العملية العسكرية في النيجر «مؤجلة» بانتظار استنفاد المساعي الدبلوماسية

تقرير فرنسي: أنصار الرئيس بازوم طلبوا تدخل باريس لإعادته إلى السلطة

مظاهرة داعمة للمجلس العسكري في نيامي السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة داعمة للمجلس العسكري في نيامي السبت (أ.ف.ب)
TT

العملية العسكرية في النيجر «مؤجلة» بانتظار استنفاد المساعي الدبلوماسية

مظاهرة داعمة للمجلس العسكري في نيامي السبت (أ.ف.ب)
مظاهرة داعمة للمجلس العسكري في نيامي السبت (أ.ف.ب)

يبدو الوضع في النيجر رهينة السباق بين المساعي السلمية من جهة، والتوجه إلى التصعيد العسكري من جهة أخرى، بانتظار معرفة نتائج زيارة البعثة الدبلوماسية التي أرسلتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للتفاوض مع المجلس العسكري من أجل استعادة الانتظام الدستوري، والنتائج التي يمكن أن تفضي إليها جهود مبعوث الأمم المتحدة إلى غرب أفريقيا، ليوناردو دوس سانتوس سيماو، الذي التقى علي الأمين زين، رئيس الحكومة النيجري المعين (الجمعة).

وبمواجهة القرارات التي أفضت إليها اجتماعات أكرا، عاصمة غانا، طيلة يومين لقادة جيوش 11 دولة من المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، من أصل 15 دولة عضو، التي بيّنت أن «إيكواس» تتحضر حقيقة للتدخل العسكري حال صدور الأوامر إليها من قادة المجموعة، فإن جبهة انقلابية مواجهة آخذة عملياً بالنشوء. ووفق ما أذاعه التلفزيون الرسمي النيجري (صباح السبت)، فإن اجتماعاً لقادة عسكريين لم يحدد رتبهم أو وظائفهم من النيجر ومالي وبوركينا فاسو عُقد في نيامي من أجل بلورة «استراتيجية دفاعية مشتركة» لمواجهة «إيكواس» في حال اختارت «تصعيد الحرب».

الملاذ الأخير

لا يُمثّل اجتماع نيامي مفاجأة، إذ إن باماكو وواغادوغو اللتين يحكمهما مجلسان عسكريان، كما الحال في النيجر منذ 26 يوليو (تموز) الماضي، سارعتا إلى الإعلان أن أي تدخل عسكري لمجموعة «إيكواس» سيعد بمثابة «إعلان حرب» عليهما، وبالتالي ستعمدان إلى الوقوف إلى جانب القوات النيجرية المسلحة.

وبحسب عبد الفتاح موسى، مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في «إيكواس»، فإن أعضاء التكتل الذين حضروا اجتماعات أكرا كافة، مستعدون للمشاركة في العملية العسكرية، باستثناء الرأس الأخضر التي عارضتها. وفي أية حال، فإن «إيكواس» ما زالت تنظر إلى التدخل العسكري لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم إلى السلطة على أنه «الملاذ الأخير».

وترى مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس أن التدخل المشار إليه، إن كان سيحصل، فإنه «لن يحل بين يوم وآخر، إذ يتعين التحضير له سياسياً وعسكرياً ولوجيستياً، ومعرفة الدول المستعدة للمشاركة فعلياً في عملية عسكرية معقدة، ونقل الوحدات العسكرية المشارِكة إلى قرب الحدود مع النيجر»، حيث إن نيجيريا وبينين هما الدولتان الوحيدتان، من بين الدول المستعدة للمشاركة، اللتان لديهما حدود مشتركة مع النيجر.

وتضيف هذه المصادر أنه يتعين مراقبة رد فعل الاتحاد الأفريقي الذي لم يعطِ الضوء الأخضر للتدخل العسكري. وفي الاجتماع الذي عقدته «لجنة الأمن والسلام» المنبثقة منه، برز انقسام واضح بين مَن يدعم العمل العسكري ومَن يعارضه، وكانت النتيجة أن أي بيان رسمي لم يصدر بنهاية اجتماع اللجنة الذي دام ما لا يقل عن 10 ساعات. وأشارت هذه المصادر إلى التناقض في كلام مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن، إذ إنّه يدعي، من جهة، أن القادة العسكريين «اتخذوا القرار بشأن اليوم المحدد للتدخل العسكري في النيجر» من غير الإعلان عنه، ومن جهة ثانية، يؤكد أن القوات المستعدة للانخراط في العملية العسكرية تنتظر الأوامر التي لم تصدر من قادة «إيكواس».

محاولة لتخفيف الضغوط

تريد «المجموعة الاقتصادية» تجنب «الانخراط في حوار لا نهاية له». إلا أنها في الوقت عينه لم تحدد مهلة زمنية أو تعطِ «إنذاراً» للانقلابيين للعودة إلى ثكناتهم بعد الإنذار الفاشل الذي وجهه القادة الأفارقة للمجلس العسكري، حيث أمهلوهم أسبوعاً واحداً، حتى نهاية الأول من أغسطس (آب)، قبل التدخل.

والحكمة في ذلك أن قادة «إيكواس» الراغبين في وضع حدّ لمسلسل الانقلابات العسكرية الذي ضرب 7 مرات بلدانهم خلال 3 سنوات فقط، يريدون المحافظة على هامش من المناورة، خصوصاً أن دولاً مؤثّرة جداً، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وإيطاليا والجزائر وتشاد وغيرها، تعارض بشدة اللجوء إلى القوة العسكرية وتريد استنفاد الوسائل الدبلوماسية قبل الوصل إلى «الملاذ الأخير».

