عسكريو الغابون يطيحون الرئيس و«يحيلونه إلى التقاعد»

الانقلاب الثامن في أفريقيا خلال 3 سنوات... وباريس المتضرر الأكبر

TT

عسكريو الغابون يطيحون الرئيس و«يحيلونه إلى التقاعد»

متظاهرون يرفعون علم الغابون في شوارع أكاندا (إ.ب.أ)
متظاهرون يرفعون علم الغابون في شوارع أكاندا (إ.ب.أ)

في خطابه إلى السفراء الفرنسيين عبر العالم بمناسبة مؤتمرهم السنوي يوم الاثنين الماضي، نبّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى «عدوى الانقلابات» في أفريقيا، خصوصاً في الفضاء الفرنكوفوني الأفريقي.

وكان يشير بذلك إلى الانقلابات التي حدثت منذ عام 2001 في مالي وبوركينا فاسو وغينيا... وآخرها في النيجر. واليوم، يمكن أن يضاف إليها الغابون؛ المستعمرة الفرنسية السابقة التي تبنت الفرنسية لغة رسمية وحصلت على استقلالها في عام 1960 بعد 54 عاماً من الاستعمار. أما إذا أضفنا إليها السودان، فإن أفريقيا تكون قد شهدت 8 انقلابات في أقل من 3 سنوات. والثابت أنه في 5 من الدول الـ6، تبدو المصالح الفرنسية هي المستهدفة بالدرجة الأولى.

علاقة وثيقة

تلقي المراجعة التاريخية أضواءً كاشفة على العلاقة القائمة بين باريس وليبرفيل. وإذا كان اليوم من المستبعد أن تتدخل القوة الفرنسية المرابطة في الغابون والتي يبلغ عديدها، وفق بيانات وزارة الدفاع، 370 عنصراً، فقد سبق لباريس أن تدخلت، بعد فترة قصيرة على استقلال البلاد، لإجهاض انقلاب عسكري ضد أول رئيس منتخب للغابون.

ولمزيد من الضمانات، فقد أبرمت باريس وليبرفيل اتفاقات منذ عام 1960، أضيفت إليها في عام 2011 اتفاقات أخرى. علماً بأن القاعدة العسكرية الفرنسية، كما نظيرتها في السنغال، ذات صبغة «إقليمية» بمعنى أنها تتناول كل منطقة وسط أفريقيا؛ الأمر الذي يبين أهميتها بالنسبة إلى الحضور الفرنسي في المنطقة، وللدفاع عن المصالح الفرنسية. ثم إن الرئيس عمر بونغو؛ والد الرئيس الحالي المخلوع علي بونغو، والذي حكم الغابون طيلة 41 عاماً، كان وثيق الصلة بفرنسا؛ الأمر الذي سهل للشركات الفرنسية أن تنسج علاقات هيمنة بالاقتصاد الغابوني.

ثم إن علي بونغو المتزوج من مواطنة فرنسية، وأكمل دراسته الجامعية في جامعة السوربون العريقة، كثير الترداد على باريس والمدن الفرنسية الأخرى، حيث تمتلك عائلته كثيراً من المنازل والشقق في أفخر المناطق الباريسية، فضلاً عن مجموعة من السيارات غالية الثمن. ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي يلاحق عدة إخوة للرئيس المعزول لاتهامهم بالثراء غير المشروع.

انتخابات متنازع عليها

بالنظر إلى ما سبق، تتوجه الأنظار إلى باريس للتعرف على رد فعلها على الانقلاب الذي جرى صبيحة يوم الأربعاء بعد دقائق قليلة من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 26 أغسطس (آب) الحالي، وأدت إلى فوز بونغو بولاية ثالثة بحصوله على 64.27 في المائة، متفوّقاً على مرشح المعارضة ألبير أندو أوسا الذي حصل على 30.77 في المائة من الأصوات.

