الإرهاب يتوغل في بوركينا فاسو ويسبّب موجة فرار

فيما يعرض الجيش قدراته في العاصمة... 15 قتيلاً يسقطون في شرق البلاد

الكابتن إبراهيم تراوري يستمع أمس لشرح استخدام طائرات مسيرة صغيرة ضمن العمليات العسكرية (رئاسة بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري يستمع أمس لشرح استخدام طائرات مسيرة صغيرة ضمن العمليات العسكرية (رئاسة بوركينا فاسو)
TT

الإرهاب يتوغل في بوركينا فاسو ويسبّب موجة فرار

الكابتن إبراهيم تراوري يستمع أمس لشرح استخدام طائرات مسيرة صغيرة ضمن العمليات العسكرية (رئاسة بوركينا فاسو)
الكابتن إبراهيم تراوري يستمع أمس لشرح استخدام طائرات مسيرة صغيرة ضمن العمليات العسكرية (رئاسة بوركينا فاسو)

قُتل ما لا يقل عن 15 مدنياً على يد مجموعة إرهابية استهدفت عدداً من القرى الصغيرة، حين توغلت في منطقة نائية، شرق بوركينا فاسو، غير بعيد من الحدود مع النيجر، وهو التوغل الذي تزامن مع استعراض عسكري قامت بها القوات المسلحة البوركينية في العاصمة واغادوغو، لتأكيد مضيها في الحرب على الإرهاب. وفي مشهد مكرر، دخلت مجموعة إرهابية قرية «سورغا»، على متن دراجات نارية مع ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء، وشرعوا في إطلاق النار ليودوا بحياة 15 مدنياً على الأقل، حسب حصيلة أولية أكدتها عدة مصادر أمنية في المنطقة.

جنود بوركينا فاسو يحرسون مدخل محطة التلفزيون الوطنية في العاصمة واغادوغو، الاثنين 24 يناير 2022 (أ.ب)

المجموعة الإرهابية نفسها دخلت عدة قرى مجاورة، ما أسفر عن موجة فرار واسعة في صفوف السكان المحليين نحو المدن الكبيرة، تاركين وراءهم حقولهم ومواشيهم وممتلكاتهم، فيما أكد شهود أن الإرهابيين أضرموا النيران في البيوت. وقال مسؤول محلي إن من بين القتلى نساء، كما أكد وجود عدد من المصابين، وأكد شاهد عيان أن «المسلحين أحرقوا عدداً من المنازل قبل أن يفروا من المكان، ويتواروا عن الأنظار»، لافتاً إلى أن سكان المنطقة فروا نحو مدينة «بوغاندى»، على غرار سكان قرية «نيندانغو» المجاورة، التي «تشهد أيضاً رحيلاً جماعياً لسكانها خوفاً من هجوم مماثل». وتتكرر مثل هذه الهجمات في مناطق واسعة شرق وشمال بوركينا فاسو، التي توجد منذ 2015 خارج سيطرة الدولة، وتهيمن عليها جماعات إرهابية، بعضها يبايع «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وبعضها الآخر يبايع «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى». وتشير إحصائيات صادرة عن منظمات غير حكومية إلى أن العنف الإرهابي في بوركينا فاسو خلّف أكثر من 10 آلاف قتيل، من مدنيين وعسكريين خلال 8 سنوات، وأكثر من مليوني نازح. وتسبب الوضع الأمني المتردي في بوركينا فاسو في أزمة سياسية خانقة، أدخلت البلد في موجة من الانقلابات العسكرية، كان آخرها انقلاب 30 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، قاده الكابتن إبراهيم تراوري ومجموعة من صغار الضباط، هم من يحكمون البلد منذ 8 أشهر، ويعلنون أن هدفهم الأبرز هو القضاء على الإرهاب. وظهر الكابتن إبراهيم تراوري، أمس (الأربعاء)، وهو يتجول في المعرض الدولي للأمن والدفاع، الذي تحتضن العاصمة واغادوغو منذ يوم الثلاثاء أول نسخة منه، وينعقد بإشراف من الحكومة تحت عنوان «كيف يساهم القطاع الخاص في أمن الدولة؟». وتشارك فيه مجموعة من الشركات المختصة في الأمن من أفريقيا والعالم. وعلى هامش المعرض، أقامت وحدة التدخل الخاص في الدرك الوطني عرضاً عسكرياً، استخدمت فيه مروحيات عسكرية وآليات وأسلحة ثقيلة، أمام السكان الذين تجمهروا في قلب العاصمة لمتابعة العرض الأول من نوعه في البلاد. وقال القائمون على المعرض إن الاستعراض العسكري والأمني «يحمل رسالتين؛ أولاهما وحدة مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية وانخراطها معاً في الحرب على الإرهاب، والرسالة الثانية هي إظهار مستوى التسليح والتدريب لدى قواتنا المسلحة، بالإضافة إلى التحامها بالشعب»، على حد تعبير المشرف على المعرض، المفوض هياسنتي زوري. وأضاف زوري: «لا شيء أهم من اللحمة والوحدة، لأن بوركينا فاسو تواجه تحديات كبيرة ومتنوعة، وهدفنا الأول هو المحافظة على بوركينا فاسو، ويتوجب علينا أن ننظر في نفس الاتجاه، وأن يكون هدفنا واحداً، ونحن واثقون من النصر». وأكد المفوض في خطاب أثناء العرض العسكري: «إنَّ تنمية أي دولة لا بد أن تمر عبر السيطرة على أراضيها وضمان وحدتها الترابية، وهو ما لن يتم إلا بتوحيد جميع الجهود»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن الهدف من المعرض هو «جمع كافة الفاعلين في القطاع الأمني، بما في ذلك الشركات التي تصنع الأسلحة والآليات، وقوات الأمن والدفاع، والشركاء الفنيون، كل ذلك من أجل الاستجابة إلى التعبئة العامة التي دعت إليها سلطات البلاد». ورغم التعبئة الكبيرة التي يقودها الضباط الحاكمون في بوركينا فاسو، فإن الجيش يواجه مشكلات كبيرة في استعادة السيطرة على أكثر من 40 في المائة من أراضي البلاد، توجد خارج نفوذ الدولة، وذلك بسبب نقص كبير في الأسلحة والمعدات، وضعف مستوى التدريب لدى الجنود.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
TT