ويسعى علي الأمين زين، رئيس الحكومة النيجري المعيّن الذي يتمتع بعلاقات واسعة باحترام داخلي وأفريقي ودولي نظراً للمناصب السابقة التي تبوأها، إلى التخفيف من الضغوط التي تتم ممارستها سياسياً واقتصادياً ومالياً وتجارياً على النيجر. ويتحرك الأخير على أكثر من مستوى، وأشار خلال الزيارة التي قام بها إلى نجامينا ولقائه الرئيس محمد إدريس ديبي إلى أن بلاده «تمر بمرحلة انتقالية»، أي سوف تعود لاحقاً إلى النظام الديمقراطي، ما يقوي التوجه إلى حل سلمي على مراحل. كذلك، ردّ رئيس الحكومة على المعلومات التي تتحدث عن تدهور صحة بازوم، مؤكداً أنه «لن يتعرض لسوء». وكانت ردة فعل أفريقية ودولية قد برزت في الأيام الأخيرة عقب شيوع معلومات تفيد بأن صحة بازوم «تدهورت» وأن ظروفه المعيشية قد تراجعت.

دور المبعوث الأممي

ثمة عامل إضافي برز في المعادلة الراهنة، وعنوانه الدور الذي يمكن أن يضطلع به المبعوث الأممي الذي التقى المجلس العسكري من أجل «مناقشة سبل عودة البلاد بأسرع ما يمكن إلى النظام الدستوري الطبيعي والقانوني أيضاً». وعبّر سيماو عن قناعته بأن أمراً مثل هذا «ممكن دائماً بالحوار». وحتى أيام قليلة، اكتفت الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، بالدعوة إلى العودة إلى الانتظام الدستوري والإعراب عن القلق على صحة بازوم. لذا، فإن مباشرة المبعوث الأممي وساطته من شأنها توفير مزيد من الوقت للجهود الدبلوماسية قبل رسو القرار على الخيار العسكري.

تصاعد العنف الإرهابي

ثمّة عامل مقلق عنوانه ازدياد الهجمات الإرهابية التي تضرب النيجر في الأسابيع الأخيرة، وأبرزها عمليتان؛ الأولى استهدفت قافلة عسكرية أوقعت 20 قتيلاً وعشرات الجرحى، والأخرى راح ضحيتها 28 مدنياً. وكلتا العمليتين حصلت فيما يسمى «المثلث الحدودي» بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، حيث تتركز بشكل خاص أنشطة تنظيمين إرهابيين هما «القاعدة» و«داعش».

ويعزى هذا التصعيد لتوقف التعاون بين الجيش النيجري والقوات الأجنبية الموجودة في النيجر، الفرنسية والأميركية والألمانية والإيطالية، ولقرار الانقلابيين سحب وحدات إلى العاصمة؛ لمواجهة تدخل عسكري محتمل من مجموعة «إيكواس». والتخوف الكبير مصدره احتمال أن تنجح التنظيمات الإرهابية في الاستفادة من الفراغ، وإقامة منطقة رمادية تمكّنها من التحرك بحرية وتوسيع أنشطتها.

تدخل فرنسي

أمس، كشفت صحيفة «لو موند» المستقلة في عددها الأخير معلومات جديدة، يفيد جانب منها، بأن عسكريين نيجيريين كانوا يحضّرون لعملية لتحرير بازوم. والجانب الآخر يفيد بأن شخصيات نيجرية رفيعة، من بينها وزير الخارجية حسومي مسعودو، ومسؤولون عسكريون كبار عقدوا سريعاً، بعد الانقلاب الذي حصل يوم 26 يوليو، لقاءات مع ضباط فرنسيين من القوة الفرنسية المرابطة في النيجر، التي يبلغ عددها 1500 رجل، وطلبوا منهم التدخل من أجل تحرير الرئيس المحتجز.

نيجريون يطالبون فرنسا بمغادرة بلادهم في مظاهرة بنيامي الأحد الماضي (أ.ب)

وأضافت الصحيفة أن الجانب الفرنسي أصرّ على الحصول على طلب مكتوب للتدخل. وتضيف معلومات الصحيفة أن طلباً رسمياً قُدم لفرنسا يجيز لها التدخل العسكري واستهداف القصر الرئاسي، حيث يُحتجز بازوم. كذلك تم تحرير نص آخر وقع نيابة عن رئيس أركان القوات المسلحة. وكشفت مصادر الصحيفة أن قوة فرنسية وصلت إلى موقع الاجتماع، وأن طوافات عدة كانت جاهزة للتدخل. وأكد العسكريون الفرنسيون أنهم «قادرون» على القيام بالعملية دون إلحاق الأذى بالرئيس المحتجز. إلا أن العملية لم تحصل لسببين: الأول أن بازوم نفسه رفضها. والثاني، التغير الذي حصل سريعاً في نيامي عندما التحقت القوات المسلحة بالانقلابيين واشتراط باريس أن تكون مهمة قوتها دعم ومساعدة قوة نيجرية وليس الانفراد بها. والخلاصة أن العملية لم تحصل، وأن نحو الشهر قد مضى على الانقلاب، وأن الانقلابيين ما زالوا يسيطرون على الوضع.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.