لقطة من فيديو إعلان قيادات عسكرية الانقلاب في الغابون (أ.ب)

وليس سراً أن التصويت جرى من غير حضور مراقبين أجانب، وفي ظل تعتيم إعلامي تمثل في منع وسائل إعلامية فرنسية رئيسية من العمل، وقطع شبكة الإنترنت، والأهم وجود شكوك في حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق. وجاءت النتيجة المنتظرة أصلاً لتمدد حكم عائلة بونغو؛ إذ إن الوالد وابنه حرصا على إفراغ الدستور من أي قيود تحدد عدد الولايات المتاحة لرئيس الجمهورية، فعائلة بونغو تحكم الغابون منذ 55 عاماً؛ منها 14 عاماً لعلي بونغو.

وكما ينص التقليد الانقلابي، فقد أعلن الانقلابيون؛ الذي ظهر منهم 12 عسكرياً ومدني واحد على شاشة القناة التلفزيونية «غابون24»، في بيانهم، نهاية نظام بونغو، وإلغاء الانتخابات ونتائجها، وتنحية الرئيس، ووضعه مع جزء من عائلته وأطبائه في الإقامة الجبرية، وحل كل مؤسسات الدولة، وإغلاق الحدود، والقبض على عدة وزراء وأعيان من النظام؛ من بينهم ابن علي بونغو.

ومن التهم التي وجّهت إلى هؤلاء: الخيانة العظمى، واختلاس الأموال العامة، والتزوير الانتخابي، وتلقي رشى، وتهريب المخدرات. وكما في النيجر، فقد نزل الآلاف من الأشخاص إلى الساحات والشوارع في العاصمة ليبرفيل وفي مدينة بور جونتيل؛ العاصمة الاقتصادية للبلاد، للتعبير عن دعم الانقلابيين.

استغاثة الرئيس

واللافت أن بونغو، شخصياً، بث شريط فيديو قصيراً على وسائل التواصل الاجتماعي يدعو فيه «أصدقاءه» إلى «إحداث ضجيج». وجاء في الشريط؛ حيث يبدو جالساً على أريكة وملامح القلق على وجهه: «أنا علي بونغو أونديمبا، رئيس الغابون، أوجه رسالة إلى كل أصدقائنا عبر العالم لأقول لهم أن يحدثوا ضجيجاً... إزاء الأشخاص الذين عمدوا إلى توقيفي أنا وعائلتي». ولم يفهم ما إذا كان الرئيس المحتجز يدعو إلى التدخل العسكري لإنقاذه أم لممارسة ضغوط سياسية أو شعبية على الانقلابيين لإطلاق سراحه. إلا إن الجنرال بريس أوليغي نغوما، أحد جنرالات الانقلاب ورئيس الحرس الجمهوري، أكد لصحيفة «لوموند» أن الرئيس علي بونغو «أحيل إلى التقاعد، وهو يتمتع بكامل حقوقه كأي غابوني عادي». وأضاف الجنرال أوليغي: «لم يكن له الحق في ممارسة ولاية ثالثة. الدستور انتُهك، والقانون الانتخابي لم يكن جيداً. لذا؛ فإن الجيش قرر التحرك وقلب الصفحة وتحمل المسؤولية».

ورفض رئيس الحرس عدّ نفسه «رئيس الأمر الواقع» للغابون، مؤكداً أن نقاشاً سيحصل مع مجمل الجنرالات في اجتماع لاحق، وذلك «بحثاً عن توافق، وحق كل طرف أن يعرض أفكاره، وبعدها سينتخب الأفضل؛ بمن في ذلك اسم من سيقود المرحلة الانتقالية». وأظهرت صور نقلتها القنوات التلفزيونية أفراداً من الحرس الجمهوري يحيون الجنرال أوليغي، ويسمونه «أوليغي الرئيس».

