ما خيارات الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لفرض الأمن؟

عقب تحذير جماعة حقوقية من «حرب عرقية»

جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
TT

ما خيارات الحكومة العسكرية في بوركينا فاسو لفرض الأمن؟

جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)
جنود خارج البرلمان في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو في أكتوبر العام الماضي (أ.ب)

حذرت جماعة حقوقية في بوركينا فاسو من «حرب عرقية» قد تنزلق إليها البلاد، على خلفية استهداف مدنيين في هجمات يشنها الجيش ومتطوعون مدنيون بهدف مجابهة نفوذ الجماعات «الإرهابية». ورأى خبراء أن «السلطة العسكرية بتجنيدها متطوعين مدنيين في حربها على (الإرهاب) فاقمت المشكلة الأمنية، وتسببت في مضاعفة خطورة النزاعات الإثنية القائمة في البلاد".

وقالت «الجمعية المناهضة للإفلات من العقاب»، الخميس، إن استهداف مدنيين من قبائل الفلاني، قد يؤدي إلى اشتعال «حرب عرقية» في البلاد، منددة بـ«نشر إشاعات وأخبار كاذبة تتهم تلك القبائل بأنها تعمل مع الجماعات الإرهابية». وأدانت المجموعة «تعرض نازحين جميعهم ينحدرون من هذه القبائل، لهجوم من طرف عرقية أخرى، الثلاثاء الماضي، أسفر عن مقتل 63 شخصاً على الأقل، من بينهم نساء وأطفال».

جنود من بوركينا فاسو (رويترز - أرشيفية)

ونشرت المجموعة شهادات قالت إنها «لناجين من الهجوم، يؤكدون فيها أنهم كانوا في سوق لبيع أبقارهم، حين هاجمهم مدنيون مدعومون من متطوعين يعملون مع الجيش، وانتزعوا منهم ما بحوزتهم، وجردوهم من ثيابهم قبل أن يقوموا بتصفية عدد كبير منهم».

والشهر الماضي، قالت السلطات إنها بدأت تحقيقاً في «مذبحة» وقعت بقرية الكرمة شمال البلاد، على أيدي مسلحين يرتدون زي القوات المسلحة البوركينية، وأثارت الواقعة دعوات لإجراء مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تحقيقاً فيها. وقُتل نحو 136 شخصاً بينهم نساء وأطفال في هذا الهجوم، الذي وقع في 20 أبريل (نيسان)، واتَّهم فيه مواطنون قوات الجيش بالمسؤولية عنه، لكنّ مسؤولين قالوا إن «مرتكبي المذبحة إرهابيون ارتدوا ملابس العسكريين». ووقتها ذكرت مجموعة «تجمُّع مناهضة الإفلات من العقاب ووصم المجتمعات»، أنه كان من بين القتلى «رُضَّع تقلُّ أعمارهم عن 30 يوماً وقُتلوا على ظهور أمهاتهم».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، دعت الأمم المتحدة، السلطات الانتقالية في بوركينا فاسو، بعد العثور على 28 جثة في البلاد، إلى الإسراع في إجراء تحقيق شفاف وسريع بشأن هذه المجزرة. فيما قالت مفوضية حقوق الإنسان إن «مصادرها المحلية حمّلت مسؤولية القتل لميليشيا من المتطوعين تم إنشاؤها لدعم الجيش».

وأطلقت السلطة الناجمة عن الانقلاب العسكري الأخير الذي قاده الكابتن إبراهيم تراوري في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، حملة نهاية عام 2022، لتجنيد متعاونين لمؤازرة الجيش في قتاله ضد «الإرهابيين». ووصل عدد المتطوعين إلى 90 ألف شخص، بحسب البيانات الرسمية.

ويرى أحمد سلطان، الخبير في الجماعات المتطرفة، أن «خيارات السلطة في بوركينا فاسو محدودة، لأنه ليست لديها الأدوات للسيطرة على عشرات الآلاف من المدنيين الذين جندتهم، وهي تعرف أن غالبيتهم من عرقيات في خلاف إثني تاريخي وممتد مع قبائل الفلاني».

وأضاف سلطان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «حتى لو فكرت السلطات في حل هذه الميليشيات فإنها لا تستطيع ذلك، لأن أعداد هؤلاء المتطوعين صار يضاهي عدد أفراد الجيش ويملكون أسلحة من الصعب إجبارهم على التخلي عنها، لأن ذلك القرار أيضاً قد يتسبب في حرب مع الجيش».

ويأتي هذا فيما أعلن جيش بوركينا فاسو سابقاً هذا الأسبوع، قتل أكثر من مائة «إرهابي»، خلال عملية شنها في منطقة «بيتو»، الواقعة شرق البلاد، وهي المنطقة التي ينشط فيها مقاتلو «تنظيم (داعش) في الصحراء الكبرى». وقالت وكالة الأنباء الرسمية في بوركينا فاسو إن العملية كانت «مشتركة بين الاستخبارات والقوات المسلحة»، فيما أشارت مصادر إلى أن العملية «تمت بدعم من متطوعين مدنيين دربتهم السلطات».

وتشن الحكومة هجوماً واسع النطاق تقول إنه يهدف إلى استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المتطرفة. وتسبب العنف في بوركينا فاسو، المستعمرة الفرنسية السابقة، في مقتل أكثر من 10 آلاف مدني وجندي خلال السنوات السبع الماضية وسيطرة المنظمات «الإرهابية» على ما يقرب من نصف مساحة البلاد، إضافة إلى نزوح نحو مليوني شخص.

واعتبر سلطان أن «استراتيجية الحكومة العسكرية في مكافحة (الإرهاب) فاشلة، وأنها زادت من نفوذ تلك التنظيمات، وخلقت توتراً اجتماعياً وعرقياً أنشأ بيئة خصبة للتجنيد من قبل الجماعات (الإرهابية)».

بدروه، أوضح محمد الأمين ولد الداه، الخبير في شؤون الساحل الأفريقي، أن السلطة «على علم بانتهاكات تلك الميليشيات المقربة منها عرقياً، وتسكت عنها، وأنها بذلك مهددة بمزيد من العزلة الدولية». وتوقع ولد الداه في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «تزداد السيولة الأمنية والاضطرابات في ظل ازدياد التوترات العرقية والإثنية التي تسببها سياسات السلطة العسكرية».


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.