بوتين يحشد «الحلفاء» في القمة الروسية – الأفريقية

وعود بزيادة التبادل التجاري وتوسيع إمدادات الغذاء... والسلاح

بوتين بخاطب قادة القارة الأفريقية (أ.ب)
بوتين بخاطب قادة القارة الأفريقية (أ.ب)
TT
20

بوتين يحشد «الحلفاء» في القمة الروسية – الأفريقية

بوتين بخاطب قادة القارة الأفريقية (أ.ب)
بوتين بخاطب قادة القارة الأفريقية (أ.ب)

أطلقت القمة الروسية - الأفريقية التي عُقدت (الخميس)، في عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبرغ، مرحلة جديدة في التعاون بين روسيا وبلدان القارة الأفريقية. وفي مقابل تأكيد موسكو حرصها على زيادة التبادل التجاري وتوسيع إمدادات الغذاء والمساهمة في رفع القدرات العسكرية لبلدان القارة، لمواجهة التحديات الخارجية التي تواجهها، أكد القادة الأفارقة خلال القمة عزمهم على منح التعاون مع موسكو في مختلف المجالات طابعاً استراتيجياً طويل الأمد.

بوتين مع عدد من قادة أفريقيا في القمة الثانية سان بطرسبرغ (إ.ب.أ)
بوتين مع عدد من قادة أفريقيا في القمة الثانية سان بطرسبرغ (إ.ب.أ)

وحضر القمة الثانية من نوعها بعدما كان القادة الروس والأفارقة قد التقوا في أول قمة من هذا النوع قبل أربع سنوات، زعماء ومسؤولون من 49 بلداً أفريقياً، ولم يخفِ الرئيس فلاديمير بوتين ارتياحه لانعقاد القمة في توقيتها على الرغم من الضغوط الغربية الواسعة التي مورست لحمل بلدان القارة على مقاطعة الاجتماع في روسيا.

وقال بوتين في كلمته أمام قادة الاتحاد الأفريقي إن بلاده منفتحة على تعزيز التعاون في المجالات كافة.

وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا بلغ عام 2022 نحو 18 مليار دولار، وزاد في النصف الأول من عام 2023 بنحو 35 في المائة، كما أن مجالات التعاون الرئيسية بين روسيا والقارة الأفريقية باتت تشمل الطاقة واستخدام التربة والزراعة ومجالات أخرى كثيرة لم تكن تدخل في قطاعات التعاون التي كانت تقتصر مع بعض بلدان القارة على إمدادات السلاح والتقنيات العسكرية.

وأكد الرئيس الروسي استعداد روسيا للمساعدة في تعزيز سيادة الدول الأفريقية، وقال إن بلاده ترى في أفريقيا «شريكاً مهماً وأساسياً»، وتعد الاتحاد الأفريقي منظمة إقليمية رائدة، وأعرب عن أمله في تتخذ مجموعة الدول العشرين في قمتها المقبلة بالهند قرار انضمام الاتحاد الأفريقي إليها.

وتطرق بشكل موسع إلى أزمة إمدادات الغذاء بسبب تعطل «صفقة الحبوب»، وأكد أن روسيا مستعدة لتوفير ما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب مجاناً لبوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا خلال الأشهر المقبلة. وشن حملة قوية على الغرب، وقال إن الدول الغربية «تتهمنا زوراً بالتسبب في الوضع الراهن للأزمة في سوق الغذاء العالمية، إلا أنها في الوقت نفسه تعيق إمدادنا بالحبوب والأسمدة للدول المحتاجة».

ودافع بوتين عن قرار بلاده الانسحاب من صفقة الحبوب، وزاد: «لمدة عام تقريباً بعد إبرام الصفقة المزعومة، تم تصدير ما مجموعه 32.8 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا، ذهب أكثر من 70 في المائة منها إلى البلدان ذات المستويات المرتفعة ومتوسطة الدخل، بما في ذلك داخل الاتحاد الأوروبي، بينما بلغ ما وصل إلى دول مثل إثيوبيا والسودان والصومال وعدد من الدول الأخرى أقل من 3 في المائة».