لائحة اتهام

يتضمن البيان الذي أذاعه الانقلابيون فجر الأربعاء «مضبطة اتهام» بحق الرئيس بونغو وعهده وعهد عائلته والمحيطين به. وتذهب الاتهامات في 3 اتجاهات: التزوير الانتخابي، والفساد، والعائلية. ونظراً إلى تخوفهم من رد الفعل الخارجي على الانقلاب، فقد سارع العسكر إلى الإعلان عن «تمسكهم باحترام كل التزامات الغابون إزاء الأسرة الوطنية {الداخل} والدولية».

ووفق مصادر في العاصمة الفرنسية، فإن ما سبق «يعدّ رسالة مباشرة إلى باريس» التي لها المصالح الرئيسية في هذا البلد الغني بالنفط وبالمعادن وبالغابات. وتكفي الإشارة إلى أن شركة «توتال إنيرجي» تعمل في الغابون منذ ما قبل الاستقلال، ورغم أن إنتاجها من النفط الغابوني قد تراجع في السنوات الأخيرة، فإنها تسيطر على دورة تكرير وتوزيع المشتقات النفطية، وشركة «إيرامت» تستخرج ما نسبته 90 بالمائة من المنغنيز. وكانت مجموعة «بولوريه» الفرنسية تدير مرافئ الغابون، إلا إنها باعت مؤخراً امتيازها لشركة «إم إس سي» السويسرية.

رد فعل فرنسا

حتى عصر الأربعاء، لم يكن قد صدر أي تعليق على مجريات الأحداث في الغابون من رئاسة الجمهورية ولا من وزارة الخارجية. وحده الوزير أوليفيه فيران قال للصحافة، عقب اجتماع مجلس الوزراء في قصر الإليزيه، إن فرنسا «تدين الانقلاب العسكري الجاري في الغابون»، وهي «تتابع من كثب تطورات الوضع». وأضاف فيران لاحقاً أن باريس «تذكر بتعلقها بالمسارات الانتخابية الحرة والشفافة».

أنصار العسكريين يحتفلون في شوارع ليبرفيل (أ.ف.ب)

وقبله، اكتفت رئيسة الحكومة، إليزابيث بورن، بالقول إن فرنسا «تفرد انتباهاً كبيراً» لما يجري في الغابون، وذلك بمناسبة كلمة ألقتها صباحاً بحضور السفراء الفرنسيين عبر العالم.

وتتصف عبارة الوزير الفرنسي الأخيرة بالغموض، خصوصاً أن ما يؤخذ على انتخابات الغابون ليس فقط غياب الشفافية عنها؛ بل أيضاً وقوع عمليات تزوير واسعة ورفض السلطات حضور مراقبين محايدين أجانب.

تحدٍّ جديد

ويطرح الانقلاب الجديد تحدياً واضحاً لفرنسا. والمرجح أن باريس تريد مراقبة تطورات الوضع قبل أن تحدد طريقة تعاملها مع العسكر، خصوصاً أن الوضع يختلف عما هو عليه في النيجر؛ إنْ كان لجهة عديد قواتها أو لغياب العداء لها ولمصالحها كما هي الحال في نيامي. ومشكلتها أنها في النيجر وقفت وراء «المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)» ودفعت باتجاه المواقف الأكثر تشدداً فيما بقي رد فعلها الأول «معتدلاً» إلى حد بعيد. ويؤخذ على باريس أنها غضت الطرف عما يحصل في الغابون على الصعيد الداخلي، وهي التي تعطي دروساً في الديمقراطية للقارة بأكملها. وكان الرئيس ماكرون قد زار الغابون في شهر مارس (آذار) الماضي، وهي الزيارة التي رأت فيها شخصيات معارضة تزكية للمرشح الرئاسي علي بونغو.

وهاجم جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق وزعيم اليسار المتشدد، سياسة ماكرون الأفريقية، متهما إياه بـ«الممالأة».

ودعت السفارة الفرنسية، الأربعاء، الرعايا الفرنسيين إلى البقاء في بيوتهم والامتناع عن الخروج.