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع بعض قادة أفريقيا (رويترز)

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات هاتفية مع الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي، ناقشا خلالها الوضع الأمني في منطقة الساحل والصحراء، حيث يتصاعد خطر الجماعات الإرهابية، حسب ما أعلن الكرملين. وقال الكرملين في بيان صحافي، إن المباحثات جرت، الجمعة، بمبادرة من الرئيس السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل».

الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي (أ.ب)

الأمن والإرهاب

وتعاني دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، المحاذية للسنغال، من تصاعد خطر الجماعات الإرهابية منذ أكثر من عشر سنوات، ما أدخلها في دوامة من عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية المتتالية.

وتوجهت الأنظمة العسكرية الحاكمة في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، نحو التحالف مع روسيا التي أصبحت الشريك الأول لدول الساحل في مجال الحرب على الإرهاب، بدلاً من الحلفاء التقليديين؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ.ف.ب)

وبموجب ذلك، نشرت روسيا المئات من مقاتلي مجموعة (فاغنر) في دول الساحل لمساعدتها في مواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول، حصلت الأخيرة بموجبها على طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة ومسيرات.

ومع ذلك لا تزالُ الجماعات الإرهابية قادرة على شن هجمات عنيفة ودامية في منطقة الساحل، بل إنها في بعض الأحيان نجحت في إلحاق هزائم مدوية بمقاتلي «فاغنر»، وقتلت العشرات منهم في شمال مالي.

في هذا السياق، جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، حيث قال الكرملين إن المباحثات كانت فرصة لنقاش «الوضع في منطقة الصحراء والساحل وغرب أفريقيا، على خلفية عدم الاستقرار المستمر هناك، الناجم عن أعمال الجماعات الإرهابية».

وتخشى السنغال توسع دائرة الأعمال الإرهابية من دولة مالي المجاورة لها لتطول أراضيها، كما سبق أن عبرت في كثير من المرات عن قلقها حيال وجود مقاتلي «فاغنر» بالقرب من حدودها مع دولة مالي.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعاً رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الإليزيه (رويترز)

وفي تعليق على المباحثات، قال الرئيس السنغالي في تغريدة على منصة «إكس» إنها كانت «ثرية وودية للغاية»، مشيراً إلى أنه اتفق مع بوتين على «العمل معاً لتعزيز الشراكة الثنائية والسلام والاستقرار في منطقة الساحل، بما في ذلك الحفاظ على فضاء الإيكواس»، وذلك في إشارة إلى (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)، وهي منظمة إقليمية تواجه أزمات داخلية بسبب تزايد النفوذ الروسي في غرب أفريقيا.