جانب من اجتماعات بوتين بقيادات أفريقية... ويظهر في الصورة الرئيس المصري (أ.ف.ب)
جانب من اجتماعات بوتين بقيادات أفريقية... ويظهر في الصورة الرئيس المصري (أ.ف.ب)

وزاد أنه «لم يتم الوفاء بأي من شروط الصفقة المتعلقة برفع الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة من العقوبات ووصولها إلى الأسواق العالمية، وتم وضع العراقيل أمام تبرعنا بالأسمدة المعدنية لأفقر البلدان المحتاجة. وقد تم إرسال دفعتين فقط إلى أفريقيا من أصل 262 ألف طن من الأسمدة المحجوبة في الموانئ الأوروبية: 20 ألف طن إلى ملاوي و34 ألف طن إلى كينيا والباقي ظل في أيدي الأوروبيين».

وقال الرئيس الروسي إن «حصة روسيا في سوق القمح العالمية بلغت 20 في المائة، في مقابل أن حصة أوكرانيا أقل من 5 في المائة، ما يعني أن مساهمة روسيا في الأمن الغذائي العالمي كبيرة، وهي مورد دولي قوي ومسؤول عن جزء كبير من المنتجات الزراعية العالمية. وأولئك الذين يجادلون في هذا الأمر، وفي أن فقط توفير ما تسمى (صفقة الحبوب لتصدير الحبوب الأوكرانية) هم ببساطة يشوهون الحقائق، ويقولون الأكاذيب. تلك ممارسات الدول الغربية لعقود، إن لم يكن لقرون خلت، وستستمر بلادنا في توفير الإمدادات الإنسانية لدعم الدول والمناطق المحتاجة».

وتعهد بوتين بمساعدة الدول الأفريقية في مجالات عدة لتطوير قدراتها على صعيد ضمان الأمن الغذائي، وقال إن موسكو «سوف تعمل لكي تتمكن أفريقيا في المستقبل، من خلال تطبيق التقنيات الزراعية المناسبة والتنظيم المناسب للإنتاج الزراعي، ليس فقط من إطعام نفسها، وضمان أمنها الغذائي، بل لتصبح كذلك مصدرة لأنواع مختلفة من الغذاء، ولن تلاقي في ذلك سوى كل الدعم من جانب روسيا».

وتطرق كذلك إلى رزمة واسعة من المساعدات التي تنوي بلاده تقديمها إلى بلدان القارة بينها «دعم الزملاء في أفريقيا ليس فقط فيما يتعلق بالتعليم العالي، ولكن كذلك في مؤسسات التعليم العام والثانوي وإعداد كوادر المعلمين. ونتطلع إلى تدريس اللغة الروسية في بعض الدول».

وقال بوتين إن برامج التبادل ما بين الشباب في روسيا وأفريقيا تتسع باطّراد. وشدد على عزم موسكو أيضاً على تعزيز التعاون في مجال الإعلام لا سيما في مجال المضمون الإعلامي. وقال: «توجد خطط لافتتاح عدد من القنوات الروسية في أفريقيا».

وفي قطاع الطاقة، قال الرئيس الروسي إن صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال من بلاده إلى أفريقيا زادت بمقدار 2.6 مرة، ويوجد الآن أكثر من 30 مشروعاً واعداً للطاقة بمشاركة روسية في 16 دولة أفريقية بدرجات متفاوتة من التنمية.

وحث البلدان الأفريقية على توسيع تعاونها مع موسكو في مجال مواجهة تداعيات العقوبات الغربية، وقال إنه «من الضروري التحرك بنشاط أكبر في مجال التحول إلى التسويات المالية للمعاملات التجارية بالعملات الوطنية، بما في ذلك الروبل، من أجل زيادة توسيع النطاق الكامل للعلاقات التجارية والاقتصادية. ونحن، في هذا الصدد، على استعداد للعمل مع البلدان الأفريقية لتطوير بنيتها التحتية المالية، وربط المؤسسات المصرفية بالنظام الذي تم إنشاؤه في روسيا لنقل الرسائل المالية، التي تسمح بالدفع عبر الحدود، بعيداً عن بُعد الأنظمة الغربية الحالية المقيدة».

