أبواب الدبلوماسية ما زالت مفتوحة للمساومات في النيجر

السفيرة الأميركية الجديدة في نيامي تحمل معها «خريطة طريق» وسطية

أحد العسكريين يخطب في تجمع لمؤيدي الانقلاب في نيامي الأحد (أ.ف.ب)
أحد العسكريين يخطب في تجمع لمؤيدي الانقلاب في نيامي الأحد (أ.ف.ب)
TT

أبواب الدبلوماسية ما زالت مفتوحة للمساومات في النيجر

أحد العسكريين يخطب في تجمع لمؤيدي الانقلاب في نيامي الأحد (أ.ف.ب)
أحد العسكريين يخطب في تجمع لمؤيدي الانقلاب في نيامي الأحد (أ.ف.ب)

لم تكن مفاجئة ردة الفعل الرافضة الصادرة عن المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، بشأن تصور انقلابيي النيجر لمرحلة انتقالية تمتد لثلاث سنوات ومنطلقها حوار شامل يستمر شهراً حول التعديلات الدستورية بعدها تعود البلاد إلى الحكم المدني من خلال انتخابات عامة. ذلك أن المقترحات التي قدمها رئيس المجلس العسكري الذي يمسك بالسلطة ليس فيها ما يتجاوب مع متطلبات «إيكواس» التي تريد فوراً إخلاء سبيل الرئيس المحتجز محمد بازوم، وتمكينه من العودة إلى ممارسة صلاحياته في إطار الرجوع إلى «الانتظام الدستوري».

ووفق المجموعة الاقتصادية، فإن السبيل لتجنب عملية عسكرية تم التحضير لها، من أوجهها كافة، خلال اجتماعات لقادة أركان 11 دولة عضواً في «إيكواس» على مرحلتين، الأولى في أبوجا والثانية في أكرا، عاصمة غانا، عنوانها استجابة الانقلابيين للشروط التي أصبحت معروفة من القاصي والداني. وعلى هذه الخلفية، يفهم التشدد الذي برز في تصريحات عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن في «إيكواس» الاثنين في حديث تلفزيوني، حيث أكد أن «الفترة الانتقالية التي تستغرق ثلاث سنوات غير مقبولة»، ومطالبته بـ«استعادة النظام الدستوري في أسرع وقت ممكن».

مؤيدون للانقلاب العسكري في النيجر يحملون صورة الجنرال تياني في نيامي الأحد (أ.ف.ب)

بداية، ترى أوساط سياسية في باريس أنه يتعين وضع مقترحات الجنرال عبد الرحمن تياني، زعيم الانقلاب ورئيس المجلس الانتقالي في سياقها إذ إنها جاءت بعد عنصرين مهمين: الأول، إعلان رئيس الحكومة النيجرية المدني المعين علي زين، خلال زيارته إلى إنجامينا، أن النيجر «تجتاز مرحلة انتقالية» ما يتعين أن يفهم منه أن سلطة العسكر «مؤقتة»، وأن بعدها سيعود الحكم للمدنيين. والعنصر الثاني عنوانه زيارة وفد رفيع المستوى من «إيكواس» بقيادة رئيس نيجيريا الأسبق والاستقبال الرسمي الذي حظي به ثم اجتماعه بالجنرال تياني وتمكينه من مقابلة الرئيس المخلوع وقضائه ليلة السبت - الأحد في نيامي. وتضيف هذه المصادر أنه يتعين المقارنة بين ما واجهه الوفد المذكور في المرة الأولى، حيث لم يتح الخروج من المطار وحرية الحركة التي حظي بها في المرة الثانية. والأهم من ذلك كله التصريح الذي أدلى به عبد السلام أبو بكر رئيس الوفد الذي أعلن أنه «بلا شك ثمة أمل» للوصول إلى حل سياسي، مضيفا أن البعثة «عثرت على المفتاح الذي من شأنه أن يقودنا إلى مفاوضات تفضي إلى حل هذه المشكلة». ثم لا بد من الإشارة إلى أن الأيام الأربعة الماضية، شهدت تركيزاً على تدهور صحة الرئيس المخلوع وتحذيرات بـ«عواقب جدية» ستصيب الانقلابيين في حال إصابته بسوء وفق ما جاء على لسان الرئيس النيجيري بولا تينوبو، بمناسبة محادثة له مع شارل ميشال، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، فضلا عن تحذيرات من الأمين العام للأمم المتحدة وعواصم غربية رئيسية. والحال أن بازوم بدا بصحة جيدة لا بل كان مبتسماً ولم ينقل عنه أنه يعاني من أمراض أو من سوء معاملة.