إدانات دولية

وفي سياق مواز، أكّد جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أن الدبلوماسيين الأميركيين والعسكريين الموجودين في الغابون هم «في أمان»؛ وإذ اكتفى بالقول إن واشنطن «تتابع الوضع من قرب»، فقد عدّ أن تعاقب الانقلابات العسكرية في أفريقيا «مثير لقلق كبير»، رافضاً التعقيب على نتيجة الانتخابات الغابونية التي ربحها الرئيس بونغو.

من جانبه، أدان موسى فكي محمد، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، في بيان الأربعاء، «بشدة المحاولة الانقلابية»، وندد بـ«الانتهاك الفاضح» للمبادئ المعمول به في الاتحاد، ودعا الجيش الغابوني والقوى الأمنية إلى «الالتزام بالقيام بمهمتهم وضمان السلامة الجسدية لرئيس الجمهورية وأفراد عائلته وأعضاء الحكومة». وجاء في بيان للاتحاد الأفريقي أن الانقلاب يشكل «انتهاكاً صارخاً للأدوات القانونية والسياسية للاتحاد، ومنها شرعية الانتخابات والديمقراطية والحوكمة (الرشيدة)».

وكانت الصين من أوائل من علق على الانقلاب، حيث دعت بكين إلى «ضمان سلامة علي بونغو». وجاء في بيان الخارجية الصينية أن بكين «تتابع من قرب تطور الوضع في الغابون، وتدعو الأطراف المعنية إلى التصرف وفق مصلحة الشعب الغابوني، وإلى العودة الفورية إلى النظام الطبيعي».

أما منظمة الكومنولث؛ التي تقودها بريطانيا، والتي انضمت إليها الغابون العام الماضي رغم أن لغتها الرسمية هي الفرنسية، فقد عدّت في بيان أن «المعلومات الواردة حول استيلاء غير شرعي على السلطة في الغابون تشكل لنا مصدر قلق كبير». واستبق جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، اجتماعاً لوزراء الدفاع والخارجية في الاتحاد بمدينة طليطلة الإسبانية، بالإعراب عن مخاوفه من أنه إذا تأكد الانقلاب العسكري، فإن ذلك «سيزيد من الاضطرابات في المنطقة كلها»، رافضاً الذهاب أبعد من ذلك؛ في انتظار معلومات إضافية. وسبق أن شهدت الغابون انقلاباً فاشلاً في عام 2019 استهدف الرئيس علي بونغو.

لعل رد الفعل الأوضح جاء من وزير خارجية إيطاليا، أنطونيو تاياني، الذي دعا إلى حل دبلوماسي في النيجر، وأيضاً في الغابون. وأكد تاياني، في بيان، أن بلاده «ما زالت تدعو لحل دبلوماسي (في البلدين) بالتنسيق مع شركائها»، عادّاً أن هذه المقاربة من شأنها وحدها «المحافظة على السلم والاستقرار» في أفريقيا. وسبق له أن أكد أن أوروبا «لا تستطيع السماح بقيام نزاع مسلح ولا أن نظهر نحن الأوروبيين بوصفنا مستعمرين جدداً».


مقالات ذات صلة

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر (أ.ف.ب)

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أعلنت النيجر، الأحد، طرح اليورانيوم الذي تنتجه شركة «سومير» التابعة لشركة «أورانا» الفرنسية العملاقة قبل تأميمها في يونيو (حزيران)، للبيع في السوق الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا سفير النيجر بالجزائر يسلم أوراق اعتماده للرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

استئناف الحوار بين الجزائر والنيجر بعد تصاعد الأزمة في 2023

يسعى وفد من حكومة النيجر يزور الجزائر حالياً، لطي خلاف حاد نشأ في صيف 2023 بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، واشتدت الأزمة باحتجاج نيامي على …

أفريقيا رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

النيجر نحو تنظيم «مؤتمر وطني» بشأن ميثاق انتقالي

أعلنت وزارة الداخلية في النيجر أن النظام العسكري الحاكم سينظّم «مؤتمراً وطنياً» من 15 حتى 19 فبراير (شباط)، يهدف خصوصاً لتحديد مدة للفترة الانتقالية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
TT

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

احتدم القتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اليوم (الجمعة)، بعد يوم واحد من استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزعيمي الكونغو ورواندا في واشنطن لتوقيع اتفاقات جديدة تهدف إلى إنهاء سنوات من الصراع في منطقة غنية بالمعادن، حسب ما نشرت «رويترز».

