قتيلان في مظاهرات رافضة لحل حزب معارض بالسنغال

طريق سونكو نحو رئاسة البلاد أصبحت شبه مستحيلة

زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
TT

قتيلان في مظاهرات رافضة لحل حزب معارض بالسنغال

زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)
زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو يخاطب الصحافيين بعد إطلاق سراحه من حجز الشرطة في دكار (السنغال) (رويترز)

سقط قتيلان على الأقل في مظاهرات غاضبة خرجت أمس (الاثنين)، في مدينة زيغنشور جنوب السنغال، احتجاجاً على حل السلطات لحزب «باستيف» الذي يرأسه المعارض عثمان سونكو، الموجود قيد التوقيف بأمر من العدالة بعد توجيه 7 تهم إليه؛ منها «الدعوة إلى التمرد والتآمر».

امرأة تغطي وجهها بعد أن أطلق رجال الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد من المتظاهرين بعد اعتقال زعيم المعارضة عثمان سونكو في دكار (رويترز)

وأكدت وزارة الداخلية السنغالية سقوط القتيلين، خلال مظاهرات اندلعت في المدينة التي يتولى سونكو رئاسة مجلسها البلدي، ويمثلها في البرلمان السنغالي، وهي مسقط رأسه ومركز ثقله الانتخابي.

ولكن مدينة زيغنشور لها خصوصيتها الثقافية والسياسية والاجتماعية، فهي عاصمة إقليم كازامانص، الذي سبق أن اندلع فيه تمرد مسلح قبل عدة عقود، يدعو إلى استقلاله عن السنغال، ولا يزال ذلك الإحساس بالخصوصية موجوداً لدى سكان الإقليم ذي الأغلبية المسيحية.

وبدأت المظاهرات زوال أمس، حين قام شبان غاضبون بإغلاق الطرق الرئيسية في المدينة، وإضرام النيران في أغصان أشجار وأطر سيارات، قبل أن يبدأ الأمن تفريق المحتجين، ليسقط قتيلان و3 جرحى، فيما كان هنالك 6 معتقلين خضعوا للتحقيق، حسب مصادر أمنية.

رجال الشرطة يزيلون كشكاً أسقطه المتظاهرون لإغلاق الطريق بعد اعتقال زعيم المعارضة عثمان سونكو في دكار (رويترز)

وزارة الداخلية السنغالية أصدرت بياناً يتحدث عن مظاهرات زيغنشور، ودعت فيه المواطنين إلى «التزام الهدوء»، ولكنها في الوقت ذاته أكدت أن الجهات الأمنية «اتخذت كل الإجراءات الضرورية للحفاظ على السلام والطمأنينة في البلاد».

ضابط شرطة يحتجز متظاهراً خلال اشتباكات مع أنصار زعيم المعارضة السنغالي عثمان سونكو بعد اعتقال سونكو في دكار (السنغال) (رويترز)

وتعيش السنغال واحدة من أكثر فتراتها السياسية اضطراباً، وهي البلد المعروف باستقراره السياسي، ونموذجه الديمقراطي الناجح في منطقة غرب أفريقيا المضطربة دوماً، فالسنغال لم تشهد أي انقلاب عسكري منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، على خلاف ما اشتهرت به دول الجوار من عنف سياسي.

ولعل ذروة الاضطراب السياسي الذي تعرفه السنغال، كانت نهاية مايو (أيار) ومطلع يونيو (حزيران) الماضيين، حين حكم على عثمان سونكو بالسجن عامين نافذين في قضية «فضيحة جنسية»، لتندلع مظاهرات غاضبة سقط فيها 16 قتيلاً على الأقل، حسب حصيلة الحكومة، ونحو 30 قتيلاً، حسب حصيلة غير رسمية.

سونكو البالغ من العمر 49 عاماً، يرأس حزب «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة»، المعروف في السنغال اختصاراً باسم «باستيف»، وهو حزب يحمل خطاباً مناهضاً لفرنسا والغرب، ويقال إن له ميولاً وارتباطات بحركة الإخوان المسلمين، ويحظى بشعبية واسعة في أوساط الشباب الجامعي، وداخل الأحياء الشعبية الفقيرة.

وسبق أن ترشح سونكو للانتخابات الرئاسية الماضية (2019)، وينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة (2024)، ويقدم نفسه على أنه «زعيم المعارضة» في السنغال، ولكنه كثيراً ما يدلي بتصريحات حادة تصل في بعض الأحيان إلى التهديد باستخدام العنف ضد الدولة.

