«يورانيوم النيجر» سلعة استراتيجية للصناعة النووية الفرنسية

  باريس تعمد إلى تنويع وارداته تحسباً للمستقبل... والصين وروسيا المستفيدتان الرئيسيتان من خروجها من نيامي

مشهد من عاصمة النيجر نيامي، الثلاثاء (إ.ب.أ)
مشهد من عاصمة النيجر نيامي، الثلاثاء (إ.ب.أ)
TT

«يورانيوم النيجر» سلعة استراتيجية للصناعة النووية الفرنسية

مشهد من عاصمة النيجر نيامي، الثلاثاء (إ.ب.أ)
مشهد من عاصمة النيجر نيامي، الثلاثاء (إ.ب.أ)

عندما يُذكر الحضور الفرنسي غير العسكري في النيجر، يقفز إلى الذهن مباشرة اسم شركة «أورانو» (أريفا سابقاً) الناشطة في قطاع تعدين «اليورانيوم» والموجودة في هذا البلد منذ ستينات القرن الماضي، أي منذ استقلاله.

وبالنظر لكون فرنسا، عسكرياً، إحدى الدول الخمس النووية رسمياً، ولأنها الأكثر اعتماداً على المستوى الأوروبي على مفاعلاتها النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، وهي تخطط لإطلاق جيل جديد من المفاعلات، فإن «اليورانيوم» بالنسبة إليها مادة استراتيجية وحيوية مدنياً وعسكرياً.

من مظاهرة مناهضة لباريس قرب السفارة الفرنسية في نيامي (رويترز)

والحال أن «أورانو» أوقفت استخراج «اليورانيوم» على الأراضي الفرنسية منذ أكثر من 20 عاماً، وبالتالي فإن كل الكميات التي تحتاج إليها فرنسا تأتيها من الخارج. وتبين الأرقام والنسب المتوافرة أن النيجر كانت تحتل، ما بين عامي 2005 و2020، المرتبة الثالثة كمصدر لـ«اليورانيوم» إلى فرنسا، بنسبة 19 بالمائة، وراء كازاخستان وأستراليا.

أما على المستوى الأوروبي، فإن النيجر كانت المورد الأول للقارة القديمة حتى عام 2021 بنسبة 25 بالمائة، بيد أنها خسرت موقعها الأول العام الماضي لصالح كازاخستان. أما على المستوى العالمي فإن حصة النيجر من «اليورانيوم» لا تتجاوز 4 بالمائة، لسبب رئيسي هو أنها خفضت إنتاجها، الذي كان يبلغ نحو 3000 طن عام 2020، إلى 2020 طناً في العام الماضي.

وعمدت فرنسا، في السنوات الأخيرة، إلى تنويع مصادرها من «اليورانيوم» الذي تشتريه، حيث إن وارداتها من النيجر لم تعد تغطي سوى 10 بالمائة من «اليورانيوم» المستخدم في المفاعلات الفرنسية. وبحسب ألان أنتيل، مدير أفريقيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن النيجر «لم تعد الشريك الاستراتيجي (في ما يخص اليورانيوم) مثلما كان في السنوات 1960 ــ 1970». لكن «أورانو» ما زالت الشركة الأكثر نشاطاً في هذا القطاع، إذ إنها تستغل «اليورانيوم» المستخرج من منجمين؛ الأول، يسمى «سوماير» وسيتواصل العمل فيه حتى العام 2040. والثاني اسمه «كوميناك»، لكن استخراج المادة الثمينة منه مجمد منذ عامين بانتظار إعادة تأهيله.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

بيد أن «أورانو» حصلت على امتياز لاستخراج «اليورانيوم» من منجم يقع في المحلة المسماة «إيمورارين» (شمال البلاد، كالمنجمين السابقين) قد يكون الأضخم في العالم، وتقدر احتياطاته بـ200 ألف طن... حتى اليوم، لم يتم الانتهاء من الدراسات الجيولوجية الخاصة به، وبالتالي فإن تشغيله لم يبدأ بعد، علماً أن شركة ّ«أورانو» الفرنسية حصلت على امتيازه في العام 2009.

وبأي حال، فإن المنجم المذكور مؤهل لأن يتخطى، في المستقبل، ما عداه من المناجم عندما ينطلق تشغيله، وبالتالي فإن النيجر ستعود وقتها لتحتل موقعاً أساسياً واستراتيجياً في هذا القطاع.

