هل تتخلى أميركا عن بازوم وتعترف بالسلطة الانقلابية الجديدة؟

خيارات واشنطن الصعبة في أزمة النيجر

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
TT

هل تتخلى أميركا عن بازوم وتعترف بالسلطة الانقلابية الجديدة؟

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس بازوم خلال لقائهما في العاصمة نيامي مارس 2023 (أ.ب)

تراجع واشنطن خياراتها في التعامل مع أزمة النيجر والانقلاب العسكري، وسط سيناريوهات ما بين دعم التدخل العسكري وفرض مزيد من العقوبات والعزلة الدولية، والتداعيات لتلك الخيارات من مخاطر اندلاع حرب أهلية وتقويض الأمن، وتصاعد نفوذ الجماعات الإرهابية وخسارة القواعد الأميركية في النيجر، وما يتعلق بموارد اليورانيوم وتصاعد نفوذ روسيا في غرب القارة الأفريقية.

وقد ألقت واشنطن برهاناتها على مجموعة غرب أفريقيا الاقتصادية (إيكواس) للتعامل مع انقلاب النيجر وما أعلنته المجموعة في أبوجا يوم الخميس الماضي بضرورة إعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، بعد أن أطاح به الانقلاب العسكري في 26 يوليو (تموز) الماضي. واتخذت المجموعة في اجتماعها برئاسة رئيس نيجيريا بولا أحمد تينوبو قرارات بإغلاق الحدود بين «إيكواس» والنيجر ووقف الرحلات الجوية التجارية، ووقف المعاملات التجارية والمالية، وتجميد أصول النيجر في البنوك المركزية لـ«إيكواس»، إضافة إلى تعليق المساعدات المالية.

وكرر وزير الخارجية الأميركي دعمه لكل القرارات التي تتبناها قمة قادة «إيكواس»، مفضلاً الخيارات الدبلوماسية من أجل حل سلمي للأزمة. وأبدت المجموعة تفضيل المسار الدبلوماسي، لكنها لوَّحت بخيار التدخل العسكري، إلا أن تأجيل اجتماع رؤساء الأركان لدول المجموعة الذي كان مقرراً في غينيا دون تحديد موعد جديد كشف عن انقسامات عميقة بشأن خيار التدخل العسكري، خاصة أن كلاً من تشاد والجزائر اعترضت على التدخل العسكري في النيجر، وحذرت أن ذلك يمثل تهديداً لمصالح الأمن القومي للبلدين.

ولا يبدو أن المسارات الدبلوماسية تتقدم بعد أكثر من أسبوعين على الانقلاب، بينما يتعزز نفوذ روسيا في مقابل مشاعر العداء ضد الغرب بصفة عامة داخل النيجر، وهو ما يضع واشنطن أمام خيارات صعبة ومحدودة.

 

خيارات واشنطن

الخيار المثالي للولايات المتحدة هو مواصلة الجهود الدبلوماسية والعمل مع مجموعة «إيكواس» لفرض مزيد من الضغوط على قادة المجلس العسكري، لكن مهلة «إيكواس»، التي منحتها للمجلس العسكري لإعادة بازوم إلى السلطة انتهت دون خطوات فعلية، ورغم إعلان المجموعة نشر قوة احتياطية تصل إلى خمسة آلاف جندي من دول منها نيجيريا وبنين وساحل العاج والسنغال لاستعادة الديمقراطية في النيجر، إلا أن الغموض يحيط بهذا القرار، فمن غير الواضح متى وأين سيتم نشر هذه القوة، وليس واضحاً نطاق هذه القوة أو الجدول الزمني للتدخل العسكري المحتمل. ومن الناحية اللوجستية أيضاً فقد تستغرق هذه الخطوة أسابيع أو شهور حتى يقرر «إيكواس» الخطوات التي يتعين القيام بها.

من جانب آخر قد يقف مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي ضد أي قرار بتحرك عسكري، إذا شعر أن السلام والأمن مهدد في القارة الأفريقية. وقد تحمل خطوة التدخل العسكري مخاطر جر النيجر إلى حرب أهلية ومخاطر اندلاع مزيد من الانقلابات في المنطقة وتفشي ظاهرة النزوح الجماعي لدول الجوار.