وكانت الدول المتحالفة مع روسيا (مالي والنيجر وبوركينا فاسو) قد جمدت عضويتها في المنظمة الإقليمية، واتهمتها بأنها لعبة في يد الفرنسيين يتحكمون فيها، وبدأت هذه الدول الثلاث، بدعم من موسكو، تشكيل منظمة إقليمية جديدة تحت اسم (تحالف دول الساحل)، هدفها الوقوف في وجه منظمة «إيكواس».

صورة جماعية لقادة دول مجموعة «إكواس» في أبوجا السبت (رويترز)

علاقات ودية

وفيما يزيد النفوذ الروسي من التوتر في غرب أفريقيا، لا تتوقف موسكو عن محاولة كسب حلفاء جدد، خاصة من بين الدول المحسوبة تقليدياً على فرنسا، والسنغال تعد واحدة من مراكز النفوذ الفرنسي التقليدي في غرب أفريقيا، حيث يعود تاريخ الوجود الفرنسي في السنغال إلى القرن السابع عشر الميلادي.

ولكن السنغال شهدت تغيرات جذرية خلال العام الحالي، حيث وصل إلى الحكم حزب «باستيف» المعارض، والذي يوصف بأنه شديد الراديكالية، ولديه مواقف غير ودية تجاه فرنسا، وعزز هذا الحزب من نفوذه بعد فوزه بأغلبية ساحقة في البرلمان هذا الأسبوع.

وفيما وصف بأنه رسالة ودية، قال الكرملين إن بوتين وديوماي فاي «تحدثا عن ضرورة تعزيز العلاقات الروسية السنغالية، وهي علاقات تقليدية تطبعها الودية، خاصة في المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية».

ميليشيا «فاغنر» تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

وأضاف بيان الكرملين أن الاتفاق تم على أهمية «تنفيذ مشاريع مشتركة واعدة في مجال الطاقة والنقل والزراعة، خاصة من خلال زيادة مشاركة الشركات الروسية في العمل مع الشركاء السنغاليين».

وفي ختام المباحثات، وجّه بوتين دعوة إلى ديوماي فاي لزيارة موسكو، وهو ما تمت الموافقة عليه، على أن تتم الزيارة مطلع العام المقبل، حسب ما أوردت وسائل إعلام محلية في السنغال.

وسبق أن زارت وزيرة الخارجية السنغالية ياسين فال، قبل عدة أشهر العاصمة الروسية موسكو، وأجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف، حول قضايا تتعلق بمجالات بينها الطاقة والتكنولوجيا والتدريب والزراعة.

آثار الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين بدكار في 9 فبراير (رويترز)

حياد سنغالي

رغم العلاقة التقليدية القوية التي تربط السنغال بالغرب عموماً، وفرنسا على وجه الخصوص، فإن السنغال أعلنت اتخاذ موقف محايد من الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، وطلبت قبل أشهر من السفير الأوكراني مغادرة أراضيها، بعد أن أدلى بتصريحات اعترف فيها بدعم متمردين في شمال مالي، حين كانوا يخوضون معارك ضد الجيش المالي وقوات «فاغنر».

من جانب آخر، لا تزالُ فرنسا الشريك الاقتصادي الأول للسنغال، رغم تصاعد الخطاب الشعبي المعادي لفرنسا في الشارع السنغالي، ورفع العلم الروسي أكثر من مرة خلال المظاهرات السياسية الغاضبة في السنغال.

ومع ذلك، لا يزالُ حجم التبادل التجاري بين روسيا والسنغال ضعيفاً، حيث بلغت صادرات روسيا نحو السنغال 1.2 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يمثل 8 في المائة من إجمالي صادرات روسيا نحو القارة الأفريقية، في المرتبة الثالثة بعد مصر (28 في المائة) والجزائر (20 في المائة). ولا يخفي المسؤولون الروس رغبتهم في تعزيز التبادل التجاري مع السنغال، بوصفه بوابة مهمة لدخول أسواق غرب أفريقيا.