وبعد الاعتداء الذي تعرضت له السفارة الفرنسية في نيامي يوم الأحد الماضي، سربت مصادر الإليزيه عن الرئيس إيمانويل ماكرون تحذيراً شديد اللهجة، جاء فيه أنه «لن يتساهل مع أي اعتداء يستهدف فرنسا أو مصالحها»، وأنها جاهزة للرد «فوراً وبلا هوادة» على أي استهداف. وبالطبع، فإن استغلال «اليورانيوم» يعد من بين المصالح الرئيسية الفرنسية في النيجر، وبالتالي فإن باريس ستكون حريصة على أن تحترم أي حكومة نيجرية الاتفاقات المبرمة معها، وخصوصا مع شركة «أورانو».

وسبق لماكرون أن زار النيجر مرتين في عهده الأول عامي 2017 و2019. وهو يقيم علاقة خاصة مع الرئيس المعزول محمد بازوم. وبرغم أن باريس كانت أول دولة غربية تعمد إلى البدء بترحيل رعاياها من النيجر، فإن المسؤولين الفرنسيين لم يعربوا عن أي تخوف حتى اليوم بخصوص توفير «اليورانيوم» الطبيعي لمفاعلاتهم. وذلك يعود لسببين؛ الأول أن احتياطي القطاع النووي الفرنسي متوفر لما يزيد على العامين، وبعض مسؤوليه يتحدث عن 4 أعوام. والثاني أن ثمة وفرة من «اليورانيوم» في الأسواق الدولية. وبالتالي ليس هناك تخوف من آثار توقف الحصول على المادة النيجرية.

متظاهر في نيامي يرفع لافتة كتب عليها: «على فرنسا أن ترحل»

وفي هذا السياق، بدأت «أورانو»، في إطار تنويع مصادرها، الاستثمار في المناجم الكندية، وكذلك في أوزبكستان. وحتى اليوم، تستخدم «أورانو» في النيجر ما لا يقل عن 900 شخص، غالبيتهم الساحقة من المحليين. وهم موزعون ما بين نيامي العاصمة ومدينة أرليت. وقالت، في بيان لها، إنها تتابع وضع مناجمها والعاملين فيها في ظل التطورات الراهنة. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن النيجر تعد زبون الصادرات الفرنسية السابع عشر من بين الدول الأفريقية، وتحتل موقعاً مشابهاً (16) من بين موردي فرنسا في المنطقة نفسها.

منذ حصول النيجر على استقلالها في العام 1960، شهدت 4 انقلابات، و4 أنظمة سياسية. والحال أن «أريفا» سابقاً و«أورانو» راهناً، بقيت صامدة وفاعلة ولم تتضرر أنشطتها. وقد يكون السبب في ذلك هو الموقع الذي تشغله الدولة المستعمرة السابقة وقدرتها على التأثير على قرارات الحكومات المتعاقبة. لكن يبدو اليوم أن الأمور تتغير لجهة تنامي الشعور المعادي لفرنسا من جهة، ووصول لاعبين آخرين مثل روسيا والصين وتركيا من جهة ثانية.

ولا شك أن خروج فرنسا من النيجر نهائياً، سيسعد على الأقل طرفين، هما الصين وروسيا.


مقالات ذات صلة

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري «أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

تحليل إخباري تحليل: صواريخ أتاكمز التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من بعد استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من أميركا وبريطانيا لضرب أهداف في العمق الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أعمال تنفيذ محطة الضبعة النووية (هيئة المحطات النووية المصرية)

مصر وروسيا لتسريع العمل بمحطة «الضبعة» النووية

بحث مسؤولون من مصر وروسيا، الثلاثاء، في القاهرة، سبل تسريع إجراءات تنفيذ مشروع محطة «الضبعة» النووية، الذي تقيمه الحكومة المصرية بالتعاون مع روسيا.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شؤون إقليمية صورة عامة لمفاعل بوشهر النووي في إيران، على بعد 1200 كيلومتر جنوب طهران، 21 أغسطس 2010 (رويترز)

عرض إيراني مشروط لعدم التوسع في إنتاج اليورانيوم المخصب

أعلنت الأمم المتحدة أن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى ما يقترب من مستويات تصلح للاستخدام في صنع الأسلحة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
العالم جانب من إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من طراز «هواسونغ 18» في 18 ديسمبر 2023 (رويترز)

خبراء: تجربة كوريا الشمالية الباليستية تشير إلى احتمال القدرة على استهداف البر الأميركي

يدل إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، اليوم (الخميس)، على تقدم محتمل في قدرتها على إطلاق هجمات نووية يمكن أن تصل إلى البر الأميركي.

«الشرق الأوسط» (سيول)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.