وأكد الرئيس الرواندي بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، أمس الخميس، التزامهما باتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) لتوطيد الاستقرار، وفتح الباب أيضاً أمام المزيد من الاستثمارات الغربية في مجال التعدين.

وقال ترمب، الذي تدخلت إدارته في سلسلة من النزاعات حول العالم لتعزيز صورته صانعاً للسلام، وكذلك لتعزيز المصالح التجارية الأميركية: «إننا نضع حلاً لحرب دائرة منذ عقود».

ولكن على أرض الواقع، استمر القتال العنيف مع تبادل الاتهامات بين الأطراف المتحاربة.

وقالت حركة «23 مارس» المدعومة من رواندا، التي استولت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في وقت سابق من هذا العام، وغير ملزمة باتفاق واشنطن، إن القوات الموالية للحكومة تشن هجمات واسعة النطاق.

ومن ناحيته، قال متحدث باسم جيش الكونغو الديمقراطية إن الاشتباكات مستمرة، وإن القوات الرواندية تشن هجمات قصف.

ويقول محللون إن الجهود الدبلوماسية الأميركية أوقفت تصعيد القتال في شرق الكونغو لكنها فشلت في حل القضايا الجوهرية، مشيرين إلى عدم وفاء الكونغو ورواندا بالتعهدات التي قطعها الجانبان في اتفاق يونيو (حزيران).

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت الجمعة عشرات العائلات النازحة وهي تفر سيراً على الأقدام مع أخذ الأمتعة والماشية في إقليم جنوب كيفو بشرق الكونغو.

اقرأ أيضاً


بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
TT

بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

قررت السلطات العسكرية في بوركينا فاسو، الخميس، إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي أُلغيت عام 2018، خصوصاً فيما يتعلق بتهمة الإرهاب والخيانة العظمى والتجسس، في وقت يعيش فيه البلد تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعة مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وأُعلن القرار في بيان صادر عقب اجتماع مجلس الوزراء، وقالت الحكومة إنها صدّقت على «مشروع قانون العقوبات»، الذي يحدد عقوبات صارمة تجاه عدد كبير من الجرائم والجنايات، ذات الطابع الأمني والاقتصادي والسياسي.

وأضافت الحكومة موضحة أن مشروع القانون «يُعيد العمل بعقوبة الإعدام لعدد من الجرائم، من بينها الخيانة العظمى، والأعمال الإرهابية، وأعمال التجسس، وغيرها».

وقال وزير العدل وحقوق الإنسان، إداسو رودريغ بايالا، في بيان الحكومة، إن اعتماد هذا المشروع «يندرج ضمن الإصلاحات الواسعة التي يشهدها القطاع، بهدف تحقيق عدالة تلبي التطلعات العميقة للشعب».

كما يتضمن مشروع القانون الجديد تجريم «الترويج والممارسات المثلية والأفعال المرتبطة بها»، وفق ما أعلنته الحكومة، علماً بأنه سبق أن اعتمدت بوركينا فاسو في سبتمبر (أيلول) الماضي قانوناً يستهدف «مرتكبي الممارسات المثلية» بعقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً.