بدوره أشاد رئيس الاتحاد الأفريقي عثمان غزالي، بالـ«تعاون الروسي مع بلدان القارة لمكافحة المشكلات الزراعية». وفي إشارة إلى التعويل الأفريقي على دعم تطلعات القارة الأفريقية، زاد أنه «يحق لأفريقيا المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات الدولية، وأن يكون للاتحاد الأفريقي مكان في مجلس الأمن، وأتمنى أن تؤيد هذه الفكرة روسيا. وبين دول مجموعة العشرين لا بد أن تشارك أفريقيا كذلك في عمل هذه المجموعة. إن توسيع الوجود الأفريقي في مجموعة العشرين أمر في غاية الأهمية اليوم».

وأكد أن «قارتنا تثق بمستقبل التعاون الروسي - الأفريقي القائم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة. وقمتنا الحالية ستتيح لنا التقدم نحو السلام والازدهار لروسيا وأفريقيا لمصلحة الشعوب».

اللافت أن الكرملين حرص على إضفاء طابع ديني على جهود حشد المواقف الأفريقية لصالح موسكو في المواجهة مع الغرب. وفي كلمة ألقاها رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، البطريرك كيريل، أمام الحاضرين، قال إن «تقديس الاستهلاك، وتدمير مؤسسة الأسرة التقليدية هي جزء من قائمة غير كاملة لكل المآسي التي تغرزها القيم الغربية المزعومة. هذا الخطر لا يهدد فقط روسيا أو البلدان الأفريقية. وعلى الرغم من الضغوط الشديدة ترفض أغلبية الدول الأفريقية تشريعات زواج المثليين والقتل الرحيم وغيرها من الخطايا».

وأعرب عن يقين بأن «روسيا وأفريقيا بإمكانهما أن تعرضا على العالم نموذجاً للعلاقات النزيهة والعادلة بين الشعوب، إلا أن بعض الدول الغربية ما زالت متأثرة بماضيها الاستعماري، وما زالت تفكر بهذه العقلية».

اللافت أن كلمات بعض رؤساء الوفود الأفريقية حملت تركيزاً على عزم بلدان القارة على توسيع الاعتماد على روسيا ليس فقط في مجالات إمدادات الغذاء والحبوب بل في قطاع التسلح الذي توليه بلدان القارة أهمية كبرى. وقال وزير الدفاع الأوغندي فينسنت سيمبيا، إن بلاده تعتزم خلال قمة بطرسبرغ، بحث موضوع تطوير مركز إقليمي لصيانة المعدات العسكرية، بما في ذلك المعدات الجوية مع روسيا.

وأضاف الوزير أنه «من الأنسب الآن إجراء صيانة للمعدات العسكرية في أوغندا أو في المنطقة. يمكن أن تصبح أوغندا مركزاً لصيانة المعدات من البلدان الأخرى. كما تعلمون، الدول الأفريقية تستخدم المعدات العسكرية الروسية منذ فترة طويلة وتقوم بإصلاحها، لذا فإن وجود مركز لخدمة المعدات الأرضية والجوية أمر مهم للغاية».

وكان لافتاً أيضاً، أن موسكو مع الأبعاد السياسية والاقتصادية للقمة تعمدت أن تنظّم على هامشها معرضاً ضخماً عرضت فيه كبرى الشركات الروسية منتجاتها وصناعتها التي تنوعت من المنتجات والسلع إلى المواد الغذائية إلى الأسلحة والمعدات العسكرية مروراً بالمروحيات والآليات الزراعية.

كما شملت فعاليات المنتدى الاقتصادي الإنساني «روسيا - أفريقيا» الذي أُقيم على هامش القمة أيضاً، عدة محاور من أبرزها، «الاقتصاد العالمي الجديد» الذي يركز على توسيع نطاق التعاون بين قطاعي الأعمال الروسي والأفريقي والأمن والعلوم والتكنولوجيا.

بوتين مع المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف (أ.ب)
بوتين مع المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف (أ.ب)

وبالتزامن مع انعقاد القمة، وجَّهت روسيا رسائل نارية إلى الغرب حول رفض استئناف العمل بصفقة الحبوب قبل تنفيذ الشروط الروسية المطروحة. إذ شنت موسكو هجوماً واسع النطاق على عدد من الموانئ الأوكرانية التي تُستخدم لنقل وتخزين المواد الغذائية والأسمدة، وتزامن ذلك مع تأكيد بوتين أمام القمة أن «مشاة البحرية والقوات الجنوبية تُظهر بطولة منقطعة النظير وتُلحق خسائر فادحة بالمعدات العسكرية والأفراد لدى القوات الأوكرانية».