ومع أن سونكو لا يزال شاباً بالمقارنة مع بقية الشخصيات التي تتصدر المشهد السياسي في السنغال، فإن أنصاره يقدمونه على أنه الوحيد القادر على الفوز بالانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً أن الرئيس الحالي ماكي صال لن يكون مرشحاً لها، إلا أن على سونكو قبل ذلك أن يحل مشاكله مع العدالة السنغالية.

ورغم أنه استأنف الحكم الصادر في حقه بالسجن النافذ عامين في قضية اتهامه بالتحرش والاغتصاب، بدأت قضية ثانية يوم الجمعة الماضي، حين أوقفته العدالة ووجهت له 7 تهم خطيرة تتعلق جميعها بالتآمر لزعزعة الأمن والدعوة إلى التمرد، على خلفية تورط أنصار حزبه في أحداث العنف قبل شهرين، وقد أمر القضاء أمس (الاثنين)، بإحالته إلى السجن، ليكتب سونكو تعليقاً على ذلك: «لقد تم احتجازي ظلماً الآن».

وأضاف سونكو موجهاً الكلام إلى أنصاره: «إذا تخلى الشعب السنغالي الذي طالما قاتلت من أجله، وقرر تركي بين يدي نظام ماكي صال، فسأخضع كما الحال دوماً للإرادة الإلهية».

في غضون ذلك، أعلنت الداخلية السنغالية أمس (الاثنين)، حل حزب «باستيف» بموجب مرسوم صادر عن رئيس الجمهورية. وجاء في بيان صادر عن وزير الداخلية أن الحزب سبق أن دعا «من خلال قادته وأجهزته، بشكل متكرر إلى التمرد، وهو الأمر الذي كانت له عواقب وخيمة، بما في ذلك، خسائر عديدة في الأرواح، وعدد كبير من الإصابات، فضلاً عن أعمال نهب وسلب للممتلكات العامة والخاصة».

وربطت الداخلية السنغالية حزب «باستيف» بما قالت إنها «الاضطرابات الخطيرة التي مست النظام العام، والتي تم تسجيلها خلال الأسبوع الأول من يونيو 2023، بعد تلك المسجلة في شهر مارس (آذار) 2021»، وذلك في إشارة إلى المظاهرات وأعمال الشغب التي تحدث حين تستدعي العدالة رئيس الحزب.

وقالت الداخلية إن «هذه الأحداث تشكل انتهاكاً خطيراً وثابتاً لالتزامات الأحزاب السياسية»، مشيرة إلى أنها «وفقاً لمقتضيات الدستور، تم حل حزب (باستيف)»، وبناء على ذلك، فإن «ممتلكات الحزب ستتم تصفيتها وفقاً للمقتضيات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل».

وأثار سجن سونكو وحل حزبه السياسي ردود فعل عديدة؛ كان من أبرزها بيان صادر عن حركة «أف 24» المعارضة، نددت فيه بالإجراءات ورفضتها، واصفة ما يتعرض له سونكو بأنه «استهداف مستمر منذ عدة أشهر».

وقالت الحركة التي تضم عدة تشكيلات سياسية، إنها تندد بكل الإجراءات «التعسفية» المتخذة من طرف السلطات، خصوصاً «قطع الإنترنت عن الهاتف الجوال، وتقييد حركة الأفراد ومنع المظاهرات»، ودعت إلى «الإفراج الفوري» عن عثمان سونكو وجميع المعتقلين السياسيين.

من جهة أخرى، أصدر حزب «باستيف» بياناً حول قرار السلطات بحله، أعلن فيه أنه سيسلك «الطرق القانونية» لإرغام السلطات على التراجع عن قرار حله، وقال المكتب الوطني للحزب في بيان أمس (الاثنين): «الحزب حتى الآن لم يتسلم أي إشعار بحله، وحين يصل إلينا الإشعار سنحاربه عبر الطرق الشرعية والقانونية، لأن هذا المرسوم فاقد للشرعية بشكل فج».

ومن الواضح أن طريق عثمان سونكو نحو رئاسة السنغال أصبحت صعبة، فمع أنه يواجه مشاكل مع العدالة تكفي لمنعه من الترشح للانتخابات المرتقبة بشهر فبراير (شباط) من العام المقبل (2024)، إلا أن حزبه السياسي أيضاً أصبح ممنوعاً من العمل.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.