات الأمن والدفاع المدني النيجيرية، كان يتفقد منشآت الشبكة الوطنية للكهرباء والطاقة في إقليم النيجر التابع لنيجيريا.

مسلحو «بوكو حرام» خلَّفوا الخراب والدمار في ولاية بورنو شمال شرقي نيجيريا (أرشيفية - أ.ف.ب)

وقال المتحدث باسم قوات الأمن والدفاع المدني أفولابي باباوالي، إن خطوط الشبكة الوطنية للطاقة تعرضت مؤخراً لهجمات إرهابية تخريبية، وقد أسفرت عن انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أقاليم شمال نيجيريا.

وأوضح المتحدث أنه «حينما كانت فرق الأمن تتفقد خطوط الشبكة الوطنية، تعرضت لهجوم إرهابي نفذه أكثر من 200 مسلح نصَبوا كميناً من قمة أحد التلال»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن المواجهات بين الطرفين «أسفرت عن مقتل أكثر من خمسين إرهابياً، فيما يوجد سبعة جنود في عداد المفقودين».

وتتزامن هذه الهجمات الإرهابية المتفرقة، مع معارك طاحنة تجري منذ أسابيع ما بين جيش تشاد ومقاتلي «بوكو حرام» في منطقة حوض بحيرة تشاد، التي تُوصف بأنها «العمق الاستراتيجي» للتنظيم الإرهابي، حيث توجد قواعده الخلفية وسط الغابات والجزر المترامية في واحدة من أكبر المناطق الرطبة في أفريقيا.