مقالات ذات صلة

مقتل 4 في هجوم صاروخي روسي على وسط أوكرانيا

أوروبا رجال الإطفاء يخمدون حريقاً اندلع في أعقاب هجوم صاروخي روسي في كريفي ريغ بأوكرانيا (أ.ب)

مقتل 4 في هجوم صاروخي روسي على وسط أوكرانيا

قُتل أربعة أشخاص على الأقل الأربعاء في هجوم روسي بصاروخ باليستي على مدينة كريفي ريغ في وسط أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم صورة من خارج الكرملين في موسكو (إ.ب.أ)

الكرملين: مبعوث روسيا لشؤون الاستثمار قد يزور أميركا

وهو أهم مسؤول روسي يزور الولايات المتحدة منذ غزو أوكرانيا في عام 2022.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد موظف يمشي فوق خطوط أنابيب في مصفاة دونا التابعة لمجموعة النفط والغاز المجرية (رويترز)

المجر: خط أنابيب جديد يلبي كل احتياجات صربيا من النفط

قال وزير الخارجية المجري بيتر زيغارتو، الأربعاء، إن خط أنابيب نفطي مخطط له من المجر إلى صربيا قد يبدأ تلبية جميع احتياجات صربيا من النفط الخام بحلول عام 2028.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
العالم برج دبابة مدمرة يتصدر مشهد قرية مارينكا المهجورة في مقاطعة دونيتسك الأوكرانية (رويترز)

مسؤولون أميركيون يتوقعون طريقا أطول للسلام في أوكرانيا

ستصبح مثل هذه النتيجة بمثابة نقطة سوداء تلاحق ترمب الذي يصف نفسه بأنه مبرم صفقات والذي لطالما وعد بإنهاء سريع للصراع الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (نيويورك - واشنطن)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لاستخدام مدفعهم الميداني ضد القوات الروسية في منطقة زابوريجيا (رويترز)

قوات روسية تستولي على قرية جديدة شرق أوكرانيا

قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الثلاثاء إن قواتها سيطرت على قرية روزليف في منطقة دونيتسك شرق أوكرانيا، وهي النقطة المحورية لتقدمها المستمر غربا عبر المنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الجيش النيجيري: مقتل متظاهرين رداً على إطلاق نار استهدف جنودنا

رجل أمن نيجيري في العاصمة أبوجا (رويترز)
رجل أمن نيجيري في العاصمة أبوجا (رويترز)
TT
20

الجيش النيجيري: مقتل متظاهرين رداً على إطلاق نار استهدف جنودنا

رجل أمن نيجيري في العاصمة أبوجا (رويترز)
رجل أمن نيجيري في العاصمة أبوجا (رويترز)

عزا الجيش النيجيري، اليوم الأحد، اشتباكات أسفرت عن مقتل 12 شخصاً، الجمعة، خلال مسيرة نظّمتها جماعة شيعية في أبوجا، إلى متظاهرين «عنيفين» فتحوا النار على قوات الأمن.

وأفاد تقرير استخباراتي حكومي، اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية»، بأن 11 متظاهراً وجندياً واحداً قتلوا.

وقال فرع «منظمة العفو الدولية» في نيجيريا إن جنوداً أطلقوا الرصاص على محتجين للسيطرة على الحشد. ونفى الجيش هذه الوقائع.

وقال المتحدث باسم الجيش، اللواء أونيما نواشوكوو، لـ«الوكالة»: «المتظاهرون تجاهلوا أي تحذير وأصبحوا عنيفين جداً، وأطلقوا النار على عناصر أمن منتشرين (...) وحاولوا تحييدهم». وأضاف: «للأسف، وخلال تبادل إطلاق النار الذي أعقب ذلك، وبينما كانت القوات تدافع عن نفسها، قضى جندي في القتال وأصيب اثنان آخران».

ووصفت «منظمة العفو الدولية» في نيجيريا المحتجين بأنهم «يمارسون حقّهم في تنظيم مسيرة دينية»، مضيفة: «ليس هناك أي دليل على أنهم شكلوا خطراً داهماً ينطوي على تهديد لأرواح».