غرامات وأعمال مفيدة

أوضح الوزير رودريغ بايالا أن مشروع القانون اعتمد «العمل للمصلحة العامة» بوصفه عقوبة رئيسية، وهو ما يعني إحلال عقوبة تقوم على إلزام الشخص المحكوم عليه بأداء أعمال مفيدة للمجتمع، تحت إشراف السلطات، ووفق ضوابط قانونية محددة، محل بعض العقوبات التقليدية، مثل السجن أو الغرامة.

في غضون ذلك، شهدت الغرامات المالية المرتبطة بجميع المخالفات، سواء الجنح أو الجرائم، زيادة ملحوظة في مشروع القانون الجديد؛ إذ ارتفع الحد الأدنى للغرامة من 250 ألف فرنك أفريقي (450 دولاراً أميركياً) إلى 500 ألف فرنك أفريقي (900 دولار أميركي).

لقطة من فيديو لمعسكر تدريب لمقاتلي «القاعدة» في بوركينا فاسو (تواصل اجتماعي)

وأشار الوزير إلى أن العقوبات المتعلقة بسلامة المرور «رُفعت بشكل خاص، لأننا لاحظنا أن 90 إلى 95 في المائة من حوادث السير التي تفجع الأسر البوركينابية سببها المستخدمون أنفسهم»، على حد تعبيره.

وحول الجرائم الاقتصادية، مثل الاختلاس وأعمال الفساد، يمكن أن تصل العقوبات إلى السجن المؤبد عندما تتجاوز قيمة الأموال المختلسة، أو موضوع الجريمة، 5 مليارات فرنك أفريقي (نحو 9 ملايين دولار أميركي)، حسب الوزير.

في انتظار قرار البرلمان

من أجل أن يصبح مشروع القانون الجديد ساري المفعول، لا بد من موافقة الجمعية التشريعية الانتقالية التي أنشأتها السلطة العسكرية، بوصفها بديلاً للبرلمان الذي تم حله في أعقاب الانقلاب العسكري.

ويتوقع المراقبون أن مشروع القانون الجديد لن يجد أي مشكلة أمام الجمعية التشريعية الانتقالية، حيث تتماهى هذه الجمعية مع سياسات الحكومة، ولم يسبق أن رفضت أي قانون مقترح من طرف السلطة التنفيذية.

وحسب منظمة العفو الدولية، فإن آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في بوركينا فاسو كان عام 1988، خلال حكم الرئيس الأسبق توماس سانكارا، وهو أيقونة التحرر الأفريقي، ويتخذ منه الرئيس الحالي إبراهيم تراوري نموذجاً.

لكن عقوبة الإعدام أُلغيت في بوركينا فاسو منذ عام 2018، في عهد الحكومة المدنية برئاسة روش مارك كريستيان كابوري الذي أُطيح به في انقلاب عسكري عام 2021، ويحكم البلاد منذ 2022 الكابتن إبراهيم تراوري، ومنذ وصوله إلى السلطة، انتهج تراوري سياسات مناهضة للغرب، وابتعد عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في الوقت الذي عزز فيه علاقاته مع روسيا.

توسع الإرهاب

رغم التحالف مع روسيا وإعادة هيكلة الجيش في بوركينا فاسو، لا يزال الإرهاب يتوسع في البلاد، حيث تشير تقارير إلى أن الجماعات الإرهابية تسيطر على أكثر من 40 في المائة من مساحة البلد الواقع في غرب أفريقيا.

وكثفت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، هجماتها في شمال وشرق بوركينا فاسو خلال الأسابيع الأخيرة، وأعلنت، الخميس، أنها سيطرت على ثكنة عسكرية في قرية باكاسولوغو، في ولاية كايا، الواقعة في الوسط الشرقي من بوركينا فاسو.

كما نشرت الجماعة الإرهابية مقطع فيديو دعائياً، الجمعة، يظهر معسكر تدريب لمقاتليه في بوركينا فاسو، ويكشف الفيديو عن وجود مئات المقاتلين في المعسكر، يرتدون ملابس شبه عسكرية، ويقومون بحركات قتالية.


النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.