ويقول بعض الخبراء إن التلويح بالتدخل العسكري هو نوع من حفظ ماء الوجه لمجموعة «إيكواس» بعد قراراتها بالتهديد دون خطط واضحة لكيفية تنفيذ التدخل العسكري. وبافتراض أن مجموعة «إيكواس» مضت في خطط التدخل العسكري فإن الجيوش الأكثر خبرة وأفضل تجهيزاً في غرب أفريقيا مثل القوات في مالي وبوركينا فاسو، فهي دول تتعاطف مع النيجر وتعارض التدخل العسكري، بل ولديها استعداد لتنسيق جهود دفاع مشتركة مع القادة العسكريين في النيجر وأعلنت أن أي تدخل عسكري سيتم النظر إليه على أنه إعلان حرب.

ومخاطر تشجيع سيناريو الخيار العسكري ستكون له عواقبه وتداعياته خاصة في ظل الانقسامات داخل قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الذين يريدون كبح جماح الانقلابات المتكررة في القارة السمراء، وما يتطلبه التدخل العسكري من استعدادات وميزانيات وعتاد عسكري وخطط عسكرية محكمة تحقق الأهداف دون خسائر في الأرواح، وهو أمر يواجه الكثير من العراقيل والمخاوف.

وقد حذرت الخارجية الروسية من محاولات التدخل عسكرياً في النيجر، وقالت إن ذلك لن يؤدي سوى إلى إطالة الصراع وزعزعة استقرار منطقة الصحراء والساحل.

وخيار آخر هو أن تعلن الولايات المتحدة أن استيلاء القادة العسكريين على السلطة في النيجر هو انقلاب عسكري، وبالتالي قطع المساعدات الأميركية عن البلد الفقير، لكن في الوقت نفسه المخاطرة بصعود الجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا وخاصة «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» بعض سنوات وجهود أميركية مضنية لمكافحة الإرهاب في تلك المنطقة، وأموال طائلة أنفقت في إقامة قاعدتين أميركيتين في النيجر تنطلق منها عمليات مكافحة الإرهاب وعمليات جمع المعلومات الاستخباراتية.

وفي الوقت نفسه، سيبدو الأمر انهزاماً أميركياً أمام نفوذ روسيا ومجموعة «فاغنر»، التي يتصاعد نفوذها وتساند المجلس العسكري الانقلابي في وجه الإمبريالية والهيمنة الأميركية في أفريقيا، ووقف الاستغلال الاقتصادي للغرب لموارد الدول الأفريقية.

قد تلجأ الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي لفرض بعض الضغوط وربما فرض العقوبات وحشد المجتمع الدولي لفرض عزلة دبلوماسية على قادة الانقلاب العسكري في النيجر، لكن ذلك سيعني سقوط الدولة الفقيرة في غياهب الانهيار الاقتصادي الكامل واحتمالات المزيد من الاضطرابات الاجتماعية داخل النيجر وفي الدول المجاورة.

 

إخفاق أميركي

ولا يبدو أن واشنطن تملك استراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع الأزمة التي تتحول بسرعة إلى أزمة كبيرة في قلب أفريقيا. وقد أعلن وزير الخارجية أنتوني بلينكن إجراء عدة محادثات هاتفية مع الرئيس المخلوع وبعض قادة دول المنطقة. فيما باءت زيارة فيكتوريا نولاند السريعة إلى النيجر بالفشل، ولم تحقق أي نتائج في المفاوضات مع الجنرال عبد الرحمن تشياني الذي رفض مقابلتها كما رفض الطلب الأميركي لزيارة الرئيس بازوم في محبسه والاطمئنان على صحته. واكتفت واشنطن بتعليق المساعدات المالية للنيجر واتخذت كل من فرنسا والاتحاد الأوربي الموقف نفسه.