حقيقة الأمر أن «إيكواس» تبدو «محشورة» إلى حد بعيد. فهي، من جهة، تتهيب الرد العسكري على الانقلابيين في بلد من الأفقر في العالم، إذ إنه يحتل المرتبة الـ189 (من أصل 191 بلداً) بين البلدان الأكثر فقراً في العالم. وجاء تحذير «اليونيسيف» الذي نبه إلى أن أكثر من مليوني طفل نيجري يعانون من سوء التغذية يحتاجون لمساعدات إنسانية طارئة ليزيد الضغوط على مجموعة «إيكواس» ولثنيها عن إطلاق عملية عسكرية ستكون من أولى نتائجها زيادة معاناة المدنيين. ونبهت المنظمة الدولية من النتائج الثقيلة المترتبة على الحصار المفروض على النيجر وإغلاق الحدود والغلاء وانقطاع التيار الكهربائي وصعوبة إيصال الأدوية... ومن جهة ثانية، ثمة مخاوف من عملية عسكرية قد تتحول إلى حرب بين مجموعتين: «الإيكواس» من جهة و«مجموعة الانقلابيين» من جهة ثانية والمتشكلة من النيجر ومالي وبوركينا فاسو التي حضّرت، بدعم من غينيا، خططاً عسكرية لمواجهة أي عملية تقوم بها قوات من نيجيريا وساحل العاج وبنين وربما من دول أخرى بدعم من فرنسا. وثالث العناصر عنوانه أن أي حرب ستشكل هدية ثمينة للمجموعات الجهادية والإرهابية التي تنشط في منطقة الساحل. وجاءت الهجمات التي استهدفت الأسبوع الماضي قوة عسكرية نيجرية سقط منها عشرون قتيلا قريبا مما يسمى «الحدود المثلثة»، ثم استهداف مدنيين بالقرب منها، لتبين سلفاً المخاطر المرتبطة بالاحتكام لقوة السلاح من أجل إعادة بازوم إلى السلطة.

وأخيراً، لا يمكن تناسي الضغوط الممارسة على «إيكواس» لدفعها إلى التراجع عن العمل العسكري، خصوصا من الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت سفيرتها إلى نيامي في عز الأزمة ما فُهم أنه دعوة إلى تغليب الحل السياسي وهو ما دأب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على الدعوة إليه.

رئيس نيجيريا بولا تينوبو الذي قد تشارك بلاده في عملية عسكرية ضد انقلابيي النيجر (أ.ب)

كذلك يتعين الأخذ بعين الاعتبار دعوة البابا فرنسيس الأحد ودفاعه عن السلام وتحفظ جارتين للنيجر هما الجزائر وتشاد والانقسامات داخل الأسرة الأوروبية إذ تجد فرنسا نفسها معزولة إلى حد كبير، ناهيك عن تردد الاتحاد الأفريقي. وكل ذلك يمثل ضغوطاً على «إيكواس» لثنيها عن تفضيل الحل العسكري. وبالمقابل، فإن تراجعها، رغم التهديدات التي أطلقتها سيفقدها المصداقية، وسيشجع آخرين على الاحتذاء بما حصل في أربع دول انقلابية (الثلاث المشار إليها سابقا وغينيا).

يبدو واضحاً اليوم أن نيامي اختارت السير على الدرب التي سلكتها باماكو وواغادوغو لجهة الإعلان عن الرغبة بإعادة الحكم إلى المدنيين بعد مرحلة انتقالية. وكان الجنرال تياني حازماً في تأكيده أن العسكريين «لن يصادروا السلطة». وللتذكير، فإن عسكر مالي وبوركينا فاسو وغينيا «استرضوا» «إيكواس» بإغداق الوعود بالتعجيل بإجراء انتخابات عامة والعودة إلى الثكنات. والحال أن أيا من هذه الوعود لم يتحقق وما زال الجنرالات في مواقعهم ولا شيء يشي بأنهم سيتخلون عنها. من هنا، فإن «إيكواس» لا تريد حلاً شبيهاً في النيجر وهي تعي أن كل يوم يمر من شأنه تعزيز قبضة العسكريين وتمكينهم من المناورة، وقد أثبتوا أنهم يجيدونها أولا من خلال تعيين رئيس حكومة مدني، سبق أن مارس مهمات وزارية في الداخل، وفي إطار منظمات إقليمية ودولية، ولاحقا من خلال الإعلان عن مرحلة انتقالية من ثلاث سنوات.

لعل الأمر المثير للانتباه أن «إيكواس» تخلت عن نهج توجيه إنذارات مع مهل زمنية محددة، وهذا من شأنه أن يترك الباب مفتوحاً لمداولات إضافية. وتشير مصادر سياسية غير حكومية في باريس إلى أن وساطة الوفد الأفريقي لم تنته وليس من المستبعد أن يعود إلى نيامي في وقت لاحق لانتزاع تنازلات من الانقلابيين تتناول، من جهة، مصير الرئيس بازوم الذي قد يسمح له بمغادرة البلاد مع عائلته فيما يبقى ابنه ساني، وزير النفط، محتجزاً مع عدد من المسؤولين، ومن جهة ثانية تقصير فترة المرحلة الانتقالية، وتوفير ضمانات يمكن الأخذ بها إذا كانت الولايات المتحدة مثلاً طرفاً فيها.

وفي هذا السياق، كان لافتاً البيان الذي صدر عن الخارجية الأميركية، بمناسبة تسلم السفيرة فيتزغيبون منصبها، إذ جاء فيه أن خريطة الطريق التي زودت بها تقوم على «الدفاع عن حل دبلوماسي يحافظ على الانتظام الدستوري، ويتيح إطلاق سراح الرئيس بازوم مع عائلته وكل الذين احتجزوا خلافاً للقانون». وخطة كهذه مع بعض التعديلات يمكن أن تشكل حلاً وسطاً ومادة المساومة بين مطالب العسكر ورغبات «إيكواس».


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.