ويزيد من تعقيد الوضع، قيام قادة المجلس العسكري بتقنين الأوضاع لإجبار المجتمع الدولي على قبول الأمر الواقع، ورفض تدخلات مجموعة «إيكواس» وضغوطها الدبلوماسية والاقتصادية، وفي المقابل عملت على اتخاذ خطوات مدنية منها تعيين وزير المالية السابق لمنصب رئيس الوزراء والإعلان عن عملية سياسية انتقالية تتضمن إجراء انتخابات ديمقراطية والتعهد بمكافحة الإرهاب وإرساء العدالة والديمقراطية. ويسود الهدوء شوارع العاصمة نيامي مع مظاهرات مؤيدة للمجلس العسكري. وبالتزامن مع تلك الخطوات تشجيع وإذكاء المشاعر المعادية لفرنسا والغرب بشكل عام، واستخدام ورقة احتجاز الرئيس بازوم كورقة تفاوض للتوصل إلى صفقة يتم بمقتضاها إطلاق سراحه مقابل القبول بالمجلس العسكري الجديد. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» أن المجلس العسكري في النيجر أبلغ دبلوماسياً أميركياً كبيراً أنهم سيقتلون الرئيس المخلوع إذا حاولت الدول المجاورة التدخل عسكرية.

وقد نقلت الوكالة عن إنسا جاربا سعيدو أحد المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي يساند المجلس العسكري أنه من الأفضل الاعتراف بالنظام الجديد، وأن الحوار يدور مع دول المنطقة للاعتراف بالقادة العسكريين كقادة جدد للنيجر مع تعهدهم بمكافحة التنظيمات الإرهابية.

 

الخيار المر

وفي ظل هذه الخيارات الصعبة يقول الخبراء إن الخيار المر أمام الولايات المتحدة وأوروبا ربما سيكون الاعتراف بالمجلس العسكري من اجل مواصلة التعاون الأمني في المنطقة وتجنب التداعيات الأمنية لهذا الانقلاب ومواجهة فرصة روسيا لترسيخ سيطرتها على المنطقة حيث تنشط مجموعة فاغنر في منطقة الساحل وأفريقيا الوسطي والسودان وأيضا في بوركينا فاسو. ويعد أكبر المخاوف الأميركية هو الاحتفاظ بالقواعد الجوية الأميركية في النيجر ومنع سيطرة روسيا على موارد النيجر خاصة اليورانيوم.

وتدور أطروحات أن الرئيس بازوم ليس الشريك المثالي للولايات المتحدة والغرب، لكن النيجر تحت قيادته أفضل من أنظمة عسكرية مدعومة من مجموعة «فاغنر» الروسية.

ونصح محللون إدارة الرئيس بايدن بالقيام بخطوات جادة لاستعادة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً باستخدام مزيد من الدبلوماسية وتوفير الموارد المالية والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. وقد يكون عامل الوقت في صالح إدارة بايدن في انتظار أن تؤتي العقوبات المالية والعزلة الدبلوماسية ثمارها في الضغط على المجلس العسكري في النيجر، لكنه مسار لن يثمر إلا عن مزيد من المعاناة لشعب النيجر الفقير.


مقالات ذات صلة

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر (أ.ف.ب)

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أعلنت النيجر، الأحد، طرح اليورانيوم الذي تنتجه شركة «سومير» التابعة لشركة «أورانا» الفرنسية العملاقة قبل تأميمها في يونيو (حزيران)، للبيع في السوق الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا سفير النيجر بالجزائر يسلم أوراق اعتماده للرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

استئناف الحوار بين الجزائر والنيجر بعد تصاعد الأزمة في 2023

يسعى وفد من حكومة النيجر يزور الجزائر حالياً، لطي خلاف حاد نشأ في صيف 2023 بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، واشتدت الأزمة باحتجاج نيامي على …

أفريقيا رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

النيجر نحو تنظيم «مؤتمر وطني» بشأن ميثاق انتقالي

أعلنت وزارة الداخلية في النيجر أن النظام العسكري الحاكم سينظّم «مؤتمراً وطنياً» من 15 حتى 19 فبراير (شباط)، يهدف خصوصاً لتحديد مدة للفترة الانتقالية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
TT

بعد ساعات من استضافة ترمب اجتماعاً للسلام... القتال يحتدم في الكونغو

ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)
ترمب متوسطاً رئيس رواندا بول كاغامي (يسار) ونظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

احتدم القتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية اليوم (الجمعة)، بعد يوم واحد من استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لزعيمي الكونغو ورواندا في واشنطن لتوقيع اتفاقات جديدة تهدف إلى إنهاء سنوات من الصراع في منطقة غنية بالمعادن، حسب ما نشرت «رويترز».

وأكد الرئيس الرواندي بول كاغامي، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، أمس الخميس، التزامهما باتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة في يونيو (حزيران) لتوطيد الاستقرار، وفتح الباب أيضاً أمام المزيد من الاستثمارات الغربية في مجال التعدين.

وقال ترمب، الذي تدخلت إدارته في سلسلة من النزاعات حول العالم لتعزيز صورته صانعاً للسلام، وكذلك لتعزيز المصالح التجارية الأميركية: «إننا نضع حلاً لحرب دائرة منذ عقود».

ولكن على أرض الواقع، استمر القتال العنيف مع تبادل الاتهامات بين الأطراف المتحاربة.

وقالت حركة «23 مارس» المدعومة من رواندا، التي استولت على أكبر مدينتين في شرق الكونغو في وقت سابق من هذا العام، وغير ملزمة باتفاق واشنطن، إن القوات الموالية للحكومة تشن هجمات واسعة النطاق.

ومن ناحيته، قال متحدث باسم جيش الكونغو الديمقراطية إن الاشتباكات مستمرة، وإن القوات الرواندية تشن هجمات قصف.

ويقول محللون إن الجهود الدبلوماسية الأميركية أوقفت تصعيد القتال في شرق الكونغو لكنها فشلت في حل القضايا الجوهرية، مشيرين إلى عدم وفاء الكونغو ورواندا بالتعهدات التي قطعها الجانبان في اتفاق يونيو (حزيران).

وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على الإنترنت الجمعة عشرات العائلات النازحة وهي تفر سيراً على الأقدام مع أخذ الأمتعة والماشية في إقليم جنوب كيفو بشرق الكونغو.

اقرأ أيضاً


بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
TT

بوركينا فاسو تعيد عقوبة الإعدام لمواجهة توسع الإرهاب

الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري خلال ترؤسه اجتماع الحكومة أمس الخميس (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

قررت السلطات العسكرية في بوركينا فاسو، الخميس، إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي أُلغيت عام 2018، خصوصاً فيما يتعلق بتهمة الإرهاب والخيانة العظمى والتجسس، في وقت يعيش فيه البلد تصاعداً في الهجمات الإرهابية التي تنفذها مجموعة مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و«داعش».

وأُعلن القرار في بيان صادر عقب اجتماع مجلس الوزراء، وقالت الحكومة إنها صدّقت على «مشروع قانون العقوبات»، الذي يحدد عقوبات صارمة تجاه عدد كبير من الجرائم والجنايات، ذات الطابع الأمني والاقتصادي والسياسي.

وأضافت الحكومة موضحة أن مشروع القانون «يُعيد العمل بعقوبة الإعدام لعدد من الجرائم، من بينها الخيانة العظمى، والأعمال الإرهابية، وأعمال التجسس، وغيرها».

وقال وزير العدل وحقوق الإنسان، إداسو رودريغ بايالا، في بيان الحكومة، إن اعتماد هذا المشروع «يندرج ضمن الإصلاحات الواسعة التي يشهدها القطاع، بهدف تحقيق عدالة تلبي التطلعات العميقة للشعب».

كما يتضمن مشروع القانون الجديد تجريم «الترويج والممارسات المثلية والأفعال المرتبطة بها»، وفق ما أعلنته الحكومة، علماً بأنه سبق أن اعتمدت بوركينا فاسو في سبتمبر (أيلول) الماضي قانوناً يستهدف «مرتكبي الممارسات المثلية» بعقوبات تصل إلى خمس سنوات سجناً.

غرامات وأعمال مفيدة

أوضح الوزير رودريغ بايالا أن مشروع القانون اعتمد «العمل للمصلحة العامة» بوصفه عقوبة رئيسية، وهو ما يعني إحلال عقوبة تقوم على إلزام الشخص المحكوم عليه بأداء أعمال مفيدة للمجتمع، تحت إشراف السلطات، ووفق ضوابط قانونية محددة، محل بعض العقوبات التقليدية، مثل السجن أو الغرامة.

في غضون ذلك، شهدت الغرامات المالية المرتبطة بجميع المخالفات، سواء الجنح أو الجرائم، زيادة ملحوظة في مشروع القانون الجديد؛ إذ ارتفع الحد الأدنى للغرامة من 250 ألف فرنك أفريقي (450 دولاراً أميركياً) إلى 500 ألف فرنك أفريقي (900 دولار أميركي).

لقطة من فيديو لمعسكر تدريب لمقاتلي «القاعدة» في بوركينا فاسو (تواصل اجتماعي)

وأشار الوزير إلى أن العقوبات المتعلقة بسلامة المرور «رُفعت بشكل خاص، لأننا لاحظنا أن 90 إلى 95 في المائة من حوادث السير التي تفجع الأسر البوركينابية سببها المستخدمون أنفسهم»، على حد تعبيره.

وحول الجرائم الاقتصادية، مثل الاختلاس وأعمال الفساد، يمكن أن تصل العقوبات إلى السجن المؤبد عندما تتجاوز قيمة الأموال المختلسة، أو موضوع الجريمة، 5 مليارات فرنك أفريقي (نحو 9 ملايين دولار أميركي)، حسب الوزير.

في انتظار قرار البرلمان

من أجل أن يصبح مشروع القانون الجديد ساري المفعول، لا بد من موافقة الجمعية التشريعية الانتقالية التي أنشأتها السلطة العسكرية، بوصفها بديلاً للبرلمان الذي تم حله في أعقاب الانقلاب العسكري.

ويتوقع المراقبون أن مشروع القانون الجديد لن يجد أي مشكلة أمام الجمعية التشريعية الانتقالية، حيث تتماهى هذه الجمعية مع سياسات الحكومة، ولم يسبق أن رفضت أي قانون مقترح من طرف السلطة التنفيذية.

وحسب منظمة العفو الدولية، فإن آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام في بوركينا فاسو كان عام 1988، خلال حكم الرئيس الأسبق توماس سانكارا، وهو أيقونة التحرر الأفريقي، ويتخذ منه الرئيس الحالي إبراهيم تراوري نموذجاً.

لكن عقوبة الإعدام أُلغيت في بوركينا فاسو منذ عام 2018، في عهد الحكومة المدنية برئاسة روش مارك كريستيان كابوري الذي أُطيح به في انقلاب عسكري عام 2021، ويحكم البلاد منذ 2022 الكابتن إبراهيم تراوري، ومنذ وصوله إلى السلطة، انتهج تراوري سياسات مناهضة للغرب، وابتعد عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، في الوقت الذي عزز فيه علاقاته مع روسيا.

توسع الإرهاب

رغم التحالف مع روسيا وإعادة هيكلة الجيش في بوركينا فاسو، لا يزال الإرهاب يتوسع في البلاد، حيث تشير تقارير إلى أن الجماعات الإرهابية تسيطر على أكثر من 40 في المائة من مساحة البلد الواقع في غرب أفريقيا.

وكثفت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، هجماتها في شمال وشرق بوركينا فاسو خلال الأسابيع الأخيرة، وأعلنت، الخميس، أنها سيطرت على ثكنة عسكرية في قرية باكاسولوغو، في ولاية كايا، الواقعة في الوسط الشرقي من بوركينا فاسو.

كما نشرت الجماعة الإرهابية مقطع فيديو دعائياً، الجمعة، يظهر معسكر تدريب لمقاتليه في بوركينا فاسو، ويكشف الفيديو عن وجود مئات المقاتلين في المعسكر، يرتدون ملابس شبه عسكرية، ويقومون بحركات قتالية.


النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.